جرب أن تنظر إلى الفضاء بواسطة ميكروسكوب، ماذا سترى؟ لا شيء، قم بالتكبير ألف مرّة، ماذا سترى؟ لا شيء، قُم بالتكبيرة مليون مرة، لايزال لا شيء، مليار مرة، أيضًا لا شيء على الإطلاق.
عند تلك النقطة، يُمكن للشخص العادي أن يتقبّل استنتاجية أنّ الكون في الحقيقة عبارةٌ عن لا شيء، ويبدو ذلك للوهلة الأولى منطقيًا بشكل بديهي، إذ أننا بجانب ذلك، أبعد ما نكون بالفعل عن قوة التكبير للمجاهر الحقيقية.
وبالرغم من ذلك، يُعد عُلماء الفيزياء الكميّة أشخاصًا غير عاديين، إذ أنّهم يستمرون في التكبير والتحديق، أعمق وأعمق في الفضاء الفارغ، مُتسلِّحين بمجاهر نظرية، يصلون بعدها فجأةً إلى رؤية شيءٍ ما من العدم، هذا الشيء هو مجموعةٌ مُضطربةٌ من الجُسيمات الافتراضية، تُسمّى بالرغاوي الكمومية، تكون هذه الجُسيمات – حسب علماء الفيزياء الكميّة- على هيئة اضطراباتٍ عابرةٍ في شبكة الزمكان، كالفُقّاعات في رغوة الجعة، يقول إيريك بيرمان أُستاذ الفيزياء وعلوم الفضاء بمعهد فلوريدا للتكنولوجيا: “الفقاعات في الرغاوي الكمومية أصغر كدريليون بـ (1015) مراتٍ من نواة الذرّة، وتدوم لأجزاءٍ متناهية الصِغر من الثانية – أو حسب لغة الكم – حجم طول بلانك بالنسبة لوقته”، ومن هنا يأتي السؤال، إذا كان هذا الشيء المتناهي في الصغر لم تتم مُلاحظته بشكل مُباشر، فكيف يُمكننا أن نكون مُتأكدين من وجود تِلك الرغاوي الكمومية؟، واحدٌ من أكبر الأدلّة على ذلك تم التنبؤ به عام 1947م عن طريق عالِما الفيزياء الهولنديين، هيندريك كاسيمير وديرك بولدر.
يشرح دون لينكولن، عالِم الفيزياء التجريبية الأول بمُختبر Fermilab، ما يُسمّى بـ “تأثير كاسيمير”، كما يلي:
“إذا كانت الرغاوي الكمومية حقيقيةً، يجب على الجُسيمات أن تتواجد بالضرورة في كل مكان في الفضاء، وبالإضافة إلى أنّ للجُسيمات طبيعةً موجيّةً، يجب أن توجد موجاتٌ في كل مكان، وما تخيّلوه هو وجود شريحتين مُتوازيتين من المعدن، قريبتين من بعضِهِما، حينها يُمكن للرغاوي الكمومية أن تُوجَد بين الشريحتين وحولهما، وبالإمكان في تلك الحالة أن تتولّد موجاتٌ قصيرةٌ فقط بين الشريحتين؛ بسبب قُربِهِما من بعضِهِما البعض، بينما تتولد موجاتٌ ذات طول موجيٍ قصيرٍ وطويلٍ خارِجها؛ بسبب خللٍ في الاتزان، وعلى الفائض من الموجات خارج الشريحتين أن يتغلّب على العدد القليل من الموجات بينهما، دافعًا الشريحتين باتجاه بعضِهما البعض، وقد تمت مُلاحظة ذلك التأثير نوعيًا بعد 30 عامًا من أول تنبؤٍ به، ثُمّ تم قياسه بدقّة عام 1977م.
ومفاد الفكرة هو أنّ الكون – في ذلك التركيب تحديدًا – رغويٌ، والفوضى لها عواقبٌ وخيمةٌ على فهمنا للكون.
كَتَب براين جرين الباحث بنظرية الأوتار، والأستاذ الجامعي بكولومبيا، في كتابِه (الكون الرائع)، ما قوله: “أنّ عدم التوافق الرئيسي بين النسبية العامة وميكانيكا الكم، يظهر عند تلك المُستويات الصغيرة تحديدًا، إذ يتدمّر مفهوم علم الهندسة الميكانيكية – المبدأ الرئيسي للنسبية العامة- ؛ بسبب الاضطرابات في العالم الكمّي على مُستوياتٍ صغيرة المسافة”.
وهكذا، فإنّ إثبات وجودِ أو عدم وجودِ الرغاوي الكمومية بشكلٍ قاطعٍ سيكون مفيدًا للغاية في تحديد الطبيعة الحقيقية للواقع، وكما يحدث غالبًا في العلم من إحباطٍ، تُعارض التجارب الحديثة ذلك، إذ أن هناك طريقةً مُمكنةً للكشف عن وجود الرغاوي الكمومية، وهي عن طريق قياس كم من الوقت تستغرق الفوتونات المُثارة من الانفجارات النجميّة للسفر لمسافات هائلة؟، إذا كان الزمكان مُسطحًا وسويًا، فسيأخذ زوجًا من الفوتونات المُنبعثة من المصدر نفسه ، والوقت نفسه للسفر لمسافة مُعيّنة، أما إذا كان الزمكان رغويًا، فإنّ أحد الفوتونات سيتم إبطاءه بواسطة الاضطرابات الطفيفة.
وقد كَشَف تحليل عام 2009م أنّ فوتوناتٍ عالية الطاقة، وأُخرى مُنخفضة الطاقة، مُنبعثةٌ من انفجارٍ زاخرٍ بأشعة جاما، قد وصلت إلى مكانٍ مُحددٍ في أوقاتٍ مُختلفةٍ، ولكن أظهر تحليلان لاحقان لانفجاراتٍ أُخرى اختلافًا بسيطًا يكاد يكون مُنعدِمًا، مُشيرًا إلى أنّ الزمكان سوي، أو على الأقل ليس رغويًا هكذا.
ومع ذلك، لا تستطيع أيًا من التجارب القياس بشكلٍ تفصيليٍ كافٍ لاستبعاد وجود الرغاوي الكمومية على أدق النطاقات، ورُبما علينا انتظار مجهرٍ بإمكانه الرؤية على مدى 1.6 * 1035 مترًا من طول بلانك للتأكّد، وإنشاء أداةٍ كهذه مُهمةٌ طويلةٌ حقًا.