مهرجان القلعة المصري: أيام معدودات من الطرب لا تكفي مزاج البسطاء
أداة للحفاظ على التراث الغنائي.. والصبغة الشعبية تعزز إقبال الجمهور.
الخميس 2023/09/14
ShareWhatsAppTwitterFacebook
مهرجان يحافظ على التراث
يأتي مهرجان القلعة للموسيقى والغناء ليكون المتنفس الوحيد الذي يجد فيه البسطاء مساحة للاستمتاع بالموسيقى والفن، في ظل انتشار مهرجانات باهظة الثمن وتفاقم الطبقية في المجتمع جراء الأزمة الاقتصادية، لكنه يقدم عروضا قليلة لجمهور محدود، وهو ما يشجع نقادا للمطالبة بجعله مهرجانا دوريا على فترات متباعدة من فصول السنة وإخراجه من قلعة صلاح الدين ليصل إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور.
القاهرة - يثير مهرجان القلعة المصري للموسيقي والغناء كل عام جدلاً حول كيفية الاستفادة من جذبه لعشرات الآلاف من المواطنين من المتلهفين لحضور حفلات زهيدة الثمن، ما يسهم في خلق بيئة قد تشكل مصدرا لتخفيف وطأة الأزمات وتوفر حالة من الاسترخاء والاستمتاع بما يتم تقديمه من أغان وفنون سمعية وبصرية مختلفة، وهو أمر أدركته جهات حكومية العام الماضي ودفعت نحو إذاعة الحفلات تلفزيونيًا.
واختتم المهرجان فعاليات دورته الحادية والثلاثين في السابع من سبتمبر الحالي بحفل للموسيقار عمر خيرت حظي بجماهيرية كبيرة بعد أن اعتاد الحضور في ختام المهرجان الذي يغلب عليه الطابع الشعبي، وحقق متابعات مرتفعة من قبل مواطنين يحرصون على الذهاب إلى قلعة صلاح الدين الأيوبي في وسط القاهرة للاستمتاع بالحفلات، أو هؤلاء الذين تابعوا الحفلات على قناة “الحياة” المصرية.
جذب المهرجان المصري فئات من المواطنين البسطاء الذين يستطيعون تحمل أسعار تذاكر الحفل الزهيدة، ورغم أنها تضاعفت هذا العام ووصلت إلى 60 جنيهًا (نحو دولارين)، بعد أن كانت 20 جنيهًا فقط العام الماضي (700 سنت)، غير أنها كانت مناسبة لطبقات متوسطة ومحدودة الدخل يمكن أن تدخر جزءا من أموالها لتحسين الحالة المزاجية والاستمتاع بأغاني مطربين ارتبطوا بأغانيهم السنوات الماضية.
شوكت المصري: نحتاج إلى أن نحرر المهرجان مكانيا وزمنيا ليصل إلى جمهور أكبر
وحقق المهرجان أكثر من هدف، فقد أسهم في التنفيس عن مواطنين ليست لديهم القدرة للحصول على قسط من الراحة أو الاسترخاء في فصل الصيف قبل أيام قليلة من انطلاق العام الدراسي الجديد، وأكد أن هناك جهات حكومية في القلب منها وزارة الثقافة والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وهما من أبرز القائمين على تنظيم المهرجان، وكانت لديهما رغبة لتحقيق قدر من العدالة الثقافية والفنية والموسيقية والاهتمام بتنظيم حفلات تتماشى مع من يقنطون القاهرة الكبرى وضواحيها.
وحرص مهرجان القلعة على تقديم ألوان تراثية متعددة باتت أداة حكومية للحفاظ على التراث الغنائي، حيث غلبت على حفلاته ألوان من الموسيقى الهادئة والحفاظ على هويته مع انفتاحه عربيًا على نحو أكبر من خلال توسيع قاعدة الاستعانة بعدد من المطربين العرب واحتفاظه بتقديم الأناشيد الدينية الصوفية وخليط من الموسيقى الشرقية والغربية مع حضور فاعل لفرق موسيقية عديدة.
ونظم المهرجان 45 حفلة غنائية تنوعت بين الطرب المصري الذي ساد في التسعينات من القرن الماضي، وقدمها مطربون مثل مدحت صالح وهشام عباس وهاني شاكر ونادية مصطفى وعلي الحجار، وبين التوسع في استقدام مطربين عرب، مثل السوريتين فايا يونان ولينا شاماميان، واللبنانيين وليد توفيق وعبير نعمة، إلى جانب حفلات المنشد الديني المصري ياسين التهامي والموسيقار عمر خيرت.
ويتفق البعض من النقاد على أن حفلات مهرجان القلعة كان يمكن توظيفها على نحو أكبر بما يساعد على الوصول بالغناء والفن إلى الملايين من المواطنين الذين يواجهون صعوبات حياتية، ويحتاجون إلى حفلات ترفيهية ولقاءات ثقافية، ولن تكفي أيام معدودات في أواخر أيام الصيف لكي تكون تجمعا شعبيا تحضره فئات لا تستطيع تحمل نفقات تذاكر دار الأوبرا المصرية المستمرة طوال العام أو حفلات الصيف باهظة التكاليف في منتجعات ومدن سياحية وساحلية.
