القانون الطبيعي
تعريف القانون الطبيعي
تتلخص فكرة القانون الطبيعي natural law بأنه مجموعة القواعد المثالية الأبدية السرمدية الثابتة التي لاتتغير لا في الزمان ولا في المكان، يكشف عنها العقل الإنساني ولايخلقها، وينبغي على المشرع الوضعي أن يستلهمها فيما يصدره من تشريعات وضعية، وبقدر ما يراعيها تكون أقرب إلى العدالة والكمال، وبقدر ما يخالفها توصف القوانين الوضعية بأنها ظالمة أو فاسدة.
1ـ المفهوم التقليدي للقانون الطبيعي: يتجه أنصار المفهوم التقليدي القديم ـ وهو المفهوم السائد عند الفلاسفة اليونان ـ للقانون الطبيعي إلى أن قواعده تهيمن على الروابط والعلاقات الاجتماعية وتحكمها، وأن هذه القواعد كامنة في طبيعة هذه الروابط والعلاقات، تماماً مثلما تحكم قوانين الطبيعة الظواهر الطبيعية كافة، فطبيعة الأشياء، أو الطبيعة الاجتماعية الخارجية هي مصدر كل قانون وكل حق وكل قيمة يكشف عنها العقل البشري، فسبيله إلى معرفة قواعد القانون الطبيعي هو التأمل والتفكير في الروابط الاجتماعية التي تسير كالظواهر الطبيعية على سنّن متماثلة مطردة.
2ـ المفهوم الحديث للقانون الطبيعي: هذا المفهوم يجعل عقل الإنسان المجرد هو المصدر الأساسي لكل قيمة ولكل قانون، فعقل الإنسان هو الذي يقنن القيم لتكون هادياً ومرشداً للقوانين الوضعية.
إنّ رائد هذا المفهوم الحديث هو الفيلسوف الهولندي غروشيوس[ر]، فالقانون الطبيعي عنده هو القاعدة التي يوصي بها العقل القويم والتي بمقتضاها يجب الحكم بأنّ عملاً ما يعد ظالماً أو عادلاً تبعاً لكونه مخالفاً أو موافقاً لمنطق العقل، وإنّ قواعد هذا القانون أودعها الله النفس البشرية يكشف عنها العقل وليس الوحي الإلهي. وهي ثابتة لاتتغير ولاتتبدل.
3ـ مفهوم القانون الطبيعي ذي المضمون المتغير: هوجمت فكرة القانون الطبيعي ذي المضمون الثابت الذي لايتغير من جانب أنصار المذهب التاريخي، على أساس أن فكرة القانون الطبيعي أكذوبة وفكرة خيالية يكذبها الواقع، فالقواعد القانونية كانت ولاتزال تختلف وتتغير حسب ظروف الزمان والمكان وتخضع لسنّة التطور. وأنّه إذا صح التسليم بوجود قانون طبيعي فينبغي القول إنه يتصف بالتغير والتبدل ما دام العقل والتفكير البشري الذي يكشف عنه يختلف تبعاً لتباين ظروف الأفراد وأحوالهم.
ومن هنا، برزت فكرة قواعد القانون الطبيعي ذي المضمون المتغير، والتي يقول أنصارها إن قواعد القانون الطبيعي تخضع لسنة التطور ويختلف مضمون قواعده تبعاً لظروف الزمان والمكان، وأن الشيء الثابت الذي لا يتغير والذي يعلو كل القوانين هو فكرة العدل، ولذا سميت عندهم قواعد القانون الطبيعي التي يكشف عنها العقل على ضوء فكرة العدل قواعد العدالة equity.
فكرة القانون الطبيعي عند الفقهاء في الوقت الحاضر
يرى هؤلاء أن فكرة القانون الطبيعي ذي المضمون المتغير تنسف فكرة قواعد القانون الطبيعي من أساسها، ولذلك يفضلون ويؤمنون بالفكرة التقليدية للقانون الطبيعي ويحبذون العودة إليها إلا أنّهم يميلون إلى تضييق نطاق القانون الطبيعي، فهو من وجهة نظرهم لا يتضمن - كما تقرر النظرية التقليدية القديمة - مجموعة كاملة من القواعد تتضمن الحلول اللازمة لكل الروابط الاجتماعية، بل يقتصر على مجموعة من مبادئ قليلة العدد مبنية على العدالة وسلامة الذوق يلتزم بها المشرع الوضعي. فإذا قيل إن على المشرع أن يضمن حياة الأفراد وحريتهم وحرية العمل وحرمة المال، وأن يمنع ما من شأنه المساس بالنظام الاجتماعي والأدبي، وأن يعترف للزوجين والأقارب بحقوق متبادلة، فإننا نكون بعيدين جداً عن صياغة قواعد قانون وضعي، ولكننا في الوقت ذاته نكون قد استنفدنا تقريباً كل مبادئ القانون الطبيعي.
فالقانون الطبيعي إذن ليس هو القانون ولا نموذج القانون، بل هو القاعدة العليا للتشريع التي إن حاد عنها المشرع فإنّه يسنّ قانوناً ظالماً أو فاسداً. إنّه محدد من حيث موضوعه، سام من حيث مركزه بالنسبة للتشريعات الوضعية.
