الجميع بعرف أن قمة إفرست في الهملايا هي أعلى نقطة على كوكب الأرض، لكن بالمقابل يجهل الكثيرون مكان أعمق نقطة. ومع أن الكثيرين يتعاملون مع البحر الميت كأعمق نقطة، فالواقع هو أن قيعان المحيطات تتضمن نقاطاً أخفض بكثير كما هو الامر في خندق ماريانا.
أعمق نقطة في المحيطات
التحدي العميق أو “تشالنجر ديب” هي أعمق نقطة معروفة في محيطات كوكب الأرض، وتوجد في خندق ماريانا في المحيط الهادئ. في سنة 2010، حدد مركز الولايات المتحدة لرسم الخرائط الساحلية والمحيطية عمق التشالنجر ديب بـ 10.994 مترًا (36.070 قدمًا) تحت سطح البحر مع دقة عمودية مقدرة بـ ± 40 مترًا. إذا ما وضعنا جبل إفرست في ذلك الموقع، وهو أعلى جبل على سطح الأرض، سيكون مغمورًا تحت أكثر من ميل من الماء.
أُنجزت أول قياسات لخندق ماريانا بواسطة سفينة المسح البريطانية أيتش أم أس تشالنجر (HMS Challenger)، وقد استخدمتها القوات البحرية الملكية سنة 1875 للقيام ببحوث علمية في الخندق. أقصى عمق تم تسجيله في ذلك الوقت كان 8184 مترًا (26.850 قدمًا).
خندق ماريانا
أما في سنة 1951، عادت سفينة ملكية أخرى إلى ذات المكان، وكانت تحمل نفس اسم السفينة السالف ذكرها، من أجل القيام بقياسات إضافية. وجدوا في ذلك الحين منطقة أعمق تصل إلى 10.900 مترًا (35.760 قدمًا)، تمكنوا من الوصول إليها باستخدام تقنية السبر الصوتي، وأطلق على تلك النقطة اسم “تشالنجر ديب” تيمنًا بالسفينة الحربية الملكية التي قامت بتلك القياسات.
وفي سنة 2009، رسم باحثون من جامعة هاواي خرائط سونار من على متن سفينة كيلو موانا (Kilo Moana)، وحددوا العمق بـ 10.971 مترًا (35.994 قدمًا) مع احتمال للخطأ يصل إلى ± 22 مترًا. آخر القياسات من جهة أخرى، حددت العمق بـ 10.994 مترًا (مع دقة تصل إلى ± 40 مترًا) وهي القياسات المشار إليها في بداية هذا المقال، وكان ذلك سنة 2010.
استكشاف نقطة تشالنجر ديب في خندق ماريانا
استكشف البشر التشالنجر ديب لأول مرة عندما نزل كل من جاكيز بيكارد (Jacques Piccard) ودون والش (Don Walsh) إلى عمق 10.916 مترًا (35.814 قدمًا) باستخدام غواصة خاصة للأعماق سنة 1960. في 2009 أنجز باحثون من معهد وودز هول لعلوم المحيطات أعمق عملية غوص في المكان، وكان ذلك باستخدام مركبة روبوتية غير مأهولة بالبشر، تمكنت مركبة نوريوس (Nereus) بالوصول إلى عمق 10.902 مترًا.
لماذا نجد المحيط عميقًا للغاية في خندق ماريانا؟
يقع خندق ماريانا في حدود صفائح أرضية متقاربة، حيث تتصادم صفيحتان من الطبقة الصخرية (الليثوسفير). في نقطة التصادم تلك، تنزل إحدى الصفيحتين نحو طبقة الغطاء الأرضي، في خط الالتقاء بين الصفيحتين، يشكل الانثناء الأرضي المتجه نزولًا ما يسمى بالخندق المحيطي. يوضح الشكل البياني أسفله مثالًا عن الخندق المحيطي، وتشكل الخنادق المحيطية إحدى أعمق المناطق في محيطات كوكب الأرض.
الزلازل في خندق ماريانا
يقع خندق ماريانا في الحدود الصفائحية بين الصفيحة الفليبينية وصفيحة المحيط الهادئ، تلك الأخيرة تقبع على الجهة الشرقية والجنوبية للحدود، بينما تقع صفيحة الفليبين على الجهة الغربية والشمالية.
كلا الصفيحتين تتجهان نحو الشمال الغربي، لكن صفيحة المحيط الهادئ تتحرك بسرعة أكبر من نظيرتها الفليبينية، حركة هذه الصفائح تُحدث ما يسمى بالحدود المتقاربة، بسبب السرعة الكبيرة لصفيحة المحيط الهادئ التي تتسبب في اصطدامها مع الصفيحة الفليبينية. هذا الاصطدام ينتج عنه منطقة اندساس في خندق ماريانا، حيث تنزل صفيحة المحيط الهادئ نحو طبقة الغطاء الأرضي أسفل صفيحة الفليبين.
يحدث هذا الاصطدام بسرعات متفاوتة ضمن الحدود المنحنية للصفائح، لكن معدل الحركة المتوسطة هو في حدود العشرات من الميليمترات سنويًا. تحدث هزات أرضية بشكل متواصل ضمن حدود هذه الصفيحة بسبب النزول غير السلس لصفيحة الهادئ نحو الغطاء. بدلًا عن ذلك، وفي الظروف الأخرى، تتراص الصفائح فيما بينها مع ضغط متراكم، وتحدث انزلاقات مفاجئة بينما تتحرك الصفائح لبضعة ميليمترات أو بضعة أمتار بين وقت وآخر. عندما تنزلق الصفائح، تنتج الاهتزازات، وترتحل تلك الاهتزازات من خلال القشرة الأرضية على شكل أمواج زلزالية.
عندما تنزل صفيحة المحيط الهادئ نحو الغطاء، ترتفع حرارتها بسبب الاحتكاك والتدرج الحراري الأرضي. على عمق 100 ميل تقريبًا، تُسخّن الصخور إلى درجة قد تذوب فيها بعض المعادن. تنتج الصهارة (الماجما) التي تتجه بدورها نحو السطح بسبب كثافتها المنخفضة، وعندما تصل الصهارة إلى السطح، تحدث الثورات البركانية، تلك الثورات تسببت في تشكل جزيرة القوس بماريانا.