الجرائم :
خلو الصحيفة من أخبار الجرائم كخلو الطعام من الملح . فكثير من الناس الذين لا يجدون لذة في حياتهم الطبيعية يبحثون عما يثير مشاعرهم في قصص الصحف التي تنشرها عن شواذ المجتمع . وكلما كانت القصة أكثر واقعية وتصويرها حقيقياً قويت الهزة التي تجتاح أنفسهم وهم يعيشون في هذا الجو الخاص . وكل صحيفة تخصص عدداً. المخبرين يرابطون في مراكز البوليس ويطوفون بالنقط التابعة لها . ولا نعني باخبار البوليس قضايا مخالفات القانون فقط ، بل يدخل فيها أيضاً أخبار الحوادث والانفجارات والمصادمات والاطفال المفقودين والمغامرات والاضطرابات . ومخبر البوليس ومساعدوه هم أكبر مصدر يمد الصحيفة بكمية كبيرة من الاخبار المتنوعة . ولا ريب أن كشف الجرائم للناس سلاح ذو حدين ، فهي ان عولجت كمادة للترفيه والتسلية لا كمأساة وبطريقة ايجابية لبقة موجهة تساعد القراء على الاندماج في جو الجريمة وكأنهم يشاهدونها شجعتهم كباراً وصغاراً على احترام القانون وبغضتهم بالجريمة والمجرمين وساعدت رجال الامن في تحقيق العدل . وان عولجت بشكل عاطفي مثير يرفع ـ بدون قصد - من : الجريمة ومرتكبيها وتظهرهم بمظهر الدهاة الشجعان الجبابرة كانت اغراء لمن لديهم الاستعداد النفسي لارتكاب مثل هذه الحوادث . لذلك يقول الكاتب الامريكي ولتر ليبمان : « الجريمة قطعة . نحياها . وليس الخطر آتياً من نشر أخبار الجريمة في ذاتها بقدر ما هو آت من تحول الصحيفة الى مخبر سري وقاض ونائب عام ونحو ويقول ستانلي ولكر : ان الشكوى من الصحف وخاصة الكبيرة منها فيما يتعلق بنشر قصص الجرائم انها تنشرها بطريقة مثيرة كثيراً ما تكون شبه تحريض على اقتراف الجرائم فضلاً عن انها تعطي فكرة خاطئة عن حضارتنا » .
واليك بعض النقاط التي أوصت بها جريدة ( لوس انجيلس اجزامینر) محرريها :
* لا نريد في أخبارنا تمجيداً للجريمة أو المجرمين . ويجب أن
يصور المجرمون على حقيقتهم ولا يصورون في شكل أبطال أو شهداء . والمجرمون كطبقة أغبياء جرذان حقيرة أعداء المجتمع .
* لا تستخدم بأي حال عبارات ( ملك العصابات ) و ( أستـاذ المجرمين ) وغيرها من هذا الكلام الفارغ الذي يثير خيال الشباب ويدفعه الى السير في نفس الطريق ، كما لا نريد دمعة على مجرم ولا وردة أو قبلة له .
* من الاهمية بمكان أن نؤكد لكم اننا لا نريد وصف الطريقة التي ارتكبت بها جريمة ما بأنها طريقة ( فذة ) أو ( رائعة ) أو ( ناجحة ) ، فهذا يشجع المجرمين والمقلدين ويعقد عمـــل البوليس .
* يجب أن تقف دائماً الى جانب القانون والنظام . وحاول دائماً أن تبحث عن مبررات لقسوة حكم القاضي .
* في كل قصة تأكد من انك شدت برجال البوليس ، وتحدثت تفصيل عن شجاعتهم ومهارتهم . واكتب أسماء الذين يلقون القبض على مجرم أو يكتشفون عصابة أو يقومون بأي عمل تنفيذاً للقانون . وملخص القول نريد تمجيد البوليس وتحقير المجرمين . وهذه السياسة تتبع بدقة في العناوين والصور والمقدمات وصلب القصة .
