يعد التحول الأحفوري إحدى الطرق التي تحول دون ارتفاع درجة حرارة الأرض، وتحولها إلى مدن تغمرها المياه، ذات أعاصير قوية، وصدمات حرارية تتسبب فيما يطلق عليه منطقة الخطر، ويبدو هذا التحول غير مرجح في الوقت الحالي؛ ولذلك يكتشف العلماء والمبدعون في مجال التكنولوجيا أشكالًا شتى من الطرق الجيوهندسية، تنطوي على تعديلات في سحب الأرض وسمائها، بطرق تساعد على تبريد الكوكب أو تمتص الكربون من الغلاف الجوي.
وتبدو هذه الفكرة مثيرة للجدل إلى حد كبير، حيث يعتقد بعض الباحثين أن مثل هذا العمل ربما يكون جزءًا ضروريًا من مكافحة تغير المناخ، ويرى البعض الآخر أن التدخل في نظام هذا الكوكب يعرِّض العالم إلى مجموعة من المخاطر الجديدة، بالإضافة إلى ذلك، هنالك مخاوف متزايدة من وجود فرد محتال يقوم بهذا العمل، كأنه يحاول تحقيق شيء ما جيد، كأن يجري واحدة من تلك المشاريع لتغيير العالم ويثير صراعًا دوليًا مدمرًا.
وقد قدمت ورقتان بحثيتان جديدتان تم نشرهما في دورية ساينس العلمية في 20 يوليو اثنان من الاستراتيجيات الجيوهندسية المدروسة جيدًا، هما: تعديل سحب السمحاق، وحقن الكبريت في الغلاف الجوي.
ويوضح مؤلفو هذه الأوراق أن هذه المناهج شديدة الخطورة وصعبة التطبيق، لدرجة أن معظم الباحثين يأملون ألا يصبح ذلك ضروريًا، وتستعرض الأوراق أيضًا الأسباب التي توضح إمكانية نجاح هذه الاستراتيجيات، وهي جديرة بالدراسة.
إعادة تنشيط ثوران بركاني.
كتب أورليك نيمير وسيمون تيلمس في دورية ساينس ما مفاده: إذا تأخرنا بشدة في الحد من انبعاث الغازات الدفيئة حتى عام 2040 (غازات توجد في الغلاف الجوي تتميز بقدرتها على امتصاص الأشعة التي تفقدها الأرض (الأشعة تحت الحمراء) فتقلل فقد الحرارة من الأرض إلى الفضاء، مما يساعد على تسخين جو الأرض ومن ثم تسهم في ظاهرة الاحتباس الحراري)، يُتوقع ارتفاع درجة الحرارة على مستوى العالم أكثر من درجتين مئويتين فوق المستويات التي سبقت المرحلة الصناعية، وهذه الزيادة التي يتفق عليها معظم العلماء من شأنها أن تؤدي إلى عواقب وخيمة لا رجعة فيها على الحضارة الإنسانية والكوكب.
ويُشدد المؤلفون على ذلك باعتبار أن هذه النقطة قد تكون بحاجة إلى تدخل جذري لمنع وقوع الكارثة، ربما يكون أحد الخيارات في هذه الحالة هو محاكاة ثوران بركاني.
عندما يثور بركان ما، يُخرج الحمم، والغاز والدخان، وتمتلئ السماء بالكبريت، وتعكس بعد ذلك السحب الكبريتية المزيد من الإشعاعات الشمسية مرة أخرى إلى الفضاء وبعيدًا عن الأرض، مما يؤدي إلى خفض درجة الحرارة على هذا الكوكب.
يبحث الباحثون كيف يمكن إعادة إنشاء هذا التأثير صناعيًا، ويتضمن الاقتراح الرئيسي طائرات يمكنها حقن الكبريت في الغلاف الجوي.
بعد انتهاء نيمير وتيلمس من العمليات الرياضية، صرحا بأنه من أجل مواجهة ارتفاع درجة الحرارة في تلك المرحلة، سيكون علينا ضخ الغلاف الجوي بكمية من الكبريت التي تكونت كنتيجة للثوران البركاني عام 1991 بجبل بيناتوبو كل عام لمدة 160سنة.
