هبة ياسين
منذ طرحه للعرض عبر منصة "شاهد"، ما زال مسلسل "سفاح الجيزة" يحظى بنجاح لافت ومتابعة كبيرة، وهو عن قصة حقيقية لقاتل متسلسل يُسمى "قذافي فراج" ارتكب جرائمه منذ عام 2015، قبل أن يتم اكتشافه والقبض عليه في 2020.
صدر ضدّ القاتل أكثر من حكم بالإعدام شنقاً، لكنه ما زال إلى الآن يخضع للمحاكمة. ورغم أنّ المسلسل مأخوذ من قصته، لكنه ليس توثيقاً لحياة هذا السفاح، بحيث تمت إضافة شخصيات وأحداث وتفاصيل لخدمة الغرض الدرامي.
من الكوميديا إلى الدراما
يأتي هذا العمل لينقل أحمد فهمي من مساحة الكوميديا المعروف بها إلى ساحة فنية أرحب، فيقدم دوراً مختلفاً وبعيداً مما قدمه سابقاً. ويأتي هذا التنويع في مصلحته، هو الذي خالف توقعات من ظنّ أنّ انفصاله الفني عن صديقيه هشام ماجد وشيكو قبل سنوات سيُؤدي إلى نهايته الفنية، باعتبار أنه شكل معهم ثلاثية كوميدية ناجحة.
وعن هذا الانتقال الصادم، يقول أحمد فهمي لـ"النهار العربي": تتعامل الناس مع الكوميديا أنها سهلة، لكنني أعتبرها أصعب أنواع التمثيل، فالعمل الجاد مع نص ومخرج جيد يكون أسهل ومضمون النجاح على عكس الأعمال الكوميدية التي تتطلب منك مهمة صعبة وهي إضحاك الجمهور. لذا أعتبر هذا التحول من الكوميديا إلى الأعمال الجادة هو تحول من الصعب إلى السهل".
ويفسر المخرج هادي الباجوري أسباب اختياره فهمي قائلاً لـ"النهار العربي": "لأن التوقعات المنتظرة لأدائه غير معروفة، على عكس ممثلين آخرين يكون تمثيلهم متوقعاً. ونظراً إلى طبيعة الشخصية، أردت أن يكون الأداء في هذا الدور غير متوقع بالنسبة إلى المشاهد، وهذا سيساهم في إظهار تمثيله بوضوح؛ من هنا اخترت شخصاً لا أحد يتخيله في هذا الدور، وعندما يجيد الأداء تتضاعف المتعة لدى المشاهد"
السّفاح ذو القناعين
يتّصف المجرم بالقسوة والدهاء والعنف، ومسيرته الإجرامية يتخللها مزيج من أعمال النصب والاحتيال والسرقة وانتحال الشخصيات والقتل بدم بارد. ولعب فهمي دور "السفاح"، بشخصيته المركبة، فهو ذو قناعين أولهما مثالي يتسم بالتدين والخُلق، ويساعد جميع من حوله، وبار بوالدته، وقناع آخر دموي يقتل أقرب المقربين منه.
واستطاع فهمي التعبير عن تناقضات هذه الشخصية عبر تطويع ملامحه وتعبيرات وجهه، بما يخدم الانفعالات والتقلبات وردود الفعل المتباينة لشخصية السفاح، فتارة تلوح الوداعة والرومانسية على ملامحه، ويظهر في علاقاته الاجتماعية أو الزوجية أنه "سويت توكر" أو حلو اللسان، وتارة تنعكس صورته الشيطانية دون تشنج أو افتعال، على عكس معظم الأعمال العربية التي قدمت المجرم بصورة نمطية، وشكل مبالغ، سواء في الأفعال أو الملامح.
وعلق الباجوري قائلاً: "من صفات السفاح أنه يعيش في أوساطنا عادياً، يكون إنساناً طبيعياً ولا يُنتظر منه تصرفات غير طبيعية، فكانت تلك من التفاصيل المهمة في أداء فهمي لشخصية السفاح".
وحول صعوبة الشخصية قال فهمي: "تكمن الصعوبة في كونها تجسيداً لـ"سفاح"، أي شخصية لا يمكن أن تحبها أو تتعاطف معها. ولكي أفهم طبيعته وأتمكن من تجسيد الدور تجسيداً أفضل، قررت أن أتعرف إليه بشكل أكبر، فقابلت جيرانه ومقربين منه"
السّفاح بين الحقيقة والدّراما
قصة سفاح الجيزة حديثة نسبياً وما زالت بعض أحداثها عالقة في أذهان الجمهور، وقد يُعتبر الإقدام على إنتاج هذه القصة مغامرة فنية وإنتاجية، لأن الجمهور يعلم الأحداث مسبقاً، وربما يغيب عامل التشويق.
لكن المخرج هادي الباجوري يشرح دوافعه قائلاً: "لم تُقدم قصة السفاح من قبل ضمن مسلسل، وتم إدخال مزيد من الأحداث والشخصيات والخطوط الدرامية على القصة الحقيقية، فالعمل ليس تسجيلياً لتوثيق حياة السفاح، لكنه دراما ومعالجة للقصة الأصلية، كما أنني لم أخرج هذا النوع من المسلسلات من قبل، ولم أصنع أعمال القتل والدموية والإثارة، لذا أردت خوض هذه التجربة".
