أنواع العمائر الإسلامية
المساجد:
تُعد المساجد من أهم المباني التي تمتاز بها العمارة الإسلامية. وكان تخطيط المساجد الأولى بسيطًا ؛ يتكون من مساحة مربعة محاطة بسور، وبها ظلة سقفها يتركز على عُمُد مصنوعة، أو مأخوذة من جذوع النخل أو من عُمُد منقولة من عمائر قديمة. ومن أهم أمثلة تلك المساجد مسجد الرسول ﷺ في المدينة المنورة ومسجد الكوفة (14هـ، 635م) ومسجد البصرة (17هـ، 638م) ومسجد عمرو بن العاص في الفسطاط (20هـ، 640م) ومسجد القيروان في تونس (50هـ، 670م). ولم تلبث المساجد أن أصبح لها نظام معماري واضح يتكون من صحن أوسط تحيط به أربع ظلات (أروقة) أكبرها ظلة القبلة التي تشتمل على المحراب والمنبر. ومن أمثلة هذا النوع مسجد الرسول ﷺ في العصر الأموي، ومسجد المنصور في بغداد (154هـ، 770م) والمساجد العباسية في العراق ومصر.
المدارس:
ظهرت المدارس في أواخر القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلادي، على يد السلاجقة، وكان الغرض منها نشر المذاهب السُنِّية. والتخطيط المعماري لتلك المدارس يتكون من صحن وأربعة إيوانات أكبرها إيوان القبْلة، وكان كل إيوان يُخصَّص لتدريس مذهب من المذاهب أو أكثر. وغالبًا ما يلحق بتلك المدارس مبنى لسكن الطلاب وسبيل للشرب وحوض لسقاية الدواب وميضأة (موضع للوضوء) وغيرها من الملاحق. ومن أشهر المدارس الإسلامية: المدارس النظامية في نيسابور والعراق والمدرسة المستنصرية في بغداد والمدرسة الصالحية في مصر ومدرسة قايتباي في الحجاز والمدرسة البوعنانية في المغرب والمدرسة الأشرفية في اليمن وغيرها الكثير.
الأربطة:
من المنشآت التي كانت تجمع بين الوظيفة الدينية والعسكرية حيث كان يقيم فيها المحاربون استعدادًا للجهاد أو للتعبد. ومن أشهر أمثلتها في العمارة الإسلامية رباط المنستير في تونس الذي شيده هرثمة في سنة 180هـ، 796م، ورباط سوسة في تونس أيضًا الذي شيده زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب سنة 206هـ، ورباط الأغوات في المدينة المنورة الذي شُيِّد في عام 706هـ، 1306م.
الأسبلة:
من المنشآت المائية التي وصلت منها نماذج جميلة وطرز عديدة وبخاصة من العصر المملوكي والعثماني. وكانت هذه الأسبلة تُستخدم لسقاية المارة في الطرق العامة. ومن أقدم هذه الأسبلة في العالم الإسلامي سبيل الناصر محمد بن قلاوون بالقاهرة، وكان يُلحق بأعلى السبيل مكتب لتعليم الأيتام.
البيمارستانات (المستشفيات):
اعتنى الإسلام بصحة الأبدان، وحث على الاستشفاء ومعالجة الأمراض. وكان من أثر ذلك اهتمام السلاطين ببناء البيمارستانات وتوفير ما يُحتاج إليه من أطباء وأدوية وأدوات طبية. ومن أشهر البيمارستانات في العالم الإسلامي بيمارستان السلطان قلاوون بالقاهرة، وبيمارستان النوري في دمشق، والبيمارستان الموحدي بمراكش.
طرز العمارة الإسلامية
الطراز الأموي:
من الثابت أن الفن العربي الإسلامي نما في ظل الدولة الأموية في بلاد الشام. وقد اقتبس الفن الأموي مقوماته الأولى وخصائصه الفنية من البيئة التي ولد فيها إلى جانب بعض التأثيرات التي شكلت في مجموعها السمات الفنية للطراز الأموي.
وقد ازدهر الفن الأموي في القرنين الأول والثاني بعد الهجرة، وكان طرازًا فخمًا انتشر في جميع الأقطار الإسلامية بما فيها الأندلس. وقد ساعد على انتشار الفن الأموي على هذا النحو انتقال الخلافة من الحجاز إلى بلاد الشام حيث عاش الخلفاء الأمويون.
أما الطراز الفني في العمارة الأموية، فقد استقى أصوله الأولى من المدارس الفنية التي كانت منتشرة ومزدهرة في بلاد الشام قبل العصر الإسلامي كالفنون الهيلينستية والنصرانية الشرقية، إلى جانب بعض التأثيرات الفنية الساسانية بحكم الجوار.
ومن الجدير بالذكر أن الأساليب الفنية في العصر الأموي بلغت غاية تطورها، وذلك بفضل النظام الذي اتبعه الخلفاء الأمويون، المتمثل في التزام أقاليم العالم الإسلامي بتقديم الصناع والفنانين ومواد الصناعة أو البناء إلى مركز الخلافة من أجل القيام بالأعمال المعمارية والفنية الضخمة. وهذا النظام كان له فضل كبير في جعل الخلفاء الأمويين يقومون ببناء وتجديد أعظم العمائر الدينية في ذلك الوقت، من بينها بناء المسجد الأموي والمسجد الأقصى والمسجد النبوي الشريف وقبة الصخرة وجامع الكوفة وجامع البصرة وجامع الزيتونة وجامع سيدي عقبة بالقيروان.
وإلى الأمويين كذلك، يرجع الفضل في إدخال معظم العناصر المعمارية الجديدة إلى عمائرهم الدينية سواء التي شيدوها أو التي قاموا بتجديدها. ومن هذه العناصر: المئذنة التي أُدخلت لأول مرة إلى المساجد في جامع الكوفة والفسطاط ودمشق، كذلك يرجع إليهم الفضل في إدخال المقصورة التي كانت تؤمِّن الخليفة في صلاته حيث كانت تجعله في معزل عن صفوف المصلين، وكذلك أدخلوا المحراب المجوَّف في المساجد والقباب وغيرها من العناصر المعمارية.
وإلى جانب حركة بناء المساجد التي مثلت العمائر الدينية في الطراز الأموي، أبدع الأمويون كذلك في بناء القصور والحمامات والاستراحات والدور، وهي تمثل الجانب المدني في العمائر الأموية. ومن أعظم ما تبقى من تلك العمائر مجموعة القصور الصحراوية التي شيدها الأمويون خارج المدن في البادية بالأردن وسوريا وفلسطين، وتمتاز تلك القصور بسمات عامة من البيئة التي شُيِّدت فيها.
تنبثق معظم القصور الواقعة في بادية شرق الأردن، مثل قصر عَمْرة وقصر الحلاّبات وحمام الصَّرح وقصر المَشْتَى وقصر الطوبة، من نمط معماري واحد تقريبًا ؛ إذ جاءت عمائر تلك القصور على هيئة الحصون الصغيرة، حيث كان يحيط بها أسوار مرتفعة مدعَّمة بأبراج ولها مدخل واحد مزود بحجرات أو أبراج للمراقبة. أما من الداخل، فكان يتوسط تلك القصور صحون مكشوفة تحيط بها من الجوانب ملاحق ووحدات معمارية بعضها سكني وبعضها الآخر يضم القاعات والمجالس والحمَّام، إلى جانب ملاحق الخدمات. كذلك تمتاز عمائر تلك القصور باستخدام مواد بناء مختلفة منها الحجر المنحوت، والحجر الغشيم، والآجر، والجص.
أما من حيث العناصر المعمارية المتشابهة في عمائر تلك القصور، فإننا نجد العقود نصف الدائرية والعقود المتجاورة، والأعتاب، والقباب، والعقود المعمارية الطولية والعقود المعمارية المتقاطعة، والأعمدة والتيجان الكورنثية المستوحاة من العمائر الكلاسيكية.
ومن حيث العناصر الزخرفية المتشابهة أيضًا في تلك القصور، نجد الفسيفساء وقد استُخدمت بكثرة في الموضوعات الفنية وكذلك الفريسكو (التصوير الجصي). وقد غلب على الموضوعات الفنية الطابع الساساني وبخاصة في النقوش والتماثيل. كذلك عُثر على مجموعة من القصور الأموية في سوريا ؛ منها قصر الحير الغربي وقصر الحير الشرقي، وقصر هشام في الرصافة. أما في شرقي فلسطين، فيوجد قصر هشام (خربة المفجر) قرب أريحا وقصر الوليد في خرْبة المنية، عند طبرية.
وفي الحقيقة، فإن كافة تلك القصور تعبِّر عمارتها وكذلك زخارفها عن الاستفادة الكبيرة التي حصل عليها العرب من فنون الأقطار التي فتحوها، وهي، في نفس الوقت، شاهد على عظمة فن العمارة الأموية المدنية في تلك الفترة.
ومن أبدع العمائر الأموية في بلاد الشام قبة الصخرة في بيت المقدس التي شيدها في عام 72هـ، 691م الخليفة عبدالملك بن مروان، وهي بناء شُيد من الحجر مُثمَّن التخطيط بداخله مُثمَّن آخر أصغر حجمًا. ويتوسط الصخرة المشرفة من الداخل كرسي القبة التي ترتكز بدورها على عقود محمولة على أكتاف وأعمدة من الرخام.
الطراز العباسي:
تميز طراز العمائر العباسية في أقطار العالم الإسلامي، بخصائص فنية متعددة كان من ورائها انتقال الخلافة من الشام إلى العراق، وما ترتَّب على ذلك من ظهور تأثيرات بيئية وفنية جديدة كانت منتشرة في العراق إبان انتقال مركز الخلافة إليها. من تلك التأثيرات الفنون الفارسية وفنون بلاد الرافدين التي كانت شائعة بمنطقة دجلة والفرات، كما ظهرت ملامح التأثير القديم في العمائر العباسية من خلال استخدام المعمار العباسي اللَّبِن والآجر في بناء منشآته المعمارية، كذلك انتشر في الطراز العباسي استخدام الجص في تكسية واجهات المباني.
أما أهم العناصر المعمارية التي كانت شائعة في الطراز المعماري العباسي، فنجدها في الأكتاف والدعائم التي استخدمها المعمار العباسي بكثرة في عمائره عوضًا عن الأعمدة. كذلك شاع استخدام التغطيات المقببة والمعقودة إلى جانب استخدام السقوف المستوية المحمولة على الأكتاف والدعامات المستطيلة. كما شاع في الطراز العباسي استخدام الأواوين والأبواب المعقودة والأسوار الضخمة المدعمة بأبراج، والعقود المتنوعة الأشكال منها المدبَّب والمنكسر المعروف بالفارسي والعقد المفصص، إلى جانب استخدام المحاريب المسطحة والمجوفة.
كما تميزت المآذن العباسية بأشكالها المخروطية وانفصالها عن كتلة المسجد والصعود إليها بسلم يلتف حول بنائها من الخارج على شكل حلزوني. وقد وصف المستشرقون هذا الطراز من المآذن بأنه مقتبس من المعابد القديمة في العراق والمعروفة باسم الزقورات. ومن أشهر مآذن المساجد العباسية مئذنة جامع سامراء وجامع أبي دُلف بالعراق ومئذنة جامع أحمد بن طولون بمصر. وقد اشتهرت تلك المآذن في الآثار الإسلامية باسم الملوية.
أما العناصر الزخرفية التي شاع استخدامها في طراز العمائر العباسية، فنجدها في الأكسية الجصية التي نُفذت بطريقة القالب على كافة واجهات العمائر العباسية من الداخل والخارج، وكذلك على إطارات العقود وفتحات النوافذ والمداخل والمحاريب. وكذلك اتسمت العمائر العباسية من مساجد وقصور بضخامتها وكبر مساحاتها وسعة أفنيتها. ومن أهم ما خلفه لنا الطراز العباسي من عمارة المساجد ما نجده في المسجد الجامع بسامراء وجامع أبي دلف بالعراق وجامع ابن طولون بمصر وجامع نايين في إيران. وتلك المساجد تمتاز بعناصر معمارية وزخرفية متشابهة من حيث مادة البناء الآجرية وكذلك استخدام الدعائم والأكتاف بدلاً من الأعمدة. كما أُحيطت تلك المساجد من الخارج من ثلاث جهات عدا جهة القِبْلة بزيادة تُعد بمثابة حرم للمسجد.
أما العمائر المدنية في الطراز العباسي، فقد كشفت عنها أعمال التنقيب التي أجريت في المدن العربية الإسلامية بالعراق. وقد ساعدت تلك الكشوف على التعرف بصورة جلية على تخطيط تلك المدن. ومن أشهر العمائر المدنية في العصر العباسي مدينة بغداد التي أسّسها الخليفة أبوجعفر المنصور في عام 147هـ. وقد خُططت على هيئة دائرية الشكل، واستُخدم في بنائها اللَّبِن والآجر. وكان للمدينة سوران خارجيان بينهما مساحة فضاء مكشوفة عرفت بالفصيل. وكان للمدينة أربعة أبواب رئيسية محورية هي باب الكوفة وباب البصرة وباب خراسان وباب الشام. وبحق كانت مدينة بغداد تحفة معمارية تشهد على عظمة المعمار الإسلامي في تلك الفترة.
ومن المدن العباسية التي حظيت بشهرة واسعة في الحضارة الإسلامية مدينة سامراء التي شيدها الخليفة المعتصم في عام 221هـ، 835م، بعد أن ضاقت مدينة بغداد بجنوده. ومن أشهر قصور سامراء قصر الجوسق الخاقاني، وقصر العاشق إلى جانب كثرة البساتين والبحيرات والميادين، كما اشتهرت سامراء بشوارعها الفسيحة وخططها المنتظمة.
وقد تجلّت عناصر العمارة العباسية في قصور تلك المدن من حيث القباب المرتفعة والبوابات الضخمة والأواوين الواسعة، والحدائق المسّورة.
كما وصلت إلينا من العمائر المدنية في الطراز العباسي مجموعة قليلة من القصور التي تعود تواريخ إنشائها إلى تلك الفترة. ومن أشهر تلك القصور قصر الأُخيضر الذي يقع جنوب مدينة كربلاء بالعراق. وقصر بلكوارا الذي شُيّد في عهد الخليفة المتوكل جنوب مدينة سامراء.
ومن أشهر ما يميز عمائر الطراز العباسي بناء الأضرحة، إذ يعود أقدم ضريح في العمارة العباسية إلى عهد الخليفة العباسي المستنصر، وهو الضريح المعروف بقبة الصليبية التي تقع على الضفة الغربية لنهر دجلة. وهي بناء مثمن التخطيط يتألف من مثمن خارجي داخله بناء مثمَّن الشكل ضلعه أصغر من طول ضلع المثمن الخارجي. وهذا التخطيط يؤكد مرة أخرى على استمرار التأثيرات المعمارية الأموية في طراز العمائر العباسية.
الطراز الفاطمي:
تميّزَ طراز العمارة الفاطمية عن غيره من الطرز المعمارية الإسلامية، وأصبح له طابع خاص، يتجلى في مبانيه القائمة من مساجد ومشاهد وأضرحة وأسوار وأبراج وغيرها من العناصر المعمارية والفنية.
