قليلة هي الأحداث الجيولوجية التي تأسر المخيلة مثل بركان ثائر، نشعر بالحماس عن رؤية صورة صخور منصهرة ساخنة تنفجر من الأرض وتدمّر كل شيء في طريقها.
يمكن أن تسبب البراكين كوارث هائلة تقتل عشرات الآلاف، ويمكنها أن تحدث مشاهد مذهلة لنوافير من الحمم، وبوجود بركان ثائر مثل بركان هاواي الثائر حاليًا امتلأت الأخبار بالبراكين، ولكن غالبًا ما تكون هذه الأخبار مليئة بالأخطاء عن البراكين وكيفية عملها.
الخرافة الأولى: البراكين أكثر نشاطًا اليوم مما كانت عليه في الماضي:
ما إن تبدأ البراكين في اجتياح الأخبار؛ ستشاهد عناوين مثل “باطن الأرض يمر بأزمة، البراكين تتفجر في جميع أنحاء العالم..
ولا أحد يعرف السبب”، المعنى الضمني هو أن الأمور تزداد سوءًا.
على الرغم من مثل هذه المخاوف، لا يزداد نشاط الأرض جيولوجيًا.
النشاط الجيولوجي مع مرور الوقت شهد ازديادًا واضمحلالًا، بعض البقاع بها انفجارات أو زلازل أكثر، وبقاع أخرى لديها نشاط أقل.
في أي لحظة هناك انفجار لما لا يقل عن 12 بركانًا، وهذا يعني أن هذا الأمر يحدث دائمًا، وليس هناك سبب يدعو للاعتقاد أن هذا العدد يتغير مع مرور الوقت، يحتفظ برنامج البراكين العالمي الخاص بمؤسسة سميثسونيان لتوثيق البراكين بقائمة للبراكين.
وبفضل قدراتنا الحديثة والأقمار الاصطناعية يمكننا مراقبة البراكين في العديد من المواقع البعيدة، وبفضل السرعة التي تنتقل بها الأخبار حاليًا حول العالم، فإن ثوران بركان ربما لم يلاحظه أحد منذ 100 عام سوف يجتاح عناوين الأخبار في عام 2018.
العالم ليس أكثر نشاطًا بركانيًا، بل نحن أكثر وعيًا بالبراكين.
الخرافة الثانية: تخرج البراكين الدخان عندما تثور:
غالبًا ما تنقل التقارير الإخبارية عبارات مثل “بركان ثائر يبعث الدخان إلى مسافة 9000 متر في الهواء”، بالنسبة لعلماء البراكين فإن كلمة “دخان” محبطة للغاية، لأنها تسقط بعضًا من الضرر الحقيقي الذي يمكن للبراكين أن تتسبب به.
في حين أن البراكين يمكن أن تفجر مواد إلى ارتفاع 9000 متر وأحيانًا أعلى من ذلك بكثير ولكن ليس أيّ منها دخان.
لا ينشأ الرماد البركاني من أي شيء يحترق، ولكن من الحمم والصخور التي تحطمت إلى قطع صغيرة أقل من 2 ملم.
يبدو هذا الرماد مثل الدخان عندما يتصاعد محمولًا بواسطة الغازات البركانية مثل بخار الماء، لكنها في الحقيقة سحابة عملاقة من شظايا الزجاج.
هذا هو السبب في كون الرماد البركاني خطير جدًا على التنفس.
يمكن أن يؤذي الزجاج المكسور رئتيك إذا استنشقت كمية كافية منه، مثلما يمكن أن تفعل الألياف الزجاجية إذا عملت بالقرب منها بدون قناع.
الأسوأ من ذلك، يمكن أن يقتلك كسائل يملأ رئتيك، ويختلط مع الرماد ليكوّن أسمنت.
الرماد البركاني سيئ أيضًا للطائرات، في حين أن الدخان المجرد ليس كذلك.
سيذوب الرماد البركاني في محركات الطائرة، ويسدّ خطوط الوقود وأجزاء أخرى، ويتسبب في توقف مفاجئ للمحركات.
لهذا السبب كان المجال الجوي مغلقًا في معظم أنحاء أوروبا لمدة سبعة أيام خلال ثوران بركان إيافيالايوكل (Eyjafjallajokull) في أيسلندا عام 2010.
الخرافة الثالثة: يمكن أن تتأخر البراكين في الثوران عن الوقت المحدد:
يحب الناس الأنماط، وبالتالي فإن فكرة أن البراكين تثور وفقًا لجدول زمني معين كانت شائعة لفترة طويلة، وخاصة عندما تكون البراكين بالقرب من مدن كبيرة مثل طوكيو.
انفجر جبل فوجي آخر مرة في عام 1708، في واحد من أكبر انفجارات اليابان في الألفية الأخيرة، أقلقت الفجوة الزمنية التي أعقبت ذلك الانفجار عالم براكين ياباني في عام 2006 بأنه “قد مرّ وقت طويل جدًا” منذ اندلاع آخر ثوران، مما يوحي بأن ثورانًا في طريقه إلينا.
