قنصل (زكي ـ)
(1916ـ 1994)
زكي قنصل، شاعر مهجري وكاتب مسرحي ولد في يبرود، ثم هاجر عام 1929 وهو في الثالثة عشرة من عمره إلى البرازيل مع والده، وكان أخوه الشاعر والأديب إلياس (1914ـ1981) قد سبقهما إليها، ثم انتقل الثلاثة في السنة نفسها إلى بوينس آيرس عاصمة الأرجنتين.
حمل زكي «الكشة» فور وصوله وانطلق في الشوارع والأسواق ينادي على بضاعته الزهيدة الثمن، وكان يرى في كشته كتباً يعكف على مطالعتها في أثناء الاستراحة، ثم درس العربية والإسبانية حتى أتقنهما وأصبح قادراً على نظم الشعر فيهما، فترك تجارة الكشة وانضم عام 1935 إلى أسرة تحرير «الجريدة السورية اللبنانية» التي كان يصدرها موسى يوسف عزيزة، وكان شقيقه إلياس رئيساً لتحريرها.
في عام 1939، ترك عمله في الجريدة السورية اللبنانية بسبب خلافه الفكري مع صاحبها وأسس مع شقيقه إلياس محلاً تجارياً صغيراً في إحدى ضواحي العاصمة بوينس آيرس، لكنه لم ينجح في التجارة لأن اهتمامه كان منصباً على الشعر والأدب، فعمل أخيراً موظفاً في السفارة السورية بالأرجنتين حتى نهاية حياته.
تزوج عام 1950 من فتاة عربية سورية، ورزق منها طفلة أسماها (سعاد) وفيها يقول:
إني لأقرأ في جبيـــ
ــنكِ سِفْر ماضيَّ البعيد
وأرى على عينيكِ با
رقتين من حلمي الشريد
ضحِكتْ ليَ الدنيا فوا
فَرَحي بمقدمـكِ السعيد
اليوم أُبعثُ من ترابـ
ـــي اليومَ أولدُ من جديـد
لكنها توفيت في الشهر الثامن من عمرها، ففجر موتها المبكر قريحته الشعرية الفياضة ورثاها بديوان صغير الحجم أسماه «سعاد» صدر عام 1953، وقد لاقى هذا الديوان شهرة واسعة للعواطف الجياشة التي أضفاها على القصيدة الطويلة التي احتلته بالكامل وللصور البديعة والخيال المجنح، ثم رزق بعدها طفلاً واحداً أسماه عُمر، تعبيراً عن حبه وتقديره لصديقه الشاعر عمر أبي ريشة (1910ـ1990).
وعلى الرغم من غربة الشاعر التي امتدت خمسة وستين عاماً، فقد ظل متعلقاً بوطنه يحن إليه ويهفو إلى طفولته وذكريات صباه ولا يفارقه خياله في نومه أو يقظته، ينتظر بلهفة جارفة ذلك اليوم الذي يكحل فيه عينيه برؤية مغانيه الجميلة، حتى أتيح له أن يزوره أربع مرات في الأعوام 1968و1984و1986و1992، إذ قوبل في هذه الزيارات كلها بكل مظاهر الحفاوة والتكريم أدبياً ورسمياً، كما احتفت به الصحافة السورية، فأجرت معه لقاءات شرح فيها نظرته إلى الشعر وموقفه الثابت من الشعر الحديث الذي كان حرباً عليه.
في الزيارة الثالثة التي قام بها إلى سورية عام 1986، أشرف على طبع المجلد الأول من أعماله الشعرية الكاملة في منشورات وزارة الثقافة، لكن المشروع توقف عند هذا المجلد إلى أن تبرع الشيخ عبد المقصود الخوجه بطبع أعماله الكاملة على نفقته في جدة في ثلاثة مجلدات فاخرة.