(بالنسبة إلى السياق، كان ثوران بيناتوبو ثاني أكبر ثوران في القرن العشرين)، ,ستحتاج هذه الجهود حوالي 6,700 رحلةً للحقن بالكبريت يوميًا بتكلفة تبلغ نحو 20 مليار دولار سنويًا.
ويلاحظ المؤلفون أيضًا أن التكنولوجيا المطلوبة لهذا التعديل في الغلاف الجوي بطبقة الستراتوسفير ليست موجودة حتى الآن، ويفترض الجدول الزمني الخاص بهم أن انبعاثات الكربون العالمية ربما تصل إلى الصفر قبل حلول عام 2100، كما أننا مازلنا بعيدين عن فهم جميع المخاطر التي ينطوي عليها حقن الكبريت في الغلاف الجوي، ومع ذلك فإن أحد المخاطر الكبيرة تتمثل في تدمير طبقة الأوزون، وهى الطبقة التي تساعد على إبقاء الأشعة فوق البنفسجية الخطرة بعيدًا عن الأرض.
ومن شأن طريقة حقن الكبريت أيضًا أن تُبَرِّدَ اليابسة بدرجة أكبر من المحيطات، الأمر الذي ربما سيستمر في التغير ويؤثر على درجة الحموضة، وربما تنتقل الرياح الموسمية الاستوائية، مما يؤدي إلى تقليص هطول الأمطار، ومن المحتمل أن يتسبب ذلك في جفاف بعض الأماكن مثل الهند.
تعديل السحب في السماء
هناك اتجاه قوي آخر لتبريد الكوكب يتمثل في إجراء التعديلات على نوع معين من السحب المحاصِرة للحرارة.
وأوضح عالم المناخ كيت مارفيل في تيد 2017م، أن أحد أكثر المتغيرات المربكة في النماذج المناخية هو تأثير السحب في السماء، حيث يمكنها أن ترسل الإشعاع الشمسي مرة أخرى إلى الفضاء، مما يساعد على تبريد الكوكب، وفي الوقت ذاته يمكنها أيضًا أن تحبس الحرارة، مؤديةً بذلك دورًا مماثلًا لما تقوم به الغازات الدفيئة كثاني أكسيد الكربون، وأضاف كيت أن كل التوقعات المناخية تسير في الاتجاه الحار، وعدَّ الدور الذي تقوم به السحب بمثابة كارثة للمشروع؛ لتسببها في أكثر من خمسة أضعاف الحرارة التي رأيناها بالفعل، والبعض الآخر أكثر برودة حرفيًا، ولا تعكس سحب السمحاق الرفيعة الناعمة التي تبدو كالأشرطة في السماء الكثيرَ من الإشعاع، ويمكنها أن تحصر كميةً جيدةً من الحرارة.
وقد كتب المؤلفان أولريكه لومان و بلاتز غاسباريني في دورية ساينس أن الباحثين يقومون باستطلاع طرق لتقليص مثل هذه السحب، والسماح لكمية أكبر من الحرارة بالتسرب، كما يظهر الرسم البياني أدناه، ,يمكن القيام بذلك عن طريق زرع جزيئات صغيرة، مثل: المواد الكيميائية، الغبار الصحراوي أو حبوب اللقاح، في سحب السمحاق لتفريقها، وهو ما يعرف بعملية البذر.
كيف يمكن لسحب السمحاق المزروعة تبريد المناخ؟
تعكس سحب السمحاق بعض أشعة الشمس وتمتص الإشعاع الموجي الطويل؛ وإجمالًا تقوم بتدفئة المناخ، ويهدف تقليصها إلى تغيير الخصائص الإشعاعية لتلك السحب عن طريق تقليل فترة تكونها والارتفاع الذي تتشكل فيه.
ويضيف المؤلفون أن هذا المنهج يشتمل على قائمة من المخاطر، ووفقًا للورقة البحثية، إذا كانت عملية البذر تبعد عن الموقع كثيرًا، أو لم يتمكن العلماء من تحديد الموقع بطريقة صحيحة، يمكن أن تتشكل سحابة جديدة في مناطق لم تكن موجودة فيها من قبل، مما يؤدي لخلق المزيد من الاحترار بدلًا من التبريد المستهدف، وبالإضافة إلى تشابه تلك العملية مع حقن الكبريت، لا يُعد تقليص تلك السحب تقليلًا من مستويات ثاني أكسيد الكربون الموجود بالفعل في الهواء، أو تخفيضًا للكمية التي مازلنا نطلقها في الغلاف الجوي، وستزداد نسبة الحموضة في المحيطات.
