منذ مليارات السنين، اصطدمت مجرتنا درب التبانة مع مجرة (السجّق – Sausage) وقد كان ذلك أشبه بكارثةٍ كونية.
ﺍﺗَّﻀﺢ ﺃﻥ ﻣﺠﺮﺗﻨﺎ ﺗﺒﺪﻭ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺑسبب ذلك الاصطدام مع ما ﻳُﺴﻤﻰ (Gaia Sausage).
ﻭرغم أنه لا يمكن للمجرات ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻀﺎء أن يلتهم بعضُها بعضًا، اكتشف باحثو ﺍﻟﻔﻠﻚ إﺷﺎﺭﺍﺕٍ ترجع إلى مجرةٍ صغيرةٍ ﻗﺪ ﺗﺤﻄّﻤﺖ ﻓﻲ ﻣﺠﺮﺓ ﺩﺭﺏ ﺍﻟﺘﺒﺎﻧﺔ ﻣﻨﺬ ما يقارب ﻣﻠﻴﺎﺭات الأعوام ﺗﺎﺭﻛﺔ ﻭﺭﺍﺀﻫﺎ ﻓﻮﺿﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﺫﺍﺕ ﻣﺪﺍﺭﺍﺕ ﻏﻴﺮ عادية ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍّ ﻣﺎ.
ﺇﺫﻥ، ﻣﺎ ﺍﻟﺬي يشكّل ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﻜﻮﻧﻲ «السُّجق»؟!
ﻳﻘﻮﻝ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻔﻀﺎﺀ ﻭﻳﻦ ﺇﻳﻔﺎﻧﺰ (Wyn Evans) من ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻛﺎﻣﺒﺮﻳﺪﺝ: «إﻥ ﻛﻞ ﺫﻟﻚ هبط ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﺑﻌﺪ التصادم. ﻟﻘﺪ قمنا معًا برسم سرعة ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻭكأن (السجّق) ﻗﻔﺰ عليها، وﻫﺬه النجوم هي ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ ﺍﻻﻧﺪﻣﺎﺝ ﺍﻟرئيس ﺍﻷﺧﻴﺮ لدﺭﺏ ﺍﻟﺘﺒﺎﻧﺔ».
ﺇﺫﺍ ﻛﻨﺖ قادرًا على تخيّل ذلك، فبلا شك أنت قادرٌ على ﺭﺅﻳﺔ الشكل الذي تكون عليه «السجق» كالرسم البيانيّ ﺃﺩﻧﺎﻩ.
ﺇﻥَّ ﺍﻻﺻﻄﺪﺍﻣﺎﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺠﺮﺍﺕ لا تعود كليًا للظواهر غير الاعتيادية، ﻭﻗﺪ ﺣﺼﻠﺖ ﺩﺭﺏ ﺍﻟﺘﺒﺎﻧﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﺼﻴﺒﻬﺎ ﺍﻟﻌﺎﺩﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺒﺎﺭ ﻣﻊ ﺣﺸﻮﺩ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﺍﻟﻤﺤﻴﻄﺔ.
ﺃﺣﺪ ﺍﻻﻧﺪﻣﺎﺟﺎﺕ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳُﻌﺘﻘﺪ ﺃﻧﻬﺎ ﻭﻗﻌﺖ ﻗﺒﻞ مئة ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺳﻨﺔ ﺗﺮﻛﺖ ﺍﻟﻤﺠﺮﺓ في حالة هائجة كما لو أنها تدق كالجرس، ﻣﻊ ﺗﻤﻮﺟﺎﺕٍ ﺿﺨﻤﺔ ﻟﻮﺣﻈﺖ ﻓﻲ ﺭﻛﻨﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺠﺮﺓ، ﻟﻜﻦ ﻫﺬﺍ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺠﺮﺩ ﻧﻔﺨﺔٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻭﺍﻟﻐﺒﺎﺭ.
فقد لاحظ ﺗﺤﻠﻴﻞٌ ﺇﺿﺎﻓﻲٌّ ﺃن ذلك ﻛﺎﻥ ﻣﺼﺤﻮﺑًﺎ مع ﻤﺎ ﻻ ﻳﻘﻞ ﻋﻦ ﺛﻤﺎﻧﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ، ﻤﺎ ﻳﻌﻨﻲ أنه مهما تتبعثر ﺍﻟﻤﺠﺮﺍﺕ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ، تتركز بقدر 10 ﻣﻠﻴﺎﺭﺍﺕ ﻛﺘﻠﺔ ﺷﻤﺴﻴﺔ.
