هنري زغيب
في الميثولوجيا اليونانية أَنَّ النحات القبرصي بيغماليون يَــئِــسَ من إِيجاد امرأَة صالحة يتزوَّجها في مدينته آماثوس (مدينة مَلَكية في جزيرة قبرص، نحو 300 سنة ق.م.، ما زالت بقاياها اليوم على شاطئ الجزيرة الغربي قبالة تيكوناس، نحو 39 كلم غربي لارنكا، و10 كلم شرقي ليماسول. فيها معبد لأَفروديت إِلهة الحب هو الثاني أَهميةً في قبرص، بعد معبدها الأَساسي في بافوس Paphos).
وتكمل الميثولوجيا بأَن بيغماليون نَحَتَ تمثال امرأَة جميلة، سمَّاها غالاتيا، أُعجِبَ بها حتى عشقَها وأَشاح عن كل امرأَة حية في المدينة. ويوم عيد أَفروديت، إِلهة الحب والجمال، قصدَ معبَدَها راجيًا إِيَّاها أَن تمنحه امرأَة مثلَها جميلةً يتزوَّجها. لم تُجِبْ. وحين عاد إِلى محترفه وعانق غالاتيا كعادته حين يعود من الخارج. لكنه للمرة الأُولى شعر بحرارة تتغلغل فيه من تمثال الرخام، وإِذا بغالاتيا تتحرَّك وتتحوَّل من رخام بارد إِلى جسد امرأَة حية. فاصطحب امرأَته وذهب إِلى معبد أَفروديت يشكُرُها على أُعجوبتها.
تمثال أَفروديت حتى اليوم
اليوم ما زال في بافوس القبرصية تمثالُ أَفروديت شاهدًا على تلك الأُعجوبة التي حوّلت الجماد إِلى حياة، وما زالت بافوس مَدينة تاريخية ميثولوجية سياحية، فيها معالِمُ وآثار غالية حتى أَدرجتْها منظمة اليونسكو موقعًا فريدًا على "لائحة التراث العالَمي" سنة 1980.
بين الآثار التي ساهمَت في إِدراج بافوس على تلك اللائحة (مع مدينة كُوكْلِيَا وفيها ميثولوجيًّا وُلِدَت أَفروديت) ناحيةٌ خاصة بمدافن الملوك مدى تاريخها، وهي "مدينة موتى" لنواويس الملوك على بُعد أَقل من كيلومترين عن ميناء بافوس جنوبي جزيرة قبرص. وهي نواويس منحوتة في الصخر الصلد. بعضُها يرقى إِلى القرن الرابع (ق.م.) وبعضها لأَرستقراطيي بافوس وكبار موظَّفي المملكة في القرن الثالث بعد الميلاد.
يرى بعض المؤَرخين، وأَبرزُهم المؤرخ واللاهوتي سيمون بيتر ساذِرْلِنْد، أَن كلمة "الملوك" قد تدل على فخامة النواويس أَكثر مما على ملوك فعليين دُفِنوا فيها، لِما في بنائها من أَناقة تشبه تلك التي لقصور البورجوازيين في العصور القديمة، منها ذات هندسة يونانية عريقة، ومنها معروقة الجدران بنقوش دقيقة جميلة، كانت مزدهرة في العصور الهيلّينيستية والرومانية بعدها.
تأَثُّر بنواويس الفراعنة في مصر
ويرى مؤرخون آخرون أَن تلك الهندسة متأثرة واضحًا بالتقاليد الهندسية المصرية القديمة لنواويس الفراعنة القدامى.
في مدينة الموتى تلك، سبعة نواويس، أَبرزُها الثالث لأَنَّ فيه فسحةً واسعةً في طبقةٍ فسيحة تحت الأَرض، قائمة على أَعمدة ضخمة، والنواويس الباقية تشبه الأَضرحة التاريخية في روما، مع ما فيها من مغاور تتسع للجثامين.
في السنة الثامنة والخمسين قبل الميلاد قام الرومان باجتياح جزيرة قبرص، وأَتاها مسيحيون أَوائل سكنوا في بافوس هربًا من اضطهاد الرومان إِياهم في أوائل الفترة المسيحية، يزاولون طقوسهم الدينية داخل تلك النواويس، كما يشير المؤَرخ اللاهوتي ساذِرلِند نقلًا عن القديس لوقا (أَحد الإِنجيليين الأَربعة). وبقيت تلك النواويس مهملةً قرونًا طويلة حتى بدأَ العمل في اكتشافها مع حملة أَثريين كتب عنها ريتشارد بُوكُوك (1704-1765) وظهرت مخطوطته عنها سنة 1783.
