بنو القبطرنة
لقد ضمنت المصادر الأندلسية تلك التي وثقت تاريخ الأندلس وآدابه، تتبع حيوات الكثير من الشعراء الذين لم توف الدراسات حقهم في الظهور والشيوع، نقف اليوم مع أبرز الشعراء الذين برزوا بالشعر والأدب إضافة إلى استلامهم الوزارة في عهد بني الأفطس في بطليوس، وهم أبناء القبطرنة (القبطرونة).
حياة الشعراء الثلاث من أبناء القبطرنة
بنو القبطرنة شعراء ووزراء وهم ثلاثة أخوة، أبو بكر عبد العزيز، وأبو محمد طلحة، وأبو الحسن محمد، عاشوا في الدولة الأندلسية في عهد بني الأفطس في بطليوس في عهد ملوك الطوائف، كتبوا عند ملك لمتونة ودخلوا معه غرناطة، من القلائد هم للمجد كالأثافي ومن منهم إلا موفور القوادم والخوافي إن ظهروا زهروا وإن تجمّعوا تضوّعوا وإن نطقوا صدّقوا، ماؤهم صفو وكلّهم كُفو، أمّا الوزير الكاتب أبو بكر عبد العزيز فهو كما قال عنه صاحب الذخيرة: “أحد فرسان الكلام، وحملة السيوف والأقلام، من أسرة أصالة وبيت جلالة، أخذوا العلم أولا عن آخر، ورووه كابرا عن كابر، ولله درّه فإنّه وأخويه أبا محمد طلحة وأبا الحسن محمدا، منتهى قول القائل وأعجوبة الأواخر والأوائل ثلاثة كهقعة الجوزاء، وإن أربوا على الشمس في السنا والسناء، امتروا أخلاف الفخر فأمطرتهم شبعا وريّا، وهزّوا بجذوع النظم والنثر، فاسّاقطت عليهم رطبا جنيا.
ومن نثر أبي بكر، رقعة خاطب بها الوزير أبا الحسين ابن السراج قال فيها: “لولا أنّ عوائق الزمان – أدام الله عزّك – تعوقُ، وبنائقَ مساعدته على الأحرار- بعلمك – تضيق، لساعدت إليك نزاعي وانقدْتُ في حبل تشوّقي واطّلاعي، ولطرْتُ بجناح، وامتطيتُ أعناق الرياح، ولاستبطأتُ السلاهيب، واستهجنْتُ الجرد اليعابيب، ولم أرضَ بالتي تنفخُ في البُرى، واستقصرتُ بريد السُّرى، بالليل من خيل بربرا، ولارتحلْتُ الكوكب، وحملتُ إليك قلبا كقلب العقرب، ولاتخذْتُ المجرّة سبيلا، وسهيلا دليلا، ولقدْتُ البدر المنير، وركبتُ الشّعرى العَبور، وامتطيتُ الأفلاك، وتترَّستُ بالثريا، وطعنتُ بالسّماك، هذا لو أردت البَرّ، ومقاساة السهل منه والوعر، وإلا اتّخذت السمكة سفينة، وأقمتُ لها النعائم ألواحا، وعطاردًا مَلاحًا، وقيّرت بالغيوم، وسمّرت بالنجوم… حتى أحطّ في واديك، وأعرض نسخة مذاهبي في ناديك، فأرتسم في الجملة، وأصلّي إلى تلك القبلة، وأسعد بتلك الغُرّة، وأقضي من لقائه الحجّ والعمرة، وأطوف بذلك المقام… وعوّدتني – دام عزّك – الأخذ بيدي عند العثار، والنهوض بي رغم أنف الليل والنهار، فلك الفضل الذي عوّدت، والطـَّول الذي أسلفت… سلامَ حبيب على الحسن بن وهب والعراق، وإن بكيت عني مع إخواني فطالما كنتُ أعيرُ الدموع للعشاق”.
وقد كان لأبي بكر عبد العزيز بن سعيد البطليوسي الكاتب والوزير بطولات مع المتوكل في حملاته وحروبه وكان أثناءها ينشد وينظم الشعر واصفا المعارك ومادحا الخليفة في شعر لا يخلو من البلاغة والبراعة.
والأخ الثاني وهو أبو محمد طلحة بن سعيد بن القبطرنة، “أخذ من مشيخة بلده وهو أحد الأدباء الأذكياء توفي في حياة أخيه أبي بكر عبد العزيز بن سعيد”، وعاش في أكناف الدولة الإسلامية في الأندلس مقيما في قصورها، ووزيرا من وزرائها، عاش محاربا وشاعرا ومادحا، وواصفا وكانت أشعاره جميلة ورقيقة وبارعة.
أما الأخ الثالث وهو أبو الحسن محمد بن سعيد القبطرنة، مثل أخويه عاش شاعرا ومحاربا.
