قصر العظم
بُني قصر العظم سنة 1163هـ/1749م وسط مدينة دمشق القديمة جنوبي الجامع الأموي، بأمر من والي الشام العثماني أسعد باشا العظم وينسب إليه. تشير القرائن الأثرية إلى أن موقع القصر كان معموراً منذ القدم، ويظن أن قصر الخضراء الأموي كان يشغله. تبلغ مساحة المبنى 5500م2، وتتكوّن عناصره المعمارية من مواد وبقايا قديمة جُمعت من الدور والخرائب الأثرية بدمشق، وقام بتنسيقها وإعادة بنائها أشهر الحرفيين المحليين. يتألف مبنى القصر من ثلاثة أقسام: جناح العائلة (الحرملك) وجناح الضيوف (السلاملك) وجناح الخدمة (الخدملك)، ويتميز بينها جناح العائلة برحابته وغنى واجهاته الداخلية بالزخارف المعمارية، وخاصة واجهة القاعة الكبرى. تحيط الكتل المعمارية في كل جناح، المكوّنة غالباً من طبقة واحدة، بفسحة سماوية تزخر بالبحرات والمسطحات الخضراء وبالأشجار كالحمضيات والسرو، وبشجيرات الزينة من ياسمين ولبلاب. في كل جناح إيوان، وإضافة إليه يحوي جناح العائلة رواقاً مزداناً بأقواس محمولة على أعمدة رخامية وغرانيتية، وتيجان شبيهة بالكورنثية. ويتميز جناح الخدمة بوجود أقبية لحفظ المؤنة، كما خُصص للقاعة الكبرى قبو فسيح تحتها. لا ينبئ المظهر الخارجي البسيط للمبنى ـ المكوّن من مداميك حجرية يعلوها حيّز من الكلسة البيضاء ـ عما بداخله من روائع معمارية، كما هي حال الدور التقليدية في مدينة دمشق القديمة، في حين غصت واجهاته الداخلية وجدران وأسقف قاعاته وأرضياته بزخارف غنية كالمقرنصات والأبلق والخشبيات الملونة والرخاميات المجزعة.
افتُتح قصر العظم متحفاً للتقاليد الشعبية والأزياء والصناعات اليدوية التقليدية في الثالث عشر من أيلول/سبتمبر 1954، ويحوي مشاهد ومعروضات مستمدة من الحياة التقليدية المحلية. في جناح العائلة (الحرملك)، عُرضت في قاعة الكتابة والتدريس أدوات الكتابة وبعض المخطوطات والمنمنمات إضافة إلى مشهد الكتّاب وتلاميذ من المدرسة التقليدية الحديثة. في قاعات أخرى عُرضت مشاهد من الحياة الاجتماعية كقاعات الاستقبال بأثاثها المصدف والحفر والزجاجيات والخزف وكمشهدي العروس والحماة، وعُرضت الأدوات الموسيقية التقليدية وبواكيرها الحديثة في قاعة خاصة. ضمّ المقهى الشعبي في المتحف مشاهد الحكواتي وخيمة الكركوزاتي وشخوصه، وصندوق الدنيا وفرقة التخت الشرقي، إضافة إلى رواد المقهى بأزيائهم التقليدية، وقُدمت بعض أعمال الرسم خلف الزجاج لأبي صبحي التيناوي. تذكّر قاعة الحج بقافلة الحج الشامي ذات التقاليد العريقة بمدينة دمشق، فعرض فيها محمل الحج والسنجق وشخوص من الحجاج وأصحاب الطرق الدينية، وبعض المنمنمات الكتابية (حبة قمح ومصاحف وبيضة ومخطوطات وتقاويم…). وفي قاعة أخرى عرضت قطع أثاث من نفائس الحرف اليدوية الدمشقية أهديت إلى الملك فيصل إبان تأسيس الحكومة العربية الأولى بدمشق. كما خصصت قاعة للأسلحة التقليدية من سيوف ويطقانات (نوع من السيوف الألبانية)، ومدى وخناجر، وعدة الخيل العربية والأسلحة النارية. يشغل صدر القاعة الكبرى مشهد الباشا، وعلى جانبيه أثاث مصدف وزجاجيات وخزفيات. وعُرض في الغرفتين الجانبيتين ضمن القاعة الكبرى مشهد مضافة جبل العرب وبيت ريفي من حوران.