فاز زكي قنصل بجائزة ابن زيدون للشعر في إسبانيا عام 1989، وجائزة جبران خليل جبران العالمية عام 1991 التي منحته إياها رابطة إحياء التراث العربي في أستراليا.
توفي زكي قنصل إثر انفجار في الدماغ، فانطفأت بوفاته آخر شمعة تلألأت في سماء المهجر الجنوبي، وخلت «ندوة الأدب العربي» التي أسسها المطران ملاتيوس صويتي مع كل من إلياس وزكي قنصل وعبد اللطيف اليونس وجواد نادر من آخر فرسانها.
أصدر الشاعر زكي قنصل عدداً من الدواوين والمسرحيات النثرية في المهجر والوطن، فمن دواوينه «شظايا» 1939 و«سعاد» 1953 و«نور ونار» 1972 و«عطش وجوع» 1974 و«ألوان وألحان» 1978 و«هواجس» 1981 و«في متاهات الطريق» 1984 و«سداسية الوطن المحتل» و«أشواك» ومن مسرحياته النثرية «الثورة السورية» 1939 و«تحت سماء الأندلس» 1965.
كان زكي قنصل بلبل العروبة والوطنية والقومية الصداح في المهجر الجنوبي، غنّى أمجاد الأمة العربية، وتغنّى بمفاخرها وعبّر عن مشاعره نحوها بصدق وإيمان وعفوية تمده شاعرية خصبة وقدرة فائقة على تطويع اللغة واللعب بالقوافي، ومن ذلك قوله:
يا شامُ روحي على مغناك حائمةٌ
هل ترفقين بجرحٍ خاب راقيه
لا توصدي دونها باباً ولا تَسَلي
عـما أكابدُ في برّيّة التـيه
نزحتُ عنك وراء الترّهات فهل
يروي السرابُ ظمأً لا ماء يرويه
وقد اتّصف شعره بصفاء النبرة وجزالة الألفاظ وعذوبة الجرس والعاطفة الصادقة والخيال المرهف الشفاف.
عيسى فتوح
(1916ـ 1994)
زكي قنصل، شاعر مهجري وكاتب مسرحي ولد في يبرود، ثم هاجر عام 1929 وهو في الثالثة عشرة من عمره إلى البرازيل مع والده، وكان أخوه الشاعر والأديب إلياس (1914ـ1981) قد سبقهما إليها، ثم انتقل الثلاثة في السنة نفسها إلى بوينس آيرس عاصمة الأرجنتين.
حمل زكي «الكشة» فور وصوله وانطلق في الشوارع والأسواق ينادي على بضاعته الزهيدة الثمن، وكان يرى في كشته كتباً يعكف على مطالعتها في أثناء الاستراحة، ثم درس العربية والإسبانية حتى أتقنهما وأصبح قادراً على نظم الشعر فيهما، فترك تجارة الكشة وانضم عام 1935 إلى أسرة تحرير «الجريدة السورية اللبنانية» التي كان يصدرها موسى يوسف عزيزة، وكان شقيقه إلياس رئيساً لتحريرها.
في عام 1939، ترك عمله في الجريدة السورية اللبنانية بسبب خلافه الفكري مع صاحبها وأسس مع شقيقه إلياس محلاً تجارياً صغيراً في إحدى ضواحي العاصمة بوينس آيرس، لكنه لم ينجح في التجارة لأن اهتمامه كان منصباً على الشعر والأدب، فعمل أخيراً موظفاً في السفارة السورية بالأرجنتين حتى نهاية حياته.