ﻳﻘﻮﻝ ﺳﻴﺮﻏﻲ ﻛﻮﺑﻮﺳﻮﻑ ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻛﺎﺭﻧﻴﺠﻲ ﻣﻴﻠﻮﻥ: «في ﺣﻴﻦ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻷﻗﻤﺎﺭ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ الضئيلة ﺗﺴﻘﻂ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﺮﺓ ﺩﺭﺏ ﺍﻟﺘﺒﺎﻧﺔ منذ وجودها، إلا أن ﻫﺬﺍ كان ﺃﻛﺒﺮﻫﺎ».
ﺩﺭﺱ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻔﻠﻚ ﻋﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﺣﻮﺍﻟﻲ 200000 نجم ﺗﺴﻠﺴﻞٍ ﺭﺋﻴﺴﻲّ ﻓﻲ ﺟﻮﺍﺭﻧﺎ ﻣﺄﺧﻮﺫﺓ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺑﻴﺎﻧﺎﺕ ﻣﻦ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﺍﻟﻔﻀﺎﺀ Gaia ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟ (ﻮﻛﺎﻟﺔ ﺍﻟﻔﻀﺎﺀ والمسح ﺍﻷﻭﺭﻭﺑﻴﺔ – Sloan Digital Sky Survey).
ﺑﺎﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﻨﻤﺎﺫﺝ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺔ لتحليل ﻣﺴﺎﺭﺍت النجوم؛ توﺻّﻞ ﺍﻟﺒﺎﺣﺜﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺣﺪﺙٍ ﻫﺎﺋﻞ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﻣﺠﺮﺗﻨﺎ ﻣﻨﺬ ﻣﺎ ﻳﻘاﺮﺏ 8 ﺇﻟﻰ 10 ﻣﻠﻴﺎﺭﺍﺕ ﺳﻨﺔ.
ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻛﺎﺭﺛﻴًﺎ ﺇﻟﻰ ﺣﺪٍّ ﻛﺒﻴﺮ، ﻓﻜان لدﺭﺏ ﺍﻟﺘﺒﺎﻧﺔ أن تكون محطمةً كليًا ﻋﻠﻰ ﺃﻗﻞ ﺗﻘﺪﻳﺮ، منحتها تلك النجاة ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴر شكلًا ﺟﺪﻳﺪًﺍ قبل استقرارها ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ بشكل القرص المنتفخ ﺍﻟﻤﺄﻟﻮﻑ.
ﺗﺄﺗﻲ ﺍﻟﻤﺠﺮﺍﺕ ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﺷﻜﺎﻝ ﻭﺍﻷﺣﺠﺎﻡ، ﻭﻟﻜﻦ ﺑﻌﺾ ﺧﺼﺎﺋﺺ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺮﺹ الحلزونيّ ﺍﻟﺬﻱ يُسمى «ﺍﻟﻤﻨﺰﻝ» ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻌﺐ ﺗﻔﺴﻴﺮﻫﺎ.
لذلك، ﻧﺤﻦ ﻧﺠﻠﺲ ﺩﺍﺧﻞ ﻫﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ، الكثير ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻗﺪﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﺛﺮﺓ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﻧﺤﺎﺀ المستوى المسطح (بخلاف القرص المنتفخ).
ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺤﺎﻭﻻﺕ ﻟﺸﺮﺡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺪﻯ ﻋﻘﻮﺩ، ﻟﻜﻦ ﺍﻟﻔﻠﻜﻴﻴﻦ ﺍﺳﺘﻤﺮﻭﺍ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ﺍﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ بوﻀﻊ تأويلٍ جديدٍ لهذا ﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺝ باعتقاد أن ﺩﺭﺏ ﺍﻟﺘﺒﺎﻧﺔ ﺍﻷﺻﻐﺮ ﺳﻨًﺎ ﻗﺪ ﺃصيبت ﺑﻜﺮﺓٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻭﺍﻟﻐﺒﺎﺭ، ﻤﺎ ﺳﺎﻫﻢ ﻓﻲ ﻧﻮﺍﺓٍ ﻛﺜﻴﻔﺔ ﺃﺻﺒﺤﺖ محاطةً ﺑﻬﺎﻟﺔ.
