التعريف بالكـتاب
في الخمسين سنة الأخيرة حدث تطور كبير في مفهوم التاريخ وبدأ المؤرخون المحدثون يميلون عن الاهتمام بالتاريخ السياسي ، تاريخ المـ والقواد بعلاقاتهم مع أصدقائهم - تاريخ معاركهم الطاحنة ، والمعاهدات التم نجمت عنها ، والتبويات التي فرضت على المغلوبين ونتائج ذلك كله عـــــــلـى الأحداث التي تلت لقد مال المؤرخون المحدثون عن التاريخ السياس ي، ورغبوا في التاريخ الاجتماعي والاقتصادي، كيف كان يعيش النـــــــــاس ، وما العلاقات التي نظمت حياتهم فيما بينهم ومع غيرهم وما مصادر رزقهم أي كل ما يتعلق بالانسان العادي الذي يصنع ويزرع ويبني وفق تقاليد متوارثة ، وعادات لها قوة القانون ، بل هي أشد منه رسوخا وأبعد أثرا في المجتمع.
وعلى ذلك فليس تاريخ بلاد الشام، في العصور الحديثة ، السلطان سليم الأول ، ومعركة مرج دابق ، وجانبرد الغزالي، وخاير بك وفخر الدين المعني الأول وظاهر العمر ، وأحمد الجزار ، بل هم الناس الذين كانوا ينتجون القوت والحاجات اليومية للسكان يمدونهم بمقومات حياتهم وأسباب معاشهم ، بزرعون الأرض ، ويصنعون الثياب والأسلحة والأدوات المنزلية ، ويدفعون الضرائ للحكام . وشعارهم : الانسان في التفكير والله في التدبير ! ! ! .
هذا هو المفهوم الحديث للتاريخ الآن ، وبهذا المفهوم بدأنا كتابة تاريخ حمص من ( ١٨٤٠ – ١٩١٨) م أي من خروج المصريين من بلاد الشــام الــــى خروج الاتراك العثمانيين منها في نهاية الحرب العالمية الأولى وهزيمته فيها . وقد يتساءل القارىء الكريم . لم اخترنا هذه الحقبة بالذات ؟ وجوابنا لأن الوثائق المتعلقة بها توافرت لنا : قرارات المحكمة الشرعية بحمص لهذه الحقبة وشجرات النسب لبعض العائلات و اجازات مشايخ الصوفية لمريديهم وتركات المتوفين، ووقفيات بعض الناس - أملاكهم على ذراريهم وشروطهم التي وضعوها لادارة الوقف ، وشكل الاستفادة وماله . وبعض المخطوطات التي توفى كاتبوها ولم تسنح طباعتها حتــــــى الآن - مما بری مثبوتـا في حواشي الكتاب وهذه الوثائق موجود معظمها لدى أحدنا نعيم الزهراوي ، وقد انتقلت اليه عن خاله المرحوم عبد الهادي الزهراوي ، الذى كان يعمل خبيرا لدى المحاكم في مدينة حمص ودائرة الأوقاف ، والدوائــــــر العقارية ـ وتوفي في السبعينات من هذا القرن .
لن يجد القارى ، الكريم في كتابنا تاريخا لحمص على النمط القديم بل سيجد فيه الأجوبة عن بعض التساؤلات التي تخطر في البال . مثل من بنی حمص ؟؟ وما أصل اسمها ؟ وكيف نشأت ؟ وضعنا المقدمة التاريخية الاجابة عن مثل هذه الأسئلة مع موجز لتاريخها منذ نشأتها حتى بداية الحقبة موضوع الكتاب .
ثم تكلمنا على وضع حمص كما كانت عام / ١٨٤٠/م : أسوارها وأبوابها ، وأحياؤها وشوارعها ، ثم بحثنا مسألة السقاية : من أن كانت حمص تستقي وما مصادر مياهها، وكيف كانت عادات أهلها وتقاليدهم في حياتهم اليومية ، وفي أفراحهم وأتراحهم ، ومواسمهم وأعيادهم، وخصصنا الفصل السادس للكلام عن التصوف والطرق الصوفية في حمص ، وهـــــــــو بحث ينشر لأول مرة ولم يتطرق اليه أحد من الذين كتبوا عن حمص فيما تعلم .
هذا محتوى الجزء الأول من كتابنا ، أما الجزء الثاني فسيتضم اماكن العبادة ، والحياة الاقتصادية من زراعة وتجارة وصناعة وملكية الأرض . والعلاقات بين مالكي الأرض والعاملين فيها . ثم الحياة الاجتماعية من حيث التركيب الديموغرافي للبلد وأصول السكان والعائلات ، ونأمل أن يمتد بنا العمر حتى ننجز الجزء الثاني بمشيئة الله وعونه .
ولا يسعنا في نهاية هذا الحديث الا أن نقدّم جزيل الشكر لكل من ساعدنا على انجاز هذا الكتاب ، ونخص بالشكر منهم السيد العميد الركن عبــــــد الكريم النبهان الذى أطلعنا على بعض وثائق المحكمة الشرعية في حماه مما أسهم في إنارة بعض جوانب البحث ، والحاج عبد الغني السلقيني ، صاحب الذاكرة المدهشة ، أطال الله بقاءه ، والمهندسة المعمارية الآنسة . ديمة اتماز السباعي التي رسمت مخططات هذا الجزء ، والسيد مصطفى خلوف الخبير في شؤون الساقية والري والسيد محمد غازی بن عبد الکریم حسین آ اء سبط الشيخ سعد الدين الجباوي الذي قدم المخطوطات والوثائق وبعض الكتب ، والسيد المهندس المدني حيان بن عبد الحسيب مدور الذي وضع تحت تصرفنا ، غرفة من مكتبه الهندسي، بالمرحلة الأولى من العمل في الكتاب، والسيد المهندس منصور بن نجم الدین ادريس، الذي قام بتصوير الكثير من الأماكن الأثرية في حمص وبعض نواحيها .
كما نشكر السيد المهندس محمد نهاد الصوفي الذي قدم بعض الوثائق والحاج مطيع شمس الدين الذي قدم بعضها أيضا ، كما نشكر السيد عبــــــد الجواد الحصني، مدير أوقاف حمص لتزويده إيانا بموافقته على زيارتنـــــــا جوامع حمص ومقاماتها في المدينة والريف، وزيارة مكتبة الأوقاف ومتحف الأوقاف . والسيد الفنان فاروق قندقجي الذي صمّم غلاف الكتاب ، كما نشكر جميع الذين مكنونا من الاطلاع على وثائقهم الخاصة من أهالي حمص الكرام .
تعليق