المقالات السياسية والانتخابات
لعل أوضح صفات المحرر المشرف على قسم السياسة والانتخابات سواء أثناء العمل أو بعده - أنه هادىء الاعصاب، أنيق، لطيف، محظوظ. لأنه ـ في غير أوقات الانتخابات - يقضي يومه في التنقل بين مكاتب الاحزاب السياسية يتحدث الى الزعماء وقادة الرأي • حتى اذا حل الانتخاب غدا كتلة من النشاط ، وأصبح أهم موظف في الصحيفـة ، واكثر العاملين فيها خبرة ومهارة ومرتباً . وهو عادة لا يصل الى هذا الامتياز الا بعد مران طويل في جميع فروع الصحافة ، ودراسة شؤون
الدولة والقانون والجريمة، والتيارات الاقتصادية والزراعية والصناعية ومشاكل العمال وغيرها . لأن الكتابة السياسية تتناول كل هذه الميادين وعمله كمخبر سياسي لا يقتصر على فترة الانتخابات ، والمعارك التي تسبقها ، والنتائج التي تترتب عليها فحسب، بل يقوم في ـ غير ايام الانتخابات - بكتابة مقالات عن السياسة العامة تكلفه دراسة دقيقة وبحثاً عميقاً وادراكاً قوياً للمشاكل . فهو يعرف كيف تدار الاحزاب ، ويفهم شخصيات زعمائها ، ويقدر القوى التي تسيطر على الحكومة . وباعتبار ان الاخبار السياسية لا تقع فجأة بل تنشأ نتيجة لموقف ما ، فان لديه قدرة الغوص وراء معنى هذا الموقف . الامر الذي يجبره على أن تكون عيونه مفتحة دائماً ، وآذانه تجيد الانصات ، وذاكرته واعية ، وعقله يفكر تفكيراً منطقياً . وأن يصادق الكثيرين ممن يفيدونه في مهمته ، فيتحدث حديثاً عابراً مع هذا هنا ، ويسمع ا اشاعة من ذاك هناك، ثم يمزج بين الحديث والاشاعة ويفسرهما على ضوء ما عنده من معلومات وملاحظات ، ويخرج على القراء بقصة مثيرة في الصفحة الاولى. والاخبار الانتخابية الصرفة تمر بثلاث مراحل : (۱) - التنبؤات قبل المعارك الانتخابية ، أو فيما بينها ، ومهمته فيها أن يراقب مراقبة دقيقة مدى نشاط الاحزاب وتنظيماتها ، وتشكيل مجالس اداراتها ، والمرشحين الذين ينتظر أن يقع عليهم الاختيار ، ليصل من ورائها الى تكهنات . نتيجة بحثه وملاحظاته . (۲) - الخطب والبيانات التي تلقى في حملات الدعاية للمرشحين ، فيحصل على نسخ من هذه البيانات ، ويسمع : الخطب والتصريحات ليبدي فيها رأيه . (٣) - الانتخابات : وهي المرحلة الاخيرة والحاسمة . في المعركة ، ولذلك فالمخبر السياسي يتتبع أخبارها أولا بأول ، حتى يتيسر تقديمها في مواعيد الطبع ، كما يعالجها على طريقة القصة الجارية ، ويحول ما يتدفق عليه الباردة الى لغة مفهومة مألوفة ذات معنى ومغزى واضحين .
وللكاتب السياسي حرية التصرف الكامل في الاسلوب واللغة حتى يدفع السأم عن قارئيه ، وباعتبار ان عنصر الصراع هو أهم شيء في المعارك الانتخابية والسياسية كان واجباً عليه أن يستغله في موضوعاته ويبرزه أمام عيونهم ، وأن يختار من البيانات والمنشورات التي تصدرها الاحزاب ما يصلح للنشر فقط ، ويستبعد ما كان غامضاً أو تكراراً لتصريحات سابقة أو ألفاظاً جوفاء حماسية . وهو حين يقوم بهذا الاختيار يقدر الحوافز التي تدفع كل لاعب في ميدان السياسة ، ويفهم ان البيانات التي يصدرها هذا وأمثاله من اللاعبين لا تهدف الى الصالح العام بقدر ما تهدف الى المغانم الشخصية . كما يعرف الاخبار الحقيقية عندما يراها أو يسمعها ، ويستخلصها من بين أكوام الدعاية الجوفاء ، ثم يعرضها كحقائق عارية على الناس مع الظروف والدوافع التي تكمن وراءها .
تعليق