الدار، وقبل أن يغادرها يكمل ارتداء ملابسه و پستبدل بالقلبق (الطربوش) أو الحطاطة والعقال . والطربوش فرضه السلطان العثماني محمود الثان ۱۸۳۹م مع ما فرض من اصلاحات أخرى، فبعد أن قضى على الانكشارية عام ( ۱۸۲٦) م زالت من الوجود عماماتهم الضخمة، ولبس الجنود والموظفون ثم علية القوم الطربوش . وفي الحقبة التي نتكلم عنها بدأ الطربوش يسود في حمص ويحل محل العمامات المختلفة. والكلمة محرفة عن الفارسية (سربوش) وتعني زينة رأس الأمير ثمّ حرفــت الـــى (شربوس) فأصبح شبه عمامة تلتف حول الطاقية حمراء من الجوخ سطحها الأعلـ يتراوح بين ( ۱۲۱۰) سم، وتعلق في وسطها شرابة غليظة زرقاء أو سوداء تتدلى حتى العنق (١) ، وحل محل الطربوش الكبير الطربوش النمساوي تشبها بالأجانب وأطلق عليه اسم ( فس fez ) نسبة الى مكان صناعته وهي ( فيينا ) عاصمة النسما، وكان شكله اسطوانيا ولونه أحمر ا أو أبيض. ثم حول الاسم الى (فاس) وزعموا أنه يدل على مدينــــة (فاس المغربية ) كي يموه على المسلمين منشؤه الأصلي وبرضي مشاعرهــم الدينية بأنهم لا يستعملون بضائع الأوروبيين ! ! !
لبس الطربوش، في الأصل، دون لفه الا أن رجال الدين كــانــــــوا يضعون عليه لفة من شاش أبيض، والتجار والمتقدمون بالسن لقوا عليه ( الغباني) ، وكانت لفّة نقيب الأشراف خضراء اللون . أما الآخرون من الشباب فكانوا يلبسونه بدون عمامة، وتدعى حالتهم: طربوش كشف أي لغة من ليس عليه عمامة .
لقد أزاح الطربوش أغلب ألبسة الرأس التي سبقته، وفي مطلع الحقبة التي نتكلم عليها كان لايزال باقيـا : القاووق ، والطبريــة والكلاة لورودهـا في وثائق تركات المتوفين .
أما القاووق فهو قلنسوة تلبس على الرأس يفصلها صانعهـا مــــــن جوخ أو غيره وكان يطلق على صانعها اسم (القاوقجي) وكان في طرابلـــــس الشام أسرة تدعى (القاوقجي) ومنها المجاهد العربي فوزي القاوقجي.. وكان يلبسه ويعتم به العلماء والأعيان مع الشاش الأبيض . والطبرية: عمة عظيمة من الشاش الأخضر كثير الأذرع تلف على القاووق أو العرف. وكان العلماء ومشايخ الطرق الصوفية يلبسونها أوقات معينة كحلقات الذكر، وكانت أحجامها مختلفة منها الصغ والمتوسط والمبالغ في كبره. وورد ذكرها في القصص الشعبي في حمص يسأل رب الدار مين أنتو فيأتيه صوت البدوي المختبيء داخل الخزانة (الحليواني والقضيماني وأبو طبزية وأنا راعي جدي ) .
* الكلاة : اسطوانة من لباد كان يلبسها دراويش الطريقة المولوية وكان لاغلب الناس عمامتان فاكثر ويقولون : عمة للرياسة وعمة للسياسة ويعنون بذلك واحدة لمقابلة الناس وأخرى للدار وتعاطي المهنة، فالأولى روعیت نظافتها اكثر من الثانية .
ولما كثرت الطرابيش وانتشرت في عهد السلطان محمود الثاني استغنى الناس بها عن جميع ما تقدم من ملابس الرأس الأخرى عدا مشايخ الطرق، لم يدخل الطربوش الى الريف وبقي بعض أهل المدن يلبون الحطاطة والعقال . بسبب علاقاتهم بالريف .
* الحطاطة أو الكوفية: تكون من قماش مربع الشكل طول ضلعه طاقية نراع أو أكثر تطوى على شكل مثلث وتوضع قاعدته على الرأس فوق طاقية تدعى (عرقية) لأنها تحجز عرق الرأس عن الحطاطة، وتزمزم أطرافهـا فـوق الجبين ، ويسبل الباقي على الظهر، أما الطرفان فيبقيان سائبين على الكتفين أو للتفين حول العنق . ويثبت الحطاطة على الرأس (العقال ) ويلفظ العامة القاف جيما مصرية فيقولون (العكال).
تكون الحطاطة من القطن عامة وقد تكون من الحرير السادة ، وقد تشرب بخيوط من القصب المذهب أو الفضي للعريس وفق أشكال هندسية جميلة ويكون لها في أطرافها أهداب على الطول والعرض (شراشيب) . والسائد في ألوانها البياض وقد تكون سوداء أو بنية في الريف خاصة وللكوفية منافع عملية فى حياة الريف اليومية : فهي وعاء يستخدم للحمـــــــــل و لربط بعض الأشياء، وهي دثار يلتف به في الحر والقـر، وأخيرا فهي تتخذ شارة للتعبير عن السرور والفرح بالقائها عاليا في الهواء أو تعبير عن الغضب والسخط بالقائها بشدّة على الأرض . واذا كانت الحطاطة منقطة سوداء أو حمراء على قاعدتها البيضاء فيهي ( السلك ) .