وقال منتج العمل طارق نصر لـ"النهار العربي" إن ما حمّسه لإنتاج المسلسل أنها قصة مستوحاة من أحداث حقيقية، وبغض النظر عن كونه سفاحاً لكنّ تفاصيل القصة يمكن أن يقابلها الناس في حياتهم اليومية، وشعرت أنها قصة تستحق تسليط الضوء عليها، وأخوض الكثير من المغامرات الفنية إنتاجياً، ويمكن اعتبار "سفاح الجيزة" إحدى هذه المغامرات.
مشاهد القتل
يزخر المسلسل بكثير من مشاهد القتل والجثث، لم تكن تلك المشاهد تدريجية بل صادمة منذ اللحظة الأولى للعمل ومباشرة. وكان أول مشهد جثة لإحدى الضحايا وقد أودعها في "الفريرز"، ولم يلجأ المخرج للتمهيد، وهذا ما فسره بالقول: "لأن الجمهور يعلم أنه سيشاهد سفاحاً، فلست بحاجة لإخفائه بل أقدمه من اللحظة الأولى، فهو سفاح يقتل زوجته".
الطّبخ موهبة القتلة
جاءت مشاهد الطبخ لتتقاطع غالباً مع ارتكاب السفاح لجرائم القتل، وكانت براعة السفاح في الطهو تتلاقى مع إجادته لاستدراج وقتل ضحاياه عاملاً محورياً ضمن الأحداث، وتم توظيف مشاهد الطهو في مقابل القتل ببراعة بالغة بدرجة جعلت الجمهور يظن أنه يطهو لحم ضحاياه، كما أنه يبدو كطاهٍ محترف، بطريقة تقطيعه لمكونات الطعام وتقديمه للأكل، وكشف فهمي أنه تدرب على يد شيف ليظهر محترفاً في مشاهد تجهيز الطعام وإعداده.
سيرة السفاحين
انتشر جدل آخر على مواقع التواصل الاجتماعي عن جدوى إنتاج عمل يتناول قصة قاتل متسلسل، وما الذي يعود على الجمهور بالفائدة، واعتبره بعضهم أنه يصور القاتل كضحية لظروفه الاجتماعية.
ويمكن الرد على هذا الطرح بأن الأعمال الفنية تسلط الضوء على كل الحكايات المجتمعية، وقصص مثل هذا السفاح تعج بها صفحات الحوادث، ولم تختلقها المسلسلات، وليس مطلوباً من صناع الفن دفن الرؤوس في الرمال، وتقديم مجتمع مثالي، والتغافل عن فئات أخرى ذات وجه مرعب وشرس، فمجتمعنا لا يضم المثاليين والناس والعادية فقط، بل يحتضن المجرمين والقتلة أيضاً.
كما أنه لا يمكن تقديم الدراما الاجتماعية التي يضج محتواها بالحكم والمواعظ فقط، فهذا يصيب الجمهور بالملل، وقد ينصرف عن المتابعة، وهو ما أدركته منصة "شاهد" فاتجهت نحو الاتزان بين صناعة أعمال اجتماعية وأخرى ذات موضوعات مختلفة، ومنها مسلسل الرعب "الغرفة 207" الذي حقق نجاحاً كبيراً قبل شهور.
أبطال العمل
العمل من تأليف محمد صلاح العزب وإنجي أبو السعود وعماد مطر، وشارك في بطولته باسم سمرة، ركين سعد، ميمي جمال، حنان يوسف، صلاح عبد الله، ريك حجاب، داليا شوقي.
وقدم أبطاله أداءً لافتاً، بعضهم حظي بالإشادة وآخرون نالهم هجوم مواقع التواصل الاجتماعي، وبينهم الفنانة داليا شوقي التي سخر الجمهور من أدائها لأحد المشاهد، واصفين إياه بالمفتعل، ومتهمين إياها بأنها مثال لسطوة المجاملات أحياناً في اختيار بعض الممثلين وليس الاحتكام للموهبة، وذلك لكونها شقيقة الفنانة بسنت شوقي زوجة الفنان محمد فراج، والبعض برر أداءها أن طبيعة المشهد والشخصية تتطلب ذلك.
لكن على الضفة الأخرى، لا يمكن نكران أن المسلسل ضم عدداً من الوجوه الشابة الموهوبة، وسلط الضوء على أداء فنانين كبار، من الأدوار المميزة هو فادية إحدى ضحايا السفاح، وقامت به الفنانة ريم حجاب، بأداء سلس، وتعد ريم إحدى المواهب التي ما زالت في انتظار مزيد من الفرص لإبراز موهبتها الواضحة. ومن الوجوه الجديدة الفنانة جهاد حسام الدين في دور والدة السفاح في شبابها، والتي لفتت الأنظار خلال مشاهدها القليلة، وتستكمل الفنانة القديرة حنان يوسف خيوط دور الأم في شيخوختها بأداء مميز وبارع، بشخصيتها القوية والمتسلطة التي تتحكم في ابنها، رغم مرضها وعدم قدرتها على الحركة، ليفاجَأ الجمهور حين تعود الأحداث "فلاش باك" أنها السبب في تحوله إلى قاتل متسلسل.