بارودي (محمود سامي) Al-Baroudi (Mahmoud Sami-)احد أعلام الشعر المصريين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بارودي (محمود سامي) Al-Baroudi (Mahmoud Sami-)احد أعلام الشعر المصريين

    بارودي (محمود سامي)

    Al-Baroudi (Mahmoud Sami-) - Al-Baroudi (Mahmoud Sami-)

    البارودي (محمود سامي ـ)
    (1255-1322هـ/1838ـ 1904)

    محمود سامي باشا البارودي أحد أعلام الشعر المصريين في عصر النهضة العربية، ولد في القاهرة لأسرة جركسية ذات عراقة اجتماعية وسياسية في تاريخ مصر المملوكي. ولقبه البارودي نسبة إلى «إيتاي البارود» بمديرية البحيرة، التي كان أحد أجداده ملتزماً لها. توفي أبوه وهو في السابعة من العمر، فعاش برعاية بعض أقربائه، وتلقّى دراسته الأولى، ثم التحق وهو في الثانية عشرة من عمره، بالمدرسة الحربية، على عادة أبناء الطبقة الحاكمة، في ذلك الحين. غير أنه خرج، مع من خرج، منها وهو في السادسة عشرة من عمره، وذلك بعد أن آلت ولاية مصر إلى الخديوي سعيد الأول الذي تابع نهج عباس الأول، في ممالأة السلطنة العثمانية، بتعطيل مظاهر النهضة المصرية العسكرية.
    ثم التحق البارودي بوزارة الخارجية، في الأستانة، وهناك تعلّم اللغتين التركية والفارسية. وحين سافر الخديوي إسماعيل باشا إلى الأستانة ألحقه بحاشيته ثمّ عاد به إلى مصر، وكان قد بلغ الرابعة والعشرين من العمر.
    ثم أوفده الخديوي إلى فرنسة في بعثة عسكرية كانت سبباً في ترقية البارودي إلى رتبة «القائمقام» في فرسان الحرس؛ ثم إلى رتبة «أميرالاي»، ليكون قائداً للفيلق الرابع من عسكر الحرس الخاص. ولما ثارت كريت في عام 1868م على الاحتلال العثماني لها، كان البارودي أحد قواد الحملة التي أرسلها إسماعيل باشا لمساعدة السلطان العثماني في القضاء على تلك الثورة، وكذلك كان البارودي في عداد الحملة التي خرجت من مصر لمساعدة السلطان العثماني في حربه روسية سنة 1878م، وبسبب بلائه في تلك الحرب، منحه السلطان العثماني رتبة رفيعة والوسام المجيدي من الدرجة الثالثة. وبعد عودته إلى مصر، شغل منصب مدير الشرقية، ثم منصب محافظ القاهرة .
    ولما ارتقى الخديوي توفيق عرش مصر سنة 1879م كان البارودي مقربا منه في الحقبة الأولى من حكمه التي مالت إلى الإصلاح. وفي الوقت عينه كانت صلته قوية برجال الإصلاح والضباط المصريين وعلى رأسهم، أحمد عرابي، لتعاطفه معهم ونزعته الوطنية، فضلاً عن إسهامه في تأسيس الحزب الوطني المصري الذي كان يدعو إلى الحرية والعدالة والمساواة. ولمّا اشتد النزاع بين رجال الجيش المصريين وبين العناصر الأجنبية، واضطرّ وزير الحربية إلى الاستقالة، أسند الخديوي توفيق هذه الوزارة إلى البارودي في الأول من شباط سنة1881 مع ديوان الأوقاف إرضاء للضباط المصريين، ولكن رئيس الوزارة رياض باشا لم يكن راضياً عن البارودي لتعاطفه مع رجال الإصلاح، فدسّ له عند الخديوي توفيق مما دفع البارودي على الاستقالة. ولما تعاظمت حركة الجيش اضطر توفيق باشا إلى تنحية رياض باشا وتسمية شريف باشا مكانه وأسند إلى سامي البارودي وزارة الحربية في 14 أيلول سنة 1881م، وما لبث شريف باشا أن استقال فأسند الخديوي توفيق رئاسة الوزارة إلى البارودي في 15 شباط سنة 1882م، وأسند نظارة الجهادية (وزارة الحربية) إلى أحمد عرابي، على أن هذه الوزارة ما لبثت أن استقالت. ولما نشبت الثورة العرابية كان البارودي من المشاركين فيها رابطاً مصيره بمصير الشعب المصري. وتتابعت الأحداث فاحتل الإنكليز القاهرة وحلوا الجيش المصري ونفوا أحمد عرابي وزعماء الثورة العرابية ومنهم البارودي إلى سرنديب (سري لانكة) سنة 1882م فأمضى البارودي سبعة عشر عاماً في المنفى.
