إذا لم يكن بإمكانك تحمّل الحرارة، عليك فورًا بمغادرة المدينة.
غالبًا ما ستلاحظ عند سماع أحد تقارير الطقس المحلي ارتفاع درجات الحرارة بشكل أكبر في المدن مما هي عليه في المناطق الريفية المحيطة بها.
هذا التناقض في درجات الحرارة هو نتيجة لظاهرة غريبة تعرف باسم تأثير الجزيرة الحرارية الحضرية.
وكما يوحي الاسم، فإن هذا التأثير يجعل المدن تتحول لجزر حرارية، وفقًا لوكالة حماية البيئة الأمريكية، يمكن أن تصل درجات الحرارة في المدن الأمريكية إلى 10 درجات فهرنهايت أعلى من المناطق المحيطة بها.
عادةً ما يكون هذا التفاوت في درجات الحرارة ليس بالكثير، لكن يمكن لبضع درجات أن تحدِث فرقًا كبيرًا.
تتسبب المباني والإسفلت بمدينة نيويورك في احتجاز ضوء الشمس مما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة
كما يؤدي الطلب على مكيّفات الهواء في الصيف إلى ارتفاع فواتير الطاقة.
ويرى الكثيرون أن هذا يزيد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من محطات توليد الطاقة التي توفر تلك الطاقة الإضافية.
ومن ناحية أخرى، يشير البعض إلى أن انخفاض الحاجة للحرارة في فصل الشتاء يعوّض التكاليف في الصيف.
بالإضافة إلى ذلك، فإن المدن الأكثر دفئًا في فصل الشتاء تعني شوارع جليدية أقل.
ولعل أسوأ نتيجة لتأثير الجزيرة الحرارية هي عدد الوفيّات المرتبطة بالحرارة.
بالرغم من كون الأضرار الناجمة عن العواصف تحظى بالقدر الأكبر من جانب وسائط الإعلام، إلا أن الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي تشير إلى أنّ الحرارة عادةً ما تكون الأكثر فتكًا، وعادةً ما تكون ضحايا الحرارة في الولايات المتحدة سنويًا أكثر من الأعاصير، الفيضانات والبرق معًا.
كيف يحدث تأثير الجزر الحرارية للمدن
لكي نفهم تأثير الجزيرة الحرارية الحضرية، نحن بحاجة أولًا لفهم بعض القواعد البسيطة في الفيزياء، والأهم من ذلك، ينبغي علينا معرفة أن الأسطح يمكنها امتصاص وعكس الضوء.
في الواقع، لون السطح يعتمد على نوع الضوء الذي يعكسه.
على سبيل المثال، يعكس السطح الأخضر الضوء الأخضر ويمتص كل الألوان المرئية الأخرى للضوء.
كما أننا نراه أخضر اللون لأنه يعكس طول الموجة الخضراء من اللون مرة أخرى إلى أعيننا.
بينما لدي الأسطح ذات الألوان الداكنة خاصية امتصاص ممتازة.
في الواقع، تمتص الأسطح السوداء تقريبًا كل الضوء.
على الجانب الآخر، لا تمتص الأسطح ذات الألوان الفاتحة الكثير من الضوء بل تعكس كافة الضوء تقريبًا.
ما علاقة امتصاص الضوء بالحرارة؟
عندما يمتص السطح الضوء، فإنه يحول هذا الضوء إلى طاقة حرارية، وتنبعث منه مرة أخرى كحرارة.
لذلك، تنبعث المزيد من الحرارة من الأجسام السوداء بسبب امتصاصها الكثير من الضوء.
ويعرف (البياض أو الوضاءة – albedo) بقدرة سطح ما على عكس الضوء الساقط عليه من مصدر ضوئي كالشمس.
وكلما زاد البياض، كلما عكس إشعاعًا بشكل أكبر.
يحتوي الأسفلت التقليدي على قيمة بياض منخفضة، مما يعني أنه يعكس الإشعاع بشكل أقل وبدلًا من ذلك يمتصه.
عندما نتوسع في بناء المدن، نميل لإقامة مبانٍ ذات أسطح داكنة، ووضع رصف أسفلتي، ويقوم كلاهما بامتصاص كمية كبيرة من الضوء والإشعاع وتنبعث منهما كحرارة، متسببةً في زيادة درجة حرارة المدينة.
ولأن أكثر من نصف الأسطح في المدن تكون من صنع الإنسان، فإن تلك المدن تزداد فيها الحرارة بدرجة أكبر من المناطق الريفية حيث تقل عمليات التشييد.
