باعتبارنا سكّانًا للأرض، نحنُ نحظى بفرصة الانبهار والاندهاش بالكسوف الكلِّي للشّمس، هذا الحدث السماوي المُبهِر، والذي يحجب فيه القمر ضوء الشمس من الوصول لكوكبنا.
لكن هل الأرض هي الكوكب الوحيد في نظامنا الشَّمسي الذي يختبر هذه الظاهرة المُدهشة؟
قال علماء الفلك لصحيفة لايف ساينس (Live Science) : «كلّا، يمكن للكسوف الكلّي للشمس أن يحدث على كواكبٍ أُخرى أيضًا، طالما أنّها تملك أقمارًا حجمها كبيرٌ كفاية لتغطّي قرص الشمس من منظور الأرض و تدور حول الكوكب في نفس المستوى كما الشمس».
يحدث الكسوف الكلي للشمس عندما يصطفُّ كوكبًا قمره وشمسه على نفس المستوى، ويعبُر القمر الكبير الحجم فعليًّا بين الكوكب وشمسه، حاجبًا ضوء الشمس بشكلٍ كلّي من الوصول إلى الكوكب.
تقول كريستا فان ليرهوفن (Christa Van Laerhoven)، زميلة ما بعد الدكتوراه في مجال الفلك في جامعة كولومبيا البريطانيّة في كندا: «أوّل شيءٍ تحتاجه للحصول على كسوف شمسي هو وجود قمر، هذا السبب ينفي على الفور حدوث كسوفًا شمسيًّا على كوكبي عطارد والزّهرة (Mercury and Venus) فهما لا يمتلكان أقمارًا تابعة لهما.
تقول فان ليرهوفن أيضًا: «يمتلك كوكب المرّيخ قمرين، فوبوس وديموس لكن كلاهما صغير جدًّا لإحداث كسوف كلي للشمس الذي يمكن مشاهدته من على الكوكب الأحمر.
بدلًا عن ذلك، تستطيع هذه الأقمار إحداث كسوفات جزئية يمكن لأيّ شكلٍ مُحتمَل من أشكال الحياة أو (مركبة المرّيخ Mars rover) مشاهدتها من على أرض الكوكب».
كتب عالم الفلك ماتيجا كوك (Matija Cuk) على مدوّنة اسأل فلكيًّا لجامعة كورنيل: «المنظر من على هذه الأقمار الصغيرة ممتعٌ أكثر، فهم يرون كسوف المريخ للشمس أغلب الأحيان، وتحدث بشكلٍ يوميّ خلال بعض الفصول».
يقول كوك أيضًا: «الكواكب عمالقة الغاز (المشتري، زحل، اورانوس ونبتون) يمكن لجميعها أن تمتلك كسوفًا كليًّا للشمس، حيث يمتلكون أقمارًا ضخمةً وتبدو الشمس صغيرة بالنّسبة لهم.
لكنّ بسبب كون هذه الكواكب غازيّة سيكون من المستحيل الوقوف عليها ومشاهدة هكذا كسوف كلي».
ويقول كل من كوك وفان ليرهوفن: «على أيّة حالٍ، إذا كنت تملك مركبةً خاصّة تستطيع أن تحوم بالقرب من عمالقة الغاز الدوّامة، تستطيع أن تلمح بشكلٍ جيّد كسوف شمسيّ.
يملك كوكب المشتري ما يصل إلى 67 قمرًا، من بينهم جانيميد (Ganymede) أضخم قمرًا في منظومتنا الشمسية.
ولأنَّ أقمار المشتري تدور حول الكوكب في نفس المستوى كما الشمس، يمكن للكوكب أن يحظى بكسوفٍ شمسي».
وقد قال الفلكيّون في هذا الموضوع أيضًا: «في الحقيقةِ، إذا استطعت الهبوط على أحد أقمار المشتري، بإمكانك رؤية كسوف أقماره الأخرى للشمس».
بالنسبة للكواكب القزمة مثل بلوتو، تقول فان ليرهوفن: «إنَّ شارون، وهو أضخم قمر تابع لبلوتو، وهو قريبٌ كفاية إلى بلوتو لإنتاج كسوف كلي للشمس».
ويقول كوك: «لكنَّ لأنّ كوكب بلوتو وقمره شارون يواجهان نفس الجانب دائمًا، فإنَّ جانبًا واحدًا فقط من كل من بلوتو وشارون سيواجه كسوفًا».
هنا على كوكب الأرض، القمر مناسبٌ بشكلٍ شبه مثاليّ لإحداث كسوفٍ.
فهو يمتلك الحجم الصحيح، حيث يظهر كما يُشاهَد من الأرض بنفس الحجم أو أكبر من الحجم الظّاهري للشمس.
وتقول فان ليرهوفن: «هذا يعني أنّه عندما يعبر القمر أمام الشمس فإنّ الفوتوسفير، وهو الطبقة الخارجيّة المضيئة للشمس، يتمُّ تغطيته أمّا هالة الشمس (Corona)، وهي الغلاف العلويّ للشمس، فتبقى مرئيّة».
ولقد أوضحت فان ليرهوفن أن القمر التّابع للأرض يبتعد تدريجيًّا عن كوكبنا، ولهذا في المستقبلِ القريبِ، وعلى الأقلّ من منظور الأرض، سيكون الحجم الظاهري للقمر صغيرًا جدًّا لتغطية كامل الشمس.
وهذا يعني في يومٍ من الأيّام، لن يستطيع القمر أن يتسبّب في كسوف كلي للشمس، فقط كسوف حلقيّ، حيث حلقة من قرص الشمس تبقى مرئية.
يُخمِّن الخبراء أنّ الأرض ستشهد آخر كسوف كلي للشمس حوالي 600 مليون سنة من الآن.
على أيّة حال، وفي الوقت الراهن، القمر في مكان ممتاز لإحداث كسوف كلي للشمس.
تُوضِّح فان ليرهوفن: «السّبب الذي يمنع حدوث كسوف كلي للشمس كلّ شهرٍ هو أنّ المستوى المداري للقمر محاذٍ قليلًا عن المستوى المداري للأرض حول الشمس.
وهذا يقلّل من فرص حدوث الكسوف الشمسي.
فالكسوف يحدث فقط عندما تصطفُّ الأشياء في مستوى واحد».
تذكّر: يمكن أن يُسبِّب النّظر بشكلٍ مباشر الى الشمس، حتّى وإن كانت مغطاة بشكل جزئي من قبل القمر، خطرًا حقيقيًّا على العيون أو الإصابة بالعمى.
لا تنظر ابدًا إلى كسوفٍ جزئيّ للشّمس من دون استخدام وقاية مناسبة للعيون.
التَقَطت مركبة المرّيخ Curiosity هذه الصور لكسوفٍ حلقيّ (Annular Eclipse)، حيث أضخم أقمار المريخ فوبوس (Phobos)، عبَرَ مباشرة من أمام الشَّمس في تاريخ 20 أغسطس 2013. التُقِطعت الصور بفرق 3 ثواني