أفلام بين الفانتازيا والواقعية
4 July، 2023
سيد محمود سلام
برغم التباينات الواضحة فيما طرح من أفلام سعودية، سواء في المهرجانات العربية، أو دور العرض، أو حتى مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في دورتيه الأولى والثانية، إلا أنه هناك تأكيدًا من النقاد والجمهور على أن السينما السعودية تسير على الطريق الصحيح، وإن كان لا بدَّ أن ننتبه إلى بعض الهنات التي قد تحول بيننا وبين الوصول إلى سينما محترفة، وإذا كان فيلم “مناحي” هو أول فيلم سعودي عرض في جدة عام 2008 بحضور الجمهور، ولقى حينها قبولًا واسعًا؛ فقد توالى من بعده عرض الأفلام التي حقَّقت حضورًا جماهيريًّا ونقديًّا أوسع وأكبر، ومن بين الأعمال التي شاركت في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي أفلام “الخلاط”، “أغنية الغراب”، “بين الرمال”، “طريق الوادي”، وهي أربعة أعمال قدمت طرحًا سينمائيًّا جادًّا، إلا أنها عانت من بعض العيوب؛ لذا فضلنا الوقوف أمامها مستعرضين عوالمها وحركة شخوصها، وما أضافته إلى السينما السعودية، ومبدين ملاحظاتنا عليها بوصفها أعمالًا كان يمكنها أن تحقِّق من الكمال ما هو أبعد من ذلك بكثير.
متصل منفصل
فيلم “الخلاط” يُعيد إلى المشاهد المتابع للسينما المصرية، ذكرى إحدى أهم التجارب السينمائية التي اعتمد صناعها على المنفصل المتصل، وهو أن يكون هناك عامل مشترك لعدد من القصص تختلف في الشكل والمضمون، وهو ما قدم في فيلم “صور ممنوعة”، الذى أخرجه ثلاثة من كبار السينمائيين المصريين عام 1972، هم محمد عبد العزيز قصة بعنوان “ممنوع”، وأخرى بعنوان “كان” أخرجها رأفت الميهي، وثالثة بعنوان “حكاية الأصل والصورة” أخرجها دكتور مدكور ثابت.
“الخلاط” أربع قصص اجتماعية متباينة، لكن يجمعها إطار الحيلة، تبدأ من لصوص يتسللون إلى حفل زفاف لإنقاذ شريكهم المتواطئ معهم، ثمّ ننتقل إلى طبّاخة في مطعم فاخر، تحتال بهدف منع طلاق والديها وإنعاش علاقتهما، ثم إلى صديق يعود إلى مغسلة موتى لدفن سر عميق وسط شكوك زوجة الميت، وأخيرًا إلى أم تبحث عن زوجها الذي يبحث عن ابنه في ملهى ليلي، حيث لكل مصيبة حل خفي، والغاية تبرّر الوسيلة.
نجح القائمون على هذه التجربة فى تحويل فكرتهم التي عرفت مسبقًا في سلسلة “الخلاط”، وتشبه ما يسمى في برامج التوك شو “ستاند آب كوميدى”، لكنه مصور سينمائيًّا، حيث كانت سلسلة “الخلاط” قد حققت أكثر من 1.5 مليارات مشاهدة على اليوتيوب، وشكّلت جيلًا من المخرجين والممثلين، عرفوا بذكاء شديد كيفية استغلالها لصالح السينما، سبقهم فيها كنمط ثلاثي أضواء المسرح سمير غانم والضيف أحمد وجورج سيدهم، عندما نقلوا تجربتهم المسرحية إلى السينما نجحوا نجاحًا باهرًا.
في “الخلاط” سينما مبنية على “الإفيه”، لكن بحرفية الخائف من الوقوع في المقارنات بين ما يقدم على “يوتيوب” و” شاشة سينما”، فجاءت مبهرة من حيث الصورة والتمساك، وبخاصة فى القصتين الأولى “حفل الزفاف”، والثالثة “المغسلة”، في الأولى ابتكر المخرج شكلًا سينمائيًّا كانت فيه الحيل وسوء الفهم هي عنوان كل مشهد، وهو موضوع القصص الأربع.
فى “حفل الزفاف” تماسك فى الفكرة فى التنفيذ وأداء الممثلين، وحتى استخدام الضوء ما بين المشاهد الخارجية، حيث جراج السيارات ومحاولات اللصوص السرقة، وبين حفل الزفاف المبهج.
أما الثالثة فبرغم تقليدية فكرة علم الزوجة بخيانة الزوج بعد وفاته، ومحاولات صديقه أن يخبئ السر، إلا أنها عبرت عن مخرج يدرك مشاعر أبطال فكرته، فقدَّمهم في أدوار أحسن فيها الاختيار، الصديق والزوجة والحوار الخفي.