ومن أهم خصائص طراز العمارة الفاطمية استعمال الأحجار بشكل أساسي في المنشآت الدينية والحربية والأضرحة. وبفضل استعمال الحجارة في العمائر الفاطمية، تطورت عمارة المساجد الفاطمية تطورًا كبيرًا، وامتاز بناؤها بالمتانة والفخامة والصلابة. وليس معنى ذلك أن الطراز الفاطمي لم يستخدم الآجر في البناء، فقد شُيدت قاهرة جوهر بالآجر. كذلك استُخدم الآجر في بناء القباب والعقود والأسقف والجوانب الداخلية للحوائط.
كما استُخدمت في بناء بعض المساجد الأحجار والآجر، ومن أمثلة ذلك جامع الحاكم بأمر الله (403هـ). كذلك استُخدمت العوارض الخشبية في تدعيم الجدران والأعمدة السابحة في تثبيت الأسوار الحربية.
وقد اعتنى المعمار الفاطمي عناية كبيرة بصقل الأحجار ونحتها وتنسيقها في البناء مِمّا ساعد المعمار كثيرًا على الاستغناء عن الأكسية الجصية، كما ساعد استعمال الأحجار في العمائر الفاطمية على تنفيذ الزخارف عليها بطريقة الحفر أو النحت مباشرة، مثال ذلك واجهات جامع الأقمر والصالح طلائع وكذلك أسوار وأبواب القاهرة.
كذلك شاع في العمائر الفاطمية استخدام الصَّنْجات المعشقة (قطع الحجارة الصغيرة) في مصر لأول مرة، مثال ذلك أبواب القاهرة الفاطمية مثل باب النصر والفتوح وباب زويلة. وقد استخدم المعمار الفاطمي تلك الصنجات في تكوين إطارات عقود فتحات الأبواب، وكذلك في الأعتاب، والعقود. ثم تطورت بعد ذلك في جامع الأقمر والصالح طلائع، حيث اتخذت الصنجات المعشقة مظهرًا زخرفيًا، مع احتفاظها بوظيفتها المعمارية.
كذلك امتازت المساجد الفاطمية في مصر والمغرب بالتطور الكبير الذي أُدخل على طريقة استخدام الروافع حيث استعمل الفاطميون انحدارات فوق تيجان الأعمدة وبدأت، ولأول مرة، تُصنع الأعمدة خصيصًا للمساجد بعد أن كانت تُنقل من عمائر قديمة. كما استخدم المعمار الفاطمي الدعائم والأكتاف في بعض المساجد الفاطمية من أمثلتها جامع الحاكم الذي قيل إنه شُيد على غرار جامع ابن طولون وأيضًا جامع المهدية في تونس. كذلك شاعت في الطراز المعماري الفاطمي أنواع عديدة من العقود منها العقد المقوّس والمدبَّب والمنفرج والمنبطح والمحدب والمنكسر ونصف الدائري. ومن أشهر العقود انتشارًا في العمارة الفاطمية العقود الفارسية. كذلك استُخدمت في العمائر الفاطمية المداخل البارزة عن سمت الواجهة والمعروفة بالمداخل التذكارية، ومن أقدم أمثلتها المدخل الرئيسي في جامع المهدية بتونس والمدخل الرئيسي في جامع الحاكم بالقاهرة.
كذلك عرفت العمائر الدينية في الطراز الفاطمي أنواعًا عديدة من مخططات المساجد منها جامع المهدي الذي ظهرت فيه لأول مرة ظاهرة تعدد الصحون وجامع الأزهر الذي كان يتكون من صحن وثلاثة أروقة، ثم جامع الحاكم الذي خُطط على هيئة صحن وأربع ظلات أكبرها ظلة القبلة، هذا بخلاف التخطيطات الأخرى التي ظهرت في جامع الأقمر والصالح طلائع والمشاهد.
كذلك شاع في طراز العمائر الفاطمية الدينية والحربية استخدام التغطيات المقببة، مثال ذلك استخدام القباب لأول مرة في مصر على المحراب والصحون أو في تغطية ظلة القبلة كما هو الحال في جامع الأقمر.
كذلك شاع في طرز العمائر الفاطمية ظاهرة تعدد المحاريب، سواء المسطحة منها ،كما هو الحال في جامع ابن طولون أو المجوفة التي من أمثلتها مشهد السيدة رقية بالقاهرة، إلا أن المحاريب الفاطمية شهدت تطورًا كبيرًا في محراب جامع الجيوشي بالقاهرة.
كما شاع في طراز العمائر الفاطمية استخدام المقرنصات (حليات معمارية تزين بواطن العقود أو واجهاتها) بأشكال متطورة وأصبحت التركيبات المقرنصة أكثر تعقيدًا.
كذلك احتفظ المعمار الفاطمي بنمط مميز في المآذن تشهد على ذلك أمثلتها في جامع الحاكم والجيوشي، حيث ظهرت بهما لأول مرة في تاريخ العمارة الإسلامية الأفاريز المزدوجة من المقرنصات التي تدور حول الطابق الأول من بناء المئذنة ومن أمثلتها مئذنة الجيوشي.
الطراز المغربي الأندلسي:
اعتاد الباحثون دراسة المغرب والأندلس ضمن إطار فني واحد ؛ نظرًا للعوامل التاريخية والجغرافية والسياسية التي تؤلف بينهما، إلى جانب الصلات الفنية المتبادلة بينهما، مما ساعد على طبع عمائر هذا الطراز بسمات فنية متشابهة إلى حد كبير على الرغم من وجود فن مغربي اصطلح على تسميته الفن القيرواني. إلا أنَّ غلبة العناصر المعمارية والفنية بين المغرب والأندلس والوحدة السياسية التي ربطت بينهما هي التي أوعزت لعلماء الآثار والفن بالربط بينهما فنيًا.
وقد بدأت مراحل الزعامة الفنية في المغرب والأندلس في عصر الدولة الأموية الغربية، ثمّ انتقلت إلى مراكش منذ ضم بلاد الأندلس إلى سلطانهم سنة 483هـ،1090م، فكان ذلك إيذانًا بتغيير في ميدان الفنون الإسلامية في المغرب، إذ أفل نجم الطراز الأموي المغربي، وبدأت تظهر في الأفق سمات فنية معمارية جديدة حملها معه العصر المرابطي والموحدي، تتمثل في بداية أمرها بالتقشف والبساطة والبعد عن الزخم الزخرفي ومظاهر الترف. ولكن سرعان ما تغير الحال وبدأ المغرب والأندلس في ظل عصر الموحدين عهدًا فنيًا جديدًا في القرن السادس الهجري الثاني عشر الميلادي.
ومن الجدير بالذكر أن الطراز المغربي لم يتأثر بغيره من الطرز الإسلامية تأثرًا كبيرًا وأن تطوره كان بطيئًا بالنسبة إلى تطور سائر الطرز الإسلامية. وكانت أهم المراكز الفنية لهذا الطراز أشبيليا وغرناطة ومراكش وفاس.
أما العمائر الدينية فقد كانت متأثرة بما كان متبعًا في الطراز المغربي الأندلسي، في القرون الثلاثة الأولى، في الفسطاط والكوفة والبصرة والشام في تخطيطات المساجد إلى أن جاء القرن السادس الهجري، الثاني عشر الميلادي، حيث بدأ يظهر تطور كبير في عمارة المسجد على أيدي الموحدين ؛ فانصرف معمار تلك الفترة عن استعمال الأعمدة وأقبل على استعمال الأكتاف والدعائم المشيدة من الآجر والعقود الحذوية الشكل التي نُفِّذت على هيئة حذوة الفرس مستديرة تمامًا أو مدببة قليلاً. وكانت معظم تلك العقود تبنى منخفضة مما كان يكسب ظلات المسجد طابعًا من الجلال. ومن أمثلة ذلك عقود جامع الكُتُبِيَّة بمراكش وعقود جامع تينملل في جنوب المغرب. كذلك اتسمت مساجد تلك الفترة بتعدد الصحون. ومن أمثلة ذلك جامع حسان بالرباط وجامع القصبة بمراكش وجامع القصبة بأشبيليا. كذلك شاع في عمارة المسجد أسلوب اتساع البلاطة الوسطى عن سائر بلاطات المسجد، واستخدام التغطيات الجمالونية والمداخل البارزة والقباب المقرنصة (ذات الحليات المعمارية) التي تغطي مجال المحراب بظلة القبلة، إلى جانب ظاهرة تشجير الصحون التي تميزت بها المساجد الأندلسية والمغربية على السواء.
وأهم ما يميز مساجد تلك الفترة على الإطلاق عمارة الصوامع التي وصلت إلى قمة تطورها على يد الموحدين ؛ حيث أخذت هيئة الصومعة تشبه البرج الضخم. ومن الداخل خُططت الصوامع المغربية والأندلسية من مجموعة حجرات متطابقة يلتف حولها طريق صاعد بدون درج. ومن الخارج تُغلَّف واجهات الصوامع بالفتحات المعقودة (المقوسة) والزخارف الشبكية (أشرطة متقاطعة تكوِّن مناطق هندسية على شكل مُعيَّنات). ومن أشهر نماذج هذا الطراز صومعة جامع الكُتُبِيَّة بمراكش وصومعة جامع حسان بالرباط وصومعة جامع القصبة بأشبيليا المعروفة باسم الخيرالدة. كذلك أُدخل الموحدون بناء المدارس في المغرب والأندلس في نهاية القرن السادس الهجري، الثاني عشر الميلادي، ولكن المدارس هناك كانت وقفًا على التدريس فقط، ولم تؤثر عمارتها على تصميم المساجد. واشتهرت مدينة فاس في العصر المريني بكثرة ما شُيِّد فيها من المدارس التي كانت مخصصة لتدريس المذهب المالكي. ومن أشهر المدارس المغربية المدرسة اليعقوبية، وتُعرف بمدرسة الصفارين أو النحاسين (675هـ، 1276م)، ومدرسة فاس الجديدة المعروفة بمدرسة دار المخزن (721هـ، 1320م)، ومدرسة الصهريج (722هـ، 1321م)، ومدرسة العطارين والمدرسة البوعنانية (723هـ، 1323م). وتميزت المدارس المغربية بوضوح عناصرها المعمارية المتمثلة في بساطة تخطيطها المعماري بجانب اشتمالها على كافة العناصر الأساسية التي تتألف منها المدرسة بشكل عام مثل تخصيص إيوان أو قاعة للتدريس والصلاة إلى جانب حجرات لإقامة الطلاب وملاحق مائية من صهاريج ومظاهر وغيرها.
ومن أهم المميزات التي كانت تميز المدارس المغربية أنها لم تكن مخصصة لتكون مدارس وقبورًا في الوقت نفسه كما هو الحال في مدارس الشرق الإسلامي. كما استخدمت الأحجار والآجر في الواجهات والجدران والحجرات، إلى جانب مراعاة التماثل بشكل رئيسي في توزيع الكتل والعناصر المعمارية داخل المدرسة وخاصة بين الكتل المتقابلة. وكذلك انتشرت في بلاد المغرب القباب الضريحية على قبور الأولياء، ومن أشهر أنواع هذه العمائر ما يوجد في مقابر المدن أو على مقربة من أبوابها. وهي تتألف من قبة نصف كروية تعتمد على مخطط مربع الشكل، ومن أشهر الأضرحة المغربية ضريح مولاي إدريس بفاس وضريح الأشراف السعديين بمراكش. وقد تلاشت أو اندثرت قبور ملوك غرناطة.
أما العمائر المدنية، فقد كان نصيبها من العناية قليلاً وبخاصة في عصر المرابطين. كذلك انصرفت عناية الموحدين إلى العمائر الدينية على الرغم من أسماء القصور الكثيرة التي وصلتنا عن عصرهم في كتب المؤرخين وبخاصة ما شيِّد منها في مراكش وأشبيليا.
ولكن من أهم وأعظم القصور التي وصلتنا أسماؤها قصور ملوك الأندلس في غرناطة والجعفارية في سرقسطة. ويُعدُّ قصر الحمراء بغرناطة من أعظم العمائر الإسلامية التي خلَّفها المسلمون هناك. وقد جمعت عمارة هذا القصر بين التحصينات الدفاعية ممثلة في أسوارها وأبراجها الخارجية وبين روعة القاعات والصحون والعقود المقرنصة وأشغال الجص الفريدة والقباب المرصعة بالمقرنصات وهندسة البساتين.
الطراز الأيوبي:
كان عصر صلاح الدين الأيوبي وأخيه السلطان العادل من أزهى عصور الدولة الأيوبية التي امتد سلطانها ليشمل مصر والشام واليمن وعاشت حتى عام 658هـ، 1259م. وكان طابع الدولة الأيوبية السياسي طابعًا حربيًا فرضه الجهاد المستمر ضد الخطر الصليبي. وقد انعكس ذلك بدوره على ما شيده من عمائر في مصر والشام، حيث اتسمت العمائر في الطراز الأيوبي بالطابع الدفاعي، فأكثروا من بناء الاستحكامات الدفاعية والقلاع الحربية والحصون والأربطة وتحصين المدن والثغور بالأسوار المدعمة بالأبراج.
أما داخل المدن فقد غُصَّ بالمدارس من أجل بناء كوادر من الدعاة لمقاومة الغزو الصليبي، كما شُيدت المساجد والخانقاوات والبيمارستانات والأضرحة والزوايا والقيساريات والخانات والفنادق. ومازالت معالم هذه المنشآت قائمة إلى اليوم في مصر والشام، وهي كافية لأن تعطينا السمات العامة والخصائص المعمارية لتلك الفترة، والتي أهمها الآتي:
غلب على العمائر الأيوبية المدنية والدينية طابع التقشف وعدم الإسراف في الزخرفة ؛ بسبب حالة الحرب والجهاد التي أعلنتها الدولة الأيوبية ضد الصليبيين. تميزت العمائر الحربية في تلك الفترة بالقوة والمتانة واستخدام الأبراج الضخمة في تدعيم جدرانها.
استخدمت الأحجار المنحوتة بأحجام كبيرة في بناء المنشآت وبخاصة في الواجهات والمداخل والأسوار والأبراج، كما استُخدم الآجر في بناء القباب والأقبية.
ظهرت في عمائر الطراز الأيوبي بعض التأثيرات السلجوقية منها استخدام القباب في التغطيات، والأواوين وتخطيطات المدارس وبناء الخانات.
كما تأثر المعمار الأيوبي ببعض العناصر المعمارية والفنية الفاطمية، منها استخدام المعمار الأيوبي للصنجات المعشقة وكذلك الاهتمام بالواجهات وشغلها بالمقرنصات والعقود الفارسية، وذلك على غرار ما كان سائدًا في جامع الأقمر والصالح طلائع الفاطميَّيْن.
كذلك شاع في عمائر الطراز الأيوبي استخدام القباب التي شهدت عمارتها تطورًا في ذلك الوقت وبخاصة من حيث مناطق الانتقال المتمثلة في تحويل المربع السفلي إلى مثمن عن طريق رقبة مكونة من طابقين، إلى جانب ما تميزت به القباب الأيوبية بوجود زخارف زجاجية على خوذاتها الخارجية وهو الأسلوب الذي انتشر انتشارًا واسعًا في القباب المملوكية.
