مدهشٌ كارثيّ لم يسبق له مثيل، إذ لا يجد الخبراء وصفًا مثاليًا للدمار الذي خلّفه إعصار هارفي.
حيث وصل ارتفاع الأمطار في منطقة هيوستن إلى أكثر من 102 سم (40) بوصة وهو ما يعد ارتفاعًا قياسيًا في تاريخ الولايات المتحدة.
كان إعصار هارفي استثنائيًا من حيث أنه تحوّل من مجموعة عواصف في خليج المكسيك إلى إعصارٍ من الدرجة الرابعة على سواحل تكساس.
وهو أول إعصار كبير يضرب تكساس منذ عام 2005 خاصة والولايات المتحدة الأمريكية عمومًا منذ عام 2008 .
لكن لا شيء يقارن بكمية الأمطار التي خلفها هذا الإعصار وهو ماجعل كثيرًا من خبراء الأرصاد وموظفي الطوارئ في حالة ذهول.
بحسب روايات الخبراء: «هنالك عدة عوامل ساهمت في زيادة تأثيرات الإعصار ومن ضمنها، على الأرجح : التغير المناخي» لكن لايزال تفسير الدور الذي يلعبه الاحتباس الحراري في كل عاصفة على حدة غير واضح ويبدو أنه من الصعب الحصول على تفسير لذلك.
يقول بعض العلماء: «إن التفسير المحتمل لتأثيرات الاحتباس الحراري هو ارتفاع زيادة هطول الأمطار الغزيرة في العقود الأخيرة، وحتى هناك (في هارفي) شهدت تسجيل زيادة في معدلات الأمطار مقارنة بالسابق».
سرعة تحول العاصفة الى إعصار:
اجتاز إعصار هارفي البحر الكاريبي كعاصفة استوائية، إلا أن الرياح قد مزقته الى أجزاء.
وقد ولدت تلك الأجزاء من جديد عندما عادت إلى خليج المكسيك حيث كانت الظروف مثالية من حيث تواجد الرياح المواتية وكذلك المياه الدافئة، تحوّلت العواصف بسرعة كبيرة إلى إعصار من الدرجة الرابعة مع سرعة رياح تقدر بـ 209 كم/س (130 م/س).
في العقود الماضية، كثّف العلماء من دراسة تاثيرات التغير المناخي في الأعاصير وقد حدّدوا أن الاحتباس الحراري في المحيطات يؤدي إلى زيادة خطورة تأثيرات العواصف، حتى لو كان هنالك عددًا أقل من العواصف.
لكن يقول عالم المناخ في جامعة برينستون (غابرييل فيشي-Gabriel Vecchi): « إنه لا يوجد دليلًا واضحًا على أن مثل هذا التحول يحدث بالفعل، و ذلك لأن العلماء اكتشفوا المزيد من العواصف في وقتنا الحالي مقارنة بالماضي بفضل توافر الأقمار الصناعية و كذلك توافر الطرق التي يمكن قياس كثافة الأعاصير بها، وأضاف: أي اتجاه نحو العواصف الأكثر كثافة قد يكون صغيرًا جدًا لدرجة أنه يتعارض مع التذبذب الكبير في الأعاصير من عام إلى آخر».
وقال (كلوتزباخ-Klotzbach) وهو أحد علماء المناخ: «كيفية تأثير الاحتباس الحراري على التكثيف السريع للعواصف هو الجانب الأكثر صعوبةً في الإجابة، حيث لا تزال هناك جوانب من العملية لا يفهمها العلماء تمامًا».
وقال (كوسين-Kossin) وهو عالم طقس أيضًا: «إن ارتفاع حرارة المحيطات يمكن أن يميل الاحتمالات لصالح زيادة التكثيف السريع فى المستقبل لأن المحيطات الحارة توفر الوقود لهذه العملية، وأضاف: إن الاحتباس الحراري يزيد أيضًا من الفرق في درجات الحرارة بين طبقات مختلفة من الغلاف الجوي، مما يرفع من حدة الشدة التي يمكن أن تحققها أي عاصفة معينة، وهذا يمكن أن يحفّز عملية التكثيف السريع».
