جبل عارودة
~~~~~~~~~~~~
يقع جبل عارودة Jebel Aruda على الضفة اليمنى من بحيرة الأسد على نهر الفرات عند خط العرض 36 درجة و14 دقيقة شمالاً وخط الطول 38 درجة و2 دقيقة شرقاً،
.
ويقوم الموقع فوق بروز مقوس من الجبل الذي يحد وادي النهر على الضفة الغربية، ويرتفع نحو 60م عن مستوى ضفة النهر.
.
أن موقع "عرودة" من اجمل المواقع واكثرها سحرا" حيث يأخذ شكل الجبل الشامخ بين المياه العذبة.
يقع على بعد 80كم من مدينة "الرقة" وهو شاهد على الأثر الاقتصادي والسياسي والديني المهم الذي أدَّته "سورية" فيما بين "بلاد الرافدين" و"الأناضول" و"بلاد الشام" منذ الألفين الرابع والثالث ق.م.
.
سبب تسمية الموقع بـ"عرودة" أنه ينسب إلى رجل دين من الفترة الأيوبية يدعى الشيخ "عارودة"، مزاره في قمة الجبل،
.
ويعود تاريخ الجبل إلى الفترة ما بين 3500-3200 قبل الميلاد
.
تبلغ مساحة المستوطنة نحو أربعة هكتارات. اختاروا لبنائها منطقة جبلية، غير صالحة للزراعة، ترتفع نحو60م عن حوض النهر، تشرف عليه وعلى جواره؛ حيث شيد مجمع معماري متكامل توسطه معبدان كبيران،
▪︎ أُطلق على المعبد الأول اسم «المعبد الأحمر Red Temple»، وهو في حالة جيدة،
▪︎ والمعبد الثاني «المعبد الرمادي Gray Temple»، الذي تخربت بعض أجزائه،
وبُني هذان المعبدان وفق المخطط الرافدي المعروف من حضارة أوروك (الوركاء) الثلاثي الأجزاء «tri -partite»، والمؤلف من صالة مركزية كبيرة تحيط بها من الجانبين صالتان،
وزُوِّد كل معبد بمحراب وأبواب عدة وأدراج، وزُخرفت واجهته بالأحجار الملونة «الموزاييك» وهذا أقدم استخدام للموزاييك عُرف حتى اليوم.
ودعمت جدران المعبد عضادات فصلت بينها أخاديد، أعطت البناء حركة وحيوية تكسر جمود الجدران وسكونها،
.
وأحاطت بهذين المعبدين مجموعة من الأبنية السكنية الكبيرة التي بُنيت أيضاً وفق المخطط الثلاثي العناصر نفسه، وخُصصت لسكن شخصيات مهمة من الكهنة والقادة القائمين على إدارة المعبد وتنظيم أعماله.
.
وكشفت التنقيبات أن هذا الموقع ازدهر لفترة قصيرة من 3500 إلى3300 ق.م وأنه يمثل مع موقع "حبوبة كبيرة" و"تل قناص" مرحلة التطور الاقتصادي والثقافي للمنطقة بما له من صلة وثيقة مع أقدم الثقافات الكتابية في جنوبي الرافدين وعيلام وجنوب- غربي إيران.
.
وأكدت التنقيبات في جبل "عارودة" وجود ثلاث مراحل بنائية في منطقة المعابد في وسط الموقع.
▪︎ ففي المرحلة الأولى الأقدم سوي سطح المرتفع الطبيعي الذي كان أصلاً منحدراً من الشمال- الشرقي إلى الجنوب- الغربي، ثمّ شيدت بناية المعبد الأول في وسط الموقع تقريباً؛ قرب حافته الشرقية،
وقد أطلق المنقبون تسمية «المعبد الأحمر» على هذه البناية؛ لأنها كانت مشيدة بلبن ذي طينة حمراء من نوع ريمشن Riemchen (لبن مضلع طويل ذو مقطع مربع الشكل)، وتقوم هذه البناية فوق مصطبة ترتفع 25سم فوق مستوى الساحة الخارجية.
ولهذا المعبد ثلاثة مداخل تقابل كل مدخل منها درجتان للصعود من الساحة إلى مصطبة المعبد. وكانت الساحة محاطة بجدار ارتفاعه نحو 2,3م، والوجه الخارجي له مزين بطلعات كما هو الحال بالنسبة إلى الأوجه الخارجية لجدران بناية المعبد نفسها، وهذه الطلعات خاصية معمارية تميزت بها أبنية المعابد الرافدينية.
وللساحة الخارجية مدخلان أحدهما في الجدار الجنوبي، والثاني في الجدار الغربي.
وإلى الشرق من غرفة المدخل الجنوبي شيدت غرفتان يدخل إليهما من الساحة.