كذلك اعتنى الأيوبيون بالمداخل بشكل خاص فشيدوها في دخلات عميقة معقودة تُغلق طواقيها (قمة العقد) بصفوف من المقرنصات وتُتوَّج فتحاتها بعقود مدببة، كما انتشر في العمائر الأيوبية استخدام العقود بأنواعها المختلفة حيث استُخدم العقد المدبب أو المنكسر، كما شاع استخدام العقد الحذوي (على شكل حذوة) والعقد العاتق (العقد الذي يقوم بتخفيف الحمل على عتب المدخل) الذي أخذ مظهرًا جديدًا في تلك الفترة حيث أصبح منخفضًا جدًا، ومكونًا من صنجات حجرية صغيرة. كذلك استخدم المعمار الأيوبي، ولأول مرة، الأعمدة ذات التيجان الإسلامية التي شُكلت من الحطات المقرنصة. ومن حيث أشكال المحاريب المستخدمة في العمائر الدينية الأيوبية، فقد تأثر المعمار الأيوبي بأشكال المحاريب الفاطمية التي كانت تزخرف طواقيها بزخارف مشعة من مركز واحد.
ومن الجدير بالذكر أن أكبر ما يميز العمائر في الطراز الأيوبي قد جاء في العمائر التي ما زالت شاخصة إلى اليوم في مصر والشام. وهي تشهد على تطور الأساليب الدفاعية التي جاءت في العناصر المعمارية للاستحكامات الدفاعية، وهي تشهد كذلك على فن تحصين المدن من خلال الأسوار الضخمة المدعَّمة بالأبراج، ومن أمثلتها أسوار القاهرة الحربية التي أحاط بها السلطان الناصر صلاح الدين مدن مصر الإسلامية كلها لحمايتها من الهجوم الصليبي عليها. هذا غير ما شُيد من قلاع كان أهمها قلعة الجبل بالقاهرة وقلعة حلب وقلعة نجم على الفرات وقلعة حمص وقلعة دمشق وقلعة حماة، وجميعها كانت تضم عناصر دفاعية غاية في التطور ساعدت إلى حد كبير على صد زحف الصليبيين إليها. لقد كان الأيوبيون بحق أهل جهاد وعمارة في نفس الوقت.
الطراز المملوكي:
لاريب في أن عصري دولتي المماليك البحرية والجركسية التي حكمت من عام 648 إلى 923هـ، 1250-1517م، كانا يمثلان العصر الذهبي في تاريخ العمارة الإسلامية في مصر والشام والحجاز ؛ إذ تبارى سلاطين وأمراء تلك الفترة في تشييد العمائر المختلفة من جوامع ومدارس وخانقاوات وأسبلة وأربطة وحمامات وغير ذلك الكثير.
ولم يقف الأمر عند حد الإقبال على البناء فحسب، بل اقترن مع هذه النهضة العمرانية بتطور في الأساليب الفنية الزخرفية، وكذلك بتطور في العناصر المعمارية الإنشائية ؛ إذ اهتم المعمار المملوكي بواجهات العمائر الدينية التي استخدم فيها أهم العناصر المعمارية مثل كتلة المدخل الرئيسية والقبة الضريحية وفتحات النوافذ المعشقة بالزجاج الملون إلى جانب الدخلات الرئيسية المعقودة وصفوف المقرنصات التي تتوج أعلى الواجهات، وكذلك الشرفات المسننة أو التي شُكِّلت على هيئة الورقة النباتية الثلاثية أو الخماسية.
كذلك استخدم المماليك أنظمة معمارية جديدة في التخطيط ظهرت بوضوح في عمارة المساجد والمدارس والأضرحة، وإن كان قد غلب على بعض العناصر المعمارية التي شاعت في تلك الفترة التأثيرات السلجوقية إلى جانب استمرار التقاليد المعمارية المتبعة في تخطيطات المساجد. ومن أمثلة ذلك جامع السلطان بيبرس البندقداري الذي شُيد في عام 656هـ، 1258م. ويمتاز هذا الجامع بتكوينه المعماري الذي اشتمل على صحن أوسط مكشوف وأربع ظلات أكبرها القبلة. وقد استُخدمت العقود المحمولة على أعمدة من الرخام في رفع السقف والقبة الرئيسية، كذلك استُخدم الحجر المصقول في بناء الواجهات الخارجية، كما استُخدم الآجر في بناء القباب والعقود، كما يمتاز هذا المسجد بوجود المدخل التذكاري وهو المدخل الذي يبرز عن سمت الواجهة. ومن أمثلة المساجد المملوكية أيضًا جامع الناصر محمد بن قلاوون الذي يتكون تخطيطه المعماري من صحن وأربع ظلات أكبرها ظلة القِبْلة. ويميز هذا الجامع القبة الضخمة التي تعلو ظلة القِبْلة وقد حُملت على أعمدة ضخمة من الجرانيت. ومن أمثلة هذا التخطيط أيضًا جامع ومدرسة المؤيد الذي يقع بجوار باب زويلة ويرجع تاريخه إلى عام 818هـ، 1415م.
وإلى جانب طراز المساجد والمدارس المملوكية التي شُيدت وفق نظام الظلات، ظهر نظام جديد في تخطيط المساجد والمدارس يعرف بالنظام الإيواني. وهو صحن أوسط مكشوف تحيط بأضلاعه أربعة إيوانات أكبرها عمقًا إيوان القبْلة وقد جاءت جميع الإيوانات متقابلة ومعقودة، وقد انتشر هذا التخطيط انتشارًا واسعًا في العمائر الدينية المملوكية بمصر والشام، وكان هذا التخطيط بداية لظهور نظام آخر جديد عرف بنظام المجمعات الدينية، أي أن المنشأة أصبحت تؤدي أكثر من وظيفة، إذ بدأ المعمار بإضافة وحدات معمارية جديدة إلى عمارة المدرسة أو المسجد. ومن أشهر أمثلتها في مصر مجمع السلطان قلاوون الذي يضم مدرسة ومسجدًا وضريحًا وبيمارستانًا وسبيلاً وخلاوي لأقارب الطلاب وميضأة (موضع الوضوء) وغيرها من الملاحق الثانوية، ومن أمثلة هذا النظام أيضًا مدرسة السلطان حسن بن قلاوون التي شُيدت في عام 757هـ، 1356م، والتي تُعد من أروع أمثلة المدارس الإسلامية على الإطلاق.
كما انتشر نوع رابع من مخططات العمائر الدينية في عمائر الطراز المملوكي منذ عصر السلطان برسباي (840هـ، 1436م) يعتمد تخطيطه الرئيسي على النظام الإيواني (نظام إيراني عرف في العمارة الإسلامية في تخطيط المدارس والمساجد) ولكن بنسب أصغر مما كانت عليه في العصر المملوكي البحري. إذ بدأ المعمار في تقليل مساحة الصحن مما ساعد على تغطيته بسقف خشبي على هيئة الفانوس عرف بالشخشيخة. ومن الجدير بالذكر أن المعمار المملوكي حافظ داخل هذا النظام على تعدد وظائف المنشأة مما يجعلنا نصف أغلب المدارس بأنها شيدت وفقًا لنظام المجمعات الدينية. ومن أشهر أمثلتها مجمع السلطان قايتباي بصحراء المماليك ومجمع السلطان الغوري ومجمع الأمير قرقماس وغيرها الكثير. ومن أمثلة هذا الطراز في سوريا الركنية والمدرسة الجقمقية.
كذلك امتازت المآذن المملوكية برشاقتها وارتفاعها وجمال زخارفها. وقد شُيد معظمها على قاعدة مربعة يعلوها بناء مثمن تتخلله شرفات بارزة محمولة على حطات مقرنصة. أما عن مداخل العمائر المملوكية، فقد اهتم بها المعمار اهتمامًا كبيرًا، وأصبحت تحتل مكانًا بارزًا على الواجهة إلى جانب مجموعة العناصر الزخرفية التي شغل بها الفنان المملوكي مداخل منشآته الدينية من أفاريز بارزة وغائرة وجفوت (حليات معمارية بارزة على المداخل والنوافذ والواجهات) ومقرنصات وحليات معمارية ونقوش كتابية. وقد تأثرت مداخل العمائر الدينية في الطراز المملوكي بالمداخل السلجوقية.
كذلك ازدهرت في العمائر المملوكية زخرفة الوزرات الرخامية الملونة على الحوائط وفي الأرضيات وفي المحاريب. ومن أبرز أمثلتها مدرسة السلطان حسن بن قلاوون، ومدرسة السلطان قايتباي ومدرسة السلطان الغوري.
كذلك شاع بناء الخانقاوات في العمائر الدينية المملوكية، وهي تلك التي بُنيت من أجل إيواء الصوفية وتعليمهم على أيدي شيوخ متخصصين في الفقه والتفسير وأصول التصوف. وقد خُططت تلك العمائر على غرار تخطيط المدارس ذات الإيوانات المتعامدة على أضلاع الصحن. ومن أشهر أمثلتها خانقاة بيبرس الجاشنكير وخانقاة سيلار وسنجر الجاولي بالقاهرة. كما شُيدت بعض الخانقاوات على غرار المساجد الجامعة. ومن أمثلتها خانقاة السلطان الناصر فرج بن برقوق الواقعة بمقابر المماليك بمدينة القاهرة. وقد جمعت تلك الخانقاوات بين عدة وظائف منها المسجد والضريح والسبيل ومكتب لتعليم الأيتام.
أما العمائر المدنية في عصر المماليك، فقد تنوعت بين الخانات والوكالات والفنادق، ومن أمثلتها مدخل وكالة الأمير قوصون، ووكالة السلطان قايتباي الواقعة بباب النصر بمدينة القاهرة، ومقعد ماماي السيفي المعروف ببيت القاضي وخان الخليلي ووكالة الغوري. وقد تضمنت هذه المنشآت الكثير من العناصر المعمارية والفنية التي انتشرت في عمائر الطراز المملوكي.
الطراز السلجوقي:
يمكن إيجاز الخصائص المعمارية التي تميز عمائر الطراز السلجوقي بما يلي :
ابتكار التخطيط الإيواني في المساجد والمدارس السلجوقية ؛ حيث أصبح الإيوان هو العنصر الرئيسي في العمائر السلجوقية، والإيوان قاعة أو غرفة ذات ثلاثة جدران وتفتح بكامل اتساعها على الداخل سواء على الصحن أو على درقاعة أي قاعة، وغالبًا ما يغطي الإيوان عقد معماري يرتكز على حوائط حاملة بدلاً من الأعمدة. امتازت العمائر السلجوقية بعدم الاهتمام بمساحات الصحون الكبيرة حيث شيدوها على أحجام صغيرة وقاموا بتغطيتها بقباب كبيرة وإدخال مساحاتها ضمن المساحة المغطاة.
شاع استخدام الأحجار المصقولة والمنحوتة في بناء المنشآت المعمارية وبخاصة الواجهات الخارجية والمداخل، وقد ساعد ذلك على تطور صناعة النقش على الأحجار. ويظهر ذلك جليًا في عمائر الأناضول ؛إذ أضفت النقوش الزخرفية على واجهات العمائر الدينية هناك مظهرًا فريدًا وجديدًا، وذلك نتيجة استخدام الصناع والفنانين أساليب نحت مبتكرة قوامها الاعتماد على بروز العناصر الزخرفية لتصبح غليظة الخطوط مما أضفى على الواجهات مظهرًا فنيًا يذكرنا بفن الباروك الذي شاع استعماله في العمائر الأوروبية منذ القرن السابع عشر الميلادي.
ومن أشهر النماذج المعمارية السلجوقية التي تعبر عن هذا الفن مدرسة أنجه منار بقونية، وجامع وبيمارستان مدينة ديفري ومدرسة قرطاي، ومسجد علاء الدين في قونية.
شاع استخدام الآجر في عمائر السلاجقة، وتطورت طريقة البناء بالآجر في تلك الفترة، حيث استُخدم الآجر في بناء القباب والأقبية إلى جانب استخدامه في بعض الواجهات بأسلوب زخرفي وإنشائي معًا. ومن أمثلة ذلك ما نجده في الأضرحة السلجوقية بمنطقة الأناضول.
استُخدمت في العمائر السلجوقية البلاطات الخزفية كمادة أساسية في تكسية الجدران الآجرية من الداخل وتمتاز البلاطات الخزفية السلجوقية بألوانها الفيروزية، كما استُخدمت الأكسية الجصية على الآجر.
شاع استخدام القباب والعقود المعمارية، ولا سيما العقد المعماري نصف الأسطواني والعقود المعمارية المتقاطعة كما استخدمت القبة عنصرًا أساسيًا يعلو المحراب، كما ظهرت أنواع جديدة من القباب يعلو كلاً منها فانوس.
شاع استخدام المقرنصات عنصرًا إنشائيًا وزخرفيًا في المنشآت السلجوقية، وأصبحت من أهم العناصر التي يشكل منها المعمار بطون طواقي المداخل والمحاريب وشرفات المآذن.
أما المآذن السلجوقية، فقد امتازت بأشكالها الأسطوانية أو المخروطية أو المضلعة، وكان يتخللها في أغلب النماذج شرفة أو شرفتان حُملت على مقرنصات. وقد شُكلت قمة المئذنة السلجوقية على هيئة قلم الرصاص، وهو الأسلوب الذي أثر بعد ذلك في مآذن العصر العثماني.
أما في إيران، فقد شهدت العمائر الدينية تطورًا كبيرًا في عهد السلاجقة إذ امتازت مساجد تلك الفترة بقبابها العديدة وأقبيتها، ومن أمثلة ذلك مسجد الجمعة في مدينة أصفهان. واعتنى السلاجقة ببناء الأسوار والقلاع والحصون وسائر الاستحكامات الحربية نتيجة لحروبهم المستمرة مع الروم والصليبيين، مما طبع عمائرهم بطابع القوة والمتانة وجاءت مبانيهم أقرب ما تكون للحصون. ومن أشهر أعمالهم الحربية سور مدينة دمشق وقلعتها وسور مدينة قونية وغيرها.
أمّا القصور السلجوقية، فلم يبق منها إلا القليل، ومن أمثلتها قصر الأمير بدر الدين لؤلؤ في الموصل الذي يقع على نهر دجلة.
ومن أشهر ما يميز عمائر الطراز السلجوقي مجموعات الخانات التي أقبل السلاجقة على بنائها في مختلف الطرق الرئيسية، وكان تصميمها يشبه إلى حد كبير تخطيط المدارس.
الطراز الإيراني المغولي:
يمكن إيجاز الخصائص المعمارية التي تميز عمائر الطراز الإيراني المغولي في ما يلي :
بناء الأضرحة على شكل أبراج مخروطية إلى جانب الأضرحة التي شُيدت عليها قباب ضخمة، ومن أشهر أمثلتها ضريح السلطان الجايتو، وكذلك مجموعة القباب الضريحية بمدينة سمرقند التي دفن بها الكثير من أفراد الأسرة التيمورية. ومن أشهر الأضرحة هناك ضريح تيمورلنك (808هـ، 1405م). أما عن تخطيطات المساجد في الطراز الإيراني المغولي، فقد زادت فخامة ؛ إذ يتميز تصميمها بالسمات الفنية والخصائص المعمارية التي سادت في العمائر السلجوقية، ولا سيما التي نجدها في المسجد الجامع بمدينة أصفهان. ومن أروع نماذج المساجد التي تعود إلى تلك الفترة جامع قرامين (722هـ، 1322م)، وجامع جوهر شاد بمدينة مشهد، والمسجد الجامع بمدينة يزد. كما شاع في عصر التيموريين بناء المساجد ذات القباب والمداخل الفخمة. ومن أشهر مساجد تلك الفترة مسجد كليان في بخارى الذي امتاز باستخدام الأحجار المنحوتة في بنائه، والإيوانات الضخمة، ومئذنته الأسطوانية. كذلك امتاز مسجد كليان باستخدام المقرنصات في مئذنته وفي طاقية عقد المدخل (قمة القوس). ومن أشهر مساجد تلك الفترة أيضًَا الجامع الأزرق الذي شيد بمدينة تبريز في منتصف القرن التاسع الهجري، الخامس عشر الميلادي. ويعتمد الجامع على التغطيات المقببة منها القبة الرئيسية التي تتوسط كتلة المسجد وكذلك مجموعة القاعات التي تغطيها قباب صغيرة.
