حقًا، نحن البشر أكثر قوةً مما نعتقد..
جمع علماء وكالة ناسا بيانات عن دوران كوكبنا مع عدد من النماذج المتطورة ليجدوا أن ذوبان الجليد هو السبب الرئيسي للانحراف الغريب في الدوران المتأرجح لكوكبنا.
إن حُبنا للوقود الأحفوري لم ينتج غطاءً غازيًا إضافيًا للأرض وحسب، بل إنه يقلب توازن الكرة الأرضية تمامًا.
حقيقةً، لا يتحمل البشر اللوم كاملًا هنا، لأن العلماء وجدوا أيضًا أن حركة الصخور المنصهرة على عمق كبير تلعب دورًا هامًا.
إن فكرة تأثير إعادة توزيع المياه من قطع جليد على اليابسة إلى مياه سائلة في المحيطات على كيفية دوران كوكبنا حول محوره ليست جديدة.
في الواقع لقد كان هذا هو التفسير الأساسي لتزايد تأرجح كوكبنا منذ بضع سنوات وحتى الآن.
لكن لم يقتنع الباحثون بأن هذه القصة كاملة
لذلك جمعت دراسة أجرتها وكالة ناسا سجل بيانات القرن حول دوران الكوكب، وتغيرات مستوى سطح البحر، والتغيرات الكتلية القارية، وقامت بتحليلها إلى جانب تحليل أحدث نماذج التدفق الثابت للصخور المنصهرة الموجودة تحت قشرة الأرض.
يقول المؤلف الرئيسي للدراسة “سوريندرا أدهيكاري” من مختبر الدفع النّفاث التابع لناسا في كاليفورنيا: «التفسير التقليدي؛ هو أن إحدى عمليات الارتداد الجليدي، مسؤولة عن حركة محور دوران الأرض».
لكن في الآونة الأخيرة، خمن العديد من الباحثين أن عمليات أخرى يمكن أن يكون لها تأثيرات كبيرة على حركة محور دوران الأرض أيضًا.
نتفق جميعًا أن كوكبنا هو كرة عملاقة تدور حول نقطة مركزية تمتد من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي، وتكمل دورة واحدة كل 24 ساعة.
الوصف الأكثر دقة هو أن كوكبنا عبارة عن كرة مكونة من مجموعة كتل بشكل كروي تقريبًا، تدور حول محور دورة كاملة كل 23 ساعة و56 دقيقة و4 ثوانٍ.
ونتيجة لبعض العوامل كالشكل غير المثالي والتوزيع غير المتساوي للكتلة وتأثير دفع بعض الأجسام في نظامنا الشمسي للأرض، فإنها لا تدور حول محورها دورة واحدة في اليوم بشكل دقيق.
كما يتغير الوضع الدقيق لمحور الدوران غير المركزي، ما يجعل كوكب الأرض يتذبذب كل 6 إلى 14 عامًا.
وما زاد الوضع إثارةً، أنه هذا التذبذب قد انحرف خلال القرن الماضي بشكل كبير غربًا بسرعة 10.5 سنتيمترًا (4 بوصات) سنويًا، ما غيّر موقعه نحو 10 أمتار.
لكن الطريق الذي تسلكه هذه العملية ليس سهلًا ومرتبًا، فقد تراجع خلال سنوات نهاية الألفية الأولى وبداية الثانية محور الدوران باتجاه عكسي بشكل غير متوقع بمعدل 17 سنتيمترًا (7 بوصات) سنويًا.
بالطبع، قد لا تبدو هذه الأرقام المتذبذبة كبيرة، لكنها تدل على بعض القوى الجيولوجية المهمة.
وبطبيعة الحال فإن فقدان الجليد هو السبب المحتمل الأول.
إذ فقدت جرينلاند (جزيرة كبيرة تقع إلى الشمال الشرقي من أمريكا الشمالية) وحدها حوالي 7500 مليار طنًا من الجليد (ما يساوي 20 مليون ناطحة سحاب من الجليد) خلال المئة عام الماضية.
وبزوال وزن الطبقة الكثيفة من الجليد، ترتفع القشرة الارضية تحتها.
وبالتالي يحفز هذا التغير في الشكل حركة تمايل الكوكب إلى اتجاه جديد.
ومما لا شك فيه، أن الأمر قد ازداد سوءًا بسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض، لكنها عملية بطيئة بشكل كبير بدأت تدريجيًا منذ نهاية العصر الجليدي الأخير.
للحصول على صورة أكثر شمولية لمحور الأرض المتحرك في القرن العشرين، نحتاج لجمع بيانات حركة الكوكب الديناميكية لمعرفة ما إذا كان شيء آخر يحدث، وذلك يعني أخذ حركة المادة المنصهرة في باطن الأرض ضمن الاعتبار.
يقول أدهيكاري: «قمنا بجمع نماذج لمجموعة من العمليات التي يعتقد أنها مهمة في تحديد اتجاه حركة محور الدوران، اتضح أن الارتفاع البطيء لقشرة الكوكب بعد العصر الجليدي الأخير لم يسبب سوى نحو ثلث انحراف محور الدوران».
ويعتقد الباحثون أن الثلثين الباقيين يأتيان من سببين آخرين، أحدهما إعادة توزيع الكتلة بشكل متساوي بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر.
يقول أدهيكاري: «لقد حددنا ثلاثة مجموعات من العمليات المهمة والحاسمة، ويعد ذوبان الغلاف الجليدي العالمي (خاصة جرينلاند) على مدار القرن العشرين واحدًا منها.
في حين أنه تتعلق باقي العمليات بدفع التيار الحراري ببطء لكتل من الصخور الساخنة واللزجة في باطن الأرض.
حقيقةً، نحن لا نعلم ما يكفي عن نواة الأرض لاستنتاج صورة واضحة لهذه العملية، إذ تبدو أنها عبارة عن عملية ملء بعض الفراغات.
حتمًا ستساعد البيانات المتطورة من المسوحات الزلزالية على توفير نماذج أفضل».
بالطبع، لا يزال هناك الكثير لنتعلمه حول تمايل كوكبنا.
لكن في الواقع كان للنشاط البشري تأثير على كيفية تغير عالمنا.