عد حلقات زُحل من السِمات الأكثر دهشة في النظام الشمسي، فهي تُطوِّق الكوكب السادس عن الشمس في تكوينات غريبة، يبلُغ عرض كُل منها آلاف الأميال، ويبلُغ سُمكها مُجرّد عشرات أقدامٍ قليلة.
لتكوين هذا المنظر البانورامي لزُحل وحلقاته، جَمَع العُلماء 165 صورة تم التقاطها بواسطة كاميرا (الزاوية العريضة – Wide Angle) (لمركبة كاسيني Cassini Spacecraft) على مدى 3 ساعاتٍ تقريبًا بتاريخ 15 سبتمبر 2006م.
إذًا ماهي تِلك الحلقات؟
الحلقات هي في المُعظم جليدٌ ممزوجٌ معه قليلٌ من الصخور، وللعُلماء إدراكٌ عن ديناميكيتها أكثر من أي وقتٍ سابق، بفضل مركبة كاسيني التي أنهت مُهمتها يوم الجمعة 15 سبتمبر 2017م، عن طريق الغوص إلى الغلاف الجوي لزُحل، بعد دورانٍ حول الكوكب لمُدة 13 عامًا، وخلال ذلك الوقت، أرسلت كاسيني صورًا فوتوغرافية مّذهِلةً لحلقات زُحل في مرمى من الأرض، مانحةً الباحثين نظرةً أقرب على بعض البنيات الغريبة الموجودة وسط الجليد.
وتم اكتشاف الحلقات لأول مرة عام 1610م، عن طريق العالِم جاليليو جاليلي، الذي استطاع الكشف عنها باستخدام التلسكوب، واليوم، اكتشف العُلماء سبعة حلقات مُنفصِلة، تمتلك كلًا منها اسمٌ عبارة عن حرف، ولكن الحروف مُختلِطة بشكلٍ مُحيّر قليلًا؛ لأن الحلقات تمت تسميتها حسْب الترتيب الزمني الذي تم اكتشافها فيه، وليس حسْب ترتيب وجودها من الكوكب، والحلقة الأقرب للكوكب، هي الحلقة الخافِتة المُسمّاة بالحرف (D)، متبوعة بالثلاث حلقات الأسطع والأكبر (C)، (B)، و(A)، والحلقة (F) تُطوِّق الحدود الخارجية للحلقة (A)، تتبعها الحلقة (G)، وأخيرًا، الحلقة (E).
ووِفقًا لوكالة ناسا، يصل بُعد الحلقات معًا 175,000 ميلًا، أي: (282,000 كيلومتر) عن الكوكب، والحلقات في الأغلب مُجاورة لبعضها البعض فيما عدا فجوة كاسيني الواقعة بين الحلقتين (A) و(B)، والتي تبلُغ 2,920 ميلًا عرضًا، أي: (4,700 كيلومترات)، وسُمِّيت بذلك الاسم؛ بسبب اكتشافها من قِبَل عالِم الفلك جيوفاني دومينيكو كاسيني في القرن السابع عشر، وهي برغم الاتّساع المُذهِل للحلقات، رقيقةٌ للغاية، إذ يبلُغ سُمكها 33 قدمًا فقط، أي: (10 أمتار) في مُعظم المناطق، وتصِل إلى سُمك يبلُغ كيلومتر واحدٍ في المناطق الأُخرى، وللعِلم، إن زُحل في حد ذاته عملاق، فقد يتَّسِع الكوكب الحَلَقي لـ (764) أرضًا.