ليس مخبر البوليس رجل معجزات ليكشف كل ما استعصى من أسرار الجرائم ، لا سيما وانه يعمل تحت ضغط الوقت من ناحية والخوف من دعوى القذف من ناحية أخرى . ولذا فهو مضطر الى الاعتماد دائماً على عرائض الشكاوى والسجلات الرسمية و ( دفتر الاحوال ) وتصريحات مدير البوليس ومساعديه ، لانه لا يستطيع أن يوجه أي اتهام بطريق مباشر أو غير مباشر الا اذا كانت لديه الادلة القاطعة على ذلك ، خاصة اذا كانت أسماء المتهمين معروفة للجمهور وعليه أن يفترض دائماً أن المتهم ليس مذنباً مهما كانت فعلته وانه بريء حتى تثبت ادانته ، لان الجريمة الواحدة قد يتغير اتجاهها بين يوم وآخر بل بين ساعة وأخرى والمفروض في المخبر البوليسي أن يتميز بكثير من الاحساس المرهف ، والقدرة المتواصلة على العمل ، والمعرفة بوسائل البوليس ، والخبرة بطابع كل طبقة من المجرمين ونواحي نشاطهم . وقليلون جداً المخبرون البوليسيون الذين يثيرون المدينة بسبق صحفي قضية لا يعرفها البوليس . غير أنه لا يمكن أن ننكر أن التوسع في النوع يتوقف كثيراً على مدى اخلاص المخبر في عمله ، وملازمته لرجال البوليس المعروف عنهم القدرة على ازاحة الستار عن غموض الجرائم المعقدة . وقد يلاحظ الصحفي بعض الاحيان اهمالا في التحقيق بجريمة ما ، ويرى أو أن المجرمين أحرار مطمئنون . وما عليه في مثل هذه الحالة الا أن يسيء الظن برجال الامن ، ويعتمد على نفسه في كشف تلك الحقيقة ، باحثاً عن الدلائل التي تثبت تصريحاته عندما يقوم بواجبه في احقاق الحق . ومن هنا نرى أن مهمة مخبر البوليس هي أشق مهمة يكلف بها صحفي في القسم الداخلي ، لانه لا يعالج الا الجانب السيىء من الحياة ، ولا يكتب الا عن حياة الظلام ، ولا يتصل الا بالشواذ من أعضاء المجتمع . وهذه الظروف التي يعمل فيها تصبغه بعد مدة من الزمن بطابع السخرية وعدم المبالاة وعدم التقيد بالمواعيد . نعم انه يجد لذة في تصيد الاخبار المثيرة ، ولكنه يجب أن يكون دائماً مستيقظاً وعلى اتصال مستمر بالصحيفة وأقسام البوليس وبمكان الجريمة ليقف - بسرعة ودقة وحذر ـ على التفاصيل أولاً بأول ، حتى لا يفلت منه شيء . ولا يخفى ما في ذلك من عنت وارهاق كبيرين . ولذا يقال : ( ان المخبر الذي يريد أن . ينجح في أي ميدان اخباري لا بد أن يقضي عاماً أو عامين على الاقل في قسم اخبار البوليس ) .
وهناك عوامل هامة اذا توفرت في الجريمة جعلت منها خبراً مثيراً للغاية وهي :
أ ـ شهرة الاشخاص : فالمعروف ان أسماء البارزين في المجتمع عامل رئيسي في أي خبر صحفي ، فما بالك اذا كان لهذا الاسم علاقة بمخالفة القانون . ب - شهرة الامكنة -- كثرة الخسائر د ــ الغموض والتشويق . الظروف الشاذة والدوافع الغريبة و ـ الاحساسات الانسانية كالحب والحقد والشهوة والغيرة والثأر وتأنيب الضمير ز - سلطان المرأة ح - المواقف الحرجة .
ووراء كل هذه العوامل منفردة أو مزدوجة أو مجتمعة توجد المواقف والظروف التي تعتبر المصدر الرئيسي للقصص الكبرى في الجريمة . وحينذاك يبدو أبطال هذه الجرائم كرموز تصطرع معها الحوادث بين آراء ودوافع تصح أن تكون موضوعاً لدراسة باحثي علم النفس والاجتماع .
وأول درس ينبغي أن يتقيد به مخبر الجريمة حين صياغة قصته هو أن يحذف منها التفاصيل البشعة ، بدون أي تحوير لشيء من أو اسقاطه . أما اذا كان هناك ضرورة لذكر هذه التفاصيل رغم بشاعتها واثارتها فليفعل ولكن بألفاظ وعبارات منتقاة ، وبدون أن يتكلف البلاغة والالتواء لان كليهما يفقد قصته الحيوية والبساطة المطلوبتين وعليه أن يستغل عاملي الغموض والتشويق ما أمكن لا سيما في القصص المستمرة .
تعليق