تزوج عام 1950 من فتاة عربية سورية، ورزق منها طفلة أسماها (سعاد) وفيها يقول:
إني لأقرأ في جبيـــ
ــنكِ سِفْر ماضيَّ البعيد
وأرى على عينيكِ با
رقتين من حلمي الشريد
ضحِكتْ ليَ الدنيا فوا
فَرَحي بمقدمـكِ السعيد
اليوم أُبعثُ من ترابـ
ـــي اليومَ أولدُ من جديـد
لكنها توفيت في الشهر الثامن من عمرها، ففجر موتها المبكر قريحته الشعرية الفياضة ورثاها بديوان صغير الحجم أسماه «سعاد» صدر عام 1953، وقد لاقى هذا الديوان شهرة واسعة للعواطف الجياشة التي أضفاها على القصيدة الطويلة التي احتلته بالكامل وللصور البديعة والخيال المجنح، ثم رزق بعدها طفلاً واحداً أسماه عُمر، تعبيراً عن حبه وتقديره لصديقه الشاعر عمر أبي ريشة (1910ـ1990).
وعلى الرغم من غربة الشاعر التي امتدت خمسة وستين عاماً، فقد ظل متعلقاً بوطنه يحن إليه ويهفو إلى طفولته وذكريات صباه ولا يفارقه خياله في نومه أو يقظته، ينتظر بلهفة جارفة ذلك اليوم الذي يكحل فيه عينيه برؤية مغانيه الجميلة، حتى أتيح له أن يزوره أربع مرات في الأعوام 1968و1984و1986و1992، إذ قوبل في هذه الزيارات كلها بكل مظاهر الحفاوة والتكريم أدبياً ورسمياً، كما احتفت به الصحافة السورية، فأجرت معه لقاءات شرح فيها نظرته إلى الشعر وموقفه الثابت من الشعر الحديث الذي كان حرباً عليه.
في الزيارة الثالثة التي قام بها إلى سورية عام 1986، أشرف على طبع المجلد الأول من أعماله الشعرية الكاملة في منشورات وزارة الثقافة، لكن المشروع توقف عند هذا المجلد إلى أن تبرع الشيخ عبد المقصود الخوجه بطبع أعماله الكاملة على نفقته في جدة في ثلاثة مجلدات فاخرة.
فاز زكي قنصل بجائزة ابن زيدون للشعر في إسبانيا عام 1989، وجائزة جبران خليل جبران العالمية عام 1991 التي منحته إياها رابطة إحياء التراث العربي في أستراليا.
توفي زكي قنصل إثر انفجار في الدماغ، فانطفأت بوفاته آخر شمعة تلألأت في سماء المهجر الجنوبي، وخلت «ندوة الأدب العربي» التي أسسها المطران ملاتيوس صويتي مع كل من إلياس وزكي قنصل وعبد اللطيف اليونس وجواد نادر من آخر فرسانها.
أصدر الشاعر زكي قنصل عدداً من الدواوين والمسرحيات النثرية في المهجر والوطن، فمن دواوينه «شظايا» 1939 و«سعاد» 1953 و«نور ونار» 1972 و«عطش وجوع» 1974 و«ألوان وألحان» 1978 و«هواجس» 1981 و«في متاهات الطريق» 1984 و«سداسية الوطن المحتل» و«أشواك» ومن مسرحياته النثرية «الثورة السورية» 1939 و«تحت سماء الأندلس» 1965.
كان زكي قنصل بلبل العروبة والوطنية والقومية الصداح في المهجر الجنوبي، غنّى أمجاد الأمة العربية، وتغنّى بمفاخرها وعبّر عن مشاعره نحوها بصدق وإيمان وعفوية تمده شاعرية خصبة وقدرة فائقة على تطويع اللغة واللعب بالقوافي، ومن ذلك قوله:
يا شامُ روحي على مغناك حائمةٌ
هل ترفقين بجرحٍ خاب راقيه
لا توصدي دونها باباً ولا تَسَلي
عـما أكابدُ في برّيّة التـيه
نزحتُ عنك وراء الترّهات فهل
يروي السرابُ ظمأً لا ماء يرويه
وقد اتّصف شعره بصفاء النبرة وجزالة الألفاظ وعذوبة الجرس والعاطفة الصادقة والخيال المرهف الشفاف.
عيسى فتوح