لا تُعدُّ الأجواء على المريخ ممتازة، ويمكنك التأكد بنفسك من مسبار (أبورتيونيتي – Opportunity) المُرسل على سطح الكوكب.
ولكن مهلًا، يبدو أنك لن تستطيع؛ فقد دخل المسبار في حالة سباتٍ نتيجة هبوب عواصف شديدة غطّت الكوكب بأكمله.
أعلن العلماء خلال فترة سبات المستكشف عن اكتشافٍ مدهش: بحيرةٌ مائيةٌ ضخمةٌ مخبأةٌ تحت جليد المريخ، ذات سطحٍ جاف، قذر، ومغطى بطبقاتٍ من الغبار.
ولكننا الآن نعلم من أين يأتي كل ذلك الغبار!
إن المريخ كوكبٌ صخريٌّ كالأرض، وبينما على الأرض يُنقل الغبار من الصخور بواسطة قوى تآكل طبيعية؛ مثل حركة الرياح، والتيارات المياه، والأنشطة البركانية، وحركة الأنهار الجليدية، يختلف الأمر على سطح الكوكب الأحمر.
يرجع ذلك إلى وجود أشياء مثل الماء والجليد بنسب متدنية جدًا، بينما تخلق الظواهر الأخرى التي بإمكانها أن تفصل جسيمات الصخور-مثل تأثيرات النيازك- شظايا خشنة ليست كالمسحوق الناعم الذي نتحدث عنه والذي يخنق المستكشف (أبورتيونيتي).
وقد تساءل من قَبل عالمُ الكواكب (لوجيندرا أوجها – Lujendra Ojha) من جامعة (جونز هوبكنز – Johns Hopkins): «كيف يمكن للمريخ أن يتسبب في هذا القدر من الغبار؟ هل يرجع ذلك إلى عدم وجود أيٍّ من هذه العمليات على سطح المريخ؟».
ولكننا الآن نملك إجابة عن هذا!
يكشف تحليلٌ جديدٌ أجراه أوجها وزملاؤه الباحثون عن منطقةٍ جيولوجيةٍ غامضة على الكوكب الأحمر هي السبب وراء هذه الكتلة المتموجة من الغبار.
كم تبلغ كمية هذا الغبار؟ حوالي 3 تريليون كيلوغرام تتنقل بين سطح المريخ وغلافه الجويّ كل عام.
ويعتقد الفريق أن تلك الكمية الهائلة من التراب تنبع من تشكيلٍ غامضٍ يُسمى Medusae Fossae Formation، وهو عبارة عن رواسب وصفتها (وكالة الفضاء الأوروبية – ESA) أنها «وحدة واسعة ذات أصل مبهم».
وقد صرح أحد أعضاء الفريق، عالم جيوفيزياء الكواكب (كيفين لويس – Kevin Lewis): «لم يكن المريخ ليمتلئ بهذه الكمية الهائلة من الغبار لولا هذه الرواسب الضخمة التي تتآكل تدريجيًا مع مرور الوقت وتلوث الكوكب».
اكتشفت ناسا ذلك التشكيل الجيولوجي الذي يبلغ طوله 1000 كيلومتر (حوالي 620 ميلًا) في ستينيات القرن الماضي، إلا أن العلماء لم يدركوا أنه من أصل بركاني إلا في الآونة الأخيرة؛ ما يعني أنه أكبر تشكيلٍ بركانيّ في مجموعتنا الشمسية بأكملها.
بل وما يثير الدهشة أن تشكيل ميدوسا فوسا كان أكبر حجمًا مما هو عليه الآن بشكلٍ كبير، ولكن تركيبته خفيفة الوزن سهلة الاختراق -والتي تعرضت للتآكل على مدى مليارات السنين- تعني أن التشكيل ما هو إلا شبحٌ لنفسه سابقًا.
وقد حدد الفريق البحثي التركيبة كمصدرٍ للغبار عن طريق مطابقة التركيب الكيميائي لغبار المريخ مع قراءات تشكيل ميدوسا فوسا التي قامت بها المركبة الفضائية (NASA Mars Odyssey).
شرح أوخا: «الغبار في كل مكان على سطح الكوكب، غنيٌّ بالكبريت والكلور، وله نسبة مميزة جدًا من الكبريت إلى الكلور».
وقد تبين أن تلك النسبة الكيميائية توجد أيضًا في تشكيل ميدوسا فوسا، والذي يعتقد العلماء أنه كان بحجم كبير يصل إلى حوالي 50٪ من مساحة الولايات المتحدة.
أما في هذه الأيام، تصل النسبة إلى حوالي 20% فقط، يبدو أنه كما ذكرنا مسبقًا، لا تُعدُّ الأجواء على المريخ ممتازة للغاية.
ووفقًا لحسابات الفريق، إن هذا الانخفاض الملحمي في الصخور البركانية على مدار حوالي 3 مليارات سنة سينتج طبقة غليظة من غبار المريخ، ويغطي سطح الكوكب الأحمر في طوفان غبارٍ يتراوح ما بين 2 إلى 12 مترًا (حوالي 7 إلى 40 قدمًا) في سُمكه.
يمتلك كوكب الأرض مشاكل تلوث متعددة، ولكن عندما يتعلق الأمر بالغبار، يحظى الكوكب الأحمر بالمركز الأول بجدارة.