موضوع استيطان القمر له نكهة مستقبلية رغما عن كونه حلم قديم، على عكس المريخ والذي يحلم العالم باستطيانه هذه الأيام خصوصا بعد فيلم ريدلي سكوت عام 2015 من رواية أندي وير «المريخي» و الذي ساهم في زرع فكرة إمكانية استيطان المريخ، و يمكنك البحث بسهولة عن المقالات الصحفية المتكررة حول محاولات الوكالات الفضائية مثل (ناسا-NASA) وبعض المشاريع الخاصة حول فكرة استيطان المريخ حتى يومنا هذا.
وإذا كان الحديث عن استيطان القمر فإن المشاهد المصاحبة والرسوم التوضيحية تكون أشبه بشخصيات من المسلسل الأمريكي “Mad Men” حيث يرتدون خوذات زجاجية بينما يحتسون رشفات من الكحول وسط اثاث حديث.
ليبدو استيطان القمر وكأنه حلم الستينيات بدلا من حلم اليوم. فأين ذهب القمر من كونه الوجهة المناسبة؟
الإجابة ببساطة هي أننا نتطلع لهدف أعلى.
استعمار المريخ هو مشروع أصعب، ولكنه أيضا أكثر جدوى من حيث النتائج العلمية. لا يتوقع الكثير من العلماء أن يجدوا دلائل على الحياة القمرية الماضية أو الحالية، ولكن لا يزال هناك الكثير من الأمل لاكتشاف مخلوقات مجهولة على المريخ والتي قد تكتشف من خلال محيطات المريخ المفقودة.
أيضًا وفي نهاية المطاف، من المرجح أن المريخ مرشح أفضل للسكن على المدى الطويل، والإقامة البشرية المستدامة، بسبب مميزاته مثل جاذبية أقوى إلى حد ما، وامتلاكه غلاف جوي «رغم كونه رقيقاً جدا».
ومع ذلك، لا يزال بعض العلماء والرواد ينظرون إلى المستعمرات القمرية باعتبارها جزءا هاما من جهود استكشاف الفضاء المستقبلي.
على سبيل المثال، أعرب المدير العام لوكالة الفضاء الأوروبية (يوهان ديتريش فورنر-Johann-Dietrich Wörner) عن تأييده لفكرة «محطة القمر الدائمة كخليفة للمحطة الفضائية الدولية» في ندوة الفضاء في أبريل 2015، وأعلنت وكالة الفضاء الاتحادية الروسية عزمها على إنشاء والحفاظ على قاعدة القمر، و ذلك بدءا من هبوط الطاقم في 2029.
على عكس المريخ، فالقمر في الواقع تتوفر به بعض الفرص الفريدة :
1- القمر كمصدر للوقود
ويعٌتقد أن التربة التي تغطي سطح القمر تحتوي على الهيليوم -3، و التي ترسبت على مدى قرون من التعرض للرياح الشمسية.
الهليوم -3 هو الوقود المحتمل للطاقة الآمنة والنظيفة على نطاق واسع من خلال الاندماج النووي.
تكمن أهمية الهليوم -3 في اعتماده على تطورات أبحاث الاندماج التي قد أو لا يمكن تحقيقها في المستقبل القريب.
وإن لم نتمكن من تحقيق نتائج ملموسة بها، فإن مسألة الوقود عن طريق الهيليوم لن تكون ذات جدوى.
2 – القمر كمحطة وسيطة لانتقالات البشر
في الخيال العلمي كثيرا ما صُوّر الفضاء القريب للأرض على أنه مزدحم مروريًا بمركبات فضائية تأخذ الركاب من وإلى المحطات الفضائية والكواكب الأخرى وتعيد المواد الخام المستخرجة من الأقمار والكويكبات، وتُجري البحوث الكونية على الكواكب.
إذا صار ارتياد الفضاء أكثر من أي وقت مضى ستكون حركة المرور مزدحمة، ونحن في حاجة إلى بعض محطات التعبئة الوسيطة لخدمة حركة المرور الصادرة خارج حدود الأرض.
يعتبر موقع القمر مثاليًا لمحطة كهذه. وتقترح أحد دراسات ناسا إمكانية استخدام آلات تسمى «المحولات» لتحول حفرة شاكلتون في القطب الجنوبي للقمر لهذا الموقع.
وهذا من شأنه أن يعمل على إعادة توجيه أشعة الشمس في الحفرة، التي تجمدت في السابق من قبل الظلام الأبدي، وبذلك قد نتمكن من استخدام الهيدروجين السائل والأكسجين السائل كقوة دفع صاروخية.