اهتم التيموريون بإنشاء المدارس دون أن يدخلوا على تخطيطاتها أي تغييرات جوهرية، إلا أنها كانت تتميز بمآذنها الأسطوانية الضخمة التي تحف بمباني المدخل الرئيسي. كما شيد تيمورلنك عدة مدارس في سمرقند في القرن التاسع الهجري، الخامس عشر الميلادي، ومن أشهر تلك المدارس مدرسة أولوغ بك (851هـ، 1447م). وامتازت هذه المدرسة بوجود أربع مآذن في أركانها، وبمدخلها الضخم المعقود بعقد مدبَّب، إلى جانب حجرات الطلاب التي خطِّطت من طابقين.
ومن الجدير بالذكر أن العمائر في الطراز الإيراني المغولي قد اتَّجهت إلى البناء بالأحجار المصقولة والمنحوتة، على حين أن المعمار في تلك الفترة لم يتجه إلى استعمال الرخام في كسوة الجدران الداخلية، وربما يرجع ذلك إلى النجاح الكبير الذي حققه المعمار المغولي في استخدام قوالب الآجر المطلي أو المزجج. كذلك استخدموا الفسيفساء والقرميد والبلاطات الخزفية بأشكال متعددة وأنماط مختلفة مما يؤكد على قدرة الفنان في ذاك الوقت وتفوقه.
كما شاع في عمائر تلك الفترة استخدام الجص في تكسيات الجدران الداخلية.
الطراز الهندي:
ظهرت في عمائر الطراز الهندي عدة تأثيرات بعضها محلي مثل التقاليد الهندية في استخدام الحجر مادة رئيسية للبناء، وكذلك الخشب، كما تأثرت العمائر الهندية مباشرة بالعمائر الإسلامية في إيران وتركستان التي تعتمد في عمارتها على اللَّبِن والآجر كمادة للبناء.
أما من حيث التخطيط المعماري، فقد امتازت عمائر الطراز الهندي، وبخاصة الدينية، بصحون المساجد الواسعة التي تحيط بها أروقة غطيت بقباب صغيرة، من أمثلتها مسجد وزير خان في لاهور. كما ظهر المسجد المغطى الذي اختفى منه عنصر الصحن، ومن أمثلته مسجد غلبرغا. وهناك تخطيط ثالث هو قاعة صغيرة بالنسبة لمساجد الصحن، تخطيطها يشبه التخطيط الشائع في مساجد إيران، ومن أمثلته جامع فتح بورسيكري. وهناك تخطيط رابع ظهر في مساجد الهند قُسِّمت فيه ظلة القبلة على غرار مساجد المشرق في مصر والشام، حيث تكونت ظلة القبلة من ثلاث بلاطات، ومن أمثلتها جامع اللؤلؤة. أما من حيث العناصر المعمارية المستخدمة، فنجد أنواعًا من العقود حيث شاع في الطراز الهندي العقد المدبَّب من النوع الفارسي، كما شاع العقد المدبب الشبيه بالعقد الفاطمي، ومن أمثلته ضريح الإمبراطور أكبر. كما شاع في عمائر الطراز الهندي استخدام العقد المفصص، وهو يختلف عن النوع الذي عُرف في الطراز المغربي والأندلسي، لأن فصوص العقد الهندي أقل من نصف دائرة. ومن أمثلة هذا النوع جامع مسجد أجمير، وجامع التوتميش.
أما القباب، فقد تعددت أشكالها ؛ فمنها ما كان قطاعها عقدًا مدببًا من النوع المنتشر في العمائر العباسية، ومنها ما كان قطاع عقده متطاولاً أو دائريًا أو بصليًا. ومن أهم ما يميز القباب الهندية أنها كانت تتكون من طبقتين خارجية وداخلية بينهما فراغ واسع على غرار قبة النسر في الجامع الآسيوي أو قبة الصخرة في فلسطين. كذلك شاع في عمائر الطراز الهندي استخدام الشاذروان (مظلة حجرية تتوج المآذن وواجهات المباني وأركانها). وهي تختلف عن الشاذروان الذي عرف في العمائر العثمانية. كذلك شاع في العمائر الهندية استخدام الرفرف البارز في الواجهات أو فوق الأروقة أو حول رقبة القبة وكان يرتكز على كوابيل صخرية.
أما المآذن التي شاع استخدامها في طراز العمائر الهندية، فهي مبنية بالحجر، ولها بدن مضلع أو أسطواني أو مخروطي، وهي تختلف عن المآذن الشائعة في إيران وتركستان.
كذلك امتازت العمائر في الطراز الهندي بالأضرحة الضخمة، وأشهرها تاج محل الذي شيده الإمبراطور شاه جهان في أكْرا لزوجته ممتاز محل. وتبدو التأثيرات الإيرانية في واجهة هذا الضريح، من حيث شكل القبة الرئيسية وإمالة الأركان وهيئة الأبراج الأربعة. ومن الأضرحة الهندية المشهورة ضريح محمود عادل شاه في بيجابور، ويرجع إلى سنة 1070هـ، 1660م. ويمتاز هذا الضريح بأبراجه الأربعة المتصلة بجدران البناء وفي كل منها سبع طبقات من النوافذ التي تساعد في عملية تخفيف الثقل الناتج من ارتفاع الجدران. كذلك شاع في العمائر الهندية بعض العناصر المعمارية لأغراض زخرفية، كما هو الحال في العمارة الإسلامية عامة. ومن أمثلة تلك العناصر في العمارة الهندية استخدام الشاذروانات والمقرنصات والمحاريب المجوفة والمسطحة التي استُخدمت بكثرة في تقسيم الواجهات إلى دخلات رئيسية. كما استخدمت الأعمدة المنحوتة والدعائم المرتفعة، وقد برع الفنان المسلم في الهند في أعمال النقش على الحجر والجص والفسيفساء الحجرية، والرسوم الملونة وتطعيم الأحجار وترصيعها.
أما العمائر المدنية في الطراز الهندي، فتمثلها القصور التي عُني حكام المغول المسلمون بتشييد معظمها ضمن قلاع ملكية في المدن المشهورة التي اتخذت عواصم في عهد إمبراطورية المغول كفتح بورسيكري وأكْرا ولاهور ودلهي. ومن أشهر قصور الهند في العهد المغولي قصر أكبر في أجمير الذي امتاز بوجود سور محصن ومدعم بأبراج مستطيلة الشكل توجد في زواياه أبراج ضخمة مثمنة الشكل. وقد جاء المدخل الرئيسي الموصل إلى القصر في برج بارز. أما في الداخل فيوجد صحن مركزي تتصل به غرف مربعة موزعة في أركان القاعة. ومن أمثلة القصور الهندية قصر القلعة الحمراء في أكْرا وقصر فتح بورسيكري بالقرب من أكْرا وغيرها الكثير.
الطراز العثماني:
يمكن إيجاز خصائص العمائر في الطراز العثماني في مايلي:
امتازت العمائر العثمانية من حيث التخطيط في المباني الدينية وبخاصة المساجد بأنها استوحت في بادئ الأمر التخطيط التقليدي للمساجد التي شاع ظهورها في صدر الإسلام والتي تتكون من صحن أوسط وأربع ظلات أكبرها عمقًا واتساعًا ظلة القبْلة. ولكن هذا التخطيط لم يلق قبولاً، لأن مناخ منطقة الأناضول يمتاز بالبرودة والصقيع والثلوج. لذلك عمل المعمار المحلي على ابتكار تخطيط يتلاءم مع تلك العوامل المناخية الصعبة، فقام بحجب ظلة القِبْلة تمامًا وقام بتغطيتها بمجموعة من القباب أو بقبة كبيرة، كما أضاف المعمار العثماني لكتلة المدخل ظلة كبيرة غطيت بقباب ضخمة. والحقيقة أن المعمار العثماني استفاد من الطراز المعماري السلجوقي بشكل كبير وبخاصة في الفترة التي سبقت فتح القسطنطينية، حيث شهدت مساجد مدينة بورصة وأدرنه باستمرار التقاليد والخصائص المعمارية السلجوقية فيها. أما بعد فتح القسطنطينية، فقد تأثرت عمارة المساجد الكبرى ببناء كنيسة أيا صوفيا بعد أن أصبحت مسجدًا، إذ نرى هذا التأثير في مسجدي المحمدية ومسجد محمد الفاتح الذي شُيد بين عامي 867هـ ـ 873هـ، 1462 ـ 1468م، وكذلك مسجد السلطان بايزيد الثاني (906هـ، 1501م).
ولكن العصر الذهبي للعمارة العثمانية كان على يد المهندس المعماري النابغة سنان الذي يُنسب إليه العديد من المنشآت العثمانية في إسطنبول وخارجها. ولقد نجح هذا المعماريّ في أن يطبع عصره بطابع فني معماري له أساليبه المعمارية المتميزة. وتتجلى مراحل نشاطه في ثلاث عمائر تمثل نشأته الفنية في إسطنبول كان آخرها مسجد السلطان سليم (السليمية) في أدرنه. فنراه في المسجد الأول قد تأثر بمسجد المحمدية مع نجاحه في إكساب القبه الرئيسية طابعًا خاصًا يتميز بالرشاقة وجمال النِّسَب. أما المرحلة الثانية، فقد تأثر فيها بتخطيط أياصوفيا والبايزيدية عند بنائه لجامع السليمانية مع احتفاظه ببعض الابتكارات في بناء القبة وارتفاعها واتساع قطرها. أما المرحلة الأخيرة فيعبّر عنها جامع السليمية في أدرنه إذ أظـهر سنان عبقريته في إقامة القبة الضخمة على ثمانية أكتاف، وفي الإكثار من فتحات النوافذ من أجل تخفيف ضغط البناء. ولقد ترك المهندس سنان مدرسة كبيرة تخرج فيها أشهر المعماريين الذين نهجوا على منواله في بناء العمائر الدينية والمدنية.
وأهم ما كان يميز مساجد هذه المدرسة المعمارية أنها كانت تُبنى ضمن مجمعات معمارية كبيرة تذكرنا بنظام المجمعات التي ظهرت في مصر والشام في العصر المملوكي، وإن كان نظام المجمعات العثمانية يعرف باسم كلية حيث أصبح هذا الاسم يعبر عن مجمع إنشائي ضخم يضم مسجدًا ومدرسة وضريحًا وسبيلاً وبيمارستانا في وحدات مستقلة يربط بينها سور كبير. ويبدو أن هذا النظام قد تأثر به العثمانيون من الطراز المملوكي. كما تميزت مساجد العثمانيين بتعدد المآذن وبالتغطيات المقببة التي تعتمد على قبة رئيسية تغطي الجزء الأكبر من بيت الصلاة تحيط بها من الجوانب مجموعة قباب أو عقود معمارية. ويتقدم الجزء المغطى مساحة مكشوفة تعرف باسم حرم المسجد، وهي صحن أوسط مكشوف يحيط به أربعة أروقة مغطاة بقباب ضحلة، ويتصل هذا الحرم بالجزء المغطى من المسجد عن طريق مداخل، ويتوسط الحرم شاذروان للوضوء وتسبيل الماء.
أما العمائر المدنية في الطراز العثماني فكثيرة منها الخانات والبيمارستانات والأسبلة. فالخانات العثمانية، لم يكن تخطيطها المعماري يتبع تخطيط الخانات السلجوقية بل تطورت عمارتها عن الخانات المملوكية التي تتكون من صحن أوسط مكشوف تحيط به أروقة ذات عقود وتضم غرفًا وقاعات متطابقة. ومن أشهر الخانات العثمانية خان أسعد باشا في دمشق الذي يرجع إلى القرن الثاني عشر الهجري، الثامن عشر الميلادي.
الحمامات العثمانية اشتقت تخطيطاتها من الحمامات الكلاسيكية. ومن أشهر تلك الحمامات العثمانية حمام قابلجة في مدينة بروسة، ويرجع أقدم الحمامات العثمانية إلى القرن الرابع عشر الميلادي.
كذلك بالنسبة للقصور العثمانية في بروسة وفي أدرنه، لم يبق منها شيء ؛ أما السراي القديمة في إسطنبول، فقد كانت منفصلة عن المدينة بسور من الحجر ذي أبراج وأبواب.
وتتألف الدور أو البيوت العثمانية من عدة طوابق يضم الطابق الأول منها غرف الاستقبال. أما الطوابق العليا فلأفراد الأسرة، ولكن بعض دور الأثرياء كانت تتكون من قسمين أساسيين أولهما قسم الاستقبال ويعرف بسلاملك، والثاني للحريم ويُعرف بـحرملك. وقد يضاف إليهما قسم ثالث ملاحق للخدم. وقد تأثرت زخارف تلك الدور بالمنازل المملوكية.
أما الأسبلة العثمانية، فقد عرفها العثمانيون وشيدوا منها العديد في إسطنبول وخارجها. وتأثر العثمانيون ببناء الأسبلة من المماليك في مصر والشام. وقد ميَّز المعمار الأسبلة العثمانية عن غيرها من الأسبلة المملوكية من حيث التخطيط المعماري والعناصر الزخرفية، حيث شُيِّدت من مسقط نصف دائري ذي واجهة مضلعة تشتمل على تجويفات تُوجت بمقرنصات وزخارف بارزة بعضها تأثر بفن الباروك الأوروبي. ومن أشهر الأسبلة العثمانية في إسطنبول سبيل السلطان أحمد الثالث، وفي مصر سبيل السيدة رقية وسبيل نفيسة البيضاء وسبيل محمد علي بمدينة القاهرة.
وامتازت العمائر في الطراز العثماني باستخدام البلاطات الخزفية في كسوة الجدران الداخلية، واختفى تمامًا استعمال الفسيفساء الخزفية التي عرفناها في العصر السلجوقي. وتميزت البلاطات الخزفية العثمانية بألوانها الزرقاء والخضراء والحمراء والمذهبة، وهو نوع مبتكر من البلاطات الخزفية متعددة الألوان، ومن أشهر أمثلتها عمائر مدينة بورصة.
وأخيرًا كان لاتصال العثمانيين بأوروبا أثر واضح في الطراز العثماني، إذ عرف طراز الباروك في تقوسات السقوف وبعض الزخارف النباتية في الأسبلة، ثم عُرف طراز أوروبي آخر يعرف بالروكوكو ينسب إلى فرنسا انتشر في العمائر العثمانية منذ منتصف القرن الثاني عشر الهجري، الثامن عشر الميلادي، وقد أقبل على هذا الطراز الفني الفنانون الأتراك وانتشر انتشارًا واسعًا في أعمالهم الفنية.
