صُمّم مسبار تطور التطاير والغلاف الجوي المريخي (مافين- MAVEN) من أجل دعم الأفكار حول ماضي كوكب المريخ وكيف تحول من عالم رطب في الماضي إلى عالم صحراوي جاف في الوقت الحاضر.
وتقوم البعثة التي بلغت تكلفتها 671 مليون دولار بفحص الغلاف الجوي العلوي للمريخ، مركزة بحثها في كيفية فقد المريخ لغلافه الجوي ومياهه السائلة.
وبعد إطلاقها في منتصف تشرين الثاني / نوفمبر 2013، شرعت المركبة والتي يمثل حجمها حجم حافلة مدرسية في رحلتها نحو المريخ والتي تستغرق 10 أشهر لتصل في 21 أيلول / سبتمبر 2014.
المركبة فضائية (مافين) في مدار حول المريخ
وقد تم اختيار البعثة مافين في سبتمبر/2008 من بين 20 مقترحًا، بعثة قدمت إلى وكالة ناسا في أغسطس 2006، حيث كانت البعثة في الأصل جزءًا من برنامج كشف المريخ، والذي يهدف إلى إرسال مركبة استكشافية إلى المريخ تكون كلفتها أقل 485 مليون دولار.
وعلى الرغم من إيقاف العمل بالبرنامج عام 2010، فإن مركبتي الفضاء مافن وفينيكس لاندر كانتا من البعثات الناجحة التي صدرت من هذا البرنامج.
إن بعثة مركبة مافين هي البعثة المدارية العاشرة حول المريخ لوكالة ناسا، وهي الآن واحدة من ستة بعثات مدارية ناشطة حول المريخ، وإليكم سردًا مختصرًا لهذه البعثات:
- مركبة الفضاء (مارس أوديسي) والتي تم إطلاقها في عام
- 2001 بعثة وكالة الفضاء الأوروبية (مارس اكسبرس) والتي تم إطلاقها في عام 2003
- مركبة الفضاء (مارس ريكونيسانس أوربيتر) التابعة لوكالة ناسا والتي أطلقت في عام 2005
- البعثة الهندية إلى المريخ والتي أطلقت في في نوفمبر 2013، قبل أسبوعين فقط من مافين، وقد بلغت تكلفتها 74 مليون دولار، وصل المجس الهندي، المعروف باسم مانجاليان، إلى مدار المريخ في 23 سبتمبر 2014
- بعثة وكالة الفضاء الأوروبية (إكسومارس) والخاصة بتتبع الغاز للمريخ، وقد وصلت إليه في أكتوبر 2016.
أيضًا لدى ناسا مركبتان جوالتان تدرسان سطح المريخ هما (أبورتيونيتي وكوريوسيتي). مركبة كوريوسيتي والتي هبطت على سطح المريخ في عام 2012 كانت آخر مركبة لوكالة ناسا تهبط على المريخ.
فقدان الغلاف الجوي
وفقًا لوكالة ناسا، يعتقد العلماء بأن بضعة عوامل مختلفة قد تسببت بفقدان المريخ لغلافه الجوي، وهذه العوامل:
- الطاقة الحركية: يمكن للجزيئات في الغلاف الجوي للمريخ أن ترتد بشكل طبيعي من بعضها البعض، مؤدية إلى إفلات الذرات ذات الطاقة العالية في الغلاف الجوي العلوي للمريخ إلى الفضاء، وقد يكون ذلك السبب وراء فقد المريخ للهيدروجين.
- الكيمياء العضوية: يمكن لأشعة الشمس أن تنشئ أيونات إيجابية تقوم بالاتحاد مع الكترونات مسببة رد فعل ينشط الذرات ويدفعها إلى الإفلات من الغلاف الجوي
- الرياح الشمسية: يمكن لخطوط المجال المغناطيسي والتي قد تنشؤها الرياح الشمسية أن تؤين ذرات الغلاف الجوي وتطردها خارجه.
- القذف: بعض الأيونات، وعلى الرغم من نشاطها، فإنها لا تفلت من الغلاف الجوي للمريخ بل تعود إليه، لكن إذا قامت هذه الجسيمات باصطدام بجزيئات أخرى فإنها ستسبب بزيادة من تسارعها مؤدية إلى فقدان الغلاف الجوي.
