ويمضون في الانشاد مهنئين مباركين داعين لأهل المنزل دوام العز والسعادة .
والنسوة من أهل الخاتم يردّدن الزغاريد والهناهين حتى تتقدم أم المحفتى به أومن هي في مقامها وتدفع للعريف / ختمية / الشيخ، والخلعة وتوزع على التلاميذ مايكون أعد لهم من نقل أو حلاوة، وتخص العرفاء بعض الهدايا، وعندئذ يفك العريف وثاق الصبي ويحتفظ بالمنديل فهو هدية تقليدية لــه . وينتهي الحفل وينصرف التلاميذ، وقد يذهب بعضهم الـــي والـــد . التلميذ في مكان عمله يبشرونه بختمه ويحظون منه بالبشارة . هذا هو التقليد أما الاخراج فيختلف باختلاف المكانة المادية للأئرة ومكانة ولدهم منهم ، فالأسرة الفقيرة أو المتوسطة الحال أو ذوات العدد الوافر من الأولاد تنفذ التقليد في أضيق حدوده وأبسط أشكاله. أما الأسـ الغنية أو التي يكون ولدها : مدللا / أو / وحيدا / فالاخراج يتسم بالمغالاة في المظاهر ويبدأ باللباس فهي تلبس ولدها الثياب القشيبة المزركشة وتزين وجهه بالزواق وتكلل طربوشه بالازهار وقطع الحلي الذهبية حتى يغدو كعروس مجلوة ثمّ بالطريق الذي يسلكه الموكب الى الدار، فهو لابد له من الطواف بالاسواق واختراق الساحات العامة والأماكن التي يكثر تجمع الناس فيها ثم في الخلع / التي تقدم الى الشيخ والعرفاء، فخلعة الشيخ تصل الى عباءة قصبة أو جبة من ثمين الجوخ . وخلع العرفاء لا تقل عن / شوراية ثمّ في نوع الضيافة التي تقدم للتلاميذ يكون معها بعض النقود ... الخ ( ۱ ) أما البنت الخاتمة فلم يكن يؤبــــه وقد لها الا اذا كانت مدللة في أسرة غنية فيكتفى بقراءة / المولد / في بيتها .
هذا ما يتعلق بالأفراح ، أما الأحزان أو الاتراح فتكون بمناسبة الوفاة . وعندما تحدث وفاة في احدى الدور، كان أول من يعلن عنها النساء / بدب/ الصوت والولاويل / ثمّ بهدأن ويأخذن بالندب ويوضع الميت في البيـ متوجها نحو القبلة حتى تقديمه للمغتسل ، و في هذه الاثناء يؤمن له الكفن (1). والذهبة والنعش الذي سيغسل عليه ويكون دائما في جامع كما يوصون حفار القبور بحفر قبر له ، ويعينون له مكانه وبعد تغسيله يلف بالكفن المعدّ له، ويطلب من ذويه الأقربين أن يلقوا النظرة الأخيرة عليه بما فيهم أمه وزوجه وأولاده، وبعد ذلك يوضع على النعش ويسدل عليه شرشف يستره سترا كاملا ويربط من وسطه مع النعش لضمان ثباته أثناء سير الجنازة، ثم يسار به ورأسه الى الأمام ويوضع فوق الرأس ما يشير الى وضعه الاجتماعي ان كان شيخا أو شابا. اما عمامة على الطربوش ، أو طربوش بدون عمامة .
ويتعاون الرجال في حمل الجنازة متعاورين من بيته حتى المسجد الذي سيصلى عليه فيه ، وعندما يقدم للصلاة يكون رأسه نحو الغرب وقدماه نحو الشرق ويقف الامام أمامه متوجها نحو القبلة ووراءه المصلون . وليس فـي صلاة الجنازة ركوع أو سجود .