وطالب المطرب محمد محسن، والذي شارك في إحدى حفلات المهرجان، بإقامته أكثر من مرة على مدار العام، وأبدى استعداده للمشاركة من دون أن يضع في اعتباره العوائد المادية المنتظرة، ما تماشى مع تعليقات مطربين شاركوا فيه وعبروا عن سعادتهم بما شاهدوه في عيون بسطاء بحاجة إلى جرعات ترفيهية تتوافق مع ظروفهم.
حفلات مهرجان القلعة كان يمكن توظيفها على نحو أكبر بما يساعد على الوصول بالغناء والفن إلى الملايين من المواطنين
وقال الناقد الموسيقي بأكاديمية الفنون بالقاهرة شوكت المصري إن المهرجان بحاجة إلى الحفاظ على صيغته الأساسية التي جرى إطلاقه من أجلها وهي الوصول بالثقافة والترفيه إلى جميع المواطنين بشكل مجاني، وأن الطابع الشعبي كعنصر يميزه لا بد أن يبقى حاضرا ولا ينحدر نحو صيغة يتمتع بها مهرجان الموسيقي العربية وتغلب عليها النخبوية، ما يحافظ على جذب قطاعات كبيرة من الجمهور المتعطش للغناء.
وأوضح في تصريح لـ“العرب” أن مهرجان القلعة عليه التحرك بصيغته الحالية ليوجد في مناطق جغرافية مختلفة من مصر، وتتعدد مرات إقامته على مدار العام مع ضرورة أن تتدخل جهات حكومية أو خاصة لدعم الحفلات والارتقاء بالفرق الشعبية والتراثية التي اقترب بعضها من الاندثار في محافظات عدة، ولا تزال لديها رغبة للتواجد في فعاليات جماهيرية تُعيد تقديمها للجمهور وتعريفها فنيا.
وأشار شوكت إلى أن مهرجان القلعة شهد تنظيم العديد من الفعاليات الثقافية الموجهة للأطفال، مثل الرسم وتعلم الآلات الموسيقية، وكان مكانا مناسبا للترويج لمنتجات يدوية، واستضاف بعض الندوات الشعرية، ما جعله أكثر قدرة على تحقيق أهدافه، ويبقى أكثر إمتاعا للناس ويتواءم مع اهتمامات كافة أفراد الأسرة.
ومع تزايد الإقبال الجماهيري على حفلات مهرجان القلعة، استحدثت إدارته هذا العام مسرحا خارجيا بجانب محكى القلعة الرئيسي، وضم مناطق مخصصة لاستقبال الجمهور وتنظيم حفلات متنوعة، والحفل الرئيسي، وهو ما ساعد على تقديم 45 حفلة وتوسيع دائرة اختيارات المشاركين في المهرجان، وكان ذلك سببا في الاستغناء عن أنشطة ثقافية تتواجد في فعاليات أخرى والتركيز على الغناء بألوانه المختلفة.
هوية سمعية لها جمهورها
وأكد رئيس دار الأوبرا المصرية خالد داغر أنه جرى تطوير مهرجان القلعة في دورته الأخيرة وأخذ شكلاً يهدف إلى تقديم ألوان إبداعية جادة تناسب أذواق كافة الشرائح العمرية والاجتماعية عليه، وأنه جرى تخصيص خمسة آلاف مقعد لضيوف الفعاليات ووضع شاشات ضخمة لنقل العروض تيسيرًا على الجمهور.
وروّجت جهات حكومية للمهرجان باعتباره يجمع بين الموسيقى والتراث، وهو ما حققه تنظيمه في أحد الأماكن التاريخية (قلعة صلاح الدين)، وفي منطقة تعد مركز القاهرة التاريخية، وجاء الاهتمام التنظيمي الدقيق بالحفل في خضم حملة انتقادات واجهتها الحكومة بشأن طريقة تعاملها مع بعض المواقع التاريخية القريبة من القلعة، في ظل قيامها بهدم عدد من المقابر لأجل توسيع بعض المحاور المرورية.
ولفت المصري إلى أن المهرجان صنع هوية سمعية للمواطنين بالتراكم من خلال تعدد قنوات الإعلام والاتصال التي عرضت ما تضمنه من حفلات، وأن الاهتمام الإعلامي بالفنانين الذين شاركوا في نقاشات جماهيرية متعددة قبل وبعد الحفلات، مع بث الحفلات على منصات رقمية التابعة للشركة المتحدة، كان من بين الأدوات المهمة لترسيخ الألوان الغنائية.
وقدم المهرجان حفلات طغى عليها الجانب الفلكلوري، مثل كورال كلية التربية الموسيقية بقيادة عزيز مرقة وسعيد الأرتيست، ونجوم الأوبرا للموسيقى العربية بقيادة المايسترو محمد الموجي، وكورال مركز تنمية المواهب، وأوركسترا أوبرا القاهرة بقيادة ناير ناجي، وعروض لفرق دولية بالتعاون مع قطاع العلاقات الثقافية الخارجية.