أهمية القانون الطبيعي كأحد مصادر القاعدة القانونية
من المبادئ المهمة أن القاضي لايجوز له أن يمتنع عن القضاء فيما يعرض عليه من خصومات وإلا عد منكراً للعدالة ومسؤولاً مسؤولية مدنية بما يسمى دعوى مخاصمة القضاة.
ولهذا كان لزاماً على المشرع أن يبين للقاضي مصادر القاعدة القانونية، وتعد مبادئ القانون الطبيعي- والتي بذاتها تحقق العدالة- مصدراً رسمياً احتياطياً للقاعدة القانونية إذا لم يهتد القاضي إلى الحل في نصوص التشريع وفي مبادئ الشريعة الإسلامية والعرف، وعليه فإنه إذا كانت مبادئ القانون الطبيعي تلهم المشرّع إلى القواعد العادلة ويجب أن يتبناها فيما يسنه من تشريعات وضعية، فإن من شأنها أيضاً أن تلهم القاضي الحلول العادلة حيث تعوزه الحلول في المصادر الأخرى للقاعدة القانونية، وهي فرضية نادرة التحقق.
على أن بعضهم يرى أنه لايتصور أن يكون المقصود هنا تكليف القاضي البحث عن قواعد تتصف بالثبات والخلود وتمثل العدالة المطلقة، لأنه سيكون عندئذ تكليفاً بمستحيل، إنما المقصود أن يحكم القاضي بمقتضى ما يكون مقبولاً في المجتمع في الوقت الذي يصدر فيه حكمه، وأنه مهما تكرر الحكم في مسألة معينة على وجه واحد استناداً إلى أن هذا هو ما تمليه مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة، فلا يمكن أن يترتب على ذلك القول إنه يعد قاعدة قانونية، إنه لا يعدو أن يكون رأياً خاصاً نتيجة تفكير شخصي معين للقاضي، وإن القصد من إحالة المشرع القاضي إلى قواعد القانون الطبيعي والعدالة أن يصدر في حكمه عن اعتبارات موضوعية عامة لا عن تفكير أو معتقدات ذاتية لديه. ومن ثم لاتكون مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة من وجهة نظر هؤلاء مصدراً رسمياً للقانون بالمعنى الصحيح. وما يكشف عنه عقل القاضي يكون محلاً للشك، بحيث يتعذر إن لم يستحل وصف ما يحكم به بأنه مقتضى القانون الطبيعي وقواعد العدالة[ر].
أيمن أبو العيال
تعريف القانون الطبيعي
تتلخص فكرة القانون الطبيعي natural law بأنه مجموعة القواعد المثالية الأبدية السرمدية الثابتة التي لاتتغير لا في الزمان ولا في المكان، يكشف عنها العقل الإنساني ولايخلقها، وينبغي على المشرع الوضعي أن يستلهمها فيما يصدره من تشريعات وضعية، وبقدر ما يراعيها تكون أقرب إلى العدالة والكمال، وبقدر ما يخالفها توصف القوانين الوضعية بأنها ظالمة أو فاسدة.
1ـ المفهوم التقليدي للقانون الطبيعي: يتجه أنصار المفهوم التقليدي القديم ـ وهو المفهوم السائد عند الفلاسفة اليونان ـ للقانون الطبيعي إلى أن قواعده تهيمن على الروابط والعلاقات الاجتماعية وتحكمها، وأن هذه القواعد كامنة في طبيعة هذه الروابط والعلاقات، تماماً مثلما تحكم قوانين الطبيعة الظواهر الطبيعية كافة، فطبيعة الأشياء، أو الطبيعة الاجتماعية الخارجية هي مصدر كل قانون وكل حق وكل قيمة يكشف عنها العقل البشري، فسبيله إلى معرفة قواعد القانون الطبيعي هو التأمل والتفكير في الروابط الاجتماعية التي تسير كالظواهر الطبيعية على سنّن متماثلة مطردة.
2ـ المفهوم الحديث للقانون الطبيعي: هذا المفهوم يجعل عقل الإنسان المجرد هو المصدر الأساسي لكل قيمة ولكل قانون، فعقل الإنسان هو الذي يقنن القيم لتكون هادياً ومرشداً للقوانين الوضعية.
إنّ رائد هذا المفهوم الحديث هو الفيلسوف الهولندي غروشيوس[ر]، فالقانون الطبيعي عنده هو القاعدة التي يوصي بها العقل القويم والتي بمقتضاها يجب الحكم بأنّ عملاً ما يعد ظالماً أو عادلاً تبعاً لكونه مخالفاً أو موافقاً لمنطق العقل، وإنّ قواعد هذا القانون أودعها الله النفس البشرية يكشف عنها العقل وليس الوحي الإلهي. وهي ثابتة لاتتغير ولاتتبدل.