بعد الصلاة عليه ينقل على الصورة نفسها حتى موضع القبر الذي سيدفن فيه، ويقوم بهذه المهنة رجل يقال له حقار القبور، وهناك العديد مـــــــــــن يمتهنون هذه المهنة، وغسل الميت وتكفينه وحفر قبره تقع كلفتها على ذوي (۲) الميت ، ويدفن الميت بانزاله في لحد القبر رأسه الى الغرب وقدماه إلى الشرق ويجعل على جنبه الأيمن بحيث يستقبل الكعبة المشرفة.
بعد الدفن ينادي أحدهم "التعزية من "السنة" فيصطف ذوو الميت وأقاربه لتقبل التعزية والعبارة التي يقولها المعزّي عادة / البقية في حياتكم / ويكون الجواب: / ولكم البقاء أو عظم الله أجركم / وجوابها شكر اللــ سعيكم : أو ما يماثل ذلك من عبارات وكانت العادة أن يتقدّم أحد أفراد العائلة بعد التعزية، فيدعو أبناء وأخوة المتوفى الى بيته حيث يقدم لهم الطعام، وكانوا يسمون هذه الدعوة : / فكــة الريق / . ولا يكتفي بهذه التعزية، بعد الدفن مباشرة، بل لابد من أيام ثلاثة تلي الدفن ، تقدم فيها التعزية من الرجال في بيت المتوفى. وفي تلك الأيام الثلاثة، كان ذوو المتوفى يخرجون ، قبل شروق الشمس الى زيارة ضريحه، لتلاوة القرآن الكريم ماتيسر منه ، والدعاء بالرحمة والمغفرة من الله تعالى للمتوفى. وفي النهاية تتلى الفاتحة ويعودون الى بيوتهم .
هذه الغدوة كانوا يدعونها / الصباحية وهناك صباحية أعم وأوس كانت تقام بعد صلاة العصر من الأيام الثلاثة المذكورة في مسجد الحـ على الغالب، حيث يجتمع أقارب وأصدقاء المتوفى على شكل حلقة يتوسطها بعض القراء، فيتلو كل منهم ماتيسر من آي الذكر الحكيم، ثم تختتم بالدعوات المعتادة لرحمة الميت والمؤمنين أجمعين . هاتان الصباحيتان كانتا موجودتين في حقبة دراستنا وبدأتا بالزوال منذ أواخر الستينات من هذا القرن ومن العادات الاجتماعية التي كانت موجودة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ثم بدأت بالزوال بعد منتصف القرن العشرين : زيارة ضريح الميت في أول خميس بعد وفاته. كانت الزيارة تبدأ بعد صلاة الظهر، يجتمع الرجال حول الضريح، ويقرؤون سورة / ياسين / وما تيسر من القرآن الكريم، وتذكــ أسماء الله الحسنى، ثم تتلى الدعوات وبعد ذلك يتوجه الرجال الى بيت الفقيد، فيأخذون بخاطر أهل البيت، ثم يتناولون ما أعد لهم من الحلويات ثم ينصرفون .
وهناك / طقس / أخير من مراسم الوفاة، وهو ذكرى مرور أربعين يوما على وفاته ، فيدعى الاقارب والأصدقاء الى بيت المتوفى فيجتمعون في بعد صلاة المغرب ويحضر أحد القراء فيتلو الجميع سورة / ياسين / ويقدم لها الشيخ بعشر من آي الذكر الحكيم ثم الدعوات للميت ولجميع المؤمنين وفي الختام الفاتحة .
ثم يقدم للجميع ماهيء لهم من حلو وغيره حسب قدرة أسرة المتوفى، ثم ينفض الجمع وهذا آخر مراسم الوفاة عند الرجال ، وتطور الأربعون / بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، فأصبح حفلة تقام في أحد الأماكن العامة، اذا كان المتوفى من الرجال البارزين في البلد ، يتلى فيها عشر من آي الذكر الحكيم، ثم تلقى خطب من بعض أصدقاء الفقيد تمجد أخلاقه، وتشيد بمآشوه ثم تنهى بكلمة آل الفقيد يلقيها أقرب الناس اليه .