المساجد:
تُعد المساجد من أهم المباني التي تمتاز بها العمارة الإسلامية. وكان تخطيط المساجد الأولى بسيطًا ؛ يتكون من مساحة مربعة محاطة بسور، وبها ظلة سقفها يتركز على عُمُد مصنوعة، أو مأخوذة من جذوع النخل أو من عُمُد منقولة من عمائر قديمة. ومن أهم أمثلة تلك المساجد مسجد الرسول ﷺ في المدينة المنورة ومسجد الكوفة (14هـ، 635م) ومسجد البصرة (17هـ، 638م) ومسجد عمرو بن العاص في الفسطاط (20هـ، 640م) ومسجد القيروان في تونس (50هـ، 670م). ولم تلبث المساجد أن أصبح لها نظام معماري واضح يتكون من صحن أوسط تحيط به أربع ظلات (أروقة) أكبرها ظلة القبلة التي تشتمل على المحراب والمنبر. ومن أمثلة هذا النوع مسجد الرسول ﷺ في العصر الأموي، ومسجد المنصور في بغداد (154هـ، 770م) والمساجد العباسية في العراق ومصر.
المدارس:
ظهرت المدارس في أواخر القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلادي، على يد السلاجقة، وكان الغرض منها نشر المذاهب السُنِّية. والتخطيط المعماري لتلك المدارس يتكون من صحن وأربعة إيوانات أكبرها إيوان القبْلة، وكان كل إيوان يُخصَّص لتدريس مذهب من المذاهب أو أكثر. وغالبًا ما يلحق بتلك المدارس مبنى لسكن الطلاب وسبيل للشرب وحوض لسقاية الدواب وميضأة (موضع للوضوء) وغيرها من الملاحق. ومن أشهر المدارس الإسلامية: المدارس النظامية في نيسابور والعراق والمدرسة المستنصرية في بغداد والمدرسة الصالحية في مصر ومدرسة قايتباي في الحجاز والمدرسة البوعنانية في المغرب والمدرسة الأشرفية في اليمن وغيرها الكثير.
الأربطة:
من المنشآت التي كانت تجمع بين الوظيفة الدينية والعسكرية حيث كان يقيم فيها المحاربون استعدادًا للجهاد أو للتعبد. ومن أشهر أمثلتها في العمارة الإسلامية رباط المنستير في تونس الذي شيده هرثمة في سنة 180هـ، 796م، ورباط سوسة في تونس أيضًا الذي شيده زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب سنة 206هـ، ورباط الأغوات في المدينة المنورة الذي شُيِّد في عام 706هـ، 1306م.
الأسبلة:
من المنشآت المائية التي وصلت منها نماذج جميلة وطرز عديدة وبخاصة من العصر المملوكي والعثماني. وكانت هذه الأسبلة تُستخدم لسقاية المارة في الطرق العامة. ومن أقدم هذه الأسبلة في العالم الإسلامي سبيل الناصر محمد بن قلاوون بالقاهرة، وكان يُلحق بأعلى السبيل مكتب لتعليم الأيتام.
البيمارستانات (المستشفيات):
اعتنى الإسلام بصحة الأبدان، وحث على الاستشفاء ومعالجة الأمراض. وكان من أثر ذلك اهتمام السلاطين ببناء البيمارستانات وتوفير ما يُحتاج إليه من أطباء وأدوية وأدوات طبية. ومن أشهر البيمارستانات في العالم الإسلامي بيمارستان السلطان قلاوون بالقاهرة، وبيمارستان النوري في دمشق، والبيمارستان الموحدي بمراكش.
طرز العمارة الإسلامية
الطراز الأموي:
من الثابت أن الفن العربي الإسلامي نما في ظل الدولة الأموية في بلاد الشام. وقد اقتبس الفن الأموي مقوماته الأولى وخصائصه الفنية من البيئة التي ولد فيها إلى جانب بعض التأثيرات التي شكلت في مجموعها السمات الفنية للطراز الأموي.
وقد ازدهر الفن الأموي في القرنين الأول والثاني بعد الهجرة، وكان طرازًا فخمًا انتشر في جميع الأقطار الإسلامية بما فيها الأندلس. وقد ساعد على انتشار الفن الأموي على هذا النحو انتقال الخلافة من الحجاز إلى بلاد الشام حيث عاش الخلفاء الأمويون.
أما الطراز الفني في العمارة الأموية، فقد استقى أصوله الأولى من المدارس الفنية التي كانت منتشرة ومزدهرة في بلاد الشام قبل العصر الإسلامي كالفنون الهيلينستية والنصرانية الشرقية، إلى جانب بعض التأثيرات الفنية الساسانية بحكم الجوار.
ومن الجدير بالذكر أن الأساليب الفنية في العصر الأموي بلغت غاية تطورها، وذلك بفضل النظام الذي اتبعه الخلفاء الأمويون، المتمثل في التزام أقاليم العالم الإسلامي بتقديم الصناع والفنانين ومواد الصناعة أو البناء إلى مركز الخلافة من أجل القيام بالأعمال المعمارية والفنية الضخمة. وهذا النظام كان له فضل كبير في جعل الخلفاء الأمويين يقومون ببناء وتجديد أعظم العمائر الدينية في ذلك الوقت، من بينها بناء المسجد الأموي والمسجد الأقصى والمسجد النبوي الشريف وقبة الصخرة وجامع الكوفة وجامع البصرة وجامع الزيتونة وجامع سيدي عقبة بالقيروان.
وإلى الأمويين كذلك، يرجع الفضل في إدخال معظم العناصر المعمارية الجديدة إلى عمائرهم الدينية سواء التي شيدوها أو التي قاموا بتجديدها. ومن هذه العناصر: المئذنة التي أُدخلت لأول مرة إلى المساجد في جامع الكوفة والفسطاط ودمشق، كذلك يرجع إليهم الفضل في إدخال المقصورة التي كانت تؤمِّن الخليفة في صلاته حيث كانت تجعله في معزل عن صفوف المصلين، وكذلك أدخلوا المحراب المجوَّف في المساجد والقباب وغيرها من العناصر المعمارية.
وإلى جانب حركة بناء المساجد التي مثلت العمائر الدينية في الطراز الأموي، أبدع الأمويون كذلك في بناء القصور والحمامات والاستراحات والدور، وهي تمثل الجانب المدني في العمائر الأموية. ومن أعظم ما تبقى من تلك العمائر مجموعة القصور الصحراوية التي شيدها الأمويون خارج المدن في البادية بالأردن وسوريا وفلسطين، وتمتاز تلك القصور بسمات عامة من البيئة التي شُيِّدت فيها.
تنبثق معظم القصور الواقعة في بادية شرق الأردن، مثل قصر عَمْرة وقصر الحلاّبات وحمام الصَّرح وقصر المَشْتَى وقصر الطوبة، من نمط معماري واحد تقريبًا ؛ إذ جاءت عمائر تلك القصور على هيئة الحصون الصغيرة، حيث كان يحيط بها أسوار مرتفعة مدعَّمة بأبراج ولها مدخل واحد مزود بحجرات أو أبراج للمراقبة. أما من الداخل، فكان يتوسط تلك القصور صحون مكشوفة تحيط بها من الجوانب ملاحق ووحدات معمارية بعضها سكني وبعضها الآخر يضم القاعات والمجالس والحمَّام، إلى جانب ملاحق الخدمات. كذلك تمتاز عمائر تلك القصور باستخدام مواد بناء مختلفة منها الحجر المنحوت، والحجر الغشيم، والآجر، والجص.
أما من حيث العناصر المعمارية المتشابهة في عمائر تلك القصور، فإننا نجد العقود نصف الدائرية والعقود المتجاورة، والأعتاب، والقباب، والعقود المعمارية الطولية والعقود المعمارية المتقاطعة، والأعمدة والتيجان الكورنثية المستوحاة من العمائر الكلاسيكية.
ومن حيث العناصر الزخرفية المتشابهة أيضًا في تلك القصور، نجد الفسيفساء وقد استُخدمت بكثرة في الموضوعات الفنية وكذلك الفريسكو (التصوير الجصي). وقد غلب على الموضوعات الفنية الطابع الساساني وبخاصة في النقوش والتماثيل. كذلك عُثر على مجموعة من القصور الأموية في سوريا ؛ منها قصر الحير الغربي وقصر الحير الشرقي، وقصر هشام في الرصافة. أما في شرقي فلسطين، فيوجد قصر هشام (خربة المفجر) قرب أريحا وقصر الوليد في خرْبة المنية، عند طبرية.
وفي الحقيقة، فإن كافة تلك القصور تعبِّر عمارتها وكذلك زخارفها عن الاستفادة الكبيرة التي حصل عليها العرب من فنون الأقطار التي فتحوها، وهي، في نفس الوقت، شاهد على عظمة فن العمارة الأموية المدنية في تلك الفترة.
ومن أبدع العمائر الأموية في بلاد الشام قبة الصخرة في بيت المقدس التي شيدها في عام 72هـ، 691م الخليفة عبدالملك بن مروان، وهي بناء شُيد من الحجر مُثمَّن التخطيط بداخله مُثمَّن آخر أصغر حجمًا. ويتوسط الصخرة المشرفة من الداخل كرسي القبة التي ترتكز بدورها على عقود محمولة على أكتاف وأعمدة من الرخام.
الطراز العباسي:
تميز طراز العمائر العباسية في أقطار العالم الإسلامي، بخصائص فنية متعددة كان من ورائها انتقال الخلافة من الشام إلى العراق، وما ترتَّب على ذلك من ظهور تأثيرات بيئية وفنية جديدة كانت منتشرة في العراق إبان انتقال مركز الخلافة إليها. من تلك التأثيرات الفنون الفارسية وفنون بلاد الرافدين التي كانت شائعة بمنطقة دجلة والفرات، كما ظهرت ملامح التأثير القديم في العمائر العباسية من خلال استخدام المعمار العباسي اللَّبِن والآجر في بناء منشآته المعمارية، كذلك انتشر في الطراز العباسي استخدام الجص في تكسية واجهات المباني.
أما أهم العناصر المعمارية التي كانت شائعة في الطراز المعماري العباسي، فنجدها في الأكتاف والدعائم التي استخدمها المعمار العباسي بكثرة في عمائره عوضًا عن الأعمدة. كذلك شاع استخدام التغطيات المقببة والمعقودة إلى جانب استخدام السقوف المستوية المحمولة على الأكتاف والدعامات المستطيلة. كما شاع في الطراز العباسي استخدام الأواوين والأبواب المعقودة والأسوار الضخمة المدعمة بأبراج، والعقود المتنوعة الأشكال منها المدبَّب والمنكسر المعروف بالفارسي والعقد المفصص، إلى جانب استخدام المحاريب المسطحة والمجوفة.
كما تميزت المآذن العباسية بأشكالها المخروطية وانفصالها عن كتلة المسجد والصعود إليها بسلم يلتف حول بنائها من الخارج على شكل حلزوني. وقد وصف المستشرقون هذا الطراز من المآذن بأنه مقتبس من المعابد القديمة في العراق والمعروفة باسم الزقورات. ومن أشهر مآذن المساجد العباسية مئذنة جامع سامراء وجامع أبي دُلف بالعراق ومئذنة جامع أحمد بن طولون بمصر. وقد اشتهرت تلك المآذن في الآثار الإسلامية باسم الملوية.
أما العناصر الزخرفية التي شاع استخدامها في طراز العمائر العباسية، فنجدها في الأكسية الجصية التي نُفذت بطريقة القالب على كافة واجهات العمائر العباسية من الداخل والخارج، وكذلك على إطارات العقود وفتحات النوافذ والمداخل والمحاريب. وكذلك اتسمت العمائر العباسية من مساجد وقصور بضخامتها وكبر مساحاتها وسعة أفنيتها. ومن أهم ما خلفه لنا الطراز العباسي من عمارة المساجد ما نجده في المسجد الجامع بسامراء وجامع أبي دلف بالعراق وجامع ابن طولون بمصر وجامع نايين في إيران. وتلك المساجد تمتاز بعناصر معمارية وزخرفية متشابهة من حيث مادة البناء الآجرية وكذلك استخدام الدعائم والأكتاف بدلاً من الأعمدة. كما أُحيطت تلك المساجد من الخارج من ثلاث جهات عدا جهة القِبْلة بزيادة تُعد بمثابة حرم للمسجد.
أما العمائر المدنية في الطراز العباسي، فقد كشفت عنها أعمال التنقيب التي أجريت في المدن العربية الإسلامية بالعراق. وقد ساعدت تلك الكشوف على التعرف بصورة جلية على تخطيط تلك المدن. ومن أشهر العمائر المدنية في العصر العباسي مدينة بغداد التي أسّسها الخليفة أبوجعفر المنصور في عام 147هـ. وقد خُططت على هيئة دائرية الشكل، واستُخدم في بنائها اللَّبِن والآجر. وكان للمدينة سوران خارجيان بينهما مساحة فضاء مكشوفة عرفت بالفصيل. وكان للمدينة أربعة أبواب رئيسية محورية هي باب الكوفة وباب البصرة وباب خراسان وباب الشام. وبحق كانت مدينة بغداد تحفة معمارية تشهد على عظمة المعمار الإسلامي في تلك الفترة.
ومن المدن العباسية التي حظيت بشهرة واسعة في الحضارة الإسلامية مدينة سامراء التي شيدها الخليفة المعتصم في عام 221هـ، 835م، بعد أن ضاقت مدينة بغداد بجنوده. ومن أشهر قصور سامراء قصر الجوسق الخاقاني، وقصر العاشق إلى جانب كثرة البساتين والبحيرات والميادين، كما اشتهرت سامراء بشوارعها الفسيحة وخططها المنتظمة.
وقد تجلّت عناصر العمارة العباسية في قصور تلك المدن من حيث القباب المرتفعة والبوابات الضخمة والأواوين الواسعة، والحدائق المسّورة.
كما وصلت إلينا من العمائر المدنية في الطراز العباسي مجموعة قليلة من القصور التي تعود تواريخ إنشائها إلى تلك الفترة. ومن أشهر تلك القصور قصر الأُخيضر الذي يقع جنوب مدينة كربلاء بالعراق. وقصر بلكوارا الذي شُيّد في عهد الخليفة المتوكل جنوب مدينة سامراء.
ومن أشهر ما يميز عمائر الطراز العباسي بناء الأضرحة، إذ يعود أقدم ضريح في العمارة العباسية إلى عهد الخليفة العباسي المستنصر، وهو الضريح المعروف بقبة الصليبية التي تقع على الضفة الغربية لنهر دجلة. وهي بناء مثمن التخطيط يتألف من مثمن خارجي داخله بناء مثمَّن الشكل ضلعه أصغر من طول ضلع المثمن الخارجي. وهذا التخطيط يؤكد مرة أخرى على استمرار التأثيرات المعمارية الأموية في طراز العمائر العباسية.
الطراز الفاطمي:
تميّزَ طراز العمارة الفاطمية عن غيره من الطرز المعمارية الإسلامية، وأصبح له طابع خاص، يتجلى في مبانيه القائمة من مساجد ومشاهد وأضرحة وأسوار وأبراج وغيرها من العناصر المعمارية والفنية.