شعرهم
وكان أبناء القبطرنة قد برعوا في الوصف والرثاء والفخر، ومن يقرأ أشعارهم يجد ما يؤنس الخاطر، بما فيها من وصف الطبيعة الجميلة بالأندلس من قصور وحاشية وجوار، وصوّروا طبيعتهم بكل رقي وجمال وسمو في الألفاظ والمعاني، وكانوا أصحاب صنعة بالبلاغة والأدب الرفيع، فجاءت أشعارهم رقيقة وسهلة وانسيابية في التعبير عن شجونهم وفرحهم وأحلامهم وآمالهم في العيش والحرية في بلادهم، وجاءت موضوعات أشعارهم يسمّى بالمقابلات الشعرية بين الأخوة؛ إذ ينشد الأخ قصيدته ثمّ يردّ أخاه الآخر عليه بنفس النفس الشعري والقافية والوزن.
وذكر أنهم باتوا ليلة على راحة، فلما همّ رداء الفجر أن يندي وجبين الصبح أن يتبدى، قام أبو محمد فقال:
يا شـقيقي أتى الصباح بوجه *** ســتر الـلـيل نــوره وبـهـاؤه
فاصــطبح واغتنـم مســرة يوم *** ليس تدري بما يجـيء مسـاؤه
ثم استيقظ أخوه أبو بكر وقال:
يا أخي قم تر النـــيم عليـلا *** باكر الروض والمـدام الشـمولا
لا تنم واغتنـم مسـرة يـوم *** أن تحـت التـراب نومــا طويـلا
ثم استيقظ أخوهما أبو الحسن فقال:
يا صـاحبي ذرا لومــي ومعتبتـي *** قم نصـطبح خمرة من خيـر
ما ذخروا وبادرا غفلة الأيام واغتنما *** فاليوم خمـر ويبدو في غـد خبر
ومن محاسن أبي بكر قوله:
دعـاك خليـلك واليوم طـل *** وعارض وجه الثــرى قد بقـل
لقدرين فاحـا وشمامة *** وإبريـق راح ونعـم المحـل
ولو شـــاء زاد ولكنــه *** يـلام الصـديق إذا ما احتفـل
وقوله:
هـلـم إلى روضــــنا يا زهــر *** ولـح في سـماء العلا يا قمر
إذا لم تكن عندنا حاضرا *** فما لعيــون الأماني ممر
وقعــت من القلــب وقــع المنـى *** وحـسنت في العين حسن الحور
ولأبي الحسن:
ذكرت سليمي وحر الوغى *** كجســمي ســاعة فارقتــها
وأبصــرت بـين القنــا قدَّهـــا *** وقـد ملـْـن نحوي فعانقتها
لقد ضمنت المصادر الأندلسية تلك التي وثقت تاريخ الأندلس وآدابه، تتبع حيوات الكثير من الشعراء الذين لم توف الدراسات حقهم في الظهور والشيوع، نقف اليوم مع أبرز الشعراء الذين برزوا بالشعر والأدب إضافة إلى استلامهم الوزارة في عهد بني الأفطس في بطليوس، وهم أبناء القبطرنة (القبطرونة).
حياة الشعراء الثلاث من أبناء القبطرنة
بنو القبطرنة شعراء ووزراء وهم ثلاثة أخوة، أبو بكر عبد العزيز، وأبو محمد طلحة، وأبو الحسن محمد، عاشوا في الدولة الأندلسية في عهد بني الأفطس في بطليوس في عهد ملوك الطوائف، كتبوا عند ملك لمتونة ودخلوا معه غرناطة، من القلائد هم للمجد كالأثافي ومن منهم إلا موفور القوادم والخوافي إن ظهروا زهروا وإن تجمّعوا تضوّعوا وإن نطقوا صدّقوا، ماؤهم صفو وكلّهم كُفو، أمّا الوزير الكاتب أبو بكر عبد العزيز فهو كما قال عنه صاحب الذخيرة: “أحد فرسان الكلام، وحملة السيوف والأقلام، من أسرة أصالة وبيت جلالة، أخذوا العلم أولا عن آخر، ورووه كابرا عن كابر، ولله درّه فإنّه وأخويه أبا محمد طلحة وأبا الحسن محمدا، منتهى قول القائل وأعجوبة الأواخر والأوائل ثلاثة كهقعة الجوزاء، وإن أربوا على الشمس في السنا والسناء، امتروا أخلاف الفخر فأمطرتهم شبعا وريّا، وهزّوا بجذوع النظم والنثر، فاسّاقطت عليهم رطبا جنيا.