بدء الحفر والاكتشافات
سنة 1870 قامت بعثة أَثرية برئاسة (الإِيطالي الأَصل القنصل الأَميركي في قبرص) عالِم الآثار لويجي بالما دي كيسنولا (1832-1904) ببدء الكشف عن تلك النواويس، إِلى أَن تم سنة 1915 إِنجاز تلك الاكتشافات الباهرة علميًّا مع مدير متحف قبرص مينيلاوُس ماركيدس (1878-1942).
بقيت الاكتشافات تتوالى في سبعينات وثمانينات القرن الماضي مع مدير دائرة الآثار سابقًا في جمهورية قبرص وعضو اللجنة الوطنية لليونسكو المؤَرخ الدكتور سوفوكلُس هادجيسافاس.ومن اكتشافاته أَن البافوسيين كانوا يدفنون مع موتاهم جرارًا ملأَى بالذهب من جزيرة رودس اليونانية.
ومن هذا التقليد انطلق إِلى تحديد ملامح أَثرية أُخرى عن التقاليد الْكانت متَّبعة في شرقي المتوسط إِبان المرحلة الهيلينستية ومطالع العصر الروماني. من هنا يرجِّح أَن تلك النواويس كانت ملأَى بالكنوز الذهبية، لكنّ معظمها ضاع أَو سَلَبَها عبر العصور لصوص آثار استولوا عليها وباعوها في مناطق مختلفة من العالَم.
وهو رأَى كذلك أَن وجود النواويس مباشرةً على شاطئ البحر بمناخه المالح يعيق الحفاظ على الموجودات الثمينة كما كانت في حالتها الأَصلية. ومع ذلك، حرصت منظمة اليونسكو على إِدراج بافوس معلَمًا فريدًا على لائحة مواقع التراث العالَمي التي يجب الحفاظ عليها من التحتُّت وعبث العابثين
في الميثولوجيا اليونانية أَنَّ النحات القبرصي بيغماليون يَــئِــسَ من إِيجاد امرأَة صالحة يتزوَّجها في مدينته آماثوس (مدينة مَلَكية في جزيرة قبرص، نحو 300 سنة ق.م.، ما زالت بقاياها اليوم على شاطئ الجزيرة الغربي قبالة تيكوناس، نحو 39 كلم غربي لارنكا، و10 كلم شرقي ليماسول. فيها معبد لأَفروديت إِلهة الحب هو الثاني أَهميةً في قبرص، بعد معبدها الأَساسي في بافوس Paphos).
وتكمل الميثولوجيا بأَن بيغماليون نَحَتَ تمثال امرأَة جميلة، سمَّاها غالاتيا، أُعجِبَ بها حتى عشقَها وأَشاح عن كل امرأَة حية في المدينة. ويوم عيد أَفروديت، إِلهة الحب والجمال، قصدَ معبَدَها راجيًا إِيَّاها أَن تمنحه امرأَة مثلَها جميلةً يتزوَّجها. لم تُجِبْ. وحين عاد إِلى محترفه وعانق غالاتيا كعادته حين يعود من الخارج. لكنه للمرة الأُولى شعر بحرارة تتغلغل فيه من تمثال الرخام، وإِذا بغالاتيا تتحرَّك وتتحوَّل من رخام بارد إِلى جسد امرأَة حية. فاصطحب امرأَته وذهب إِلى معبد أَفروديت يشكُرُها على أُعجوبتها.
تمثال أَفروديت حتى اليوم
اليوم ما زال في بافوس القبرصية تمثالُ أَفروديت شاهدًا على تلك الأُعجوبة التي حوّلت الجماد إِلى حياة، وما زالت بافوس مَدينة تاريخية ميثولوجية سياحية، فيها معالِمُ وآثار غالية حتى أَدرجتْها منظمة اليونسكو موقعًا فريدًا على "لائحة التراث العالَمي" سنة 1980.