ﻻ ﺗﺰﺍﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺠﺮﺓ ﺗﺤﻮﻱ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ الأﺩﻟﺔ عن منشئها، ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ الرئيس للدراسة ﺃﻟﻴﺲ ﺩﻳﺰﻭﻥ ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺩﻭﺭﻫﺎﻡ: «ﺗدور ﺟﻤﻴﻊ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ على بُعد ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺔ عن ﻣﺮﻛﺰ ﺍﻟﻤﺠﺮﺓ».
ﻻ ﺗﺘﺸﺎﺑﻪ ﺳﺮعة ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﺍﻟﺸﻌﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺬﻧﺒﺎﺕ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﻧﻈﺎﻣﻨﺎ ﺍﻟﺸﻤﺴﻲّ، إذ ﺗنغمسُ ﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰ ﺍﻟﻤﺠﺮﺓ ﻭﺗﺨﺮﺝ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻌﻄﻔﺎﺕ ﺍﻟﻀﻴﻘﺔ ﻭﺗﻐﻴّﺮ ﻛﺜﺎﻓﺔ ﺍﻻﻧﺘﻔﺎﺥ.
وﻋﻨﺪما ﺍﺳﺘﻤﺮ ﺍﻟﻘﺮﺹ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻤﺪﺩ ﻣﻊ ﻣﺮﻭﺭ ﺍﻟﻮﻗﺖ، تمددت ﻤﺪﺍﺭﺍﺕ النجوم أيضًا، وﻧﻈﺮًﺍ ﻟﺤﺠﻢ ﺩﺭﺏ ﺍﻟﺘﺒﺎﻧﺔ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺘﻘﺎﻁ ﺻﻮﺭﺓ ﺫﺍﺗﻴﺔ لها ﻟﻴﺲ بالأمر السهل، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﻤﻠﻚ ﺳﻮﻯ ﻓﻜﺮﺓ ﻣﺒﻬﻤﺔ ﻋﻦ ﺷﻜﻞ موطننا، ﻧﻤﺎﺫﺝ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺴﺎﻋﺪﻧﺎ ﻓﻲ ﺑﻨﺎﺀ ﺻﻮﺭﺓ ﺃﻛﺜﺮ ﻭﺿﻮﺣًﺎ، ﻭﺳﻴﺘﻢ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺗﺤﻠﻴﻞ ﺑﻴﺎﻧﺎﺕ السُّجق ﻻﺧﺘﺒﺎﺭ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺘﻮﻗﻌﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﻬﺎ ﺍﻟﻔﺮﻳﻖ.
يُعدُّ اصطدام ﺩﺭﺏ ﺍﻟﺘﺒﺎﻧﺔ مع مجرة مجاورة بهذا الحجم الكبير (السُّجق) مثيرًا للإعجاب.
ﻓﻲ غضون أربعة مليارات ﺳﻨﺔ، ستجتمع (ﺃﻧﺪﺭﻭﻣﻴﺪﺍ ﻭﺩﺭﺏ ﺍﻟﺘﺒﺎﻧﺔ – Milkomeda) ﻣﻌًﺎ ﻭﻳﺨﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ ﻓﻲ ﺭﻗﺼﺔ ﺑﻄﻴﺌﺔ ﺳﺘﻐﻴﺮ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﺷﻜﻞ ﻣﺠﺮﺗﻨﺎ ﺑنسبة ﺿﺨﻤﺔ.
ﻟسنا قريبين من ﺭﺅﻳﺘﻬﺎ، ﻟﻜﻦ ﺗﻌﻠﻢ ﺍﻟﻤﺰﻳﺪ ﻋﻦ ﻣﺎﺿﻴﻨﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺴﺎﻋﺪﻧﺎ في ﺍﻟﺘﻨﺒﺆ ﺑﺪﻗﺔ ﺑﻤﺎ ﻗﺪ ﺗﺒﺪﻭ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺠﺮﺓ Milkomeda ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﺍﻟﻀﺨﻤﺔ.