حين يلتقي الخط العربي البديع بالخط الصيني العريق
ل(أدوات الكتابة عند العرب(خط
من المعروف أن فن الخط يتطلب مهارة عالية، وبمعنى عام، إن لدى كل أمة في العالم فنها الخاص بالخط ما دام لديها لغة مكتوبة، ومن أبرز هذه الأمم الأمة الصينية والعربية اللتان تتمتعان بثقافات يرجع تاريخها إلى ماض سحيق.
الخط الصيني فن قديم لكتابة الرموز الصينية. بدايةً من "جيا قو ون" (وتعني: الكتابة المنقوشة على عظام الحيوانات وتروس السلاحف) و"جين ون" (وتعني: الكتابة المنقوشة على النحاس)، مرورًا بـ"دا تشوان"(ويعني: خط الختم الكبير) و"شياو تشوان" (ويعني: خط الختم الصغير) و "لي شو"، وصولًا إلى خطوط "تساو شو" (وهو الخط الارتجالي) و"شينغ شو" (وهو الخط الرشيق) و"كاي شو" (خط النسخ الصيني) وتم تثبيت أشكالهم في عهد أسرة هان الشرقية وأسرة وي وأسرة جين، وقد نشأ الخط الصيني مع نشأة الثقافة الصينية وتطور فيها، وظلت الرموز الصينية من المكوّنات الأساسية له، فالاعتماد على الرموز الصينية يمثل علامة رئيسية تميز الخط الصيني عن غيره. أما تطور الخط العربي، فيرتبط ارتباطا وثيقا بظهور الإسلام، فتولد فن الخط العربي المعتمد على نسخ القرآن الكريم في صدر الإسلام، فلا يمكننا فصل هذا الفن عن القرآن الكريم، وبسبب نهى الإسلام عن عبادة الأصنام وما ترتّب على ذلك من ضعف نسبي في تطور فن التصوير والنحت وغيرهما، احتل الخط العربي بدوره مكانة مهمة منذ القدم. ومع مرور الزمان، ظهرت أشكال متنوعة من الخطوط العربية، وأصبح الخط العربي فنًا مستقلًا بذاته، يكوّن مع فن العمارة الإسلامية ركيزتا الفن الإسلامي اللتين أبرهتا العالم.
وقد ظهر العديد من الخطاطين في تاريخ الخط العربي، الذين سرّعوا عملية تطور فن الخط العربي بملاحظاتهم الدقيقة وخيالهم الواسع ومهاراتهم العالية، وعلى أسس الجمع بين الأشكال الهندسية والخطوط العربية، تفنن الخطاطون في التنسيق بين النقط والخطوط، والتركيب، والتوزيع، ليمنحوا فن الخط العربي صورةً ذات سحر شرقي، وارتقوا به شكلًا وروحًا حتى وصل لقمة الجمال، وأصبح كنزا تفتخر به الأمة العربية والمسلمون حول العالم.
يتميز الخط العربي بشدة الجمال في انسجام خطوطه، كما تكمن في ثناياها عاطفة كاتبها. وقد تثير الأعمال الفنية للخط العربي الرائعة أذهان المشاهدين حول الجمال الذي لا يوصف بالكلمات، ملهمة الناس بسحرها ولذتها. والجدير بالذكر أن أشكال النباتات والزهور هي إحدى العناصر المهمة التي تكوّن فن الخط العربي، حيث إنها ترتقي به إلى مستوى أجمل. وأثناء صعود كثير من الخطاطين إلى قمة فن الخط، قاموا ببثّ إلهاماتهم الفنية اللامعة في مجال الزخارف الزهرية، ويرجع ذلك إلى عقيدتهم الدينية، إذ أنهم اعتقدوا بأن الأزهار والنباتات بلا روح، لذلك كرسوا طاقاتهم الفائقة لإبداع أعمال فنية بأشكال من الزهور والنباتات والأشكال الهندسية، فانبثق من خلالها عالمًا متألقا بالفن الإسلامي.
سنقدم لكم هنا اثنين من أشهر أنواع الخط العربي:
أولهما: الخط الكوفي، وهو من أقدم الخطوط في الوطن العربي، بلغ أوج ازدهاره في العصر العباسي. ويتصف هذا الخط بأنه غليظ صلب، غالبا ما يُستخدم في لوحات المساجد والآيات المعلقة على الجدران. وظهر الخط الكوفي في عصر صدر الإسلام، ثم انتشر مع انتشار الإسلام في سائر أنحاء البلاد المعتنقة للإسلام، حيث أطلق عليه الكثير من العلماء الشرقيين "الخط الإسلامي".
وثانيهما خط الثلث، وهو يعد من أجمل الخطوط العربية، وأصعبها كتابة. وفي البلاد العربية، ليس كل من يتقن الخط يعد خطاطًا، ففي رأي متخصصي المجال، لا يعد متقن الخط خطاطًا إلا بعد إتقانه لخط الثلث، ويتميز ذلك الخط بخطوطه العريضة القوية فاُستعمل في خط أسماء الكتب، وعناوين المصاحف، واللافتات. ويعتبر ابن مقلة أول من وضع قواعد خط الثلث وجاء بعده الخطاط مصطفى راقم أفندي والخطاط حمد الله الأماسي اللذان أكملا قواعد هذا الخط.
تتمثل الاختلافات الرئيسية بين الخط العربي والخط الصيني في المضامين التي يعبران عنها والأدوات التي تُستخدم في كتابتهما والوظائف التي يؤديانها. فماذا سيحدث عندما يلتقي الخط العربي البديع مع الخط الصيني العريق؟
قدم العرب إلى الصين في عهد أسرة تانغ الملكية حاملين القرآن الكريم في يد وفي اليد الأخرى المنتجات المحلية للتجارة مع الصينين، ومخلفين من ورائهم بدون قصد آثار الثقافة الإسلامية في الصين، الأمر الذي أدخل الخط العربي إلى الصين. وبعد مدة طويلة من التأقلم، أصبح للخط العربي نكهة صينية، وتأثر بالخط الصيني، حتى تشكل الخط العربي ذو الخصائص الصينية.
تم توطين الخط العربي بعد دخوله في الصين، عن طريق الاستفادة من الخط الصيني التقليدي واستيعاب خصائصه مثل طريقة استخدام القلم وقواعده. وتعتبر التغيرات في أدوات الكتابة من أكثرها وضوحا خاصةً التغيرات في الورق والقلم والحبر، إذ أن أدوات الكتابة العربية التقليدية صنعت من القصب أو جريد النخل فتميزت فرشاة الكتابة بالصلابة، أما في الصين، فبدأ الخطاط الصينيون في كتابة الحروف العربية باستخدام الفرشاة وفقا للأساليب الصينية. وكذلك استعمل العرب في الماضي الورق المقوى في الكتابة، بينما استخدم الخطاط الصيني ورق الأرز أو ورق الخيزران في كتابة الخط العربي، متأثرين بالأسلوب المحلي الصيني، وكان هذا يمثل تجربة جديدة في اختيار ورق الكتابة وكان لها تأثير غير متوقع، مما وفر وسيلة للابتكار في طريقة كتابة الخط العربي. كل هذه التغيرات، بما فيها استخدام أدوات الكتابة الصينية التقليدية كالفرشاة وسبيكة الحبر والورق ولوح الحبر، وأساليب الكتابة والتأطير، لم تعبر عن السحر الفريد للخط العربي فحسب، بل جمعت بين الخط العربي والثقافة الصينية أيضا، مما شكل فن الخط العربي ذو النمط الصيني.
وقد عكس تصيين الخط العربي عبر التاريخ الثمار الثقافية أثناء تناقلها وتبادلها بين مختلف الأمم، وتأثر بعضها ببعض. لذا، أثق بأن فن الخط، سواء الخط الصيني والخط العربي اللذين لكل منهما خصائصه الخاصة، أو الخط العربي بأسلوب صيني الذي جمع بين ميزات الأمتين الصينية والعربية، سيصبح لؤلؤًا مبهرًا في الكنوز الثقافية للبشرية جمعاء.
(تأليف: وانغ هاودونغ، ترجمة: وانغ كاي)
حين يلتقي الخط العربي البديع بالخط الصيني العريق
ل(أدوات الكتابة عند العرب(خط
من المعروف أن فن الخط يتطلب مهارة عالية، وبمعنى عام، إن لدى كل أمة في العالم فنها الخاص بالخط ما دام لديها لغة مكتوبة، ومن أبرز هذه الأمم الأمة الصينية والعربية اللتان تتمتعان بثقافات يرجع تاريخها إلى ماض سحيق.
الخط الصيني فن قديم لكتابة الرموز الصينية. بدايةً من "جيا قو ون" (وتعني: الكتابة المنقوشة على عظام الحيوانات وتروس السلاحف) و"جين ون" (وتعني: الكتابة المنقوشة على النحاس)، مرورًا بـ"دا تشوان"(ويعني: خط الختم الكبير) و"شياو تشوان" (ويعني: خط الختم الصغير) و "لي شو"، وصولًا إلى خطوط "تساو شو" (وهو الخط الارتجالي) و"شينغ شو" (وهو الخط الرشيق) و"كاي شو" (خط النسخ الصيني) وتم تثبيت أشكالهم في عهد أسرة هان الشرقية وأسرة وي وأسرة جين، وقد نشأ الخط الصيني مع نشأة الثقافة الصينية وتطور فيها، وظلت الرموز الصينية من المكوّنات الأساسية له، فالاعتماد على الرموز الصينية يمثل علامة رئيسية تميز الخط الصيني عن غيره. أما تطور الخط العربي، فيرتبط ارتباطا وثيقا بظهور الإسلام، فتولد فن الخط العربي المعتمد على نسخ القرآن الكريم في صدر الإسلام، فلا يمكننا فصل هذا الفن عن القرآن الكريم، وبسبب نهى الإسلام عن عبادة الأصنام وما ترتّب على ذلك من ضعف نسبي في تطور فن التصوير والنحت وغيرهما، احتل الخط العربي بدوره مكانة مهمة منذ القدم. ومع مرور الزمان، ظهرت أشكال متنوعة من الخطوط العربية، وأصبح الخط العربي فنًا مستقلًا بذاته، يكوّن مع فن العمارة الإسلامية ركيزتا الفن الإسلامي اللتين أبرهتا العالم.
وقد ظهر العديد من الخطاطين في تاريخ الخط العربي، الذين سرّعوا عملية تطور فن الخط العربي بملاحظاتهم الدقيقة وخيالهم الواسع ومهاراتهم العالية، وعلى أسس الجمع بين الأشكال الهندسية والخطوط العربية، تفنن الخطاطون في التنسيق بين النقط والخطوط، والتركيب، والتوزيع، ليمنحوا فن الخط العربي صورةً ذات سحر شرقي، وارتقوا به شكلًا وروحًا حتى وصل لقمة الجمال، وأصبح كنزا تفتخر به الأمة العربية والمسلمون حول العالم.
يتميز الخط العربي بشدة الجمال في انسجام خطوطه، كما تكمن في ثناياها عاطفة كاتبها. وقد تثير الأعمال الفنية للخط العربي الرائعة أذهان المشاهدين حول الجمال الذي لا يوصف بالكلمات، ملهمة الناس بسحرها ولذتها. والجدير بالذكر أن أشكال النباتات والزهور هي إحدى العناصر المهمة التي تكوّن فن الخط العربي، حيث إنها ترتقي به إلى مستوى أجمل. وأثناء صعود كثير من الخطاطين إلى قمة فن الخط، قاموا ببثّ إلهاماتهم الفنية اللامعة في مجال الزخارف الزهرية، ويرجع ذلك إلى عقيدتهم الدينية، إذ أنهم اعتقدوا بأن الأزهار والنباتات بلا روح، لذلك كرسوا طاقاتهم الفائقة لإبداع أعمال فنية بأشكال من الزهور والنباتات والأشكال الهندسية، فانبثق من خلالها عالمًا متألقا بالفن الإسلامي.