    وفي سنة 1900م، أصدر الخديوي عباس الثاني أمراً بالعفو عن البارودي، فعاد إلى مصر، ليقضي فيها أربع سنوات، فقدَ فيها البصر، إلى أن توفي في الثاني عشر من كانون الأول.
    وكان نتاج هذه الحياة العاصفة شخصياً وسياسياً وعسكرياً، ديوانَ شعرٍ ضخماً، ومختارات من الشعر العباسي، في أربعة أجزاء. هذه المختارات تعد مَعْلماً مُهماً، من معالم الثقافة الأدبية التي احتازها البارودي.
    ولم يقف البارودي عند التراث الأدبي العربي فحسب، بل اطلع أيضاً على الآداب التركية والفارسية والإنكليزية هذا إضافة إلى ثقافته العسكرية، وثقافته الدينية؛ إذ كان تلميذاً للشيخ جمال الدين الأفغاني، وصديقاً للشيخ محمد عبده.
    أما فيما يخصّ مختاراته من الشعر العباسي، فقد صنّفها وفق الموضوعات التقليدية التي تناولها الشعر العربي القديم عامة والعباسيُّ خاصة، ولهذا فقد جاءت المختارات في سبعة أبواب هي، بحسب ترتيبها في المختارات، الأدب والمديح والرثاء والصفات والنسيب والهجاء والزهد. وقد اختار البارودي فيها أبياتاً متفرّقة، من شعر ثلاثين شاعراً عباسياً، راعى في ترتيبهم التعاقب التاريخي لكلٍ منهم.
    ويبدو جلياً أن الموضوعات التي هي قوام مختارات البارودي من الشعر العباسي، تكاد تكون هي نفسها الموضوعات التي تمثل قوام شعر البارودي. غير أن الموضوع الأكثر قرباً إلى نفس البارودي، كان الفخر، بما ينطوي عليه من اعتداد بالذات وسماتها الفردية، وأصولها الأسرية والاجتماعية والقومية.
    تمكّن البارودي من تخليص الشعر، من الاهتمام بتوافه الأشياء والمظاهر، كما تمكّن من تنقية الشعر من المحسّنات اللفظية، والتراكيب اللغوية المكرورة والسقيمة، ومع أن البارودي قد توجّه ببصره إلى محاكاة الشعراء الأقدمين، فإنّ روح عصره الإحيائية بادية في شعره على نحو لافت للنظر. ومن البدهي أن تلك الروح لا تتبدّى بمجرد ذكر البارودي لبعض مظاهر عصره التقانية، كالكهرباء والقطار والمدافع وغيرها، وإنما تتبدّى بتلك الرغبة العارمة في النهضة الحضارية، بأبعادها المتعدّدة والمختلفة، ولهذا فإنّ تجديده للشعر العربي لم يكن يخرج عن مفهوم الإحيائيين العرب للتجديد، في العودة إلى الأصول التراثية، وبعثها بما يتفق والضرورة الحضارية للعصر الحديث.
    إن شعر البارودي يعدّ الانطلاقة الشعرية الأولى، نحو تجديد الشعر العربي، بعد رقدته الطويلة، والحقّ أن شعره لا يتميّز من الشعر العربي القديم إلاّ بتلك الروح الإحيائية التي ظهرت بالفهم الجديد لقيم العدالة والحرية والمساواة.
    وقد التمس النقاد أعذاراً كثيرة للبارودي فيما يتعلق بظاهرة التقليد، فنسبوا ذلك إلى كثرة محفوظه من الشعر القديم، ورأوا فيه رائداً للشعر العربي الحديث، تمكن من الجمع بين العودة إلى صفاء العبارة والمتح من منابع الشعر القديم ولاسيما العباسي، وبين التعبير عن النفس والقوم والبيئة والعصر، ورأوا أن النهضة الحديثة للشعر إنما تبدأ حقاً بالبارودي الذي عرف الشعر بعده قوة ونشاطاً بالغين.
    ومن مختار شعره قوله في قصيدة:
    هو البَينُ حتى لا سَلامٌ ولا رَدُّ
    ولا نظرةٌ يقضي بها حقّه الوجدُ
    فلا عين إلاّ وهي عينٌ من البُكا
    ولا خَدَّ إلا للدموع به خدُّ
    لعلّ حديث الشوق يطفئ لوعةً
    من الوجد أو يقضي بصاحبه الفَقْدُ
    هو النارُ في الأحشاءِ لكنْ بوقْعِها
    على كبدي ممّا أَلّذُّ به بَرْدُ
    سعد الدين كليب

يعمل...
X