ومن أهم خصائص طراز العمارة الفاطمية استعمال الأحجار بشكل أساسي في المنشآت الدينية والحربية والأضرحة. وبفضل استعمال الحجارة في العمائر الفاطمية، تطورت عمارة المساجد الفاطمية تطورًا كبيرًا، وامتاز بناؤها بالمتانة والفخامة والصلابة. وليس معنى ذلك أن الطراز الفاطمي لم يستخدم الآجر في البناء، فقد شُيدت قاهرة جوهر بالآجر. كذلك استُخدم الآجر في بناء القباب والعقود والأسقف والجوانب الداخلية للحوائط.
كما استُخدمت في بناء بعض المساجد الأحجار والآجر، ومن أمثلة ذلك جامع الحاكم بأمر الله (403هـ). كذلك استُخدمت العوارض الخشبية في تدعيم الجدران والأعمدة السابحة في تثبيت الأسوار الحربية.
وقد اعتنى المعمار الفاطمي عناية كبيرة بصقل الأحجار ونحتها وتنسيقها في البناء مِمّا ساعد المعمار كثيرًا على الاستغناء عن الأكسية الجصية، كما ساعد استعمال الأحجار في العمائر الفاطمية على تنفيذ الزخارف عليها بطريقة الحفر أو النحت مباشرة، مثال ذلك واجهات جامع الأقمر والصالح طلائع وكذلك أسوار وأبواب القاهرة.
كذلك شاع في العمائر الفاطمية استخدام الصَّنْجات المعشقة (قطع الحجارة الصغيرة) في مصر لأول مرة، مثال ذلك أبواب القاهرة الفاطمية مثل باب النصر والفتوح وباب زويلة. وقد استخدم المعمار الفاطمي تلك الصنجات في تكوين إطارات عقود فتحات الأبواب، وكذلك في الأعتاب، والعقود. ثم تطورت بعد ذلك في جامع الأقمر والصالح طلائع، حيث اتخذت الصنجات المعشقة مظهرًا زخرفيًا، مع احتفاظها بوظيفتها المعمارية.
كذلك امتازت المساجد الفاطمية في مصر والمغرب بالتطور الكبير الذي أُدخل على طريقة استخدام الروافع حيث استعمل الفاطميون انحدارات فوق تيجان الأعمدة وبدأت، ولأول مرة، تُصنع الأعمدة خصيصًا للمساجد بعد أن كانت تُنقل من عمائر قديمة. كما استخدم المعمار الفاطمي الدعائم والأكتاف في بعض المساجد الفاطمية من أمثلتها جامع الحاكم الذي قيل إنه شُيد على غرار جامع ابن طولون وأيضًا جامع المهدية في تونس. كذلك شاعت في الطراز المعماري الفاطمي أنواع عديدة من العقود منها العقد المقوّس والمدبَّب والمنفرج والمنبطح والمحدب والمنكسر ونصف الدائري. ومن أشهر العقود انتشارًا في العمارة الفاطمية العقود الفارسية. كذلك استُخدمت في العمائر الفاطمية المداخل البارزة عن سمت الواجهة والمعروفة بالمداخل التذكارية، ومن أقدم أمثلتها المدخل الرئيسي في جامع المهدية بتونس والمدخل الرئيسي في جامع الحاكم بالقاهرة.
كذلك عرفت العمائر الدينية في الطراز الفاطمي أنواعًا عديدة من مخططات المساجد منها جامع المهدي الذي ظهرت فيه لأول مرة ظاهرة تعدد الصحون وجامع الأزهر الذي كان يتكون من صحن وثلاثة أروقة، ثم جامع الحاكم الذي خُطط على هيئة صحن وأربع ظلات أكبرها ظلة القبلة، هذا بخلاف التخطيطات الأخرى التي ظهرت في جامع الأقمر والصالح طلائع والمشاهد.
كذلك شاع في طراز العمائر الفاطمية الدينية والحربية استخدام التغطيات المقببة، مثال ذلك استخدام القباب لأول مرة في مصر على المحراب والصحون أو في تغطية ظلة القبلة كما هو الحال في جامع الأقمر.
كذلك شاع في طرز العمائر الفاطمية ظاهرة تعدد المحاريب، سواء المسطحة منها ،كما هو الحال في جامع ابن طولون أو المجوفة التي من أمثلتها مشهد السيدة رقية بالقاهرة، إلا أن المحاريب الفاطمية شهدت تطورًا كبيرًا في محراب جامع الجيوشي بالقاهرة.
كما شاع في طراز العمائر الفاطمية استخدام المقرنصات (حليات معمارية تزين بواطن العقود أو واجهاتها) بأشكال متطورة وأصبحت التركيبات المقرنصة أكثر تعقيدًا.
كذلك احتفظ المعمار الفاطمي بنمط مميز في المآذن تشهد على ذلك أمثلتها في جامع الحاكم والجيوشي، حيث ظهرت بهما لأول مرة في تاريخ العمارة الإسلامية الأفاريز المزدوجة من المقرنصات التي تدور حول الطابق الأول من بناء المئذنة ومن أمثلتها مئذنة الجيوشي.
الطراز المغربي الأندلسي:
اعتاد الباحثون دراسة المغرب والأندلس ضمن إطار فني واحد ؛ نظرًا للعوامل التاريخية والجغرافية والسياسية التي تؤلف بينهما، إلى جانب الصلات الفنية المتبادلة بينهما، مما ساعد على طبع عمائر هذا الطراز بسمات فنية متشابهة إلى حد كبير على الرغم من وجود فن مغربي اصطلح على تسميته الفن القيرواني. إلا أنَّ غلبة العناصر المعمارية والفنية بين المغرب والأندلس والوحدة السياسية التي ربطت بينهما هي التي أوعزت لعلماء الآثار والفن بالربط بينهما فنيًا.
وقد بدأت مراحل الزعامة الفنية في المغرب والأندلس في عصر الدولة الأموية الغربية، ثمّ انتقلت إلى مراكش منذ ضم بلاد الأندلس إلى سلطانهم سنة 483هـ،1090م، فكان ذلك إيذانًا بتغيير في ميدان الفنون الإسلامية في المغرب، إذ أفل نجم الطراز الأموي المغربي، وبدأت تظهر في الأفق سمات فنية معمارية جديدة حملها معه العصر المرابطي والموحدي، تتمثل في بداية أمرها بالتقشف والبساطة والبعد عن الزخم الزخرفي ومظاهر الترف. ولكن سرعان ما تغير الحال وبدأ المغرب والأندلس في ظل عصر الموحدين عهدًا فنيًا جديدًا في القرن السادس الهجري الثاني عشر الميلادي.
ومن الجدير بالذكر أن الطراز المغربي لم يتأثر بغيره من الطرز الإسلامية تأثرًا كبيرًا وأن تطوره كان بطيئًا بالنسبة إلى تطور سائر الطرز الإسلامية. وكانت أهم المراكز الفنية لهذا الطراز أشبيليا وغرناطة ومراكش وفاس.
أما العمائر الدينية فقد كانت متأثرة بما كان متبعًا في الطراز المغربي الأندلسي، في القرون الثلاثة الأولى، في الفسطاط والكوفة والبصرة والشام في تخطيطات المساجد إلى أن جاء القرن السادس الهجري، الثاني عشر الميلادي، حيث بدأ يظهر تطور كبير في عمارة المسجد على أيدي الموحدين ؛ فانصرف معمار تلك الفترة عن استعمال الأعمدة وأقبل على استعمال الأكتاف والدعائم المشيدة من الآجر والعقود الحذوية الشكل التي نُفِّذت على هيئة حذوة الفرس مستديرة تمامًا أو مدببة قليلاً. وكانت معظم تلك العقود تبنى منخفضة مما كان يكسب ظلات المسجد طابعًا من الجلال. ومن أمثلة ذلك عقود جامع الكُتُبِيَّة بمراكش وعقود جامع تينملل في جنوب المغرب. كذلك اتسمت مساجد تلك الفترة بتعدد الصحون. ومن أمثلة ذلك جامع حسان بالرباط وجامع القصبة بمراكش وجامع القصبة بأشبيليا. كذلك شاع في عمارة المسجد أسلوب اتساع البلاطة الوسطى عن سائر بلاطات المسجد، واستخدام التغطيات الجمالونية والمداخل البارزة والقباب المقرنصة (ذات الحليات المعمارية) التي تغطي مجال المحراب بظلة القبلة، إلى جانب ظاهرة تشجير الصحون التي تميزت بها المساجد الأندلسية والمغربية على السواء.
وأهم ما يميز مساجد تلك الفترة على الإطلاق عمارة الصوامع التي وصلت إلى قمة تطورها على يد الموحدين ؛ حيث أخذت هيئة الصومعة تشبه البرج الضخم. ومن الداخل خُططت الصوامع المغربية والأندلسية من مجموعة حجرات متطابقة يلتف حولها طريق صاعد بدون درج. ومن الخارج تُغلَّف واجهات الصوامع بالفتحات المعقودة (المقوسة) والزخارف الشبكية (أشرطة متقاطعة تكوِّن مناطق هندسية على شكل مُعيَّنات). ومن أشهر نماذج هذا الطراز صومعة جامع الكُتُبِيَّة بمراكش وصومعة جامع حسان بالرباط وصومعة جامع القصبة بأشبيليا المعروفة باسم الخيرالدة. كذلك أُدخل الموحدون بناء المدارس في المغرب والأندلس في نهاية القرن السادس الهجري، الثاني عشر الميلادي، ولكن المدارس هناك كانت وقفًا على التدريس فقط، ولم تؤثر عمارتها على تصميم المساجد. واشتهرت مدينة فاس في العصر المريني بكثرة ما شُيِّد فيها من المدارس التي كانت مخصصة لتدريس المذهب المالكي. ومن أشهر المدارس المغربية المدرسة اليعقوبية، وتُعرف بمدرسة الصفارين أو النحاسين (675هـ، 1276م)، ومدرسة فاس الجديدة المعروفة بمدرسة دار المخزن (721هـ، 1320م)، ومدرسة الصهريج (722هـ، 1321م)، ومدرسة العطارين والمدرسة البوعنانية (723هـ، 1323م). وتميزت المدارس المغربية بوضوح عناصرها المعمارية المتمثلة في بساطة تخطيطها المعماري بجانب اشتمالها على كافة العناصر الأساسية التي تتألف منها المدرسة بشكل عام مثل تخصيص إيوان أو قاعة للتدريس والصلاة إلى جانب حجرات لإقامة الطلاب وملاحق مائية من صهاريج ومظاهر وغيرها.
ومن أهم المميزات التي كانت تميز المدارس المغربية أنها لم تكن مخصصة لتكون مدارس وقبورًا في الوقت نفسه كما هو الحال في مدارس الشرق الإسلامي. كما استخدمت الأحجار والآجر في الواجهات والجدران والحجرات، إلى جانب مراعاة التماثل بشكل رئيسي في توزيع الكتل والعناصر المعمارية داخل المدرسة وخاصة بين الكتل المتقابلة. وكذلك انتشرت في بلاد المغرب القباب الضريحية على قبور الأولياء، ومن أشهر أنواع هذه العمائر ما يوجد في مقابر المدن أو على مقربة من أبوابها. وهي تتألف من قبة نصف كروية تعتمد على مخطط مربع الشكل، ومن أشهر الأضرحة المغربية ضريح مولاي إدريس بفاس وضريح الأشراف السعديين بمراكش. وقد تلاشت أو اندثرت قبور ملوك غرناطة.
أما العمائر المدنية، فقد كان نصيبها من العناية قليلاً وبخاصة في عصر المرابطين. كذلك انصرفت عناية الموحدين إلى العمائر الدينية على الرغم من أسماء القصور الكثيرة التي وصلتنا عن عصرهم في كتب المؤرخين وبخاصة ما شيِّد منها في مراكش وأشبيليا.
ولكن من أهم وأعظم القصور التي وصلتنا أسماؤها قصور ملوك الأندلس في غرناطة والجعفارية في سرقسطة. ويُعدُّ قصر الحمراء بغرناطة من أعظم العمائر الإسلامية التي خلَّفها المسلمون هناك. وقد جمعت عمارة هذا القصر بين التحصينات الدفاعية ممثلة في أسوارها وأبراجها الخارجية وبين روعة القاعات والصحون والعقود المقرنصة وأشغال الجص الفريدة والقباب المرصعة بالمقرنصات وهندسة البساتين.
الطراز الأيوبي:
كان عصر صلاح الدين الأيوبي وأخيه السلطان العادل من أزهى عصور الدولة الأيوبية التي امتد سلطانها ليشمل مصر والشام واليمن وعاشت حتى عام 658هـ، 1259م. وكان طابع الدولة الأيوبية السياسي طابعًا حربيًا فرضه الجهاد المستمر ضد الخطر الصليبي. وقد انعكس ذلك بدوره على ما شيده من عمائر في مصر والشام، حيث اتسمت العمائر في الطراز الأيوبي بالطابع الدفاعي، فأكثروا من بناء الاستحكامات الدفاعية والقلاع الحربية والحصون والأربطة وتحصين المدن والثغور بالأسوار المدعمة بالأبراج.
أما داخل المدن فقد غُصَّ بالمدارس من أجل بناء كوادر من الدعاة لمقاومة الغزو الصليبي، كما شُيدت المساجد والخانقاوات والبيمارستانات والأضرحة والزوايا والقيساريات والخانات والفنادق. ومازالت معالم هذه المنشآت قائمة إلى اليوم في مصر والشام، وهي كافية لأن تعطينا السمات العامة والخصائص المعمارية لتلك الفترة، والتي أهمها الآتي:
غلب على العمائر الأيوبية المدنية والدينية طابع التقشف وعدم الإسراف في الزخرفة ؛ بسبب حالة الحرب والجهاد التي أعلنتها الدولة الأيوبية ضد الصليبيين. تميزت العمائر الحربية في تلك الفترة بالقوة والمتانة واستخدام الأبراج الضخمة في تدعيم جدرانها.
استخدمت الأحجار المنحوتة بأحجام كبيرة في بناء المنشآت وبخاصة في الواجهات والمداخل والأسوار والأبراج، كما استُخدم الآجر في بناء القباب والأقبية.
ظهرت في عمائر الطراز الأيوبي بعض التأثيرات السلجوقية منها استخدام القباب في التغطيات، والأواوين وتخطيطات المدارس وبناء الخانات.
كما تأثر المعمار الأيوبي ببعض العناصر المعمارية والفنية الفاطمية، منها استخدام المعمار الأيوبي للصنجات المعشقة وكذلك الاهتمام بالواجهات وشغلها بالمقرنصات والعقود الفارسية، وذلك على غرار ما كان سائدًا في جامع الأقمر والصالح طلائع الفاطميَّيْن.
كذلك شاع في عمائر الطراز الأيوبي استخدام القباب التي شهدت عمارتها تطورًا في ذلك الوقت وبخاصة من حيث مناطق الانتقال المتمثلة في تحويل المربع السفلي إلى مثمن عن طريق رقبة مكونة من طابقين، إلى جانب ما تميزت به القباب الأيوبية بوجود زخارف زجاجية على خوذاتها الخارجية وهو الأسلوب الذي انتشر انتشارًا واسعًا في القباب المملوكية.