3ـ مفهوم القانون الطبيعي ذي المضمون المتغير: هوجمت فكرة القانون الطبيعي ذي المضمون الثابت الذي لايتغير من جانب أنصار المذهب التاريخي، على أساس أن فكرة القانون الطبيعي أكذوبة وفكرة خيالية يكذبها الواقع، فالقواعد القانونية كانت ولاتزال تختلف وتتغير حسب ظروف الزمان والمكان وتخضع لسنّة التطور. وأنّه إذا صح التسليم بوجود قانون طبيعي فينبغي القول إنه يتصف بالتغير والتبدل ما دام العقل والتفكير البشري الذي يكشف عنه يختلف تبعاً لتباين ظروف الأفراد وأحوالهم.
ومن هنا، برزت فكرة قواعد القانون الطبيعي ذي المضمون المتغير، والتي يقول أنصارها إن قواعد القانون الطبيعي تخضع لسنة التطور ويختلف مضمون قواعده تبعاً لظروف الزمان والمكان، وأن الشيء الثابت الذي لا يتغير والذي يعلو كل القوانين هو فكرة العدل، ولذا سميت عندهم قواعد القانون الطبيعي التي يكشف عنها العقل على ضوء فكرة العدل قواعد العدالة equity.
فكرة القانون الطبيعي عند الفقهاء في الوقت الحاضر
يرى هؤلاء أن فكرة القانون الطبيعي ذي المضمون المتغير تنسف فكرة قواعد القانون الطبيعي من أساسها، ولذلك يفضلون ويؤمنون بالفكرة التقليدية للقانون الطبيعي ويحبذون العودة إليها إلا أنّهم يميلون إلى تضييق نطاق القانون الطبيعي، فهو من وجهة نظرهم لا يتضمن - كما تقرر النظرية التقليدية القديمة - مجموعة كاملة من القواعد تتضمن الحلول اللازمة لكل الروابط الاجتماعية، بل يقتصر على مجموعة من مبادئ قليلة العدد مبنية على العدالة وسلامة الذوق يلتزم بها المشرع الوضعي. فإذا قيل إن على المشرع أن يضمن حياة الأفراد وحريتهم وحرية العمل وحرمة المال، وأن يمنع ما من شأنه المساس بالنظام الاجتماعي والأدبي، وأن يعترف للزوجين والأقارب بحقوق متبادلة، فإننا نكون بعيدين جداً عن صياغة قواعد قانون وضعي، ولكننا في الوقت ذاته نكون قد استنفدنا تقريباً كل مبادئ القانون الطبيعي.
فالقانون الطبيعي إذن ليس هو القانون ولا نموذج القانون، بل هو القاعدة العليا للتشريع التي إن حاد عنها المشرع فإنّه يسنّ قانوناً ظالماً أو فاسداً. إنّه محدد من حيث موضوعه، سام من حيث مركزه بالنسبة للتشريعات الوضعية.
أهمية القانون الطبيعي كأحد مصادر القاعدة القانونية
من المبادئ المهمة أن القاضي لايجوز له أن يمتنع عن القضاء فيما يعرض عليه من خصومات وإلا عد منكراً للعدالة ومسؤولاً مسؤولية مدنية بما يسمى دعوى مخاصمة القضاة.
ولهذا كان لزاماً على المشرع أن يبين للقاضي مصادر القاعدة القانونية، وتعد مبادئ القانون الطبيعي- والتي بذاتها تحقق العدالة- مصدراً رسمياً احتياطياً للقاعدة القانونية إذا لم يهتد القاضي إلى الحل في نصوص التشريع وفي مبادئ الشريعة الإسلامية والعرف، وعليه فإنه إذا كانت مبادئ القانون الطبيعي تلهم المشرّع إلى القواعد العادلة ويجب أن يتبناها فيما يسنه من تشريعات وضعية، فإن من شأنها أيضاً أن تلهم القاضي الحلول العادلة حيث تعوزه الحلول في المصادر الأخرى للقاعدة القانونية، وهي فرضية نادرة التحقق.
على أن بعضهم يرى أنه لايتصور أن يكون المقصود هنا تكليف القاضي البحث عن قواعد تتصف بالثبات والخلود وتمثل العدالة المطلقة، لأنه سيكون عندئذ تكليفاً بمستحيل، إنما المقصود أن يحكم القاضي بمقتضى ما يكون مقبولاً في المجتمع في الوقت الذي يصدر فيه حكمه، وأنه مهما تكرر الحكم في مسألة معينة على وجه واحد استناداً إلى أن هذا هو ما تمليه مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة، فلا يمكن أن يترتب على ذلك القول إنه يعد قاعدة قانونية، إنه لا يعدو أن يكون رأياً خاصاً نتيجة تفكير شخصي معين للقاضي، وإن القصد من إحالة المشرع القاضي إلى قواعد القانون الطبيعي والعدالة أن يصدر في حكمه عن اعتبارات موضوعية عامة لا عن تفكير أو معتقدات ذاتية لديه. ومن ثم لاتكون مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة من وجهة نظر هؤلاء مصدراً رسمياً للقانون بالمعنى الصحيح. وما يكشف عنه عقل القاضي يكون محلاً للشك، بحيث يتعذر إن لم يستحل وصف ما يحكم به بأنه مقتضى القانون الطبيعي وقواعد العدالة[ر].
أيمن أبو العيال