الشُّهب ليست بالشيء الغريب عن الأرض، ففي حقيقة الأمر،إنّ هطول الشُهب على الأرض حدثٌ مستمرٌ ومتكررٌ بانتظام، يحدث حينما تخترق النيازك الصغيرة الغلاف الجوي للأرض فتتوهج مُضيئةً السماء ليلًا.
ولأن مُعظم تلك الأشياء أصغر من حبَّات الرمل،فإنها لاتصل لسطح الأرض أبدًا وتحترق بكل بساطةٍ في الغلاف الجويّ لها.
ولكن بين الحين والآخر سيأتي أحد تلك الأجسام وسيكون حجمها كافيًا لتخترق الغلاف الجويّ ثم تنفجر أعلى سطح الأرض، وسيكون بمقدورها التسبب في أضرارٍ جسيمة.
مثالٌ واضحٌ لتلك الظاهرة، (نيزك تشيليابينسك) الذي انفجر في سماء روسيا في فبراير من عام 2013، هذه الحادثة أوضحت لنا مدى الضرر الذي قد يُلحقه انفجارٌ لنيزكٍ في السماء وزادت من ضرورة حاجتنا للإعداد الجيد لمثل هذه الحوادث.
ولحسن الحظ، هناك دراسةٌ مؤخرًا من جامعة بوردو تُشير إلى أن الغلاف الجوي للأرض أفضل درعٌ واقٍ لها من تلك النيازك أكثر مما كنا نظنه.
خرجت هذه الدراسة للنور بمساعدة مكتب وكالة ناسا للدفاع عن الكوكب، ونُشرت مؤخرًا في مجلة (النيازك وعلوم الكواكب – Meteoritics and Planetary Science) تحت عنوان “اختراق الغلاف الجويّ يُعزز من تدمير النيازك الداخلة”.
يتكون الفريق المسؤول عن تلك الدراسة من (مارشال تابيتا) باحثٌ مُساعد بعد الدكتوراة، و(جاي ميلوش) أستاذ في قسم علوم الأرض والغلاف الجويّ والكواكب بجامعة بوردو.
في الماضي، توصَّل الباحثون إلى أنَّ النيازك غالبًا ما تنفجر قبل وصولها إلى الأرض، ولكنهم كانوا في حيرةٍ من أمرهم، لماذا يحدث هذا؟
وفي أثناء دراستهم، استخدم تابيتا وميلوش حادثة نيزك تشيليابينسك كمثالٍ يستطيعون دراسته لاكتشاف سبب انفجار النيازك عند دخولها الغلاف الجويّ.
حينما يحين موعد اختراق النيزك، يأتي الانفجار بكل هدوءٍ وبشكلٍ مفاجئ، مما يجعل مجال الخسائر الفادحة ذا نطاقٍ واسع.
حينما يخترق الغلاف الجوي، يتحول النيزك إلى كرةٍ ناريةٍ متوهجة ثم تنفجر بعد ذلك بدقائق، مُنتجةً نفس القدر من الطاقة التي يُنتجها سلاحٌ نوويٌّ صغير.
الموجات التصادمية الناتجة من ضغط الانفجار أدت إلى تهشم النوافذ الزجاجية، وجرح أكثر من 1500 شخص، وكلفت الدولة ملايين الدولارات في صورة خسائر.
وقد تساقطت بقايا الحُطام على سطح الأرض والتي تم جمعها، حتى إنَّ بعضًا منها استُخدم لتزيين ميداليات دورة الألعاب الشتوية (سوشي) 2014.
ولكن ما كان مفاجئًا أيضًا هو كمية الحُطام التي استُعيدت بعد الانفجار، في حين أنَّ النيزك نفسه يزن أكثر من 9,000 طن (10,000 طن أمريكي)، فإن ما استعيد كان فقط حوالي 1,800 طن (2,000 طن أمريكي).
هذا يعني أنَّ شيئًا ما حدث أثناء مروره خلال الغلاف الجوي العلويّوأدى إلى خسارة النيزك لمعظم كتلته.
ولحل تلك المُشكلة أعاد تابيتا وميلوش النظر لمدى ارتفاع ضغط الهواء المُقابل للنيزك، وكيف يتسرب داخل مسام وشروخ النيزك، ثم يدفع بالنيزك للانفجار.
وكما شرح ميلوش في عدد جامعة بوردو الإخباريّ:«هناك فارقٌ كبيرٌ بين ضغط الهواء الجويّ أمام النيزك والخواء أو الفراغ خلفه،
فإذا استطاع الهواء التسرب خلال قنوات وشقوق النيزك، فسيستطيع بكل سهولةٍ الولوج إلى داخل النيزك ثم يُفجره إلى شظايا صغيرة».
ولكي نستطيع حل لغز كتلة النيزك المفقودة، قام تابيتا وميلوش بعمل نماذج مشابهة لنيزك تشيليابينسك، وقاموا بصناعة محاكاةٍ كاملة لتلك الحادثة مُراعين فيها كتلة النيزك والتوقيت الذي انفجر فيه بعد دخوله الغلاف الجوي مباشرة.
ثم قاموا بعد ذلك بابتكار برنامجٍ حاسوبيّ يسمح بوجود كلٍ من الكتلة الصلبة من جسم النيزك والهواء، حيث قال ميلوش بشأن ذلك: “لقد كنت أبحث عن أمرٍ مُشابهٍ لذلك لفترة، مُعظم المعادلات الحاسوبية التي نستخدمها لمحاكاة التصادمات يُمكنها أن تحمل مواد متعددة في خلية واحدة، ولكنها تحسب المتوسط للجميع معًا.
العديد من المواد المختلفة داخل الخلية الواحدة لديها هويتها المنفصلة، لذلك سيكون من غير المناسب لها هذا النوع من الحسابات”.
هذه المعادلات الجديدة سمحت لهم بإجراء مُحاكاةٍ كاملةٍ للتبادل في الطاقة وقوة الدفع بين النيزك المتحرك وهواء الغلاف الجوي المُتفاعل معه.
وأثناء المحاكاة، استطاع الهواء بالفعل الولوج إلى داخل النيزك مما خفضَ من قدرة النيزك على التحمل بشكلٍ ملحوظ، وخلاصة الأمر أنَّ الهواء يستطيع الدخول إلى داخل النيزك بضغطٍ كبير وتفجيره من الداخل.
لم يكن هذا حلًا فقط للغز كتلة نيزك تشيليابينسك المفقودة، ولكنه يتطابق أيضًا مع تأثير الانفجار المشهود في 2013.
تُشير الدراسة أيضًا أنه حينما يأتي الأمر إلى النيازك الصغيرة فإن الغلاف الجوي للأرض سيكون أفضل واقٍ لها من أضرار الانفجار والتصادم.
ولابد أيضًا من وضع العديد من الإجراءات الاحترازية، وخطوات محددة للإنذار المبكر، التي كانت مفقودةً بالطبع في حادثة نيزك تشيليابينسك، مما سيجعلنا نتجنب العديد من الإصابات والخسائر.