تحمل مافين ثمانية تجهيزات علمية حملت خصيصًا لرصد الغلاف الجوي للمريخ وهي حسب وكالة ناسا:
1- الجسيمات الشمسية النشيطة:
يقيس هذا الجهاز أيونات الهيدروجين والهليوم المنبعث من الشمس أثناء الطقس الشمسي، وذلك وفقًا لوكالة ناسا.
ويوفر هذا الجهاز معلومات حول الطاقة التي ترسلها الشمس إلى الغلاف الجوي العلوي للمريخ ودورها المحتمل في عملية (القذف)
2- محلل الرياح الشمسية:
يقيس هذا الجهاز درجة حرارة وكثافة وسرعة الرياح الشمسية عندما تصطدم بالغلاف الجوي للمريخ.
3- SupraThermal and Thermal Ion Composition:
يدرس هذا الجهاز تركيب الأيونات ذات الطاقة العالية بنوعيها الحراري والفوق الحراري والموجودة في الغلاف الجوي العلوي للمريخ.
حيث يمكن لهذه الأيونات أن تنطلق بعيدًا إلى الفضاء أو ترجع إلى الغلاف الجوي، مسببة ظاهرة (القذف).
وذلك وفقًا لوكالة ناسا
4- مقياس شدة التعرض للإشعاع والأمواج:
هذا الجهاز يتيح للعلماء العثور على حدود وكثافة طبقة الأيونوسفير، مما يساعد على حساب هروب الغلاف الجوي
5- محلل الرياح الالكترونية الشمسية:
يقيس هذا الجهاز طاقة الالكترونات وتوزعها الزاوي، أيضًا يساعد العلماء على وضع خرائط لمناطق الرياح الشمسية وذلك من خلال دوران المركبة مافين حول المريخ.
6- مقياس المغناطيسية:
يجمع هذا الجهاز معلومات حول البيئة المغناطيسية للمريخ من خلال دوران المركبة مافين حوله، كما يقدم هذا الجهاز بيانات هامة تساعد الأجهزة الأخرى في المركبة، وتكمن أهمية هذه المعلومات بسبب تأثير المجالات المغناطيسية على الغلاف الجوي العلوي للمريخ، كما يقول المسؤولون في وكالة ناسا.
7- مقياس الغاز الطبيعي وأيون الكتلة الطيفية:
يوفر هذا الجهاز معلومات حول التغييرات في بنية وتركيب الغلاف الجوي للمريخ وذلك أثناء مهمة مركبة مافين
8- جهاز التصوير بالأشعة فوق البنفسجية:
يفحص هذا الجهاز البنية الكيميائية للغلاف الجوي العلوي للمريخ وذلك من خلال رسم خريطة تموضع العناصر الكيميائية وقياس معدل هروب ذرات الهيدروجين.
كما تحمل المركبة (مافين) جهاز لتقوية الاتصالات والتي ستكون كأداة احتياطية للتواصل مع العربتين الجوالتين على سطح المريخ (أبورتيونيتي وكوريوسيتي).
حيث يمكن لـ (مافن) أن تكون نقطة التواصل بينهما وبين الأرض.
كما يمكن للمركبتين (مارس أوديسي) و (مارس ريكونيسانس أوربيتر) القيام بنفس مهام التواصل تلك.
النتائج العلمية
وصلت المركبة مافين إلى المريخ قبل شهر واحد من اقتراب المذنب (Siding Spring) من المريخ، والذي اقترب من المريخ لمسافة 87,300 ميلا (140،500 كم) وذلك في 19 أكتوبر 2014، وعادة ما تستغرق المركبة الفضائية عدة أسابيع لمعايرة وفحص أدواتها، أما في حالة المركبة مافين فقد أوقف العلماء عمليات المعايرة والفحص هذه للاستفادة من هذا اللقاء بين الكوكب والمذنب.
قدمت عمليات الرصد التي قامت المركبة مافين لاقتراب المذنب من المريخ ثروة من المعلومات.
حيث تم رصد مواد وهي تسقط من المذنب إلى الغلاف الجوي للمريخ، مشكلة انهمارات شهابية، كما قدمت اقتراب المذنب معلومات عن تركيب المذنبات القادمة من حزام أورت، وهي منطقة تقع خلف كوكب نبتون والتي قدم منها هذا المذنب.
اكتشف العلماء المغنيسيوم والسليكون والكالسيوم والبوتاسيوم في الغلاف الجوي للمريخ والتي أتت من المذنب (Siding Spring).
وقد سبب المجال المغناطيسي للمذنب بقذف جزء من الغلاف الجوي للكوكب الأحمر إلى الفضاء.