وبالمثل، ستجد أحيانًا مؤسسات إخبارية مثل هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) تصرح بأننا “تأخرنا” عن حدوث ثوران بركاني هائل، بما أن “آخر ثوران حدث في توبا في إندونيسيا كان منذ حوالي 7400 عام”.
لكن البراكين لا تأبه بالجداول الزمنية؛ ولا تعيد ملء نفسها ببطء ما بين كل انفجار وآخر ومن ثم تنفجر عندما تمتلئ.
على الرغم من أن الجيولوجيين لا يعرفون كل التفاصيل فيما يخص تصاعد الحمم البركانية مسافة 96 كم من مصدرها أسفل القمة البركانية، لكنه لا يبدو كأنه تقطير منتظم.
ولكن عوضًا عن ذلك، يمكن أن تختلف فترات السكون من بضع سنوات إلى آلاف السنين، وهذا يتوقف على ما يحدث في الأعماق تحت السطح.
التنبؤ بالثوران على أساس الفترة الزمنية لم يكن فعالًا.
الخرافة الرابعة: تساهم البراكين بشكل فعّال في تغيّر المناخ:
تنتج البراكين أنواعًا كثيرة من الغازات من بينها ثاني أكسيد الكربون، وهذا يجعلها هدفًا لرافضي قضية التغيّر المناخي بسبب النشاط البشري.
في عام 2010 زعم كاتب صحفي أن “كحة بركانية” واحدة يمكن أن تضيف “في يوم واحد” ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي أكثر مما أضاف البشر خلال 250 عامًا الماضية.
وفي عام 2015 اقترح أحد أعضاء لجنة الخدمة العامة في ولاية ويسكونسن أن “القضاء على جميع السيارات سيكون بما يعادل انفجار بركان واحد”.
هذا غير صحيح نظرًا لأن معدلات النشاط البركاني لا ترتفع، فليس هناك سبب للقول بأن هناك إضافة للمزيد من ثاني أكسيد الكربون إلى الجو من الثورات البركانية اليوم أكثر من أي وقت مضى.
ووفقًا لبحث أجراه عالم البراكين تيري غيرلاك (Terry Gerlach)، فإن كمية ثاني أكسيد الكربون التي ينتجها البشر كل عام تزيد 100 مرة عن تلك التي تنتجها البراكين، لذلك فسنويًا تنتج كل البراكين في العالم تقريبًا نفس الكمية من ثاني أكسيد الكربون التي تنتجها ولاية أوهايو الأمريكية.
يمكن للبراكين أن تؤثر على مناخ الأرض، ولكن ليس بالاحتباس الحراري.
يمكن أن ترتفع جسيمات ثاني أكسيد الكبريت من ثوران بركاني كبير إلى طبقة الستراتوسفير وتمنع الطاقة الشمسية من الوصول إلى السطح، والمثال الأكثر شهرة، هو ثوران جبل تامبورا في إندونيسيا عام 1815 الذي أدّى إلى ما سمّي “سنة بلا صيف” أو “سنة الفقر”.
الخرافة الخامسة: البراكين والزلازل مرتبطة ببعضها في منطقة الطوق الناري (Ring of Fire):
نسمع طوال الوقت: تثور البراكين في منطقة “طوق النار” وهي منطقة حول المحيط الهادي تكون فيها القشرة الأرضية نشطة للغاية.
تميل المقالات الإخبارية إلى جمع الأحداث الجيولوجية في المنطقة معًا، مثل “الثورات البركانية والزلازل في آسيا وألاسكا على مدى يومين تظهر أن طوق النار في المحيط الهادئ نشطة”، ما يشير إلى أنهما مرتبطان، حتى لو كان أحدهما في الطرف الآخر من العالم.
إن عبارة “حلقة النار” هي كلمة مثيرة للعواطف وتتوقف عند هذا الحدّ، فمن من الناحية الجيولوجية “طوق النار” ليست أكثر من مجرد مصادفة لتزامن البراكين والزلازل.
الحلقة المفترضة لا تطوق المحيط الهادي كله، تتضمن في بعض الأحيان مواقع خارج المحيط الهادي مثل إندونيسيا.
تحت كل هذه المناطق تتفاعل الصفائح التكتونية الكبيرة أثناء تحرّكها على سطح الأرض.
لكن البراكين والزلازل في منطقة “طوق النار” ليست مرتبطة بشكل مباشر، لذلك عندما تحدث الانفجارات أو الزلازل في اليابان وشيلي في وقت واحد، ليس السبب في أنها تتسبب إحداهما في الأخرى، في الواقع هناك القليل من الأدلة على أن الزلازل أو البراكين يمكن أن تتسبب في ثوران بركان آخر.