3- القمر برج المراقبة الكونية
يستخدم علماء الفلك (تلسكوبات راديوية-Radio Telescopes) في البحث عن الكائنات الفضائية ولدراسة الثقوب السوداء. لدينا الكثير من التلسكوبات الراديوية بالفعل على الأرض، ولكن عندما يتعلق الأمر بإشارات الراديو فسوف نجد أن الأرض مكان صاخب.
نحن نولد كمية هائلة من الثرثرة الراديوية والتي تعيق استقبال الإشارات التي نود الاستماع إليها من الكون.
لهذا السبب، سيكون من الرائع إذا وضعنا قطعة عملاقة من الصخور بين تلسكوباتنا الراديوية وكوكب الأرض و بالطبع سيكون القمر هو أفضل من يقوم بذلك الدور.
والعديد من علماء الفلك قد اقترحوا هذه الفكرة، عن طريق إنشاء مجموعة تلسكوب لاسلكية على الجانب القمري البعيد، تبنيها روبوتات يسيطر عليها رواد الفضاء.
4- القمر أثبت أنه أكثر أمانا
إذا كنا سنختبر الطرق والتقنيات لاستيطان النظام الشمسي في ظل أن حياة الإنسان على المحك، فالقمر هو المكان الأكثر أمنًا خارج الأرض لتجربة تلك الاختبارات.
القمر يبعد فقط بضع مئات من آلاف الأميال. اذا اطلقت صاروخ عن سطح الأرض فيمكنه أن يدخل مدار القمر في غضون ثلاثة أو أربعة أيام.
وأما المريخ، فحتى أفضل السيناريوهات عندما تكون مدارات الأرض والمريخ منسجمة تماما لتقصير الرحلة، فإن المركبة الفضائية التي تُطلق من الأرض ستستغرق أكثر من ستة أشهر للوصول إلى المريخ.
هذه الرحلة الطويلة تعد مشكلة لسببين على الأقل.
الأول هو جعلها مفهوم «مهمة الإنقاذ» أو أي شيء على طول هذه الخطوط إلى حد ما طويل نسبيا كمسافة و كثير كوقت.
والسبب الآخر هو أن السفر الفضائي يؤدي إلى خسائر جسيمة على جسم الإنسان.
يتعرض رواد الفضاء في الفضاء السحيق لإشعاع مكثف مع ملاحظة أننا محميون بشكل طبيعي من تلك الإشعاعات في منازلنا وذلك بفضل الغلاف الجوي الأرضي والغلاف المغناطيسي.
ويعمل الباحثون على تطوير مركبات فضائية خاصة معدة لحماية مستعمري المريخ المحتملين من هذا الإشعاع، ولكن هذا يزيد من تكلفة وصعوبة البعثة.
وعلاوة على ذلك، هناك مخاطر أخرى مرتبطة بالسفر لمسافات طويلة، كأمراض كثافة العظام وفقدان العضلات بسبب الجاذبية المنخفضة. وكلما قضيت وقتا أطول في الفضاء، كلما زادت المخاطر الصحية.
وعندما نتحدث عن المريخ فنحن نتحدث عن ستة أو سبعة أشهر داخل كبسولة في طريقها إلى المريخ، حتى رواد الفضاء الأكثر قدرة على التحمل قد يرغبون في اختيار رحلة لمدة ثلاثة أيام إلى القمر بدلا من ذلك.
مع الأمثلة الثلاثة الأولى، يتبادر سؤال مهم، ما إذا أمكن متابعة هذه المشاريع من قبل الروبوتات دون الحاجة إلى طواقم بشرية والعاملين في الموقع؟.
ولكن الشيء نفسه يمكن أن يقال عن المريخ – البعثات غير المأهولة بشريًا كالتي قام بها (كوريوسيتي روفر-Curiosity rover) الى المريخ من أجل استطلاع المدار الخاص به و تمكنوا من تعليمنا كثيرا دون وضع الأحذية البشرية في التربة الحمراء.
ومن ثم، فإن الدافع وراء الاستعمار البشري ليس مجرد تعزيز أهداف علم الكواكب، الاستعمار البشري هو غاية في حد ذاته.
إذا ما كنا نريد حقا أن نتعلم كيف يمكن للبشر العيش، والعمل والتعلم فيما بعد الأرض، لماذا لا تبدأ البشرية مع القمر؟