السينما ..بديلا عن القصة والرواية والشعر .
فلاح المشعل
انحسار مساحات القراء للقصة والرواية والشعر سيكون حتميا ً، جراء الكسل والنضوب في خيال القارئ ، الذي يحدث جراء ضغوطات الحياة المتعددة من جهة ، وماتوفره السينما من فنون جمالية مختلفة كالتمثيل والصوت والموسيقى والتشكيل اللوني والأحداث التي تعتمد سيناريو متقن وحوار وافكار متعددة بخطوطها الدرامية .
العلاقة بين الفرد وعالم السينما صارت تتطور خصوصا بعد أن تجاوزت الزمكانية التي توفرها صالات السينما وامكانية الفرد أن يشاهد الافلام في بيته عبر جهاز العرض كومبوتر أو سينما البيت، في الوقت الذي حافظت فيه صالات السينما على بعدها الإجتماعي وتعددت تصاميم بنائها ومساحاتها حتى تناسب جميع الأنماط الطبقية .
البقاء للسينما لأنها تتجاوز الأفق القصصي الواحد لكاتب القصة أو الرواية الى شخوص متعددة فهنا السيناريست ثم المخرج ثم المصور وزاوية الرؤية ثم الممثل مختبرات متعددة ، بعدها تأتي المؤثرات التي تعيد صياغة البعد النفسي والجمالي بما يجعله يمضي بعيدا عن الرواية بكونها الثيمة الأولى ، ولكن بمناخات أخرى وتلوين في الأبعاد والأحداث يجعلها تلتصق بالذاكرة، والعديد من الافلام الكبيرة والعظيمة ماعادت تعتمد الرواية كثيمة أساس بل تذهب الى الأحداث بمختلف تنويعاتها ودلالاتها الحياتية وأحيانا الخيالية .
جمهور السينما صار يركن لخيال العاملين في هذا القطاع لأنه يستعير خيال المخرج والممثل وطاقة عين الكاميرا وسلسلة الأحداث التي تعتمد القراءة البصرية، بدلا عن القراءة الخالصة للرواية أو القصة التي يعتمد أثرها على خيال القارئ باعتباره منتج آخر للقصة ، وخيال القارئ الذي أصبح اليوم غارقا بمئات الاخبار وماتنقله السوشيال ميديا وضغوطات العمل والعيش ماعاد مستعدا لكي يصنع خيال موازي لخيال كاتب الرواية فيستعين عنها بالفلم السينمائي لأنه يكثف له مايريد بصريا وبدفق امتاعي يحتاجه المتلقي كحالة ترويحية .
مهما بلغ خيال كاتب الرواية ولنأخذ مثلا الروائي العظيم كازانتزاكي برواية (زوربا اليوناني ) ، قراءتها تعد متعة أدبية فكرية لأنها تحمل رموز تمجد الإنسان الخالق والعمل وفلسفة القوة الروحية التي تظهر أثناء رقص زوربا عندما ينجز عمل ما سواء كانت نتائجه سارة أم حزينة ، لكن تلك الرقصة بالفلم التي أداها زوربا بتمثيل النجم العالمي انتوني كوين مع الممثل البريطاني (ألان باتس )، صاحب العمل ، تعطي ثباتا في الذاكرة لمعنى الرقص كتحرير طاقة الجسد ودمجه بالفضاء ، وألف لها الموسيقى والإيقاع الموسيقار العالمي ( ثيودوراكس ) وأصبحت موسيقى راقصة تنتشر لحد الآن في قاعات المرسيقى الاحترافية ، هكذا تأتي العديد من الافلام التي تتجاوز روايتها واسلوب القص الى صياغة أخرى في مشهد بصري ممتع ومحفز على التفكير أيضا ً، بل يقيم علاقة سرية مع المتلقي بأتجاهات تأملية متعددة .
الشيء الآخر الذي صار يتطور واقعيا وتساوقا مع تطور الوعي الإجتماعي بانتشار ثورة الإتصالات ونشر الثقافات على المستوى العالمي بفضل الأنترنيت وامكانية محاكاة الآخر أينما كان ، صارت لكل فرد قصة ورأي ماعاد أن يكون متلقياً وحسب وينتظر ماذا يقول الناقد المختص عن هذه الرواية أو تلك، لأنه صار يشاهدها بصريا بمنتج سينمي ويتكون لديه انطباعا لن يتنازل عنه لرأي الناقد أو الشارح للفلم ، لأن إيقاع التأثير صار يختلف من مشاهد لآخر بما يبعث من مشاعر وافكار وحوارات داخلية ترتبط بتاريخ الفرد ، وبذلك يكون قد أصدر قرار التقاعد للناقد السينمائي الذي تقلصت مساحاته فعلا مع تطور العلاقة واتساعها بين الفيلم السينمائي وجمهور المشاهدين . لقد أصبحت السينما مركز جذب يتجاوز المسرح ورواد القراءة للمكتبات العامة ، بخلاف ماكانت عليه من خمسينات القرن الماضي حتى نهايته بكونها تعني النخبة الخاصة بجمهور السينما .
مشاهدة الأفلام والمسلسلات الطويلة الهائلة في البيت تحث على الإنعزال الاجتماعي لكنها في الوقت نفسه تجعلك مدمنا على مشاهدات ،تعدها ، تغذية جمالية يومية ، ومعادلا للقبح الذي يسود العالم ، مايجعل السينما تحقق تقدما ماكان لها أن يتحقق لولا دهشة الإبداع الذي يمتلكه الاخراج ولغة التصوير وبراعة التمثيل وأجواء الضوء والبناء الموسيقي وتلك الجهود العظيمة التي تقف وراء هذه الإنجازات ولن نشاهد سوى أسمائها نهاية الفلم .
