ا
لعصر الرباعيّ هو أحدث فترة زمنيّة جيولوجيّة ويمتدّ منذ 2.6 مليون سنة مضت إلى يومنا هذا.
ذلك ويعد هذا العصر جزءًا من الحقبة المعاصرة، وينقسم عادة إلى فترتين جيولوجيتين هما: العهد البلايستوسينيّ الذي استمرّ في الفترة ما بين ما يقرب 2 مليون سنة إلى حوالي 12,000 سنة مضت، والعهد الهولوسينيّ الذي بدأ منذ حوالي 12,000 سنة مضت.
شمل العصر الرباعيّ تغيراتٍ مناخيةً هائلة، والتي تركت آثارها على الموارد الغذائية وأدت إلى انقراض العديد من الفصائل. وشهدت هذه الفترة أيضًا ظهور مفترس جديد، ألا وهو (الجنس البشري).
المناخ
يمتلك العلماء أدلّةً على حدوث أكثر من ستّين فترة توسّع جليديّ تتخللها فترات أقصر من ارتفاع درجات الحرارة. يُشار إلى العصر الرباعيّ بأكمله (بما في ذلك الوقت الحاضر)، بالعصر الجليديّ بسبب وجود غطاء جليديّ دائم واحد على الأقل (القارة القطبية الجنوبية)؛ ومع ذلك، كان العهد البلايستوسينيّ عامّة أكثر جفافًا وبرودةً من الوقت الحاضر.
وعلى الرغم من التطورات الجليديّة المتفاوتة بين القارّات، منذ حوالي 22,000 سنة مضت، فقد غطت الأنهار الجليديّة حوالي 30٪ من سطح الأرض.
وتواجدت المراعي الشاسعة المعروفة باسم «السهول الهائلة» قبل الكتل الجليدية في المناطق التي هي الآن في أوروبا وأمريكا الشمالية.
وكانت السهول الهائلة تمتلك إنتاجية أعلى من الأراضي العشبية الحديثة مع كتلة حيوية أكبر.
وكانت الأعشاب كثيفة وذات قيمة غذائية عالية. وكان الغطاء الثلجيّ في فصل الشتاء ضحلًا إلى حد ما.
الحيوانات
دعمت هذه السهول الحيوانات العاشبة الضخمة مثل الماموث والماستدون والبيسون العملاق (المعروف بالثور الأمريكي) ووحيد القرن الصوفي (المغطى بالصوف)، والتي تكيفت بشكل جيد مع البرودة. وكانت هذه الحيوانات فريسة للحيوانات آكلة اللحوم الكبيرة على حد سواء مثل القطط ذوات الأنياب المدببة ودببة الكهوف والذئاب المفترسة.
مع أحدث تراجع للأنهار الجليدية بدأ العهد الهولوسينيّ.
استُبدِلت السهول الهائلة في أوروبا وشمال أمريكا بالغابات إلى حد كبير.
أعطى هذا التغيير في موارد المناخ والغذاء البدايةَ لانقراض أكبر الحيوانات العاشبة والحيوانات المفترسة.
ومع ذلك لم يكن تغيّر المناخ العامل الوحيد في زوالهم، فقد كان هناك مفترس جديد يحاول الظهور على الساحة.
صعود الإنسان
كان «الإنسان المُنْتَصِب-Homo erectus» أوّلَ من استخدم النّار على نطاق واسع من بين أنواع البشر.
هناك فرضيتان حول أصل الأنواع: الفرضية الأولى هي أنّ الأنواع نشأت في أفريقيا وتشتتت في وقت لاحق في جميع أنحاء أوراسيا، وهي قادرة على استغلال المناطق الباردة باستخدام النار والأدوات.
الفرضية الثانية هي أنّ الإنسان المُنْتَصِب هاجر إلى أفريقيا من أوراسيا.
كشفت الأدلة الأحفورية في الأحافير المكتشفة في دمانيسي في جمهورية جورجيا، أنّ الإنسان المُنْتَصِب كان صيادًا ناجحًا.
وُجد «الإنسان البدائيّ-Homo neanderthalensis» في الفترة ما بين حوالي 200,000 سنة إلى حوالي 30,000 سنة مضت.
وقد أظهرت الأدلة الأحفوريّة إلى أنّ الأنواع عاشت في جزء كبير من أورُبّا الغربية بما في ذلك جنوب بريطانيا العظمى، وفي جميع أنحاء وسط أورُبّا وأوكرانيا وجنوبًا حتى جبل طارق وبلاد الشام.
لم يُعثر على أحافير الإنسان البدائيّ في أفريقيا.
كان هذا الإنسان أقصر وممتلئَ الجسم أكثر من البشر المعاصرين مع يدين وذراعين أطول وأقوى.
