قلعة جعبر Qal'at Dja'bar تتربع فوق هضبة صخرية هشة واقعة على الضفة اليسرى لنهر الفرات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قلعة جعبر Qal'at Dja'bar تتربع فوق هضبة صخرية هشة واقعة على الضفة اليسرى لنهر الفرات

    قلعة جعبر
    تتربع قلعة جعبر فوق هضبة صخرية هشة واقعة على الضفة اليسرى لنهر الفرات مشرفة على بحيرة الأسد التي تشكلت خلف سد الفرات في عام 1975. وتبعد نحو 15كم عن السد المذكور، و50كم عن مدينة الرقة غرباَ.
    تنسب هذه القلعة إلى جعبر بن سابق القشيري الملقب سابق الدين، ولا يُعرف شيء من أخبار هذا الشخص سوى أنه كان قد أسنَّ وعمي، وكان له ولدان يقطعان الطريق، ويخيفان السبيل، وظل على هذه الحال والقلعة بيده حتى أخذها منه السلطان السلجوقي ملكشاه بن ألب أرسلان سنة 479هـ/1086م. ويذكر «ابن خلّكان» في وفيات الأعيان، أن هذه القلعة كانت تعرف قبل نسبتها إلى جعبر القشيري بالدوسرية، نسبة إلى دوسر غلام النعمان بن المنذر ملك الحيرة.
    مما تقدم يُلاحظ أن ثمّة اسمين اثنين لهذه القلعة يقعان في فترتين متباعدتين، أولهما الدوسرية؛ ويرجع لما قبل الإسلام، وثانيهما جعبر؛ ويرقى للقرن 5هـ/11م، ولم يرد بين هذين التاريخين ذكر كبير لهذه القلعة سوى شذرات قليلة بين صفحات التاريخ.
    قلعة جعبر
    يبدأ تاريخ قلعة جعبر الواضح من سقوطها في يد السلطان السلجوقي ملكشاه، وقد ملكها وهو في طريقه من أصفهان إلى حلب للاستيلاء عليها، فحاصرها يوماً وليلة، ثم فتحها، وقتل من بها من بني قُشير، ولما وصل ملكشاه إلى حلب تسلم المدينة بعد أن رحل أخوه تُتُش عنها إلى دمشق، وكان في قلعتها سالم بن مالك بن بدران، فامتنع بها أولاً، لكنه ما لبث أن سلمها للسلطان ملكشاه، فعوضه منها قلعة جعبر، وأقطعه معها الرقة وضياعاً عدة.. وظلت جعبر بيده وبيد أولاده من بعده حتى أخذها منهم نور الدين محمود بن زنكي سنة 564هـ/1168م.
    وعندما قامت الدولة الأيوبية دخلت جعبر في ظلها، وكان من أهم أمرائها في تلك الفترة الملك الحافظ نور الدين أرسلان شاه بن الملك العادل، ملكها قرابة اثنيـن وأربعيـن عاماً.
    وعندما تعرض العالم الإسلامي لغزوات المغول كانت جعبر إحدى القلاع التي امتدت إليها أيديهم، فزرعوا فيها الخراب، وذلك حين عبر هولاكو الفرات بجموعه قاصداً حلب في عام 658هـ/1260م.
    مأذنة المسجد في قلعة جعبر
    وظلت قلعة جعبر خراباً، حتى جُددت في عصر السلطان المملوكي الناصر بن قلاوون، حيث وصل إليها في عام 735هـ/1334م، الأمير سلف الدين أبو بكر الباشري مبعوثاً من قبل الأمير تـنكز حاكم الشام مصطحباً معه الرجال والصناع، وشرع بعمارتها. ثم أخذت مكانة القلعة تضعف تدريجياً حتى عفا عليها الزمن في العصر العثماني، وأصبحت ملاذاً لبعض أفراد القبائل وماشيتهم.
    قلعة جعبر مستطيلة الشكل تقريباً، يبلغ طولها من الشمال إلى الجنوب 320م، ومن الشرق إلى الغرب 170م، يحيط بها سوران ضخمان؛ أحدهما داخلي، والآخر خارجي قريبان من بعضهما بعضاً، ولا يفصل بينهما سوى بضعة أمتار تشكل ممراً بين السورين، وهما مبنيان بالآجر، ويضمان عدداً كبيراً من الأبراج الدفاعية يزيد عددها على خمسة وثلاثين برجاً، ولهذه الأبراج أشكال هندسية مختلفة، منها المربع ونصف المسدس ونصف المثمن أو نصف الدائري.
    تقع بوابة القلعة في الجهة الغربية منها، وهي مبنية بالآجر كباقي أجزاء القلعة، وهي تفضي إلى ممر صغير يؤدي إلى باحة، تنتهي إلى برج دفاعي ضخم يسمى حالياً برج عليا، يبعد نحو 100م عن البوابة، ومن هذه الباحة ينعطف المشاهد نحو اليسار؛ ليواجه نفقاً محفوراً في الصخر يؤدي إلى سطح القلعة، مدخله مبني بالحجارة، وكان هذا النفق البالغ طوله نحو 50م مكسواً بالآجر، وقد زال معظم هذه الكسوة ولم يبق منها سوى أجزاء بسيطة تشير إلى وجودها.
    أنشئ في وسط القلعة مسجد جامع، لا زالت مئذنته شامخة في أعلى نقطة، مطلة على كل ما يحيط بها، كما أُنشئت في الزاوية الجنوبية الغربية من القلعة مبانٍ على جانب كبير من الأهمية؛ لعلها كانت بيوت أصحاب القلعة وأمرائها. وقد امتلأت جوانب القلعة بمبان غطتها الرمال اليوم وأصبحت أثراً بعد عين.
    جرت أعمال تنقيب أثرية في منطقة الجامع وما حولها، وفي المباني الجنوبية الغربية، كشفت عن أقسام الجامع وعن المباني الواقعة شماله، وتبين أن أحدها مكون من باحة في الوسط، يتوسطها صهريج ماء محفور في الصخر، وحولها غرف كثيرة ومبان وبئر ماء وأوان فخارية مزخرفة.
    كما عثر على عدد من المدافن المنحوتة في الصخر في السفح الغربي للقلعة، معظمها يرجع إلى العصر البيزنطي، أهمها مدفن واسع يتألف من فناء مستطيل (16.95× 8.85 م) نحت به في الشمال والجنوب والشرق تسعة إيوانات يغطي كلاً منها قبو أسطواني الشكل، حيث توجد شارات صليب منحوتة في واجهة هذه الإيوانات، أو في داخلها.
    كان لهذه القلعة قيمة عسكرية كبرى في العصور الزنكية والأيوبية والمملوكية، وكانت واحدة من أهم القلاع وأمنعها كما وصفها المؤرخون، ونظراً لقيمتها التاريخية والأثرية فقد قامت مديرية الآثار السورية بكشف أسوارها، كما قامت بأعمال ترميم كثيرة في هذه الأسوار وبتقوية كثير من أبراجها، وبكسوة السفوح الغربية للهضبة التي تقوم عليها القلعة بقميص إسمنتي؛ حماية لها من تأثير الأمواج التي تحدثها مياه البحيرة في هذه الجهة.
    عبد الرزاق زقزوق
يعمل...
X