كذلك اعتنى الأيوبيون بالمداخل بشكل خاص فشيدوها في دخلات عميقة معقودة تُغلق طواقيها (قمة العقد) بصفوف من المقرنصات وتُتوَّج فتحاتها بعقود مدببة، كما انتشر في العمائر الأيوبية استخدام العقود بأنواعها المختلفة حيث استُخدم العقد المدبب أو المنكسر، كما شاع استخدام العقد الحذوي (على شكل حذوة) والعقد العاتق (العقد الذي يقوم بتخفيف الحمل على عتب المدخل) الذي أخذ مظهرًا جديدًا في تلك الفترة حيث أصبح منخفضًا جدًا، ومكونًا من صنجات حجرية صغيرة. كذلك استخدم المعمار الأيوبي، ولأول مرة، الأعمدة ذات التيجان الإسلامية التي شُكلت من الحطات المقرنصة. ومن حيث أشكال المحاريب المستخدمة في العمائر الدينية الأيوبية، فقد تأثر المعمار الأيوبي بأشكال المحاريب الفاطمية التي كانت تزخرف طواقيها بزخارف مشعة من مركز واحد.
ومن الجدير بالذكر أن أكبر ما يميز العمائر في الطراز الأيوبي قد جاء في العمائر التي ما زالت شاخصة إلى اليوم في مصر والشام. وهي تشهد على تطور الأساليب الدفاعية التي جاءت في العناصر المعمارية للاستحكامات الدفاعية، وهي تشهد كذلك على فن تحصين المدن من خلال الأسوار الضخمة المدعَّمة بالأبراج، ومن أمثلتها أسوار القاهرة الحربية التي أحاط بها السلطان الناصر صلاح الدين مدن مصر الإسلامية كلها لحمايتها من الهجوم الصليبي عليها. هذا غير ما شُيد من قلاع كان أهمها قلعة الجبل بالقاهرة وقلعة حلب وقلعة نجم على الفرات وقلعة حمص وقلعة دمشق وقلعة حماة، وجميعها كانت تضم عناصر دفاعية غاية في التطور ساعدت إلى حد كبير على صد زحف الصليبيين إليها. لقد كان الأيوبيون بحق أهل جهاد وعمارة في نفس الوقت.
الطراز المملوكي:
لاريب في أن عصري دولتي المماليك البحرية والجركسية التي حكمت من عام 648 إلى 923هـ، 1250-1517م، كانا يمثلان العصر الذهبي في تاريخ العمارة الإسلامية في مصر والشام والحجاز ؛ إذ تبارى سلاطين وأمراء تلك الفترة في تشييد العمائر المختلفة من جوامع ومدارس وخانقاوات وأسبلة وأربطة وحمامات وغير ذلك الكثير.
ولم يقف الأمر عند حد الإقبال على البناء فحسب، بل اقترن مع هذه النهضة العمرانية بتطور في الأساليب الفنية الزخرفية، وكذلك بتطور في العناصر المعمارية الإنشائية ؛ إذ اهتم المعمار المملوكي بواجهات العمائر الدينية التي استخدم فيها أهم العناصر المعمارية مثل كتلة المدخل الرئيسية والقبة الضريحية وفتحات النوافذ المعشقة بالزجاج الملون إلى جانب الدخلات الرئيسية المعقودة وصفوف المقرنصات التي تتوج أعلى الواجهات، وكذلك الشرفات المسننة أو التي شُكِّلت على هيئة الورقة النباتية الثلاثية أو الخماسية.
كذلك استخدم المماليك أنظمة معمارية جديدة في التخطيط ظهرت بوضوح في عمارة المساجد والمدارس والأضرحة، وإن كان قد غلب على بعض العناصر المعمارية التي شاعت في تلك الفترة التأثيرات السلجوقية إلى جانب استمرار التقاليد المعمارية المتبعة في تخطيطات المساجد. ومن أمثلة ذلك جامع السلطان بيبرس البندقداري الذي شُيد في عام 656هـ، 1258م. ويمتاز هذا الجامع بتكوينه المعماري الذي اشتمل على صحن أوسط مكشوف وأربع ظلات أكبرها القبلة. وقد استُخدمت العقود المحمولة على أعمدة من الرخام في رفع السقف والقبة الرئيسية، كذلك استُخدم الحجر المصقول في بناء الواجهات الخارجية، كما استُخدم الآجر في بناء القباب والعقود، كما يمتاز هذا المسجد بوجود المدخل التذكاري وهو المدخل الذي يبرز عن سمت الواجهة. ومن أمثلة المساجد المملوكية أيضًا جامع الناصر محمد بن قلاوون الذي يتكون تخطيطه المعماري من صحن وأربع ظلات أكبرها ظلة القِبْلة. ويميز هذا الجامع القبة الضخمة التي تعلو ظلة القِبْلة وقد حُملت على أعمدة ضخمة من الجرانيت. ومن أمثلة هذا التخطيط أيضًا جامع ومدرسة المؤيد الذي يقع بجوار باب زويلة ويرجع تاريخه إلى عام 818هـ، 1415م.
وإلى جانب طراز المساجد والمدارس المملوكية التي شُيدت وفق نظام الظلات، ظهر نظام جديد في تخطيط المساجد والمدارس يعرف بالنظام الإيواني. وهو صحن أوسط مكشوف تحيط بأضلاعه أربعة إيوانات أكبرها عمقًا إيوان القبْلة وقد جاءت جميع الإيوانات متقابلة ومعقودة، وقد انتشر هذا التخطيط انتشارًا واسعًا في العمائر الدينية المملوكية بمصر والشام، وكان هذا التخطيط بداية لظهور نظام آخر جديد عرف بنظام المجمعات الدينية، أي أن المنشأة أصبحت تؤدي أكثر من وظيفة، إذ بدأ المعمار بإضافة وحدات معمارية جديدة إلى عمارة المدرسة أو المسجد. ومن أشهر أمثلتها في مصر مجمع السلطان قلاوون الذي يضم مدرسة ومسجدًا وضريحًا وبيمارستانًا وسبيلاً وخلاوي لأقارب الطلاب وميضأة (موضع الوضوء) وغيرها من الملاحق الثانوية، ومن أمثلة هذا النظام أيضًا مدرسة السلطان حسن بن قلاوون التي شُيدت في عام 757هـ، 1356م، والتي تُعد من أروع أمثلة المدارس الإسلامية على الإطلاق.
كما انتشر نوع رابع من مخططات العمائر الدينية في عمائر الطراز المملوكي منذ عصر السلطان برسباي (840هـ، 1436م) يعتمد تخطيطه الرئيسي على النظام الإيواني (نظام إيراني عرف في العمارة الإسلامية في تخطيط المدارس والمساجد) ولكن بنسب أصغر مما كانت عليه في العصر المملوكي البحري. إذ بدأ المعمار في تقليل مساحة الصحن مما ساعد على تغطيته بسقف خشبي على هيئة الفانوس عرف بالشخشيخة. ومن الجدير بالذكر أن المعمار المملوكي حافظ داخل هذا النظام على تعدد وظائف المنشأة مما يجعلنا نصف أغلب المدارس بأنها شيدت وفقًا لنظام المجمعات الدينية. ومن أشهر أمثلتها مجمع السلطان قايتباي بصحراء المماليك ومجمع السلطان الغوري ومجمع الأمير قرقماس وغيرها الكثير. ومن أمثلة هذا الطراز في سوريا الركنية والمدرسة الجقمقية.
كذلك امتازت المآذن المملوكية برشاقتها وارتفاعها وجمال زخارفها. وقد شُيد معظمها على قاعدة مربعة يعلوها بناء مثمن تتخلله شرفات بارزة محمولة على حطات مقرنصة. أما عن مداخل العمائر المملوكية، فقد اهتم بها المعمار اهتمامًا كبيرًا، وأصبحت تحتل مكانًا بارزًا على الواجهة إلى جانب مجموعة العناصر الزخرفية التي شغل بها الفنان المملوكي مداخل منشآته الدينية من أفاريز بارزة وغائرة وجفوت (حليات معمارية بارزة على المداخل والنوافذ والواجهات) ومقرنصات وحليات معمارية ونقوش كتابية. وقد تأثرت مداخل العمائر الدينية في الطراز المملوكي بالمداخل السلجوقية.
كذلك ازدهرت في العمائر المملوكية زخرفة الوزرات الرخامية الملونة على الحوائط وفي الأرضيات وفي المحاريب. ومن أبرز أمثلتها مدرسة السلطان حسن بن قلاوون، ومدرسة السلطان قايتباي ومدرسة السلطان الغوري.
كذلك شاع بناء الخانقاوات في العمائر الدينية المملوكية، وهي تلك التي بُنيت من أجل إيواء الصوفية وتعليمهم على أيدي شيوخ متخصصين في الفقه والتفسير وأصول التصوف. وقد خُططت تلك العمائر على غرار تخطيط المدارس ذات الإيوانات المتعامدة على أضلاع الصحن. ومن أشهر أمثلتها خانقاة بيبرس الجاشنكير وخانقاة سيلار وسنجر الجاولي بالقاهرة. كما شُيدت بعض الخانقاوات على غرار المساجد الجامعة. ومن أمثلتها خانقاة السلطان الناصر فرج بن برقوق الواقعة بمقابر المماليك بمدينة القاهرة. وقد جمعت تلك الخانقاوات بين عدة وظائف منها المسجد والضريح والسبيل ومكتب لتعليم الأيتام.
أما العمائر المدنية في عصر المماليك، فقد تنوعت بين الخانات والوكالات والفنادق، ومن أمثلتها مدخل وكالة الأمير قوصون، ووكالة السلطان قايتباي الواقعة بباب النصر بمدينة القاهرة، ومقعد ماماي السيفي المعروف ببيت القاضي وخان الخليلي ووكالة الغوري. وقد تضمنت هذه المنشآت الكثير من العناصر المعمارية والفنية التي انتشرت في عمائر الطراز المملوكي.
الطراز السلجوقي:
يمكن إيجاز الخصائص المعمارية التي تميز عمائر الطراز السلجوقي بما يلي :
ابتكار التخطيط الإيواني في المساجد والمدارس السلجوقية ؛ حيث أصبح الإيوان هو العنصر الرئيسي في العمائر السلجوقية، والإيوان قاعة أو غرفة ذات ثلاثة جدران وتفتح بكامل اتساعها على الداخل سواء على الصحن أو على درقاعة أي قاعة، وغالبًا ما يغطي الإيوان عقد معماري يرتكز على حوائط حاملة بدلاً من الأعمدة. امتازت العمائر السلجوقية بعدم الاهتمام بمساحات الصحون الكبيرة حيث شيدوها على أحجام صغيرة وقاموا بتغطيتها بقباب كبيرة وإدخال مساحاتها ضمن المساحة المغطاة.
شاع استخدام الأحجار المصقولة والمنحوتة في بناء المنشآت المعمارية وبخاصة الواجهات الخارجية والمداخل، وقد ساعد ذلك على تطور صناعة النقش على الأحجار. ويظهر ذلك جليًا في عمائر الأناضول ؛إذ أضفت النقوش الزخرفية على واجهات العمائر الدينية هناك مظهرًا فريدًا وجديدًا، وذلك نتيجة استخدام الصناع والفنانين أساليب نحت مبتكرة قوامها الاعتماد على بروز العناصر الزخرفية لتصبح غليظة الخطوط مما أضفى على الواجهات مظهرًا فنيًا يذكرنا بفن الباروك الذي شاع استعماله في العمائر الأوروبية منذ القرن السابع عشر الميلادي.
ومن أشهر النماذج المعمارية السلجوقية التي تعبر عن هذا الفن مدرسة أنجه منار بقونية، وجامع وبيمارستان مدينة ديفري ومدرسة قرطاي، ومسجد علاء الدين في قونية.
شاع استخدام الآجر في عمائر السلاجقة، وتطورت طريقة البناء بالآجر في تلك الفترة، حيث استُخدم الآجر في بناء القباب والأقبية إلى جانب استخدامه في بعض الواجهات بأسلوب زخرفي وإنشائي معًا. ومن أمثلة ذلك ما نجده في الأضرحة السلجوقية بمنطقة الأناضول.
استُخدمت في العمائر السلجوقية البلاطات الخزفية كمادة أساسية في تكسية الجدران الآجرية من الداخل وتمتاز البلاطات الخزفية السلجوقية بألوانها الفيروزية، كما استُخدمت الأكسية الجصية على الآجر.
شاع استخدام القباب والعقود المعمارية، ولا سيما العقد المعماري نصف الأسطواني والعقود المعمارية المتقاطعة كما استخدمت القبة عنصرًا أساسيًا يعلو المحراب، كما ظهرت أنواع جديدة من القباب يعلو كلاً منها فانوس.
شاع استخدام المقرنصات عنصرًا إنشائيًا وزخرفيًا في المنشآت السلجوقية، وأصبحت من أهم العناصر التي يشكل منها المعمار بطون طواقي المداخل والمحاريب وشرفات المآذن.
أما المآذن السلجوقية، فقد امتازت بأشكالها الأسطوانية أو المخروطية أو المضلعة، وكان يتخللها في أغلب النماذج شرفة أو شرفتان حُملت على مقرنصات. وقد شُكلت قمة المئذنة السلجوقية على هيئة قلم الرصاص، وهو الأسلوب الذي أثر بعد ذلك في مآذن العصر العثماني.
أما في إيران، فقد شهدت العمائر الدينية تطورًا كبيرًا في عهد السلاجقة إذ امتازت مساجد تلك الفترة بقبابها العديدة وأقبيتها، ومن أمثلة ذلك مسجد الجمعة في مدينة أصفهان. واعتنى السلاجقة ببناء الأسوار والقلاع والحصون وسائر الاستحكامات الحربية نتيجة لحروبهم المستمرة مع الروم والصليبيين، مما طبع عمائرهم بطابع القوة والمتانة وجاءت مبانيهم أقرب ما تكون للحصون. ومن أشهر أعمالهم الحربية سور مدينة دمشق وقلعتها وسور مدينة قونية وغيرها.
أمّا القصور السلجوقية، فلم يبق منها إلا القليل، ومن أمثلتها قصر الأمير بدر الدين لؤلؤ في الموصل الذي يقع على نهر دجلة.
ومن أشهر ما يميز عمائر الطراز السلجوقي مجموعات الخانات التي أقبل السلاجقة على بنائها في مختلف الطرق الرئيسية، وكان تصميمها يشبه إلى حد كبير تخطيط المدارس.
الطراز الإيراني المغولي:
يمكن إيجاز الخصائص المعمارية التي تميز عمائر الطراز الإيراني المغولي في ما يلي :
بناء الأضرحة على شكل أبراج مخروطية إلى جانب الأضرحة التي شُيدت عليها قباب ضخمة، ومن أشهر أمثلتها ضريح السلطان الجايتو، وكذلك مجموعة القباب الضريحية بمدينة سمرقند التي دفن بها الكثير من أفراد الأسرة التيمورية. ومن أشهر الأضرحة هناك ضريح تيمورلنك (808هـ، 1405م). أما عن تخطيطات المساجد في الطراز الإيراني المغولي، فقد زادت فخامة ؛ إذ يتميز تصميمها بالسمات الفنية والخصائص المعمارية التي سادت في العمائر السلجوقية، ولا سيما التي نجدها في المسجد الجامع بمدينة أصفهان. ومن أروع نماذج المساجد التي تعود إلى تلك الفترة جامع قرامين (722هـ، 1322م)، وجامع جوهر شاد بمدينة مشهد، والمسجد الجامع بمدينة يزد. كما شاع في عصر التيموريين بناء المساجد ذات القباب والمداخل الفخمة. ومن أشهر مساجد تلك الفترة مسجد كليان في بخارى الذي امتاز باستخدام الأحجار المنحوتة في بنائه، والإيوانات الضخمة، ومئذنته الأسطوانية. كذلك امتاز مسجد كليان باستخدام المقرنصات في مئذنته وفي طاقية عقد المدخل (قمة القوس). ومن أشهر مساجد تلك الفترة أيضًَا الجامع الأزرق الذي شيد بمدينة تبريز في منتصف القرن التاسع الهجري، الخامس عشر الميلادي. ويعتمد الجامع على التغطيات المقببة منها القبة الرئيسية التي تتوسط كتلة المسجد وكذلك مجموعة القاعات التي تغطيها قباب صغيرة.
