الطريق نساء ورجالا وأطفالا وبينهم بائعو المسكة والمخلل ، والموكب يسير وئيدا حتى يصلوا الى مسجد بابا عمرو / فينزل السادة المشايخ عن دوابهم ويريحونها ويريحون أتباعهم ومريديهم، ويتناولون / غداء هم ثم تؤدى صلاة الظهر في مسجد بابا عمرو / فاذا كان النهار جميلا مشمسا والجو رائـــــــا مافيا ، انساح الناس في البراري المحيطة بالقرية يجلسون على طرف الزروع وعلى ضفاف الساقية التي تمر بقربها، فترى الناس أكواما وجماعات النساء يفترشن الأرض بملاءاتهن السود وقد حسرن المناديل السوداء عن وجوههن بعض الشيء، ومعهن أولادهن ، يأكلون ماحمنه من غذاء ينتهى بالبرتقال والخس .
بعد الانتهاء من صلاة الظهر كان المشايخ يقيمون حلقات الأذكار كل شيخ مع أتباعه ومريديه ثم يعاد ترتيب المواكب على الصورة السالفة ويعودون الى البلد عن طريق طرابلس مارين بمصلى باب هود ثم الى الشارع الرئيسي الذي كان يمر غرب / الدبويا / وهو الآن شارع هاشم الاناسي غرب دار الحكومة، ثم الى شارع القوتلي حاليا . حيث يكون الازدحام على أشده، فترى الأولاد متسلقين الأشجار التي كانت في حديقة / الدبابير / كما كانوا يسمونها ، وقد احتشد الناس في شرفات الفنادق المطلة على الشارع وعلى سطوحها وعلى الأرصفة المحيطة بالطريق، حتى يصل الموكب الى موقع الساعة القديمة في النهاية الشرقية لشارع القوتلى فيتجه شمالا في طريق حماه، والازدحام باق على حاله بین نوبات المزاهر ورنين الصنج وايقاع الشاشتري وقرع الطبول وانشاد المريدين والاتباع . وفي آخـــــر عند مسجد خالد بن الوليد، ويكون قد حان وقت العصر، فتؤدي المواكـ الصلاة فيه وبعدها تخرج من المسجد متجهة شرق البلد نحو باب تدمر حيث يقيم الشيخ سعد الدين الدوسة قبل دخول باب تدمر موكبه الى زاويته حيث يتفرقون.
أما الجنادلة فيتابعون الى باب الدريب حيث زاويتهم ثم يتفرقون . هذا يوم الخميس. أما في يوم الجمعة فكانت الفرق المشاركة تتلاقى صباحا عند مقام أبي الهول حيث بات سنجق خالد بن الوليد فيه الليلة السابقة، ثم الموكب بالترتيب الذي عرضناه آنفا، فيمر بالسوق المسقوف جنوبي الجامع يسير النوري الكبير ثم سهلة باب السوق فطریق حماه باتجاه جامع خالد بن الوليد وهم يدقون النوبات ويقرعون الطبول وينشدون الاناشيد الدينية والمدائح النبوية، هذه المسافة بين جامع الكبير و مقام أبي الهول، لا تتجاوز الكيلومتر الواحد، ومع ذلك يستغرق قطعها من قبل الموكب ثلاث أو أربع ساعات لكثرة الوقوف شارع حماه كنت ترى الناس قد اعتلوا قبور الجبانتين على طرفي الطريق ، جبانة آل السباعي في شرقه وجبانة آل الجندي في غربه، وينتهي الموك
ودق النوبات .
في مسجد خالد بن الوليد يصلون الجمعة وبعد ذلك يعاد تشكيل الموكب بالترتيب الذي جاء به، فيمر بشارع حماه ثم شارع القوتلي حاليا ثم الميدان حيث يتغدون ويصلون العصر ثم يأخذون قسطا من الراحة ثـ يعرجون على باب التركمان فيكون قد صار وقت المغرب فيتفرقون من باب التركمان كل الى زاويته أو بيته .
ويكلف واحد من فرقة الشيخ بكار ، هو أحد المريدين ، باعادة سنجـــــق خالد بن الوليد الى مسجده فيسير ومعه نوبة فيمرون بأبي الهول حيـــــــــث يدقون النوبة ثم يتابعون سيرهم حتى مسجد خالد بن الوليد حيث يودعون السنجق ويرجعونه الى المكان الذي أخذوه منه قبل ليلتين . وبذلك ينتهى الاحتفال .