يقول ألان روبوك، أستاذ العلوم البيئية في روتجرز، الذي لم يشارك في الأوراق الجديدة خلال مقابلته مع بيزنس انسايدر: من الناحية النظرية يمكن أن يتم ذلك، ولكن لم يحاول أحد من قبل فعل ذلك، ولا يزال الوقت مبكرًا نسبيًا لمعرفة ما إذا كانت تلك الطريقة ستنجح، وهناك خطر آخر كبير ينطوي على تطوير التكنولوجيا التي تسمح لنا بالعبث مع الأنظمة المناخية للكوكب، وهو: الصراع البشري.
السماح بتغيير العالم
يسمح التطور التكنولوجي والأساليب الهندسة الجيولوجية، بأن يقرر بلد ما أو فرد ثري القيام بهذه التجربة بمفرده، وقد أشار مؤلفون للمناخ من مبادرة كارنيغي الجيوهندسية وفي مقال افتتاحي نُشِرَ إلى جانب الأوراق الجديدة في العلوم.
إلى أن حكومات العالم ليس لديها إطار بعد لتحديد ما إذا كانت الفائدة العالمية المحتملة تستحق المخاطرة في بعض المناطق أم لا.
ويمكن لشخص محتال في حالة السيناريو الأسوأ، الادعاء بمحاولة فعل الخير من خلال تجربة واحدة من تلك المشاريع الجيوهندسية التي يمكن أن تؤدي إلى إحداث كارثة بيئية، مثل الجفاف الشديد في بلد آخر، وزعزعة الاستقرار على الصعيد العالمي.
ويبدو ذلك متطرفًا، يقول روبوك: أنه شارك أحد المرات في مناقشة بمؤتمر جيوهندسي طُرحت فيه مسألة أسوأ النتائج الممكنة، وكانت إحدى الإجابات مثيرة للقلق بشكل خاص، وهي: الحرب النووية العالمية.
الحل الأسهل
يقول مارفيل: حتى لو كانت تلك الاستراتيجيات الجيوهندسية تعمل على النحو المخطط له، فإن محاولة تغيير الأنظمة الطبيعية للكوكب دون وقف الانبعاثات في المقام الأول ستكون فاشلة، لأننا لن نزيل العامل الأساسي المسبب للحرارة، كما كتب علماء مجلس كارنيغي في الافتتاحية، وهو أن مباشرة العمل في ذلك المشروع الجيوهندسي دون خفض الانبعاثات يعني أننا بحاجة إلى مواصلة تعديل طبقة الستراتوسفير لعدة قرون مع آثار جانبية غير معروفة، وحتى لو فعلنا ذلك، فإننا ما زلنا بحاجة لتطوير طرق إزالة الغازات الدفيئة من الغلاف الجوي وتخزين ذلك الكربون بأمان.
ويحرز الباحثون تقدمًا في هذا المجال، ولا يزال هناك الكثير مما ينبغي فعله، كما أن العلم لا يزال في مراحله المبكرة جدًا.
ويشير روبوك إلى حقيقة واضحة فيما يتعلق بجميع هذه الإمكانات الجذرية، وهي: سيكون من الأكثر أمانًا للبشر حاليًا الاجتماع واكتشاف كيفية وقف انبعاثات الوقود الأحفوري.
ولإبقاء كوكب الأرض في درجة حرارة مستقرة، فإن أهداف اتفاق باريس يجب أن تكون أكثر فعالية، ويبدو تعهد ترامب بسحب الولايات المتحدة من الاتفاق الدولي، غير محتمل الآن، ويعتقد روبوك أن ذلك ممكنًا، وقال أنه مع القيادة المؤثرة، يمكن للأمور أن تتطور بسرعة كبيرة، وأضاف: أنه متفائل بأن العالم سوف يفعل ذلك ولن نحتاج إلى استخدام تلك الاستراتيجيات الجيوهندسية.