كثُرَت منذ العقود الماضية وحتّى وقتنا هذا عمليّات البحث عن الحياة في الكواكب الأخرى، إذ أنّ العُلماء وبعد كل شيءٍ قد تمكّنوا فعلًا من تحديد وترشيح الآلاف من الكواكب التي تتوفر فيها المؤشّرات المُناسبة لمقوّمات الحياة، وقد توصّلوا في بحثٍ جديدٍ إلى طريقةٍ لانتقاء ما نبحث عنه بالفعل، فكيف يتوجّب على البشر التعامل مع هذا الأمر؟
يقول الباحثون بأنّ مقدار الأشعة فوق البنفسجيّة (UV) الآتية من نجمٍ مُضيفٍ من شأنها أن تؤدّي إلى تطوّر الحياة، وعلى أساس هذا قام الباحثون بتحديد مجموعةٍ من الكواكب التي يُحتمل أنّها خضعت لتطوّر الحياة بشكلٍ مُشابهٍ للطريقة التي حدثت في كوكب الأرض.
ويشرح عالم الفيزياء الفلكيّة باول ريمر من جامعة كامبردج الأمر قائلًا: «تتطلّب الحياة التي نعرفها الآن مجموعةً متنوّعةً من البُنى الجزيئيّة والتي تؤدّي وظائف مختلفةً داخل الخليّة، بما في ذلك الحمض النوويّ DNA والحمض النوويّ الريبي RNA والبروتينات وأغشية الخلايا والتي تتكون بُنيتها من كتلٍ صغيرةٍ نسبيًا، مثل (الدهون – Lipids) و (النوكليوتيدات – Nucleotides) و (الأحماض الأمينيّة – Amino Acids)، وظل أمر تلك الكتل الصغيرة ومنشؤها لغزًا استمرّ لفترةٍ طويلةٍ من الزمن، لكن مؤخّرًا كان في معرفة كيفية نشأة تلك الكتل تقدّمٌ كبير في وقتٍ مُبكرٍ على سطح الأرض».
وأضاف ريمر: «فعلى سبيل المثال، عند تسليط الضوء فوق البنفسجيّ على مُركّبٍ كيميائيٍّ مثل (سيانيد الهيدروجين – hydrogen cyanide) الموجود في الماء إلى جانب الأيون السالب -أي الذرّة التي اكتسبت إلكترونات- مثل (بيكبريتيت الصوديوم – bisulfite)، فإنّ هذا يؤدّي بنا إلى السكّريات البسيطة».
عندما تكون الظروف مُلائمةً، فإن سيانيد الهيدروجين -الموجود في (الأقراص الكوكبيّة الدوّارة – Protoplanetary discs)- بالإضافة للأيون السالب من شأنها أن تخلق تراكيز عاليةً جدًا للعديد من البُنى الأساسيّة للحياة، لكنّها بحاجةٍ إلى كمٍّ كافٍ من الأشعة فوق البنفسجيّة حتى تكون قادرة على القيام بهذا الأمر، أو ينتهي بها المطاف كمُركّبٍ خاملٍ.
وقد تم إثبات هذا الأمر بشكلٍ تجريبيٍّ عام 2015، عندما قام فريق البحث بتسليط ضوء الأشعة فوق البنفسجيّة على سيانيد الهيدروجين بهدف إنتاج الدهون والأحماض الأمينيّة والنوكليوتيدات والتي تُكوّن الخلايا الحيّة، ولكن عند عدم استخدامهم لضوءٍ كافٍ لم يحدث أيّ تفاعلٍ.
وقد استخدم ريمر وفريقه هذه التجربة كأساسٍ لأبحاثهم، إذ قارنوا كميّة ضوء الأشعة فوق البنفسجيّة المُستخدمة عام 2015 مع الضوء المُنبعث من النجوم التي تدور حولها كواكب كبلر المرشحة -أيّ الكواكب الخارجيّة والتي من المحتمل أن تكون قادرةً على استضافة الحياة فيها-.
رسم فريق البحث كميّة ضوء الأشعة فوق البنفسجيّة المتوفرة لمدارات الكواكب بهدف حساب المكان الذي يمكن أن تتنشط فيه التفاعلات الكيميائيّة، وهذا ما يُدعى بـ (منطقة التوّلد التلقائيّ – Abiogenesis zone).
وبحسب معايير كبلر فإنّ الكوكب المرشح يجب أن يكون صخريًّا، ويجب أن يدور في ما يُسمّى (النطاق الصالح للحياة – habitable zone)، وهذا يعني بأنّه لن يكون قريبًا جدًا من النجم الذي يُبخّر الماء السائل فيه، ولا بعيدًا بحيث يُجمّد الماء السائل تمامًا.
ومن الواضح أنّنا نحتاج للمزيد من الشروط الواجب توفرها لسكن الكواكب، وهو ما يبحث عنه علماء الفلك دون أن يتمكّنوا من رؤية الكوكب مباشرةً.
وقد وجد الباحثون بأنّ المناطق الصالحة للسكن ومنطقة التولّد التلقائيّ لا تتداخل دائمًا، أمّا هنا على كوكب الأرض فإننا في المكان المثاليّ في المدار الشمسيّ وحول النوع المناسب من النجوم، إذ أنّ النجوم حولنا بنفس درجة حرارة شمسنا، وبالتالي تُنتج الكميّة المناسبة من الأشعة فوق البنفسجيّة.
ولكن من ناحيّةٍ أخرى، فإن النجوم الباردة لا تُنتج ما يكفي من الأشعة فوق البنفسجيّة لتنشيط العمليّة، إلّا في حالة أنّها كانت تتعرّض إلى وهجِ شمسيٍّ بشكلٍ متكررٍ، والتي من شأنها أن تكون مدمّرةً للحياة بكل الأحوال.
لهذا السبب، يمكن أن يُستبعد أمر وجود حياةٍ على سطح كوكب (Ross 128 b)، لكنّه ليس بالخبر السيئ، لأنّ كوكب (Kepler 452b) الواقع خارج المجموعة الشمسيّة والذي يُسمّى بـ (ابن عم الأرض)، يقع في المنطقة الصالحة للسكن ومنطقة التولّد التلقائيّ.
من الممكن أن نجد اختلافًا في الحياة خارج كوكب الأرض، ولكن بما أنّنا لا نعرف ماهيّتها، فإن المسار الأفضل للعمل هو البحث عمّا نعرفه.
يختم ريمر قائلًا: «لست متأكدًا من شروط الحياة هناك، لكن نظرًا لكوننا وجدنا مثالًا واحدًا حتى الآن، فمن المنطقيّ أن نبحث عن أماكنٍ تُشبهنا كثيرًا، وهناك فرقٌ كبيرٌ ومهمٌ بين ما هو ضروريّ وبين ماهو كافٍ، ومع ذلك فإنّ البُنى الأساسيّة قد لا تكون كافيةً؛ إذ من الممكن أن تمزجها لمليارات السنين دون أن يحدث أيّ شيءٍ، ولكنّك تريد على الأقل النظر إلى الأماكن التي تتواجد فيها الأشياء الضروريّة».