ومن العادات المألوفة، أثناء الموكب أن يأتى بعض النسوة بأبنائهن المرضى سائلات الشيخ شفاءه أو البركة اذا كان معافى والعادة أن تقترب المرأة من فرس الشيخ وهي حالة ابنها قائلة "ياشيخي كبسو" فيمد الشيخ عمــاه أو يده اليمنى فيضعها على رأس الغلام ويدعو ببعض الأدعية واذا شعرت المرأة أنها بحاجة الى التكبيس/ اقتربت من الشيخ وقالت : ياشيخي كبسني / فيضع يده على رأسها ويقرأ بعض الآيات ويدعو لها بالشفاء أو حل مشكلتها كان الناس يحتشدون على خط سير الموكب في نقاط معينة للفرجة عليه وبعضهم يواكبه في خط سيره من البداية حتى النهاية. ولما كان الوقت ربيعا لذا يخرج الناس من بيوتهم للفرجة كبارا وصغارا ، رجالا ونساء وينتشر على طول سير الموكب، وربما جلس بعضهم في أماكنهم الساعات الطوال . وكـ ان أصحاب الفنادق الواقعة في شارع القوتلى يسمحون للمتفرجين بالصعود الـــــــــــى الشرفات أو السطح لقاء رسم معين على كل شخص، وبعضهم يخصص سطح للنساء فقط، فكنت ترى الأسطحة المحيطة بجانبي شارع القوتلي مليئة بالنسوة المرتديات ملاءاتهن السود وقد رفعن المناديل عن وجوههن، وحول كــل منهن صغارها ، البعض يأكلن الخس والبعض الآخر يأكلون القضامة أو يفصفصون البزورات المحمصة أو يتحلون بالمسكي. وكان بائع المسكي يضع بضاعته فـــــي صدر يحمله على رأسه ويسنده باحدى يديه ماسكا الكرسي/ باليد الأخـــرى وعند البيع يضع /الكرسي/ العالي على الأرض، وهو طارة مستديرة تستن الى ثلاث أرجل ، ثم يضع فوقها الصدر وينادي عالمسكي يا عنبر، عالمسك يا عنبر" أما رصيفا الشارع فكانا يغصان بالمتفرجين الذين يسترقون النظـ الى وجوه المتفرجات على السطوح، وبعضهم يتسلق الأشجار الموجودة على جانبي الطريق ليؤمن لنفسه مكانا مناسبا للفرجة .
في هذا الزحام ينتشر باعة المخلل بعرباتهم الصغيرة وقد فرد كل منهم على سطح العربة ، بضاعته من المخلل المصنوع من اللغت والخـــ والباذنجان ، وقربها الصحون الفارغة وهي من الفخار، مضيفا اليه شيئا من المرق والفليفلة الحدّة كما ينتشر بائعو // الليمونادة/ وبائعو السوس/ ، اذا كان النهار حارا وهم يقرقعون بطاساتهم النحاسية الخاصة ، قرب يا مشوب و اسوس یا عطشان / .
ولابد قبل نهاية البحث من التعريف ببعض الأدوات والأشياء المستعملة :
* السنجق : قطعة كبيرة مستطيلة من القماش ذات أربعة أطــواف مكتوب في كل زاوية منها اسم أحد الخلفاء الراشدين : أبو بكر ، عمر، عثمان علي، كما يكتب عليها بعض الآيات القرآنية وبعض نسب الشيخ الذي يعــــــــود اليه السنجق : وقماش السنجق يتخذه أثرياء المشايخ من المخمل وغيرهم من قماش عادي. وفي أطراف قطعة القماش تثبت أمراس يشدّها الغلمان المشاركون في الموكب، ليحفظوا توازنها، ويحافظوا على انفرادها، وتثبت قطعة القمـ اش الكبيرة من وسطها بعمود من خشب ينتهى برأس من العاج أو النحاس، حسب قدرة الشيخ العادية ، وكل السناجق متشابهة الا سنجق خالد بن الوليد فانه يمتاز برأسه الفضي وقماشه المخملي .
* المزهر: طارة من خشب يشدّ عليها جلد رقيق ، ويوقع عليــــه باليد، وعمقه قليل بعكس الدف/ الذي هو أصغر قطرا وأعمق قعرا. وقد تعلق صنوج صغيرة في اطاره .
* الشاشتري : سبق شرحها .
* خليفة الشيخ * الخليفة أعلى رتبة في الطريقة الصوفية بعد الشيخ وقد يكون للشيخ عدد من الخلفاء، ويكون الخليفة نائبا عن شيخ الطريقة في القرية التي يوجد فيها فرع لها، ولا يعني هذا اللقب خلافة الشيخ في رئاسة الطريقة، بعد وفاته، لأن رئاسة الطريقة وراثية في العائلة .
* نوبة المزاهر : مؤلفة من أربعة مزاهر وطبل وصنج يرافقهم سنجق يمشى وراء النوبة ومجموعها يقال له السيارة .
* نفقات الخميس : تقع النفقات كلها على عاتق شيخ الطريقة فهو الذي يستضيف مشايخ القرى وأتابعهم الذين سيخرجون معه في الموك بالاضافة الى أن جميع الذين يخرجون معصمن المريدين والذين يشكلون نوبات المزاهر والشاشتري والذين يحملون الصناجق كلهم يقبضون أجورهــم من الشيخ، كذلك نفقات طعامهم في بابا عمرو يوم الخميس أو في الميدان ری يوم الجمعة بعد الظهر، وبحكم ارتباط تجار حمص بتجار المدن الأخــ كطرابلس ودمشق وحماه وحلب كان هؤلاء التجار يدعون عملاءهم في تلك المدن لقضاء بضعة أيام في حمص فيتفرجون بخميسها ومنتزهاتها وبساتينها الجميلة على ضفاف العاصي وتكثر حركة البيع والشراء في هذا الموسم بسبب كثرة الوافدين الى المدينة، فالتجار وأصحاب المطاعم وبائعو الأطعمة والأشربة والمتجولون وأصحاب الفنادق والمطاعم، لاسيما المطاعم الشعبية ووسائل النقل كل ذلك كان يستفيد ماديًا من هذا الموسم ومن السوق الرائجة التـي يخلقها .
تعليق