ذلك وقد عاش الإنسان البدائيّ في ملاجئ وصنع وارتدى الملابس، واستخدم أدوات متنوعة مصنوعة من الحجر والعظم.
تطلّبت الظروف المناخية نظامًا غذائيًّا ثقيلًا من البروتين الحيوانيّ، ولذلك كانوا صيادين محترفين، وعلى الرغم من ذلك، فإنّ الاكتشافات الأخيرة تُشير إلى أنّهم كانوا يطهون ويأكلون المواد النباتية أيضًا.
كما أثبتت الاكتشافات الأخيرة أنّهم دفنوا موتاهم عمدًا وصنعوا أشياءَ للزينة وأشياءَ رمزية.
ولم يتبين أنّ أيّ نوع بشري في وقت سابق قد مارس مثل هذه السلوكيات التي تشير إلى استخدام اللغة في بعض الأحيان.
تشير الدلائل إلى أنّ «الإنسان العاقل-Homo sapiens» نشأ في أفريقيا، فقد وُجدت في إثيوبيا أقدم الأحافير التشريحيّة للإنسان الحديث، ويبلغ عمرها ما يقرب من 195,000 سنة.
كانت تلك الأحافير قبل نحو مئة ألف عام قد تفرقت شمالًا حتى إسرائيل الحديثة، ولكن وُجدت أقدم أحافير الإنسان الحديث بعيدًا في الشمال ويبلغ عمرها حوالي أربعين ألف إلى ستين ألف سنة، وذلك بالتزامن مع فاصل زمني جليدي وجيز.
من الواضح أنّ الإنسان العاقل والإنسان البدائيّ كانا من المعاصرين لبعض الوقت.
تشير أدلّة الأسنان أنّ الإنسان العاقل نضج في وقت لاحقٍ أسرع من البشر البدائيّين.
يُشير هذا إلى أنّ مرحلة الطفولة الطويلة أعطت مزيدًا من الوقت للتنمية الاجتماعية ونقل المعرفة والتكنولوجيا للأجيال الجديدة.
ربّما أدّى هذا إلى تقسيم العمالة والسماح للإناث والشباب للبحث عن مصادر الغذاء الأكثر تنوعًا.
التنويع في النظام الغذائيّ يمكن أن يكون ميزة عند نوع الإنسان العاقل عندما أصبح المناخ باردًا مرة أخرى.
يبلغ عمر بقايا الإنسان البدائيّ الأخيرة حوالي 28,000 سنة.
وأيًّا كان السبب، فقد نجا الإنسان العاقل من التغيرات المناخية العنيفة واستمرّ في الانتشار في جميع أنحاء الأرض بينما انقرض البشر البدائيّون.
الهجرة الى أمريكا
في الفترة ما بين 13,000 إلى 10,000 سنة مضت، في بداية عهد الهولوسين، كشف انخفاض منسوب مياه البحار عن الجسر البريّ (بيرينغ) الذي يقع بين سيبيريا وألاسكا.
ذلك وقد كان تساقط الثلوج في هذه المنطقة بشكل خفيف نسبيًّا بسبب تأثيرات ظلّ المطر من سلسلة ألاسكا، لذلك ومع وجود الأنهار الجليدية التي تغطي معظم أورُبّا، كان من الطبيعي أن يتبع الإنسان العاقل هجرة الحيوانات إلى داخل أمريكا الشمالية.
بعد ذلك، منذ حوالي 12,000 سنة، زال ما يقرب من ثلاثة أرباع حيوانات أمريكا الشمالية الكبيرة، بما في ذلك الماموث الصوفي والخيول والإبل.
وقد ناقش العلماء طويلًا سبب هذا الحدث الانقراضيّ الكارثي.
كان أحد تلك التفسيرات هو أنّ زيادة درجات الحرارة في العالم تسببت في تراجع الأنهار الجليديّة.
وسببت زيادة منسوب مياه البحر وغمرت الجسر البريّ مرّةً أخرى، وبدأت الغابات بأخذ محل السهول الهائلة.
ممّا لا شك فيه أنّ تلك التغيرات في الموطن وضعت الضغط على قطعان الحيوانات.
وقد تزامن الانقراض الجماعي أيضًا مع وصول البشر إلى هذه المنطقة.
ويقول بعض العلماء إنّ الإفراط في الصيد قد ساهم بشدة في الانقراض الشامل.
كما توجد نظرية أخرى تفيد بأنّ مذنبًا ما ارتطم بالأنهار الجليدية في شرق كندا منذ حوالي 12,900 سنة، والذي من شأنه التأثير بشكل كبير على المناخ وإطلاق حقبة جديدة من الظروف الجليدية.