سنقدم لكم هنا اثنين من أشهر أنواع الخط العربي:
أولهما: الخط الكوفي، وهو من أقدم الخطوط في الوطن العربي، بلغ أوج ازدهاره في العصر العباسي. ويتصف هذا الخط بأنه غليظ صلب، غالبا ما يُستخدم في لوحات المساجد والآيات المعلقة على الجدران. وظهر الخط الكوفي في عصر صدر الإسلام، ثم انتشر مع انتشار الإسلام في سائر أنحاء البلاد المعتنقة للإسلام، حيث أطلق عليه الكثير من العلماء الشرقيين "الخط الإسلامي".
وثانيهما خط الثلث، وهو يعد من أجمل الخطوط العربية، وأصعبها كتابة. وفي البلاد العربية، ليس كل من يتقن الخط يعد خطاطًا، ففي رأي متخصصي المجال، لا يعد متقن الخط خطاطًا إلا بعد إتقانه لخط الثلث، ويتميز ذلك الخط بخطوطه العريضة القوية فاُستعمل في خط أسماء الكتب، وعناوين المصاحف، واللافتات. ويعتبر ابن مقلة أول من وضع قواعد خط الثلث وجاء بعده الخطاط مصطفى راقم أفندي والخطاط حمد الله الأماسي اللذان أكملا قواعد هذا الخط.
تتمثل الاختلافات الرئيسية بين الخط العربي والخط الصيني في المضامين التي يعبران عنها والأدوات التي تُستخدم في كتابتهما والوظائف التي يؤديانها. فماذا سيحدث عندما يلتقي الخط العربي البديع مع الخط الصيني العريق؟
قدم العرب إلى الصين في عهد أسرة تانغ الملكية حاملين القرآن الكريم في يد وفي اليد الأخرى المنتجات المحلية للتجارة مع الصينين، ومخلفين من ورائهم بدون قصد آثار الثقافة الإسلامية في الصين، الأمر الذي أدخل الخط العربي إلى الصين. وبعد مدة طويلة من التأقلم، أصبح للخط العربي نكهة صينية، وتأثر بالخط الصيني، حتى تشكل الخط العربي ذو الخصائص الصينية.
تم توطين الخط العربي بعد دخوله في الصين، عن طريق الاستفادة من الخط الصيني التقليدي واستيعاب خصائصه مثل طريقة استخدام القلم وقواعده. وتعتبر التغيرات في أدوات الكتابة من أكثرها وضوحا خاصةً التغيرات في الورق والقلم والحبر، إذ أن أدوات الكتابة العربية التقليدية صنعت من القصب أو جريد النخل فتميزت فرشاة الكتابة بالصلابة، أما في الصين، فبدأ الخطاط الصينيون في كتابة الحروف العربية باستخدام الفرشاة وفقا للأساليب الصينية. وكذلك استعمل العرب في الماضي الورق المقوى في الكتابة، بينما استخدم الخطاط الصيني ورق الأرز أو ورق الخيزران في كتابة الخط العربي، متأثرين بالأسلوب المحلي الصيني، وكان هذا يمثل تجربة جديدة في اختيار ورق الكتابة وكان لها تأثير غير متوقع، مما وفر وسيلة للابتكار في طريقة كتابة الخط العربي. كل هذه التغيرات، بما فيها استخدام أدوات الكتابة الصينية التقليدية كالفرشاة وسبيكة الحبر والورق ولوح الحبر، وأساليب الكتابة والتأطير، لم تعبر عن السحر الفريد للخط العربي فحسب، بل جمعت بين الخط العربي والثقافة الصينية أيضا، مما شكل فن الخط العربي ذو النمط الصيني.
وقد عكس تصيين الخط العربي عبر التاريخ الثمار الثقافية أثناء تناقلها وتبادلها بين مختلف الأمم، وتأثر بعضها ببعض. لذا، أثق بأن فن الخط، سواء الخط الصيني والخط العربي اللذين لكل منهما خصائصه الخاصة، أو الخط العربي بأسلوب صيني الذي جمع بين ميزات الأمتين الصينية والعربية، سيصبح لؤلؤًا مبهرًا في الكنوز الثقافية للبشرية جمعاء.
(تأليف: وانغ هاودونغ، ترجمة: وانغ كاي)