وشهدت الفترة نفسها تطورا آخر في الأربعين، ساعد على حدوثــــــــه انخفاض كلفة الطباعة فرخص أثمان الكتب، فطبع القرآن الكريم أجزاء منفردة كل جزء على حده ، وسمي مجموع الأجزاء / ربعة وهي ثلاثون جزء، عدد أجزاء القرآن الكريم، ففي الأربعين / تجلب ربعة أو أكثر، حسب المدعوين ، وتوضع على طاولة في منتصف القاعة أو الغرفة وعندما يأتي أحد المدعوين ، يتناول جزء ثم يجلس في مكانه ويشرع بقراءة الجزء قراءة صامتة حتى ينهيه فيعيده الى موضعه وعندما تتم قراءة الأجزاء كلها تبدأ مراسم الأربع كما ذكرناها آنفا .
وهناك أمر يختص به المسلمون من المذاهب الأخرى في شرقي حمص وفي غربها هو / الصدقة وهي دعوة للرجال يقدّم فيها الطعام صدقة عن روح المتوفى وتوقيتها بعد اسبوع اذا كان المتوفى رجلا وبعد ثلاثة أيام اذا كانت امرأة، ويسهم في نفقاتها الأقارب والأصدقاء. أما /الأربعون / فلا يقوم به الا الميسورون .
وطريقة الدفن تختلف عند المسيحيين عن المسلمين ، فالمسيحي ون يضعون الميت على ظهره مستلقيا ويداه متصالبتان فوق صدره في التابوت ، ثم يقيمون عليه مأتما في البيت : رجالا ونساء وتضع النساء العصائب السود على رؤوسهن ويتشحن بالسواد / . لاحظ الصورة في الصفحة المقابلة . ثم ينقل الى المدفن، على أكتاف الرجال ، في القرن التاسع عشر، وعلى عربات خاصة بعد الحرب العالمية الأولى .
عندما تصل الجنازة الى المقبرة، ينقل التابوت بما فيه ويوضع في ركن منها بحيث يكون رأسه نحو الشرق وقدماه نحو الغرب. ثم يسد بابها والمدفن / قبو/ تحت الأرض قد تجعل على جدرانه رفوف توضع عليها التوابيت ويكون لكل عائلة مدفنها الخاص بها واذا كانت العائلة كبيرة فقد يكون لها أكثر من مدفن في المقبرة الواحدة، ويخصص "المسيحيون مدفنا خاصـ للاطفال الذين يتوفون دون الخامسة من عمرهم ، يدعونها /الخشخاشة .
كانت للمسيحيين عادات في أواخر القرن التاسع عشر يتبعونها لاظهار حزنهم على المتوفى فالنساء يخرجن وراء الجنازة وكل منهن تلبي قطعـــــــة من ثياب الميت واحدة تضع طربوشه على رأسها والثانية تلبس / قنبازه / والثالثة زناره ، والرابعة معطفه ويأخذن بالولاويل والندب في طريقهن الى المقبرة، وقد زالت الآن هذه المظاهر كلها .
وفي مدة الحداد لا يدخل النساء الحمام ولا الكنيسة ويمتنعن عن صنــع وأكل الكبة، أما الرجال ، فكانوا يصبغون ملابسهم كلها حتى الطربوش باللون الأسود ولا يقصون شعورهم مدة أربعين يوما ولا يسرحونها ولا يقربون نساءهم مدة الحداد .
أما لدى المسلمين فلا يغير الرجال من ألبستهم ولكن النساء يلبسن السواد ويمتنعن عن صنع الماكل التي كان المرحوم يحبها طوال مدة الحزن ، وهذه المدة تختلف حسب صلة الحزين باللمتوفى فقد تبقى بعض الأمهـ ات المفجوعات والأخوات حزاني مدة قد تصل الى العامين ، أما العمات والخالات فيكار من / أهل الميت سنة أو بعضها . وتمتنع الحزانى عن كل ماكان يدخل السرور إلى القلب كحضور الاستقبالات أو الزينة أو سماع الأغاني أو حضور أفراح الآخرين .
تعليق