لنفترض أنّ الولايات المتحدة لم تنسحب مؤخرًا من اتفاقية باريس للمناخ.
دعونا نتظاهر أيضًا أنّ جميع البلدان الأخرى التي وبّختها بسبب الانسحاب قد وفت بتعهدات باريس خلال الموعد المتفق عليه، وأنّ كل دول العالم بذلت قصارى جهودها لخفض الانبعاثات ابتداء من اليوم، حتى لو حصلت كل تلك الافتراضات بالفعل ، فإن الكوكب لايزال حارًّا جدًّا.
في الحقيقة إذا جمعنا كل تقليصات الانبعاثات التي وعدت بها كل دولة في معاهدة في باريس، فهي لن تمنع من ازدياد درجات الحرارة أكثر من أهداف المعاهدة، من أجل إبقاء درجة حرارة الكوكب مرتفعة أكثر من درجتين مئويتين عمّا كان عليه قبل الثورة الصناعية، وعلى مقربة من 1.5 درجة مئوية قدر الإمكان.
فإذا أراد أبناء الأرض تجنب مستقبل غارق ومضطرب, فهم بحاجة إلى بذل مزيدٍ من الجهد.
هنا يأتي مصطلح هندسة المناخ: أمور مثل رش طبقة الستراتوسفير بالكبريت، أو استخدام بلورات الثلج لتشتيت الحرارة داخل السحب.
هندسة المناخ هي مصطلح سيء يتجنبه العديد من علماء المناخ وخبراء السياسة المناخية، لأن تدخل البشر بالطبيعة له سجل حافل سيء، هذا هو سبب القول بأنّ قادة العالم بحاجة إلى التوصل إلى بعض القواعد حول هندسة المناخ في أسرع وقت ممكن، قبل التهور بسبب كارثة المناخ المقبلة التي قد تُجبر البشرية على فعل شيء قد تندم عليه.
تنقسم استراتيجيات هندسة المناخ إلى فئتين: إزالة ثاني أكسيد الكربون وتقليل الحرارة.
عانت المشكلة الأولى من الباحثين منذ سنين، ومن المؤكد أنها قد تنجح بذلك على المقاييس الصغيرة – أجهزة تنقية الكربون هي وحدات دعم الحياة الأساسية على متن الأنظمة المغلقة مثل محطة الفضاء الدولية والغواصات، ولكنّ تركيب أنظمة كبيرة بما فيه الكفاية مستحيل وظيفيًّا, إضافة إلى أنّه سيكون مكلفًا، ويتطلب طاقة ضخمة، حتى أنّ لا أحد يعرف حقًّا كيفية فعل ذلك, وسيكون الأمر نفسه مع عملية التشجير، تغطية ما يقارب نصف مساحة اليابسة في العالم بالأشجار، وهو أمر غير مرجح الحدوث, وعلى الرغم من أنّ طريقة التقاط الكربون وتخزينه امتصاص انبعاثات الكربون أثناء توليدها وخزنها في باطن الأرض-
لا يزال في مراحله الأولى.
تقليل الحرارة هو الأكثر فاعلية، ويمكن فعل ذلك بطرق عدّة، وكلها تنطوي إمّا على منع حرارة الشمس من الدخول إلى الغلاف الجوي للأرض، أو السماح لمزيد من حرارة الأرض لتشع وتخرج إلى الفضاء.
ولحجب الحرارة، قد يكون حقن الكبريت هو الأكثر فعالية.
يقول أولريخ نيميه (Ulrike Niemeier)، عالم المناخ في معهد ماكس بلانك للأرصاد الجوية، والمؤلف المشارك في بحث جديد في العلوم لمناقشة تكنولوجيا الهندسة المناخية ومخاطرها، «أنّها تشتت وتعكس الإشعاع الشمسي مرة أخرى إلى الفضاء».
جاء هذا المفهوم من الثورات البركانية التي تضخ كميات هائلة من ثاني أكسيد الكبريت إلى طبقة الستراتوسفير، مسببة بتبريد مؤقت للمناخ حول العالم.
بعد أن ثار بركان جبل بيناتوبو في عام 1991، قاس العلماء انبعاث حوالي 17 مليون طن من ثاني أكسيد الكبريت إلى الغلاف الجوي، برد على أعقابها نصف الكرة الأرضية الشمالي بنحو 0.5˚ إلى 0.6 درجة مئوية.
بالمقارنة مع إزالة الكربون من الجو، فإنّ حقن الكبريت ليس صعب التنفيذ.
التكنولوجيا الأساسية موجودة بالفعل: طائرات تحلق على ارتفاع عالٍ، قادرة على حمل خزانات من الكبريت لكي يُطلق إلى الستراتوسفير.
وتظهر الصعوبة عند الأخذ بعين الاعتبار عدد الطائرات المستخدمة للحصول على تبريد ذا فائدة.
يقدر نيميه والمؤلفة المشاركة في البحث حوالي 6700 رحلة جوية يومية على مدار سنة كاملة لتبريد المناخ درجة سيليزية واحدة, أما التكلفة فستكون
عشرين مليار دولار.