في جناح الضيوف (السلاملك) عرضت في إحدى القاعات نماذج من الأزياء الشعبية، مستقاة من مناطق مدنية وريفية في سورية، وفي قاعة أخرى مشاهد ومنتجات من الحرف التقليدية النحاسية العادية والكمالية كالقناديل والثريات والأطباق والصحون. خصصت للصناعات النسيجية ومنتجاتها قاعة مستقلة احتوت نماذج من الأقمشة كالبروكار الدمشقي والصايات والغل، ونول جاكار (على اسم صاحبه الفرنسي)، ونول الأكمار (مفردها الكَمَر: وهو حزام الوسط) وقوالب طبع الأقمشة والدقماق والمكبس لتمليس وتلميع الأقمشة. عرض في القاعة الأخيرة مشهد السروجي صانع سرج الخيل، ومنتجات جلدية من أحذية وأخفاف وحقائب وأحزمة. وعرض في إيوان الجناح كوخ لخراطة الأخشاب، وفرن لتصنيع الأواني الزجاجية.
لقصر العظم أهمية كبرى تاريخياً وحضارياً وسياحياً؛ فهو آبدة تفصح عن عناصر وسمات من العمارة العربية الإسلامية في إطارها المحلي، تستقطب أعداداً غفيرة من الزوار من داخل سورية وخارجها، وتقدم مشاهد معبّرة عن جوانب من التراث الشعبي المحلي إحياءً لذكريات من الماضي، وتجسيداً لصور من الحياة التقليدية بغية المتعة وتعميق المعرفة.
محمد قدور
بُني قصر العظم سنة 1163هـ/1749م وسط مدينة دمشق القديمة جنوبي الجامع الأموي، بأمر من والي الشام العثماني أسعد باشا العظم وينسب إليه. تشير القرائن الأثرية إلى أن موقع القصر كان معموراً منذ القدم، ويظن أن قصر الخضراء الأموي كان يشغله. تبلغ مساحة المبنى 5500م2، وتتكوّن عناصره المعمارية من مواد وبقايا قديمة جُمعت من الدور والخرائب الأثرية بدمشق، وقام بتنسيقها وإعادة بنائها أشهر الحرفيين المحليين. يتألف مبنى القصر من ثلاثة أقسام: جناح العائلة (الحرملك) وجناح الضيوف (السلاملك) وجناح الخدمة (الخدملك)، ويتميز بينها جناح العائلة برحابته وغنى واجهاته الداخلية بالزخارف المعمارية، وخاصة واجهة القاعة الكبرى. تحيط الكتل المعمارية في كل جناح، المكوّنة غالباً من طبقة واحدة، بفسحة سماوية تزخر بالبحرات والمسطحات الخضراء وبالأشجار كالحمضيات والسرو، وبشجيرات الزينة من ياسمين ولبلاب. في كل جناح إيوان، وإضافة إليه يحوي جناح العائلة رواقاً مزداناً بأقواس محمولة على أعمدة رخامية وغرانيتية، وتيجان شبيهة بالكورنثية. ويتميز جناح الخدمة بوجود أقبية لحفظ المؤنة، كما خُصص للقاعة الكبرى قبو فسيح تحتها. لا ينبئ المظهر الخارجي البسيط للمبنى ـ المكوّن من مداميك حجرية يعلوها حيّز من الكلسة البيضاء ـ عما بداخله من روائع معمارية، كما هي حال الدور التقليدية في مدينة دمشق القديمة، في حين غصت واجهاته الداخلية وجدران وأسقف قاعاته وأرضياته بزخارف غنية كالمقرنصات والأبلق والخشبيات الملونة والرخاميات المجزعة.
قصر العظم |
في جناح الضيوف (السلاملك) عرضت في إحدى القاعات نماذج من الأزياء الشعبية، مستقاة من مناطق مدنية وريفية في سورية، وفي قاعة أخرى مشاهد ومنتجات من الحرف التقليدية النحاسية العادية والكمالية كالقناديل والثريات والأطباق والصحون. خصصت للصناعات النسيجية ومنتجاتها قاعة مستقلة احتوت نماذج من الأقمشة كالبروكار الدمشقي والصايات والغل، ونول جاكار (على اسم صاحبه الفرنسي)، ونول الأكمار (مفردها الكَمَر: وهو حزام الوسط) وقوالب طبع الأقمشة والدقماق والمكبس لتمليس وتلميع الأقمشة. عرض في القاعة الأخيرة مشهد السروجي صانع سرج الخيل، ومنتجات جلدية من أحذية وأخفاف وحقائب وأحزمة. وعرض في إيوان الجناح كوخ لخراطة الأخشاب، وفرن لتصنيع الأواني الزجاجية.
لقصر العظم أهمية كبرى تاريخياً وحضارياً وسياحياً؛ فهو آبدة تفصح عن عناصر وسمات من العمارة العربية الإسلامية في إطارها المحلي، تستقطب أعداداً غفيرة من الزوار من داخل سورية وخارجها، وتقدم مشاهد معبّرة عن جوانب من التراث الشعبي المحلي إحياءً لذكريات من الماضي، وتجسيداً لصور من الحياة التقليدية بغية المتعة وتعميق المعرفة.
محمد قدور