القصتان “الثانية “الطباخة” لم تكن الفكرة محكمة بالشكل الذى خرجت به، حتى النهاية تباينت فيها الرؤى، هل ستستمر الطباخة التى حاولت الصلح بني والدها ووالدتها بعد خصام مستمر، فاخترعت لهما حفل عشاء فاخر بمطعم تعمل به، دون علم المدير، هل ستسمر في وظيفتها بعد أن كشف مدير المطعم أمرها أم لا؟ تم إقالتها، لكن البعض رأى تعاطفًا أن تستمر.. وهى بالطبع صورة سينمائية جيدة، لكن لم تكن الحكاية أكثر تماسكًا، شأنها شأن الرابعة، وهى عن “زوج يصطحب زوجته وأبناءه إلى فندق.. من شدة بخله يخفى الأبناء عن حجز الغرف، يتسلل الابن إلى ملهى ليلى، يبحث عنه الأب، يعثر عليه لكنه ينساق وراء رغباته في الملهى، حتى يخرج بحيلة مع ابن والزوجة، فكرة مرتبكة لم تكن بنفس تماسك الأفكار السابقة.
فيلم “الخلاط” تجربة ممتعة سينمائيًّا، يحتاج صناعه إلى التخلص من سيطرة “اليوتيوب”، ونسيانه تمامًا إذا ما أرادوا التطور والانتقال إلى الشاشة الأرحب والأوسع، والأكثر إبهارًا وهي السينما، بأفكار لا تعتمد على فكرة نسب المشاهدة بقدر نسب الجودة والنجاح سينمائيًّا، فهم فريق يمتلك الموهبة (إنتاج محمد القرعاوي، مجاهد الجميعة، بمشاركة صهيب قدس، إسماعيل الحسن، وسيناريو محمد القرعاوي، فهد العماري، مشاري. والإخراج فهد العماري).
“الخلاط” تجربة ممتعة، يحتاج صناعها إلى التخلص من سيطرة “اليوتيوب”، لدخول عالم السينما الرحب، بالاعتماد على الجودة وليس نسب المشاهدة.
كوميديا سوداء
“أغنية الغراب” أكثر الأفلام الخليجية، وليست السعودية فقط، انتشارًا من حيث العنوان؛ كونه ممثلًا للمملكة العربية السعودية في ترشيحات الأوسكار لعام 2023، عرض في المسابقة الدولية لمهرجان البحر الأحمر، ولاقى استحسان الكثيرين، ليس أيضًا لغرابة الفكرة وجودها، ولكن لسردها، وأداء أبطالها المتميز.
ويرى محمد السلمان مخرج فيلم “أغنية الغراب” أنّ حكاية فيلمه محلية صادقة، تُروى بشكلٍ محكم، تنقل الصورة الواقعية المحلية إلى العالمية، مستشهدًا برؤية الأديب الكبير نجيب محفوظ فيقول “السلمان” : نجيب محفوظ الذي شقّت أعماله طريقها حتى وصلت إلى نوبل، لم يكن يحكي إلاّ عن روح الحارة المصريّة وشخوصها، مقارنةً بنماذج تهمّها القضايا الخارجية، أو تنجرف لمغريات نيل الجوائز، ونشوة الوصول إلى المهرجانات العالمية.
“أغنية الغراب” تدور أحداثه عندما يتم تشخيص إنسان بسيط يدعى “ناصر” بالسّرطان، تتحول حياة ناصر إلى جحيم، ولا ينقذه منه إلا فتاة تقتحم حياته، وتسيطر على هواجسه؛ فيحيا مقاومًا مرضه على أمل الفوز بحبّها. وبينما يواجه غياهب الموت، لا يجدّ مفرَّا من التدخّل الجراحيّ الذي لا يمكن التكهّن بنتيجته.
تتفاعل كل هذه الصراعات في قلبه وعقله معًا؛ ويحيّره السؤال الأبدي: هل تنجينا أغاني الحبّ من الانشغال بالموت؟
استخدم المخرج الكوميديا السوداء كقالب لفكرته، ونجح فيها، ووصلت إلى المشاهد الذى تابعه فى مهرجان البحر الأحمر ضمن القسم الرسمي، زاد عمق الفكرة استخدام الطيور كالحمام والغربان، والحالة التى أصبح عليها البطل من الهزيان الدائم، وكان الفيلم ينقل واقعًا معيشًا مريضًا، لكنه يتحدى مرضه، وأن طبيبًا قاسي القلب يخبره بأن عمره تقريبًا قد انتهى، وكان الملاذان الطبيب والبطل قد اتفقا عليه مع أن الأهم أن يتعاطفا معه ..