في آذار من العام ( ١٧٠٥) م ثم يصمت عنها فلا يأتي لها بخبر حــــــتى كانون الأول من العام (۱۷۰۹) م اذ يورد في أخبار (۱۱۲۱) هـ ومجيء الاغا من عند وزير السلطان ( أحمد ) حفظه الملك المجد ، الفرد الصمد، بحرمة قل هو الله أحد، ونزوله في أوضة بيت نجم الدين .... وذلك بسبب مجيب الماء من العاصي على نواعير اكراما الى أهل البلد وأبناء السبيل، وذلك من قبل الوزير المعظم وذلك في شهـ القعدة الحرام - شباط (۱۷۰۹)م .
ثم تنقطع أخبار الساقية المجاهدية ثلاث سنوات متتاليات. ويبدو أنها كانت بحاجة الى كري وتعزيل ونفقات يعجز عنها الأهلون، فكانوا يرسلون الرسل الى (استنبول ) فلا يحصلون الا على الوعود . ولذلك قرر الأهلون مع المسؤولين في حمص اصلاح الساقية بامكانياتهم : فكان أول خــــــروج المعلمين والفعالة الى عمل الساقية المجاهدية نهار الاثنين في أربعة وعشرين (۲) يوما خلت من شهر ربيع الثاني رواح ملا عمر التركماني الى (استنبول ) مع السلامة من قبل باشة (طرابلس الشام من أجل الساقي المجاهدية ( ٣ ) .
ويبدو أن العمل استغرق طوال أشهر الصيف، فقد أتت الساقية المجاهدية في أواسط أيلول ۱۷۱۲م . ولكن الفرحة بمجيئها كانت قصيرة اذ لم تلبث أن قطعت وعبر عن ذلك صاحب اليوميات بقوله : ( وفيه جاءت المجاهدية، نسل من الله دوامها بجاه محمد وآله. ثم انقطعت والأمر كله لله )
وقد جاءت المجاهدية، فيما بعد في أواخر كانون الأول (۱۷۱۲) م فكرر دعاءه نسل من الله دوامها، وأثمرت الجهود بعد ذلك في نيسان (۱۷۱۳ ) م ففي السابع عشر منه (عملت الناعورة في التكية) الى أجل دخول الماء الى جامع الكبير النوري ) على الرغم من أن شهر نيسان مضى ولم يأت فيه قطرة ماء ، وفي أول جمادى الأولى من العام (۱۱۲۹)هـ صار لم الدراهم من الناس من أجل عمل الساقية المجاهدية - النصف الأول من نيسان (۱۷۱۷) م. وبعد شهر جاءت الساقية المجاهدية وهذه آخر = اشارة الى الساقية في يوميات (محمد المكي وستمر خمس سنوات حتى نهاية المخطوط دون ذكرها من ذلك كله نرى أن العناية بالساقية المجاهدية كانت مقتصرة علـ الأهلين ، واقتصر دور الحكام على الاتصال بأولي الأمر في استنبول لمد يد المساعدة دون جدوى .
٢ - الوثائق :
في الحقبة التي نتكلم عليها، وهي موضوع كتابنا ، كانت أمور الساقية قد استقرت وكذلك حقوق المستفيدين منها، فكتلوا أنفسهم ووقفوا يدافعون عن حقوقهم في مياه الساقية وراء شيخ طائفة البساتنة ضد الذين يحاولون نصب بساتين جديدة والاستفادة من مياه الساقية لري تلك البساتين .
ففي الدعوى التي أقامها (السيد عبدالله بن السيد أحمد السيد المتولي الشرعي على أوقاف جده الأعلى السيد عمر جلبي السيد والتي ادعى فيها على الشيخ احمد بن أحمد النعسان، شيخ طائفة البساتنة بحمص وعـ أصحاب البساتين الواقعة ضمن الازوار السنة الراكبة على ساقية المـ المعروفة بساقية المسمومية ( ۱ ) بحق ومجرى قديم شرعي، ويعرف الأول منها بـ زور خالد بن الوليد ) والثاني بـ ( زور مصطفى باشا البلغلي ) والثالث بـ : زور أسعد باشا عظمني زاده والرابع بـ زور بازرباشي والخامس بـ (زور فــــارس بك النجدي ) والسادس بـ ( زور الجديدة ) . وخلاصة دعواه : (أنـه مـن الجـاري في وقف جده جميع قطعة الأرض الواقعة خارج مدينة حمص على طريـ الميماس المحدودة قبلة بستان (الورام) وشرقا طريق سالك آخــــذ الى الميماس وشمالا طريق سالك أيضا وهو الطريق الى الميماس نحــ ـق (۲) الغربوتمامه بستان بني زعرور، وغربا بستان (سعيد أفندي الاتاسي) يفصل بينهما طريق . وذكر في دعواه أن الأرض التي حددها كانت فيما (۳) مضى بستانا واندرس وانقطع شجرها ولها حق الشرب من ماء الساقية المذكورة قديما، ومراد المدعي تجديد الاشجار والاستفادة من ماء الساقية كما كان الأمر