ظلّت هذه العناقيد النجمية الكروية تسحر العلماء منذ أن تمّ اكتشافها في القرن السابع عشر (العنقود النجمي الكروي هو تجمع ضخم من النجوم المتقاربة والتي تأخذ شكل كروي بعكس العناقيد النجمية الأخرى).
تعتبر هذه العناقيد النجمية الكروية من أقدم النظم النجمية المعروفي في الكون، حيث يرجع تاريخ نشأتها إلى مرحلة زمنيّة كانت فيها المجرات توها قد بدأت بالنمو، تدور هذه العناقيد حول مركز أغلب المجرات، وينتمي أكثر من 150 عنقود نجمي معروف إلى مجرة درب التبانة وحدها.
إنّ واحدًا من هذه العناقيد المعروفة يسمى بـ(NGC 3201) وهو عنقود يبعد عنا مسافة تقدر بـ16,300 سنة ضوئية يقع ضمن كوكبة فيلا الجنوبية.
استخدم علماء الفلك المقراب العظيم التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي في شيلي، وقاموا بدراسة هذا العنقود ولاحظوا وجود شيء مثير جدًا، فوفقًا للدراسة التي نشرها العلماء، يبدو أن ضمن هذا العنقود يوجد ثقب أسود.
وظهرت الدراسة في النشرات الشهريّة للجمعية الملكية الفلكية تحت عنوان «تم ترشيح وجود كتلة مستقلة لثقب أسود محتمل في العنقود NGC 3201».
قاد هذه الدراسة بنيامين جيزرز (Benjamin Giesers) من جامعة جورج أغسطس في غوتنغن (Georg-August-University of Göttingen) وشمل فريق هذه الدراسة أعضاء من جامعة جون موريس ليفربول، وجامعة الملكة ماري في لندن، ومرصد لايدن، ومعهد الفيزياء الفلكية وعلوم الفضاء، المعهد الفدرالي للتكنولوجيا في زيوريخ، ومعهد ليبنيز للفيزياء الفلكية بوتسدام (AIP).
ومن أجل القيام بدراستهم هذه، اعتمد الفريق على أداة (مستكشف الطيف متعدد الوحدات (ميوز) – Multi Unit Spectroscopic Explorer (MUSE)) على التلسكوب الكبير جدًا التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي لرصد العنقود (NGC 3201)، وتعتبر هذه الأداة فريدة من نوعها كونها تسمح للعلماء بقياس حركة آلاف النجوم البعيدة معًا.
ومن من خلال الرصد وجد الفريق أنّ أحد نجوم العنقود كان يتحرك بسرعة عدة مئات من الكيلومترات في الساعة ضمن فترة زمنية تقدر 167 يومًا.
وكما أوضح جيزرز في بيان صحفي صادر عن المرصد الأوروبي الجنوبي (ESO): «كان يدور حول شيء كان غير مرئي تمامًا، وكان لدى ذلك الشيء كتلة أكثر من أربعة أضعاف كتلة الشمس، وهذا الشيء قد يكون ثقبًا أسودًا! يعتبر هذا الثقب هو الأول من نوعه الذي يتم رصده بشكل مباشر ضمن عنقود نجمي وذلك بواسطة تأثير الجاذبية».
لقد كانت هذه النتيجة غير متوقعة، حيث استطاع العلماء ولأول مرة أن يرصدوا ثقب أسود خامل في قلب عنقود نجمي كروي وتعني كلمة «خامل» أنّ الثقب الأسود لا يقوم بابتلاع المادة أو أنه غير محاط بأقراص متوهجة من الغاز.
كما استطاع العلماء أيضًا أن يقدروا كتلة الثقب الأسود عن طريق قياس حركة النجوم حوله وبالتالي استطاعوا تحديد تأثير الجاذبية.
ومن خلال الخصائص الملاحظة، حدد الفريق كتلة النجم الذي يدور حول الثقب بـ0.8 كتلة شمسيّة وحددوا كتلة الثقب الأسود بـ4.36 كتلة شمسيّة.
ما يضع هذا الثقب ضمن فئة تسمى بـ«ثقب أسود نجمي» وهي النجوم التي تجاوز كتلتها أكبر كتلة لتصبح نجمًا نيوترونيًا، ولكنها أصغر من أن تشكل ثقب أسود هائل والتي تكون موجودة في أغلب مراكز المجرات.
إنّ لهذه النتيجة أهمية كبيرة، ليس فقط لأن العلماء استطاعوا رصد «ثقب أسود نجمي» ضمن عنقود نجمي.
بل لأن ذلك يؤكد ما كان يشك به العلماء خلال السنوات القليلة الماضية عبر دراستهم لأرصاد الموجات الراديويّة وقياسات الأشعة السينيّة للعناقيد المجرية وأيضًا رصدهم لإشارات موجات الجاذبية.
كما يؤكد بالأساس أنّ الثقوب السوداء هي أكثر شيوعًا في العناقيد النجمية أكثر مما كان يعتقد سابقًا.
ويقول جيزرز: «حتى وقت قريب، كان العلماء يفترضون أن الثقوب السوداء اختفت بعد وقت قصير من تشكل العناقيد النجمية، وأنّ مثل هذه الثقوب ينبغي أنّ لا تكون موجودة».
ويضيف قائلًا: «ولكن من الواضح الآن أن ذلك غير صحيح، لقد اكتشفنا بشكل مباشر ولأول مرة تأثير الجاذبية لثقب أسود نجمي في عنقود نجمي كروي، هذا سيساعدنا في فهم كيفية تشكل تلك العناقيد النجمية وكيفية نشوء الثقوب السوداء وأيضًا الأنظمة الثنائية وذلك في سياق فهمنا لمصادر موجات الجاذبية».
كما أوضح هذا الاكتشاف بشكل كبير أنّ العلاقة بين الثقوب السوداء والعناقيد النجميّة لا تزال غامضة ولكنها مهمة للغاية.
نظرًا لكتلتها الكبيرة وحجومها المضغوطة وعمرها الطويل، يَعتقد العلماء أن هذه العناقيد النجمية قد أنتجت عددًا كبيرًا من الثقوب السوداء النجميّة على مدى تاريخ الكون.
وبالتالي يمكن لهذا الاكتشاف أن يخبرنا كثيرا عن تشكل العناقيد النجمية، والثقوب السوداء، ومصدر موجات الجاذبية التي نكتشفها.