إنّه لمن المؤسف دائمًا أن يكتسحَ ركن الأخبار العلميّة في الإنترنت شيءٌ لا يتعلق بالعلوم ولو قليلًا.
نشرت الصحيفة الشعبيّة البريطانية The Daily Star ادّعاءً حصريًّا يفيدُ أنّ أربعة روّاد فضاء بمن فيهم (باز ألدرين- Buzz Aldrin) قد اجتازوا اختبارات كشف الكذب بينما كانوا يتحدّثون عن ادعاءَاتهم فيما يخصّ ملاقاة فضائيين.
وفي أقلّ من 24 ساعة، كانت هذه الأخبار الغريبة تستحوذ على الإنترنت، وكسبت مكانًا بارزًا في قسم العلوم على صفحات جوجل نيوز.
وفقًا لصحيفة ديلي ستار، هناك معهد في مدينة ألباني بولاية أوهايو أجرى دراسةً على أربعة روّاد فضاء في ناسا، بينهم باز ألدرين.
يبدو أنّ نتائج تحليل صوتهم أظهرت أنّهم جميعًا مقتنعون بأنّهم قد واجهوا علاماتٍ على وجودِ حياةٍ غريبةٍ أثناء مهمّاتهم الفضائيّة مع العلم أنّ هذه النتائج لا يبدو أنها نُشرت في أيّ مكان، وربما لم تجتز أيّ تدقيقٍ علميٍّ أو لمراجعة الأقران.
إذن ما هو نوع التحليل الذي نتحدث عنه؟
يُقال إنّ هذا البحث مصدره معهد بيولوجيا الصوتيّات الحيويّة والصّحّة الصوتيّة، الذي يدَّعي أنّه استغلّ تردّدات صوت شخص كأنّها صورة مجسّمة للصحة والعافية.
وفقًا لموقع المعهد الإلكتروني فإن صوتك لا يخفي شيئًا. قد تكون قادرًا على الكذب على أصدقائك وتضليل نفسك بكلماتك لكن الترددات الصوتيّة لا تكذب.
الصوتيّات الحيويّة هي فرعٌ من العلوم المشروعة، يهتمُّ بشكلٍ كبيرٍ بالبحث في كيفيّة إنتاج الحيوانات لمختلف الأصوات، ومع ذلك ففي هذه الحالة فإنّ نُسُق الدراسة في المعهد تحمل علامات العلوم الزائفة.
حسنًا، بالعودة إلى روّاد الفضاء والفضائيين، ينصُّ المقال على أنّ ألدرين وكلًّا من (آل ووردن- Al Worden) و(إدجار ميتشل – Edgar Mitchell) و(جوردون كوبر- Gordon Cooper) شاركوا في الدراسة.
وهذا بالطبع مستحيل لأن كلًّا من كوبر وهو رائد فضاء في برنامج (ناسا ميركوري- NASA Mercury) وميتشيل الذي زار القمر في مهمّة أبولو 14 قد توفّيا.
تاليًا، توضّح المقالة أنّ المعهد استخدم تسجيلاتٍ صوتيةٍ لهذين الرجلين أو على الأرجح تسجيلاتٍ صوتيةٍ للروّاد الأربعة جميعًا، في حين أنّنا متأكدون تمامًا أنّ باز ألدرين لم يكن في أيّ مكانٍ قريبٍ من المعهد عندما كانت هذه الدراسة المزعومة قد تمّت.
إنّ كلًّا من ووردن وميتشل وكوبر قد تحدّث عن مخلوقاتٍ فضائيّةٍ ذكيّة وسفنٍ فضائيّة، وخاصّةً كوبر الذي زعم أنّه شاهدَ سفنًا فضائيّةً بينما كان لا يزال طيّارًا عسكريًا في خمسينيات القرن الماضي.
ولكن في حالة ألدرين فإنّ الشائعات حول أنه رأى سفينةً فضائيةً أثناء مهمة أبوللو 11 هي محضُ هراء، وقد قام باز بنفسه في عدة مناسبات بتفنيدها.
إليك ما حدث بالفعل:
عندما كان أوّل طاقم يهبط على القمر لا يزال في طريقه، رأى ألدرين ضوءًا خارج النافذة، استنتج الطاقم سريعًا أنّ ضوء الشمس كان ينعكس من لوحة المهيّئ؛ وهو واحدٌ من الأبواب الأربعة التي طَوّقت مركبة الهبوط ورُميت بمجرّد فصل تلك المرحلة من الصاروخ.
وردًّا على ذلك قال ألدرين قبل ثلاث سنوات «لم يكونوا فضائيين».
تتطلب الملاحظات الاستثنائية أدلّةً استثنائيّة، هذا ما قاله كارل ساجان.
لذا لم يرَ ألدرين جسمًا طائرًا في طريقه إلى القمر، ولم يخضع لاختبار كشف الكذب على هذه الادّعاءات.
كما قال الناطق باسم ألدرين لموقع Pedestrian عبر البريد الإلكترونيّ: «هذا كذبٌ ولا نعرف مصدره».
ماذا عن الادّعاء بأنّ تقنيّة تحليل الصوت يمكن أن تحدِّد ما إذا كان أحدهم يقول الحقيقة؟
على حدّ علمنا، فإنّ الأدلّة على هذا النوع من التحاليل الجنائيّة تبدو غيرَ موثوقةٍ، على الرّغم من أنّ هذه التكنولوجيا لا تزالُ سرّيّة للغاية فإنّ هذه الدراسات يُزعم أنّها أكثر موثوقيّة من اختبارات كشف الكذب الحالية ويمكن أن تحلّ قريبًا محلّ تلك المستخدمة من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي والشرطة.