في السابق والمدعى عليهم الاصلاء والموكلون يمنعونه من جر المــــاء المذكور بدون وجه شرعي، ولما سئل المدعى عليهم عن حقيقة هذه الدعوى أجابوا أن الأرض المذكورة من مدة تزيد عن ستين سنة. هي أرض سليخة معطلة يزرعونها حنطة وشعير وليس لها شرب ولاحق ولا استحقاق مـــ الساقية المذكورة واستشهدوا على ذلك : أنه بتاريخ خمسة عشر شوال سنة (۱۲۷۱) هـ كــان ادعى عليهم وعلى الموكلين جماعة لدى الحاكم الشرع السابق بحمص (قاضي زاده السيد محمد سعيد ) أفندي منهم ملتزم مزرعة قرية (جوبر) وقرية (حديدة ) وبعض أهالي قرية (بابا عمرو) وبعض أهالـ ي مدينة حمص، فالملتزم المذكور وأهالي القرى المذكورة كانوا يريدون ماء الساقية لسقاية مزروعاتهم وأراضيهم الميرية، وأبناء البلد كانوا بريــــــدون الماء الى أراضيهم التي بريدون نصبها بساتين وأشجارا مثمرة، فـ لم يتمكنوا من ذلك لأن المدعى عليهم أبرزوا مايؤيد حقهم المكتسب بمــــــاء الساقية، ولذلك وافقهم القاضي الشرعي وكتب لهم حجة شرعية بذلك ثبت أحقيتهم في ماء الساقية، وذكروا بأن آباءهم وأجدادهم صرفوا من مالهم على ماء الساقية المذكورة على تعزيلها وكربها وايصالها الى بساتـ ازوارهم ما يقارب المائة ألف قرش بالاضافة الى تعبهم وترتب عليهم أموال أميرية. وكل سنة يصرفون على عملية تعزيل الساقية مبلغا يزيد على عشرين ألف قــرش مــن خاص الهـم عـدا تعب أنفسهم. وأنهم واضعون أيديهم والموكلون على ذلك من عهد آبائهم وأجدادهم قديما ومتصرفون بذلك بدون معارض ولا منازع شرعي وأنكروا دعوى المدعي المذكور وطلبوا منعه ومــــــــع كل من أراد أخذ شيء من ماء الساقية المذكورة أو تعرض لها بوجه مـــــن الوجوه بدون أذنهم ولارضائهم وأبرزوا من يدهم الحجة المذكورة آنفا فقرئت بالمجلس بمسمع من المدعي المذكور، فأنكر مضمونها ودعواهم المذكـ ورة وكلفهم باثبات ذلك بوجهه فاستشهدوا بشهود عدول أيدوا حقهم القديم منذ ستين سنة بماء الساقية ووضعهم أيديهم عليه لسقاية أزوار بساتينهم ثم عرضت الدعوى على مفتي حمص الاثار ي زاده السيد محمد الذي كان حاضرا فصدر الجواب بقلمه المعتاد: الحمد لله تعالى حيث أثبت مضم ون حجتهم وتصرفهم القديم بالبينة الشرعية فيجب العمل بمضمون تلك الحجة، ولا يسوغ لأحد نقض حكم الحاكم الشرعي بلا وجه شرعي ، وحينئذ يمنــ المدعي من دعواه المذكورة، وحيث كان الماء مشتركا بين أرباب الأيادي على الماء، وليس لأحد أن يسقي منه أرضا ونحوها الا باذنهم جميعا . والله سبحانه الهادي وعليه اعتمادي . وعندئذ أثبت الحاكم الشرعي الحجة الشرعية الصادرة عن الحاكم السابق ، وأفهم المدعي بأن لاحق له ولا لغيره فـ ماء الساقية ومنعه من التعرض اليهم بأي شكل بعد أن صدرت الفت ـوى بتأييد حقهم القديم والمكتسب بماء الساقية .
والجلسة عقدت في أواخر سنة ( ۱۲۷۷هـ = ١٨٦١م).
كانت الساقية تقدّم لأهالي حمص خدمات جلى كتقديم مياه الشـ رب العذبة ومد الجامع النوري الكبير بحاجته من الماء وكذلك جامع الدالاتي بعد بنائه الحديث، مطلع القرن العشرين ( ۱۹۰۵ ) م ، ولمّا كانت مياه الساقية لا تصل الى البيوت لذلك كان اعتماد الناس على السقائين في الحصول على المياه العذبة. كان السقاء يتخذ بغلا أو كديشا يضع عليه راويته وهـ وعاء من جلد له فردتان تتصلان من الأعلى بفتحة مشتركة تستريح على ظهر الدابة، وتتدلّى كل فردة على جنب من جانبي الدابة. وتنتهي كل فردة بفتحتين تشدان بمرس رفيع، فاذا أراد السقاء أن يملأ لأحد وعاءه وضع الوعاء تحت احدى الفتحات السفلية وفك رباطها عنها فيتدفق الماء منها الى الاناء وعند ملء الراوية يسكب الماء فيها من الفتحة العلوية المشتركة فتمتلئ الفردتان معا .
كان مقهى السقائين لا يزال موجودا حتى السبعينات من هذا القرن في
تعليق