فلاح المشعل
انحسار مساحات القراء للقصة والرواية والشعر سيكون حتميا ً، جراء الكسل والنضوب في خيال القارئ ، الذي يحدث جراء ضغوطات الحياة المتعددة من جهة ، وماتوفره السينما من فنون جمالية مختلفة كالتمثيل والصوت والموسيقى والتشكيل اللوني والأحداث التي تعتمد سيناريو متقن وحوار وافكار متعددة بخطوطها الدرامية .
العلاقة بين الفرد وعالم السينما صارت تتطور خصوصا بعد أن تجاوزت الزمكانية التي توفرها صالات السينما وامكانية الفرد أن يشاهد الافلام في بيته عبر جهاز العرض كومبوتر أو سينما البيت، في الوقت الذي حافظت فيه صالات السينما على بعدها الإجتماعي وتعددت تصاميم بنائها ومساحاتها حتى تناسب جميع الأنماط الطبقية .
البقاء للسينما لأنها تتجاوز الأفق القصصي الواحد لكاتب القصة أو الرواية الى شخوص متعددة فهنا السيناريست ثم المخرج ثم المصور وزاوية الرؤية ثم الممثل مختبرات متعددة ، بعدها تأتي المؤثرات التي تعيد صياغة البعد النفسي والجمالي بما يجعله يمضي بعيدا عن الرواية بكونها الثيمة الأولى ، ولكن بمناخات أخرى وتلوين في الأبعاد والأحداث يجعلها تلتصق بالذاكرة، والعديد من الافلام الكبيرة والعظيمة ماعادت تعتمد الرواية كثيمة أساس بل تذهب الى الأحداث بمختلف تنويعاتها ودلالاتها الحياتية وأحيانا الخيالية .
جمهور السينما صار يركن لخيال العاملين في هذا القطاع لأنه يستعير خيال المخرج والممثل وطاقة عين الكاميرا وسلسلة الأحداث التي تعتمد القراءة البصرية، بدلا عن القراءة الخالصة للرواية أو القصة التي يعتمد أثرها على خيال القارئ باعتباره منتج آخر للقصة ، وخيال القارئ الذي أصبح اليوم غارقا بمئات الاخبار وماتنقله السوشيال ميديا وضغوطات العمل والعيش ماعاد مستعدا لكي يصنع خيال موازي لخيال كاتب الرواية فيستعين عنها بالفلم السينمائي لأنه يكثف له مايريد بصريا وبدفق امتاعي يحتاجه المتلقي كحالة ترويحية .
مهما بلغ خيال كاتب الرواية ولنأخذ مثلا الروائي العظيم كازانتزاكي برواية (زوربا اليوناني ) ، قراءتها تعد متعة أدبية فكرية لأنها تحمل رموز تمجد الإنسان الخالق والعمل وفلسفة القوة الروحية التي تظهر أثناء رقص زوربا عندما ينجز عمل ما سواء كانت نتائجه سارة أم حزينة ، لكن تلك الرقصة بالفلم التي أداها زوربا بتمثيل النجم العالمي انتوني كوين مع الممثل البريطاني (ألان باتس )، صاحب العمل ، تعطي ثباتا في الذاكرة لمعنى الرقص كتحرير طاقة الجسد ودمجه بالفضاء ، وألف لها الموسيقى والإيقاع الموسيقار العالمي ( ثيودوراكس ) وأصبحت موسيقى راقصة تنتشر لحد الآن في قاعات المرسيقى الاحترافية ، هكذا تأتي العديد من الافلام التي تتجاوز روايتها واسلوب القص الى صياغة أخرى في مشهد بصري ممتع ومحفز على التفكير أيضا ً، بل يقيم علاقة سرية مع المتلقي بأتجاهات تأملية متعددة .
الشيء الآخر الذي صار يتطور واقعيا وتساوقا مع تطور الوعي الإجتماعي بانتشار ثورة الإتصالات ونشر الثقافات على المستوى العالمي بفضل الأنترنيت وامكانية محاكاة الآخر أينما كان ، صارت لكل فرد قصة ورأي ماعاد أن يكون متلقياً وحسب وينتظر ماذا يقول الناقد المختص عن هذه الرواية أو تلك، لأنه صار يشاهدها بصريا بمنتج سينمي ويتكون لديه انطباعا لن يتنازل عنه لرأي الناقد أو الشارح للفلم ، لأن إيقاع التأثير صار يختلف من مشاهد لآخر بما يبعث من مشاعر وافكار وحوارات داخلية ترتبط بتاريخ الفرد ، وبذلك يكون قد أصدر قرار التقاعد للناقد السينمائي الذي تقلصت مساحاته فعلا مع تطور العلاقة واتساعها بين الفيلم السينمائي وجمهور المشاهدين . لقد أصبحت السينما مركز جذب يتجاوز المسرح ورواد القراءة للمكتبات العامة ، بخلاف ماكانت عليه من خمسينات القرن الماضي حتى نهايته بكونها تعني النخبة الخاصة بجمهور السينما .
مشاهدة الأفلام والمسلسلات الطويلة الهائلة في البيت تحث على الإنعزال الاجتماعي لكنها في الوقت نفسه تجعلك مدمنا على مشاهدات ،تعدها ، تغذية جمالية يومية ، ومعادلا للقبح الذي يسود العالم ، مايجعل السينما تحقق تقدما ماكان لها أن يتحقق لولا دهشة الإبداع الذي يمتلكه الاخراج ولغة التصوير وبراعة التمثيل وأجواء الضوء والبناء الموسيقي وتلك الجهود العظيمة التي تقف وراء هذه الإنجازات ولن نشاهد سوى أسمائها نهاية الفلم .