في نوفمبر 2015، أكدت عمليات الرصد التي قامت بها المركبة مافين أن أغلب الغلاف الجوي للمريخ قد تسرب إلى الفضاء، وذلك بدل أن تقوم تربة المريخ بامتصاص جزئيات الغلاف الجوي.
وبينما حصلت معظم عمليات التعرية لتربة المريخ في وقت مبكر من تاريخ الكوكب، فإنه لا يزال هناك تسرب بطيء للغلاف الجوي يجري إلى اليوم، وذلك وفقًا لما قالته وكالة ناسا في ذلك الوقت.
قد حصلت الخسارة الأكبر للغلاف الجوي منذ حوالي 3.7 مليار سنة، في وقت مبكر من تاريخ النظام الشمسي.
ويرجع ذلك جزئيًا إلى الشمس حيث كانت العواصف الشمسية أقوى من الآن، فضًلا عن انبعاثات الأشعة فوق البنفسجية والتي أيضًا كانت أقوى من الآن.
كلا العاملين ساعدا على تآكل الغلاف الجوي للمريخ.
كما فقد المريخ مجاله المغناطيسي في وقت مبكر من تاريخه؛ وسبب هذا الفقد تآكل حماية الكوكب من الشمس.
وقد قام العلماء بإنشاء نماذج مفصلة تشرح عملية فقد الغلاف الجوي حيث ظهرت نتائج تلك النماذج في عام 2017، مركزين على الأرجون -وهو غاز لا يتفاعل مع العناصر الأخرى.
ومن الغريب في الأمر هو أنه على الرغم من فقد المريخ لمجاله المغناطيسي، فإنه من الممكن رؤية ظاهرة شفق سماوي كامل للأشعة فوق البنفسجية والضوء المرئي، وذلك وفقًا لبيانات صدرت من المركبة مافين والتي نوقشت لأول مرة في عام 2015.
إن ظاهرة الشفق القطبي تكون مرئية من الأرض، ولكنها تنشأ عن التفاعل بين جزيئات الطاقة الشمسية والمجال المغناطيسي للأرض.
أيضًا تمكنت المركبة مافين من تصوير ظاهرة (nightglow) والتي تحدث عندما تتسبب الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس بانهيار النيتروجين وجزيئات ثاني أكسيد الكربون في الجانب المظلم من الكوكب، تجمع الذرات على ارتفاعات منخفضة، وتطلق الطاقة على شكل ضوء الأشعة فوق البنفسجية، منتجة ظاهرة (nightglow).
في عام 2017 وجدت المركبة مافين المعادن في الغلاف الجوي للمريخ، وتحديدًا الحديد والمغنيسيوم وأيونات الصوديوم (ذرات مشحونة كهربائيًا).
وفي حين أن المعادن تظهر ضمن الغبار بين الكواكب، فإن ذلك يمثل المرة الأولى التي تم العثور فيها على هذه المادة في الغلاف الجوي لكوكب خارج الأرض.
والجدير بالذكر أنه تم اكتشاف المعادن في الغلاف الجوي للمريخ لأول مرة عندما اقترب المذنب (Siding Spring) من المريخ في عام 2014، ولكن أظهرت المتابعات أن ظهور المعادن هي ظاهرة مدتها طويلة لا ترتبط بالضرورة باقتراب المذنبات.
وقد ينشأ استمرار ظهور المعادن على المدى الطويل عن طريق اندفاعات الشهب خلال الغلاف الجوي للمريخ.
يقول العلماء بأن اكتشافات المركبة مافين سوف تساعد على فهم الأغلفة الجوية للكواكب خارج المجموعة الشمسية.
إن دراسة قابلية احتواء الحياة للكواكب التي هي بحجم الأرض هو الهدف الأساسي للأبحاث التي تجري على الكواكب خارج المجموعة الشمسية; ومشاهدة فقدان المريخ لغلافه الجوي هو شيء آخر يستطيع العلماء التركيز عليه عندما يبحثون في العوالم التي حجمها قريب لعالمنا في النظم الشمسية الأخرى.
وقد قامت المركبة مافين أيضًا برصد قمر كوكب المريخ فوبوس وذلك في مجال الأشعة فوق البنفسجية.
ويقوم الباحثون بالبحث عن احتمال وجود مركبات عضوية على سطح هذا القمر، وأيضًا يبحثون في تركيب هذا القمر.
في عام 2017 غيرت المركبة مافين من مدارها لتجنب اصطدام محتمل مع القمر فوبوس في المستقبل.