في أواخر القرن التاسع عشر كان المسيحيون يضعون على رؤوسهـــــم طربوشا يلف حوله قماش أسود مرّات عديدة، ويكون هذا المشد مستودعا لأوراق الضرائب و الانظامية العسكرية أي أوراق الخدمة العسكرية وغيرها وفي كل سنة قبيل العيد كان المشد يغسل وينظف ثمّ يعاد لغه على الطربوش. العق ال : لغة من ( عقل ) أي ربط، يقال عقل الأعراب البعير اذا ثنى وظيفه مع ذراعه فشدّهما معا بالحبل . فالعقال اذن هــــــو رباط. وهو كلباس الرأس، قديم في حياة الصحراء، فهو يستمد، مع الكوفية أصالته من البيئة ،الطبيعية، كما أن مواده الأولية من منتجات الصحراء والمناطق الجبلية، كوبر الابل، وشعر الماعز، وهو موجود أيضـا لــدى عموم سكان الصحارى في العالم القديم من ( منغوليا ) حتى (نجد) والصحــــــــراء الافريقية الكبرى حيث نجده على شكل منديل مبروم يلف حول الرأس مرة أو عدة مرات في تلك المناطق .
ولبسته أيضا أكثر الشعوب العربية القديمة منذ أقدم العصور، حتى الحواريون أنفسهم كانوا يلبسون العقال في فلسطين، وكان منديلا مبروما يربطونه حول رؤوسهم والغاية منه تثبيت الكوفية على الرأس حتى لا تقع على الأرض، ويظهر هذا النوع من العقال في الأيقونات التي تصور لنا اللباس فى تلك الحقبة من التاريخ .
وأول مصدر للفظ (العقال ) في العربية ماورد في كلمة الخليفة الأول أبو بكر الصديق ، يوم قال عند حرب المرتدين الذين منعوا عنه الزكاة ( والله لو منعونى عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله لحاربتهم عليه ) . وللعقال وله من الخلف دلاية أو أكثر بطول ذراع تقريبــــــــا تنتهي من الأسفل بطرتين صغيرتين متصلتين على شكل هلال فتحته الــــــى أسفل. وفي منطقة حمص يكون العقال متوسط الثخن، أما عقال البدوي فرفيع للغاية يدعى (البريم) .
* لباس القدمين : لم يستعمل السوريون الجوارب الحديثة الا منذ (۲) وكان أصحاب اليسار من العلماء والتجـار أوائل القرن التاسع عشر باز يستعيضون عنها بـ (المست) أو (المزد) ، وهي كلمة تركية تعني نوعا مـــن الجلد الطري (السختيان ) (۳) يلون بالأسود أو البني أو الأصفــر الــــــذي يكسو كامل القدمين ويتجاوز الكاحلين بعنق طويل ،رفیع، فاذا لبس هذا المست الذي لاهو بالجورب ولاهو بالحذاء، دسوا أقدامهم في حذاء آخر من الجلد أو المطاط يسمى (المركوب) أو الصب. وفائدة المست عند لابسيه . المسلمين أنهم اذا غشوا مجلسا أو دخلوا مسجدا تركوا أحذيتهم عند البـ وساروا بالمست على الحصر والسجاجيد دون أن يمسها أذى وبغيت أقدامهـ كاسية غير عارية كما أن المست ، ببقائه نظيفا يمكن المصلين من الوضوء دون أن يغسلوا أقدامهم بل يكتفون بالمسح عليها ، ويبقى في أ أقدامهم أثناء الصلاة مما يؤمن الدفء لها شتاء .
بدأ دخول (الجوارب) الى حمص مع دخول المصريين بلاد الشام ثم أخذ يتوسع وينتشر بين العامة وحل محل المست بالتدريج ولكن لــــم يقضى عليه حتى الآن، وورد في بعض تركات المتوفين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر فمثلا كلمة ( الجرابات ) ذكرت في تركة المرحوم طاهر أفندي قيمقام سنجق ،حمص، وتحمل التاريخ في (۱۳) شوال ١٢٦٦هـ = ٢٦ أيلول ۰۱۸۵۰: جرابات صوف جوز عدد وجرابات قطن جوز عدد ،كما ورد المست والبابوج فى تركة الحرمة آمنة بنت الشيخ أحمد المسدي وتاريخ الوثيقة : غرة جمادى الأول ١٢٧٨هـ = ٥ تشرين الثانى ١٨٦١م. ولايزال المست مستعملا في حمص ولكن على نطاق ضيق لدى بعض المتقدمين في السن من مشايخ المسلمين . وان تغيرت مادة صنعه فأصبح ساقه من النايلون مع سحاب، ونعله من الجلد الطري .
تعليق