ومن نثر أبي بكر، رقعة خاطب بها الوزير أبا الحسين ابن السراج قال فيها: “لولا أنّ عوائق الزمان – أدام الله عزّك – تعوقُ، وبنائقَ مساعدته على الأحرار- بعلمك – تضيق، لساعدت إليك نزاعي وانقدْتُ في حبل تشوّقي واطّلاعي، ولطرْتُ بجناح، وامتطيتُ أعناق الرياح، ولاستبطأتُ السلاهيب، واستهجنْتُ الجرد اليعابيب، ولم أرضَ بالتي تنفخُ في البُرى، واستقصرتُ بريد السُّرى، بالليل من خيل بربرا، ولارتحلْتُ الكوكب، وحملتُ إليك قلبا كقلب العقرب، ولاتخذْتُ المجرّة سبيلا، وسهيلا دليلا، ولقدْتُ البدر المنير، وركبتُ الشّعرى العَبور، وامتطيتُ الأفلاك، وتترَّستُ بالثريا، وطعنتُ بالسّماك، هذا لو أردت البَرّ، ومقاساة السهل منه والوعر، وإلا اتّخذت السمكة سفينة، وأقمتُ لها النعائم ألواحا، وعطاردًا مَلاحًا، وقيّرت بالغيوم، وسمّرت بالنجوم… حتى أحطّ في واديك، وأعرض نسخة مذاهبي في ناديك، فأرتسم في الجملة، وأصلّي إلى تلك القبلة، وأسعد بتلك الغُرّة، وأقضي من لقائه الحجّ والعمرة، وأطوف بذلك المقام… وعوّدتني – دام عزّك – الأخذ بيدي عند العثار، والنهوض بي رغم أنف الليل والنهار، فلك الفضل الذي عوّدت، والطـَّول الذي أسلفت… سلامَ حبيب على الحسن بن وهب والعراق، وإن بكيت عني مع إخواني فطالما كنتُ أعيرُ الدموع للعشاق”.
وقد كان لأبي بكر عبد العزيز بن سعيد البطليوسي الكاتب والوزير بطولات مع المتوكل في حملاته وحروبه وكان أثناءها ينشد وينظم الشعر واصفا المعارك ومادحا الخليفة في شعر لا يخلو من البلاغة والبراعة.
والأخ الثاني وهو أبو محمد طلحة بن سعيد بن القبطرنة، “أخذ من مشيخة بلده وهو أحد الأدباء الأذكياء توفي في حياة أخيه أبي بكر عبد العزيز بن سعيد”، وعاش في أكناف الدولة الإسلامية في الأندلس مقيما في قصورها، ووزيرا من وزرائها، عاش محاربا وشاعرا ومادحا، وواصفا وكانت أشعاره جميلة ورقيقة وبارعة.
أما الأخ الثالث وهو أبو الحسن محمد بن سعيد القبطرنة، مثل أخويه عاش شاعرا ومحاربا.
شعرهم
وكان أبناء القبطرنة قد برعوا في الوصف والرثاء والفخر، ومن يقرأ أشعارهم يجد ما يؤنس الخاطر، بما فيها من وصف الطبيعة الجميلة بالأندلس من قصور وحاشية وجوار، وصوّروا طبيعتهم بكل رقي وجمال وسمو في الألفاظ والمعاني، وكانوا أصحاب صنعة بالبلاغة والأدب الرفيع، فجاءت أشعارهم رقيقة وسهلة وانسيابية في التعبير عن شجونهم وفرحهم وأحلامهم وآمالهم في العيش والحرية في بلادهم، وجاءت موضوعات أشعارهم يسمّى بالمقابلات الشعرية بين الأخوة؛ إذ ينشد الأخ قصيدته ثمّ يردّ أخاه الآخر عليه بنفس النفس الشعري والقافية والوزن.
وذكر أنهم باتوا ليلة على راحة، فلما همّ رداء الفجر أن يندي وجبين الصبح أن يتبدى، قام أبو محمد فقال:
يا شـقيقي أتى الصباح بوجه *** ســتر الـلـيل نــوره وبـهـاؤه
فاصــطبح واغتنـم مســرة يوم *** ليس تدري بما يجـيء مسـاؤه
ثم استيقظ أخوه أبو بكر وقال:
يا أخي قم تر النـــيم عليـلا *** باكر الروض والمـدام الشـمولا
لا تنم واغتنـم مسـرة يـوم *** أن تحـت التـراب نومــا طويـلا
ثم استيقظ أخوهما أبو الحسن فقال:
يا صـاحبي ذرا لومــي ومعتبتـي *** قم نصـطبح خمرة من خيـر
ما ذخروا وبادرا غفلة الأيام واغتنما *** فاليوم خمـر ويبدو في غـد خبر
ومن محاسن أبي بكر قوله:
دعـاك خليـلك واليوم طـل *** وعارض وجه الثــرى قد بقـل
لقدرين فاحـا وشمامة *** وإبريـق راح ونعـم المحـل
ولو شـــاء زاد ولكنــه *** يـلام الصـديق إذا ما احتفـل
وقوله:
هـلـم إلى روضــــنا يا زهــر *** ولـح في سـماء العلا يا قمر
إذا لم تكن عندنا حاضرا *** فما لعيــون الأماني ممر
وقعــت من القلــب وقــع المنـى *** وحـسنت في العين حسن الحور
ولأبي الحسن:
ذكرت سليمي وحر الوغى *** كجســمي ســاعة فارقتــها
وأبصــرت بـين القنــا قدَّهـــا *** وقـد ملـْـن نحوي فعانقتها