اهتم التيموريون بإنشاء المدارس دون أن يدخلوا على تخطيطاتها أي تغييرات جوهرية، إلا أنها كانت تتميز بمآذنها الأسطوانية الضخمة التي تحف بمباني المدخل الرئيسي. كما شيد تيمورلنك عدة مدارس في سمرقند في القرن التاسع الهجري، الخامس عشر الميلادي، ومن أشهر تلك المدارس مدرسة أولوغ بك (851هـ، 1447م). وامتازت هذه المدرسة بوجود أربع مآذن في أركانها، وبمدخلها الضخم المعقود بعقد مدبَّب، إلى جانب حجرات الطلاب التي خطِّطت من طابقين.
ومن الجدير بالذكر أن العمائر في الطراز الإيراني المغولي قد اتَّجهت إلى البناء بالأحجار المصقولة والمنحوتة، على حين أن المعمار في تلك الفترة لم يتجه إلى استعمال الرخام في كسوة الجدران الداخلية، وربما يرجع ذلك إلى النجاح الكبير الذي حققه المعمار المغولي في استخدام قوالب الآجر المطلي أو المزجج. كذلك استخدموا الفسيفساء والقرميد والبلاطات الخزفية بأشكال متعددة وأنماط مختلفة مما يؤكد على قدرة الفنان في ذاك الوقت وتفوقه.
كما شاع في عمائر تلك الفترة استخدام الجص في تكسيات الجدران الداخلية.
الطراز الهندي:
ظهرت في عمائر الطراز الهندي عدة تأثيرات بعضها محلي مثل التقاليد الهندية في استخدام الحجر مادة رئيسية للبناء، وكذلك الخشب، كما تأثرت العمائر الهندية مباشرة بالعمائر الإسلامية في إيران وتركستان التي تعتمد في عمارتها على اللَّبِن والآجر كمادة للبناء.
أما من حيث التخطيط المعماري، فقد امتازت عمائر الطراز الهندي، وبخاصة الدينية، بصحون المساجد الواسعة التي تحيط بها أروقة غطيت بقباب صغيرة، من أمثلتها مسجد وزير خان في لاهور. كما ظهر المسجد المغطى الذي اختفى منه عنصر الصحن، ومن أمثلته مسجد غلبرغا. وهناك تخطيط ثالث هو قاعة صغيرة بالنسبة لمساجد الصحن، تخطيطها يشبه التخطيط الشائع في مساجد إيران، ومن أمثلته جامع فتح بورسيكري. وهناك تخطيط رابع ظهر في مساجد الهند قُسِّمت فيه ظلة القبلة على غرار مساجد المشرق في مصر والشام، حيث تكونت ظلة القبلة من ثلاث بلاطات، ومن أمثلتها جامع اللؤلؤة. أما من حيث العناصر المعمارية المستخدمة، فنجد أنواعًا من العقود حيث شاع في الطراز الهندي العقد المدبَّب من النوع الفارسي، كما شاع العقد المدبب الشبيه بالعقد الفاطمي، ومن أمثلته ضريح الإمبراطور أكبر. كما شاع في عمائر الطراز الهندي استخدام العقد المفصص، وهو يختلف عن النوع الذي عُرف في الطراز المغربي والأندلسي، لأن فصوص العقد الهندي أقل من نصف دائرة. ومن أمثلة هذا النوع جامع مسجد أجمير، وجامع التوتميش.
أما القباب، فقد تعددت أشكالها ؛ فمنها ما كان قطاعها عقدًا مدببًا من النوع المنتشر في العمائر العباسية، ومنها ما كان قطاع عقده متطاولاً أو دائريًا أو بصليًا. ومن أهم ما يميز القباب الهندية أنها كانت تتكون من طبقتين خارجية وداخلية بينهما فراغ واسع على غرار قبة النسر في الجامع الآسيوي أو قبة الصخرة في فلسطين. كذلك شاع في عمائر الطراز الهندي استخدام الشاذروان (مظلة حجرية تتوج المآذن وواجهات المباني وأركانها). وهي تختلف عن الشاذروان الذي عرف في العمائر العثمانية. كذلك شاع في العمائر الهندية استخدام الرفرف البارز في الواجهات أو فوق الأروقة أو حول رقبة القبة وكان يرتكز على كوابيل صخرية.
أما المآذن التي شاع استخدامها في طراز العمائر الهندية، فهي مبنية بالحجر، ولها بدن مضلع أو أسطواني أو مخروطي، وهي تختلف عن المآذن الشائعة في إيران وتركستان.
كذلك امتازت العمائر في الطراز الهندي بالأضرحة الضخمة، وأشهرها تاج محل الذي شيده الإمبراطور شاه جهان في أكْرا لزوجته ممتاز محل. وتبدو التأثيرات الإيرانية في واجهة هذا الضريح، من حيث شكل القبة الرئيسية وإمالة الأركان وهيئة الأبراج الأربعة. ومن الأضرحة الهندية المشهورة ضريح محمود عادل شاه في بيجابور، ويرجع إلى سنة 1070هـ، 1660م. ويمتاز هذا الضريح بأبراجه الأربعة المتصلة بجدران البناء وفي كل منها سبع طبقات من النوافذ التي تساعد في عملية تخفيف الثقل الناتج من ارتفاع الجدران. كذلك شاع في العمائر الهندية بعض العناصر المعمارية لأغراض زخرفية، كما هو الحال في العمارة الإسلامية عامة. ومن أمثلة تلك العناصر في العمارة الهندية استخدام الشاذروانات والمقرنصات والمحاريب المجوفة والمسطحة التي استُخدمت بكثرة في تقسيم الواجهات إلى دخلات رئيسية. كما استخدمت الأعمدة المنحوتة والدعائم المرتفعة، وقد برع الفنان المسلم في الهند في أعمال النقش على الحجر والجص والفسيفساء الحجرية، والرسوم الملونة وتطعيم الأحجار وترصيعها.
أما العمائر المدنية في الطراز الهندي، فتمثلها القصور التي عُني حكام المغول المسلمون بتشييد معظمها ضمن قلاع ملكية في المدن المشهورة التي اتخذت عواصم في عهد إمبراطورية المغول كفتح بورسيكري وأكْرا ولاهور ودلهي. ومن أشهر قصور الهند في العهد المغولي قصر أكبر في أجمير الذي امتاز بوجود سور محصن ومدعم بأبراج مستطيلة الشكل توجد في زواياه أبراج ضخمة مثمنة الشكل. وقد جاء المدخل الرئيسي الموصل إلى القصر في برج بارز. أما في الداخل فيوجد صحن مركزي تتصل به غرف مربعة موزعة في أركان القاعة. ومن أمثلة القصور الهندية قصر القلعة الحمراء في أكْرا وقصر فتح بورسيكري بالقرب من أكْرا وغيرها الكثير.
الطراز العثماني:
يمكن إيجاز خصائص العمائر في الطراز العثماني في مايلي:
امتازت العمائر العثمانية من حيث التخطيط في المباني الدينية وبخاصة المساجد بأنها استوحت في بادئ الأمر التخطيط التقليدي للمساجد التي شاع ظهورها في صدر الإسلام والتي تتكون من صحن أوسط وأربع ظلات أكبرها عمقًا واتساعًا ظلة القبْلة. ولكن هذا التخطيط لم يلق قبولاً، لأن مناخ منطقة الأناضول يمتاز بالبرودة والصقيع والثلوج. لذلك عمل المعمار المحلي على ابتكار تخطيط يتلاءم مع تلك العوامل المناخية الصعبة، فقام بحجب ظلة القِبْلة تمامًا وقام بتغطيتها بمجموعة من القباب أو بقبة كبيرة، كما أضاف المعمار العثماني لكتلة المدخل ظلة كبيرة غطيت بقباب ضخمة. والحقيقة أن المعمار العثماني استفاد من الطراز المعماري السلجوقي بشكل كبير وبخاصة في الفترة التي سبقت فتح القسطنطينية، حيث شهدت مساجد مدينة بورصة وأدرنه باستمرار التقاليد والخصائص المعمارية السلجوقية فيها. أما بعد فتح القسطنطينية، فقد تأثرت عمارة المساجد الكبرى ببناء كنيسة أيا صوفيا بعد أن أصبحت مسجدًا، إذ نرى هذا التأثير في مسجدي المحمدية ومسجد محمد الفاتح الذي شُيد بين عامي 867هـ ـ 873هـ، 1462 ـ 1468م، وكذلك مسجد السلطان بايزيد الثاني (906هـ، 1501م).
ولكن العصر الذهبي للعمارة العثمانية كان على يد المهندس المعماري النابغة سنان الذي يُنسب إليه العديد من المنشآت العثمانية في إسطنبول وخارجها. ولقد نجح هذا المعماريّ في أن يطبع عصره بطابع فني معماري له أساليبه المعمارية المتميزة. وتتجلى مراحل نشاطه في ثلاث عمائر تمثل نشأته الفنية في إسطنبول كان آخرها مسجد السلطان سليم (السليمية) في أدرنه. فنراه في المسجد الأول قد تأثر بمسجد المحمدية مع نجاحه في إكساب القبه الرئيسية طابعًا خاصًا يتميز بالرشاقة وجمال النِّسَب. أما المرحلة الثانية، فقد تأثر فيها بتخطيط أياصوفيا والبايزيدية عند بنائه لجامع السليمانية مع احتفاظه ببعض الابتكارات في بناء القبة وارتفاعها واتساع قطرها. أما المرحلة الأخيرة فيعبّر عنها جامع السليمية في أدرنه إذ أظـهر سنان عبقريته في إقامة القبة الضخمة على ثمانية أكتاف، وفي الإكثار من فتحات النوافذ من أجل تخفيف ضغط البناء. ولقد ترك المهندس سنان مدرسة كبيرة تخرج فيها أشهر المعماريين الذين نهجوا على منواله في بناء العمائر الدينية والمدنية.
وأهم ما كان يميز مساجد هذه المدرسة المعمارية أنها كانت تُبنى ضمن مجمعات معمارية كبيرة تذكرنا بنظام المجمعات التي ظهرت في مصر والشام في العصر المملوكي، وإن كان نظام المجمعات العثمانية يعرف باسم كلية حيث أصبح هذا الاسم يعبر عن مجمع إنشائي ضخم يضم مسجدًا ومدرسة وضريحًا وسبيلاً وبيمارستانا في وحدات مستقلة يربط بينها سور كبير. ويبدو أن هذا النظام قد تأثر به العثمانيون من الطراز المملوكي. كما تميزت مساجد العثمانيين بتعدد المآذن وبالتغطيات المقببة التي تعتمد على قبة رئيسية تغطي الجزء الأكبر من بيت الصلاة تحيط بها من الجوانب مجموعة قباب أو عقود معمارية. ويتقدم الجزء المغطى مساحة مكشوفة تعرف باسم حرم المسجد، وهي صحن أوسط مكشوف يحيط به أربعة أروقة مغطاة بقباب ضحلة، ويتصل هذا الحرم بالجزء المغطى من المسجد عن طريق مداخل، ويتوسط الحرم شاذروان للوضوء وتسبيل الماء.
أما العمائر المدنية في الطراز العثماني فكثيرة منها الخانات والبيمارستانات والأسبلة. فالخانات العثمانية، لم يكن تخطيطها المعماري يتبع تخطيط الخانات السلجوقية بل تطورت عمارتها عن الخانات المملوكية التي تتكون من صحن أوسط مكشوف تحيط به أروقة ذات عقود وتضم غرفًا وقاعات متطابقة. ومن أشهر الخانات العثمانية خان أسعد باشا في دمشق الذي يرجع إلى القرن الثاني عشر الهجري، الثامن عشر الميلادي.
الحمامات العثمانية اشتقت تخطيطاتها من الحمامات الكلاسيكية. ومن أشهر تلك الحمامات العثمانية حمام قابلجة في مدينة بروسة، ويرجع أقدم الحمامات العثمانية إلى القرن الرابع عشر الميلادي.
كذلك بالنسبة للقصور العثمانية في بروسة وفي أدرنه، لم يبق منها شيء ؛ أما السراي القديمة في إسطنبول، فقد كانت منفصلة عن المدينة بسور من الحجر ذي أبراج وأبواب.
وتتألف الدور أو البيوت العثمانية من عدة طوابق يضم الطابق الأول منها غرف الاستقبال. أما الطوابق العليا فلأفراد الأسرة، ولكن بعض دور الأثرياء كانت تتكون من قسمين أساسيين أولهما قسم الاستقبال ويعرف بسلاملك، والثاني للحريم ويُعرف بـحرملك. وقد يضاف إليهما قسم ثالث ملاحق للخدم. وقد تأثرت زخارف تلك الدور بالمنازل المملوكية.
أما الأسبلة العثمانية، فقد عرفها العثمانيون وشيدوا منها العديد في إسطنبول وخارجها. وتأثر العثمانيون ببناء الأسبلة من المماليك في مصر والشام. وقد ميَّز المعمار الأسبلة العثمانية عن غيرها من الأسبلة المملوكية من حيث التخطيط المعماري والعناصر الزخرفية، حيث شُيِّدت من مسقط نصف دائري ذي واجهة مضلعة تشتمل على تجويفات تُوجت بمقرنصات وزخارف بارزة بعضها تأثر بفن الباروك الأوروبي. ومن أشهر الأسبلة العثمانية في إسطنبول سبيل السلطان أحمد الثالث، وفي مصر سبيل السيدة رقية وسبيل نفيسة البيضاء وسبيل محمد علي بمدينة القاهرة.
وامتازت العمائر في الطراز العثماني باستخدام البلاطات الخزفية في كسوة الجدران الداخلية، واختفى تمامًا استعمال الفسيفساء الخزفية التي عرفناها في العصر السلجوقي. وتميزت البلاطات الخزفية العثمانية بألوانها الزرقاء والخضراء والحمراء والمذهبة، وهو نوع مبتكر من البلاطات الخزفية متعددة الألوان، ومن أشهر أمثلتها عمائر مدينة بورصة.
وأخيرًا كان لاتصال العثمانيين بأوروبا أثر واضح في الطراز العثماني، إذ عرف طراز الباروك في تقوسات السقوف وبعض الزخارف النباتية في الأسبلة، ثم عُرف طراز أوروبي آخر يعرف بالروكوكو ينسب إلى فرنسا انتشر في العمائر العثمانية منذ منتصف القرن الثاني عشر الهجري، الثامن عشر الميلادي، وقد أقبل على هذا الطراز الفني الفنانون الأتراك وانتشر انتشارًا واسعًا في أعمالهم الفنية.
|