دليل تأثير التغير المناخي:
لاحظ العلماء أن أهم تأثيرات الاحتباس الحراري، هي أن كمية الرطوبة في الغلاف الجوي تزيد كلما ارتفعت درجة الحرارة ويعتبر هذا محفزًا لنشوء عواصف قوية.
بحسب عالم الطقس (كلوتزباخ-Klotzbach) : «السبب الرئيسي لهطول مثل هذه الأمطار الغزيرة في إعصار هارفي (أرقام قياسية) هي أنه لم يتحرك عندما وصل لليابسة بحيث أن سرعته انخفضت إلى 4.8 كم/س (3 م/س) وكذلك الضغط العالي من الشرق والغرب للإعصار حدّت من الحركة بسرعة عالية وهذا ما جعله يستقر في تلك المنطقة ويغرقها بالأمطار، وأضاف العالم: إذا لم تتحرك العاصفة من مكانها، فهذا يعني أن خطورتها تكون عاليةً جدًا».
يعتقد بعض علماء الطقس والعواصف أنه ليس من الواضح أن تستمر مثل هذا العواصف الكارثية في كميات كبيرة أو قليلة مع معاناتنا من الاحتباس الحراري.
لكن من المؤكد أنه إذا تكونت العواصف ،حتى لو كانت صغيرة نسبيًا في البداية، فإن الرطوبة الموجودة المتكونة من تأثيرات الاحتباس الحراري ستزيد من كمية الأمطار الموجودة فيها وهذا ما سيزيد من فرص خطورتها.هل للإنسان دورٌ في حدوث مثل هذه العواصف:
ولكي نعتبر أن التغير المناخي أثّر بشكل مباشر على إعصار هارفي، يجب أن تكون هنالك دراسة رسمية خاصة لتوضيح الأمر ومعرفة الأسباب التي أدت إلى حدوثها. وتستخدم مثل هذه الدراسات عادة، نماذج مناخية وسجلات رصد البحث، للبحث عن بصمات الإنسان في حدوث التغير المناخي على العواصف المدمرة، وقد تم القيام بهذا الأمر في العديد من الحالات، بدءًا من الموجات الحارة إلى العواصف الثلجية.
وبالطبع إجراء مثل هذه الدراسات على العواصف والأعصاير أصعب وأكثر تعقيدًا من الموجات الحارة.
وذلك لأن دراسة الأعاصير تحتاج لتوفر نماذج تمثيل عالية الدقة وهو ما يكون مكلفًا جدًا و تستغرق الكثير من الوقت والجهد لتشغيلها، لكن يوجد لدينا أمل بأن تتوفر هذه التكنولوجيا بسهولة في العقود القليلة القادمة.
يتصور العلماء أن مثل هذه الدراسات سوف يكون تركيزها على كمية هطول الأمطار المصاحبة للعواصف والأعاصير، بالرغم من أن تلك الصورة قد تكون معقدة، ذلك لأن التغير المناخي قد يغير من الرطوبة المتوفرة للأعصاير وكذلك قد يغير من تركيبة الهواء في الجو التي تتحكم في كيفية ومكان تشكل الأحوال الجوية.
وهذا ما يجعل الأعاصير ذات الأمطار الغزيرة أقل احتمالًا لحدوثها.
درس العلماء الأمطار الغزيرة التي وقعت في وسط ولاية لويزيانا العام الماضي ووجدت أن هنالك إشارة واضحة لوجود التغير المناخي، ولذلك يعتقد عالم المناخ فيشي أنه إذا أجرى شخصٌ ما دراسةً رسمية لهذا الإعصار (هارفي)، فهذا المكان الذي يتوقع فيه رؤية تأثير النشاط البشري على الأمطار والأعاصير عمومًا….