يُمكننا عند التكبير، رؤية أنّ الحلقات مُكوَّنة من جُسيماتٍ دقيقةٍ للغاية، بعضها أصغر من حبّة الرمل، تتخلَّلها في بعض الأحيان قِطعٌ جليديةٌ في حجم جبل، ويشُك العُلماء في أنّ العديدَ من الجُسيمات، هي أجزاءٌ من مُذنبات مُتفكِّكة أو أقمارٍ ميّتة، ومن ثم يظل أصلها، وتكوينها الحقيقي مجهولًا، واستطاعت مُهمة كاسيني تعقُّب أثر بعضٍ من هذه الجُسيمات إلى قمر (إنسيلادوس – Enceladus) التابع للكوكب، الذي يُطلِق غازًا وجليدًا إلى الفضاء، وتبدو أجزاءٌ أُخرى من الحلقات، أنّها نشأت من حُطام بعض الأقمار الداخلية لزُحل، التي أيضًا تلعب دورًا في تشكيل الحلقات بفِعل الجاذبية، وتدور تِلك الأقمار ضمن نطاق حلقات زُحل، وبينما تفعل ذلك، فإنّها تُساعد على تقسيم الحلقات وتقييد اتّساعها، وعلى سبيل المثال، تشكَّلت الحلقة (A) بفِعل تأثير جاذبية القمر (ميماس – Mimas)، الذي يُساعد في تكوين فجوة كاسيني.
يُحافظ القمر (بان – Pan) على فجوة (إينك – Encke) لزُحل، مُصطفّةً ضمن الحلقة “A” للكوكب، وهي فجوةٌ يبلُغ عرضها 200 ميلًا، أي: (325 كيلومتر).
إن الحلقات باردةٌ للغاية، وقد قامت كاسيني عام 2004م، بقياس الجانب المُظلِم منها، وبلغ ما بين الـ (264.1) و(333.4 ) درجة فهرنهايت، و(163 و203 درجةً مئويةً)، فهي ليست قريبةً من أن يكون لها لون قوس القُزح، كما بإمكان بعض الصور الفلكيّة أن تجعلها كذلك، وقد تعمل زيادة التباين في بعض الصور الدراماتيكية، وبعض الصور الأخرى تستخدِم اللون؛ لنقل معلوماتٍ عن درجة الحرارة أو الكثافة، ولكن اللون الطبيعي يُظهِر تَدَرُّج اللون من الأبيض إلى الأصفر الفاتح، إلى البُنّي الذي به قليلٌ من الوردي.
ولدى كل حلقةٍ كثافةٌ مُختلِفةٌ من الحلقة (B) ذات الضِيق المُزدَحِم، إلى الحلقة (G) ذات الضباب الخافِت، فالحلقات ديناميكيةٌ جدًا (في حركةٍ كثيرةٍ)، وتبدو ملساء وناعمةً بشكلٍ كبيرٍ؛ بفضل التفاعل بين الجُسيمات بها، ويُعد (Mimas) مثالًا واحدًا على القمر الراعي للحلقات، بينما يكتَسِح القمر (Pan) الفجوة (Encke) في الحلقة (A)، وتبدو تلك الفجوة وكأنّها منحوتةٌ على شكل إكليلٍ بواسطة القمر البالِغ عرضه 12 ميلًا، أي: (20 كيلومتر).
تمتلِك بعض الحلقات أيضًا سِماتٍ تشويهية تُدعى (المراوِح – Propellers)، وهي عبارة عن فجواتٍ أوليّة تشكَّلت بواسطة أقمارٍ صغيرةٍ، دون تأثير الجاذبية؛ لعمل فتحاتٍ مثل فجوات (إنك) و(كاسيني)، وهناك سِمةٌ أُخرى غريبة للحلقات، هي: (أحزِمَتِها – Spokes)، التي تبدو وكأنّها أوتارٌ أو خطوطٌ تدور مع الحلقات، ووِفقًا للصفحة الخاصة بمهمة كاسيني التابِعة لناسا، هذه الأحزمة عبارة عن تجمُّعات لجُسيماتها الجليدية الدقيقة التي تسبَح أعلى سطح الحلقة بواسطة شُحنةٍ كهربائيةٍ ساكِنةٍ، فهي مؤقّتة، وتم اكتشافها بواسطة مُهمة كاسيني عام 2005م.