حسنا، ماذا عن الحل الاخر، السماح للأرض بإشعاع المزيد من الحرارة إلى الفضاء؟
وبالمثل، فإن هذه الاستراتيجية تحتاج طائرات تحلق على ارتفاع عال، وستكون أهدافها سُحب السمحاق (سحب جليدية على ارتفاعات عالية تتكون من جزيئات جليدية)، تقول أورليخ لومان (Ulrike Lohmann) “غيوم السمحاق التي تتشكل على ارتفاعات عالية تمتص بعض الإشعاع الذي من شأنه أن ينبعث إلى الفضاء، وبهذا فإنها تتصرف على غرار غازات الدفيئة.
هذا المفهوم بديهيّ نوعًا ما، غيوم السمحاق مصنوعة من الجليد، ومن أجل منعها من التشكيل، يجب على الطائرات أن ترشّ الغلاف الجوي بجسيمات صغيرة مثل غبار الصحراء أو حبوب اللقاح.
هذه ستكون بمثابة نواة للجليد ليتشكل حولها، والفكرة هي أنّ هذه الجسيمات سوف تتسبّب في تكوين جزيئات جليدية أقل وأكبر من التي تتكون في الحالة الطبيعية, تقول لومان: «أنّ هذا سوف يقلل من كمية أشعة الشمس المشتّتة ويسمح للإشعاع بالهروب إلى الفضاء».
وبطبيعة الحال، فإنّ إرسال أسطول من الطائرات للتخلص من تلك الغيوم عالية الارتفاع سيكون أمرا مكلفا بالمثل.
لكنّ لومان تقول أنه ربما يكون خيارًا أفضل، وبالإضافة إلى السماح للإشعاع بالهرب، فإنّ بلورات الثلج الكبيرة تستهلك المزيد من بخار الماء الموجود في الغلاف الجوي العلوي «لأن بخار الماء أيضًا من غازات الدفيئة، فإنّ تقليل بخار الماء في الطبقة العليا من التروبوسفير يسهم أيضًا في الحدّ من تأثير احترار المناخ».
المشاكل التي قد تتسبب بها هندسة المناخ:
مع ذلك فإنّ كلا الباحثين لا ينصحان باستخدام أي تقنية لتبريد المناخ في الوقت الراهن بسبب وجود الكثير من العواقب المجهولة, تبريد المناخ فجأة يمكن أن يتسبب بطقس فظيع في جميع أنحاء العالم.
يمكن إنهاء الرياح الموسمية السنوية في الهند، وأنماط الرياح في العالم يمكن أن تتغير تمامًا. بالإضافة إلى ذلك، سنحتاج الى مجهود كبير جدًّا للحفاظ على الطائرات تحلق في الستراتوسفير لفترة طويلة جدًّا مع ذلك فإنّ ثاني أكسيد الكربون لا يزال في الغلاف الجوي، إطلاق الحرارة المحاصرة، وكذلك تسمّم المحيط.
ولكن التحديات التقنية لهندسة المناخ هي الحد الأدنى مقارنة بالتحديات التي تواجهها الحكومات في تحديد متى، وإذا، وكيفية القيام بهذه التكنولوجيا.
وأكبر مصدر للقلق هو أنّ بعض البلدان اليائسة، أو مجموعة من البلدان، قد تقرر القيام ببعض الهندسة المناخية من تلقاء نفسها.
يقول جانوس باستور(Janos Pasztor)، المدير التنفيذي لمبادرة حوكمة الهندسة المناخية في كارنيجي، والمؤلف المشارك: «تخيّل لو بدأ شخص ما في التحليق بالطائرات في الغلاف الجوي لنشر مسحوق الكبريت، ومن ثم أدّى ذلك إلى تأخر الرياح الموسمية في الهند, فإنّ هذا سيسبب أزمة جيوسياسية».
وهناك أيضا مسألة المخاطر المحلية والإقليمية – ماذا يحدث إنْ كان جزء من العالم يتحمل المزيد من الآثار الجانبية للهندسة المناخية أكثر من أي مكان آخر؟
بالإضافة إلى ما يُسمّى تأثير الإنهاء: أي بمجرد بدء الهندسة المناخية لا يمكنك التوقف.
يقول باستور: «إذا توقفت بسرعة، فإن درجة الحرارة سوف تعود إلى ما كانت عليها سابقا, وهذا سيكون كارثيا»، والأكثر إلحاحًا للجميع هو كيفية إجراء البحوث على تقنيات الهندسة المناخية، لأننا بالأساس نستخدم الأرض كمختبر.
من الواضح أنّ البشر يستخدمون الأرض بالفعل كمختبر، والتجربة الحالية هي أقرب إلى إشعال كلّ موقد نارٍ في المبنى قبل مغادرته لعطلة نهاية الأسبوع.
فأفضل مسار للعمل هو إطفائها سويّة بهدوء، بدلًا من انتظار اشتعال المبنى نارًا ونضطرّ لاستخدام رغوة الحريق لإطفائها، وكذلك الأمر بالنسبة لكوكب الأرض.
يقول باستور: «أريد أن أسلط الضوء على أننا لا نشجع الهندسة المناخية, بل نشجع الحوار».
إنّ تخفيض الانبعاثات أقل تكلفة، وأكثر فعالية، للحد من تغيرات المناخ بدلًا من الإصلاحات التكنولوجية، فحبس الكربون أمر صعب كما هو عليه، لذا يجب أن تكون خطة هندسة المناخ هي الحل الأخير على أن تكون مُتقنة ليتمّ تنفيذها.