بين الآثار التي ساهمَت في إِدراج بافوس على تلك اللائحة (مع مدينة كُوكْلِيَا وفيها ميثولوجيًّا وُلِدَت أَفروديت) ناحيةٌ خاصة بمدافن الملوك مدى تاريخها، وهي "مدينة موتى" لنواويس الملوك على بُعد أَقل من كيلومترين عن ميناء بافوس جنوبي جزيرة قبرص. وهي نواويس منحوتة في الصخر الصلد. بعضُها يرقى إِلى القرن الرابع (ق.م.) وبعضها لأَرستقراطيي بافوس وكبار موظَّفي المملكة في القرن الثالث بعد الميلاد.
يرى بعض المؤَرخين، وأَبرزُهم المؤرخ واللاهوتي سيمون بيتر ساذِرْلِنْد، أَن كلمة "الملوك" قد تدل على فخامة النواويس أَكثر مما على ملوك فعليين دُفِنوا فيها، لِما في بنائها من أَناقة تشبه تلك التي لقصور البورجوازيين في العصور القديمة، منها ذات هندسة يونانية عريقة، ومنها معروقة الجدران بنقوش دقيقة جميلة، كانت مزدهرة في العصور الهيلّينيستية والرومانية بعدها.
تأَثُّر بنواويس الفراعنة في مصر
ويرى مؤرخون آخرون أَن تلك الهندسة متأثرة واضحًا بالتقاليد الهندسية المصرية القديمة لنواويس الفراعنة القدامى.
في مدينة الموتى تلك، سبعة نواويس، أَبرزُها الثالث لأَنَّ فيه فسحةً واسعةً في طبقةٍ فسيحة تحت الأَرض، قائمة على أَعمدة ضخمة، والنواويس الباقية تشبه الأَضرحة التاريخية في روما، مع ما فيها من مغاور تتسع للجثامين.
في السنة الثامنة والخمسين قبل الميلاد قام الرومان باجتياح جزيرة قبرص، وأَتاها مسيحيون أَوائل سكنوا في بافوس هربًا من اضطهاد الرومان إِياهم في أوائل الفترة المسيحية، يزاولون طقوسهم الدينية داخل تلك النواويس، كما يشير المؤَرخ اللاهوتي ساذِرلِند نقلًا عن القديس لوقا (أَحد الإِنجيليين الأَربعة). وبقيت تلك النواويس مهملةً قرونًا طويلة حتى بدأَ العمل في اكتشافها مع حملة أَثريين كتب عنها ريتشارد بُوكُوك (1704-1765) وظهرت مخطوطته عنها سنة 1783.
بدء الحفر والاكتشافات
سنة 1870 قامت بعثة أَثرية برئاسة (الإِيطالي الأَصل القنصل الأَميركي في قبرص) عالِم الآثار لويجي بالما دي كيسنولا (1832-1904) ببدء الكشف عن تلك النواويس، إِلى أَن تم سنة 1915 إِنجاز تلك الاكتشافات الباهرة علميًّا مع مدير متحف قبرص مينيلاوُس ماركيدس (1878-1942).
بقيت الاكتشافات تتوالى في سبعينات وثمانينات القرن الماضي مع مدير دائرة الآثار سابقًا في جمهورية قبرص وعضو اللجنة الوطنية لليونسكو المؤَرخ الدكتور سوفوكلُس هادجيسافاس.ومن اكتشافاته أَن البافوسيين كانوا يدفنون مع موتاهم جرارًا ملأَى بالذهب من جزيرة رودس اليونانية.
ومن هذا التقليد انطلق إِلى تحديد ملامح أَثرية أُخرى عن التقاليد الْكانت متَّبعة في شرقي المتوسط إِبان المرحلة الهيلينستية ومطالع العصر الروماني. من هنا يرجِّح أَن تلك النواويس كانت ملأَى بالكنوز الذهبية، لكنّ معظمها ضاع أَو سَلَبَها عبر العصور لصوص آثار استولوا عليها وباعوها في مناطق مختلفة من العالَم.
وهو رأَى كذلك أَن وجود النواويس مباشرةً على شاطئ البحر بمناخه المالح يعيق الحفاظ على الموجودات الثمينة كما كانت في حالتها الأَصلية. ومع ذلك، حرصت منظمة اليونسكو على إِدراج بافوس معلَمًا فريدًا على لائحة مواقع التراث العالَمي التي يجب الحفاظ عليها من التحتُّت وعبث العابثين