ويعد امتصاص الحرارة أحد أسباب ازدياد الفرق في درجات الحرارة بين المدن والمناطق الريفية لمدة بضع ساعات بعد غروب الشمس.
بسبب احتفاظ المدن بالمزيد من الحرارة لفترة أطول من الوقت عن المناطق الريفية.
لا يعد هذا هو السبب الوحيد الذي يسبب تأثير الجزيرة الحرارية، وإنما يعتقد العلماء أن الغطاء النباتي يلعب دورًا كبيرًا في الحفاظ على برودة المنطقة من خلال عملية تسمى (التبريد التبخيري -evaporative cooling).
يعرف التبخّر بأنه عملية تحول السائل إلى غاز، وتستمد النباتات الماء من خلال جذورها وتعتمد عليه لتظل حية.
ولكن بعد أن تتم كفايتها من ذلك الماء يمتص الهواء الجاف هذا الماء عن طريق تحويله لبخار ماء غازي.
حيث يوفر الهواء الحرارة التي تحرك هذه العملية، وأثناء ذلك يفقد الهواء الحرارة ويصبح أكثر برودة.
وعملية بناء مدينة ما تعني استبدال الغطاء النباتي بالمنشآت، لذلك تفقد تلك المدينة مزايا التبريد التبخيري الناشئ عن الغطاء النباتي.
وهناك عوامل أخرى تسهم أيضًا في ذلك التأثير.
على سبيل المثال، السيارات ومكيفات الهواء المنتشرة بشكل واسع في المناطق الحضرية، متسببة بتحويل الطاقة لحرارة، ومن ثم إطلاق هذه الحرارة في الهواء.
التقنيات التي يمكنها الحد من تأثير الجزر الحرارية
لحسن الحظ، بمجرد معرفة العامل المسبب لهذه الظاهرة، يمكن السيطرة عليها بشكل كبير.
تعتبر الأسطح الداكنة والمنخفضة البياض من المنشآت الحضرية التي تتسبب في ارتفاع درجة حرارة المنطقة، ويمكن للمخططين في المناطق الحضرية تلافي هذه المشكلة عن طريق دهان المنشآت باللون الأبيض، أو غيره من الألوان الفاتحة.
وبهذا تقطع هذه التقنية الأساسية شوطًا طويلًا في خفض تأثير الجزر الحرارية الحضرية.
ومع ذلك، لا يحبذ بعض الناس فكرة تلك المدينة الساطعة البياض، وهنا يمكن استخدام طلاء منخفض الانعكاسية مع ألوان غير بيضاء كبديل، حيث تعكس هذه الأنواع من الطلاء الإشعاع الغير مرئي فقط وليس كل الضوء، لذلك، فإنها تُبقي السطح بارد نسبيًا دون التضحية بلونه الداكن.
كما يمكن أيضًا تطبيق بعض أنواع الطلاء ذات الانعكاسية المرتفعة على الأسفلت.
حيث يمكن استخدام المستحلبات الأسفلتية أو طبقات المعالجة المخلوطة مع الركام الناعم في عملية علاج الأسفلت لجعل السطح أكثر انعكاسًا.
أحد الأفكار التي تكتسب شعبية كبيرة هي تركيب الأسقف الخضراء فوق مباني المدينة.
هذا الحل ليس له أي علاقة باللون.
السقف الأخضر هو السطح الذي يحوي كلًا من النباتات والغطاء النباتي.
وللأسطح الخضراء نفس تأثير التبريد التبخيري، بالتالي فإنها تمنع سطح المبنى من امتصاص الحرارة، كما أنها تبرّد أيضًا الهواء حوله، وتعوض تأثير الجزيرة الحرارية الحضرية إلى حد ما.
وتستخدم العديد من المباني المستدامة أسطح خضراء للحد من اعتمادها على استهلاك الطاقة.
وهناك العديد من الطرق الأخرى التي تساعد على خفض تأثير الجزيرة الحرارية الحضرية، نذكر منها على سبيل المثال، رذاذ السطح وهو حل آخر للتبريد التبخيري.
حيث تقوم الرشاشات على السقف بعملية ترطيب السطح مما يؤدي لتبريد الهواء المحيط أثناء عملية التبخر.
كما أنشأ المخططون الحضريون مواقف سيارات تقليدية بطول الساحات التي تنمو فيها الأشجار والنباتات.
حيث تسهم تلك الأشجار الطويلة في عملية التبريد التبخيري، بالإضافة إلى أنها توفر الظل الذي تشتد الحاجة إليه.