ويحتل القسم الشمالي من الساحة بناية واسعة وجد فيها موقد كبير، ولذلك عدّها المنقبون بناية «المطبخ».
.
▪︎ وفي المرحلة الثانية وسعت المصطبة التي تحمل المعبد باتجاه الشمال؛ لتشيد عليها بناية المعبد الثاني التي أطلق عليها المنقبون اسم «المعبد الرمادي»؛ وفقاً للون اللبن المستخدم.
وقد هدمت البوابة الغربية والسور الشمالي للساحة وكذلك البناية الواسعة في القسم الشمالي من الساحة، واستعملت الأنقاض في توسيع المصطبة، وشيدت في موضع الهدم.
.
▪︎ أما في المرحلة الثالثة فقد كان الاهتمام متركزاً على تحصين الموقع درءاً لأخطار متوقعة. إذ تم تفريغ المعبدين من محتوياتهما، وطمرا بركام من لبن كبير وأحجار.
ووجد في الركام طبعات أختام على قطع طينية يصل عددها إلى 20-30 قطعة مع العديد من الآنية الفخارية ذوات الحافات البارزة. ويلاحظ أن الطبعات على القطع الطينية كانت للختم نفسه، ويتضمن المشهد المصور فيها رسم أسد.
.
وتم تحديد حيين سكنيين: أحدهما إلى الشمال من منطقة المعابد، والثاني إلى جنوبها.
.
استخدم في بناء منشآت المستوطنة نوع جديد من اللَّبِنِ الصغير المربع «Reimchen»، وطُليت الجدران والأرضيات بالملاط الذي جُدِّدَ مرات عديدة.
.
بقيت بعض الجدران محفوظة حتى ارتفاع تجاوز المترين، وكانت أساسه من الحجر،
.
وكان أكثر بيوت الحي الشمالي اكتمالاً هو البيت الذي أشار إليه المنقبون ﺒ NC والمشتمل على ساحة رئيسة واسعة عثر فيها على مجموعة من المواقد والأفران.
.ويوجد غربي تلك الساحة جناح عدّه المنقبون لغاية الضيافة. ويتألف من غرفة مستطيلة كبيرة وجد في أرضيتها موقد كبير بشكل المقلاة.
ويفصل ما بين هذه الغرفة والساحة الرئيسة جدار سميك شيد بطريقة جعلته أشبه بصندوق شيدت أوجهه باللبن وملئ داخله بالرمل. وقد اكتشفت مجموعة من المواقد والأفران في الساحة الرئيسة؛ لكنها لم تكن مستعملة في وقت واحد.
.
وكشف في الحي الجنوبي عن بناية عُدّت مزاراً صغيراً، وهي موجهة نحو الاتجاهات الصحيحة كما هو الحال بالنسبة إلى جميع الأبنية المكتشفة في الحي الجنوبي. وتتألف من قاعة كبيرة مستطيلة الشكل وغرفتين ضمت كبراهما موقداً أرضياً بشكل المقلاة.
وقد استدل على كون هذه البناية مزاراً من وجود دكة مذبح بارتفاع 23سم يتقدم دخلة بشكل محراب في وسط الجدار الشمالي-الشرقي للقاعة الكبيرة، ووجدت كمية من الخرز والأصداف البحرية متناثرة حول هذا المذبح.
.
وبجوار هذا المزار على الجهة الشمالية الغربية، وجدت غرفة كبيرة أعطيت الرقم 93 من قبل المنقبين. وكانت هناك ثلاثة أفران دائرية كبيرة تحت أرضية هذه الغرفة ولكل منها فتحة لإذكاء النار عند مستوى الأرضية. ووجدت بقايا فرن دائري رابع أصغر حجماً في الغرفة نفسها، وقد شيد في وقت لاحق فوق بقايا تلك الأفران .
.
وكشفت تنقيبات الموسم الأخير في جبل عارودة عن مجمع بنائي سكني كبير يتألف من ساحة رئيسة تحيط بها صفوف من الغرف على جميع جوانبها. ولعل هذا المجمع يقدم مثالاً لقصر صغير، وهذا ما يقترن مع جبل عارودة مقراً لحكام المنطقة في عصر أوروك الأخير.
ويلاحظ في هذا المجمع البنائي أن له مدخلاً واحداً عبر الغرفة الموجودة في زاويته الغربية، وأن مجموعة غرفه مصممة بحيث تتصل بمداخل موزعة بعناية، ومن المرجح أن هذا البناء ضم سلماً يؤدي إلى الدور العلوي. وضمت البناية ساحة داخلية تؤدي إلى قاعة كبيرة تتميز بجدار سميك، وهذا ما يمكن مقارنته مع قاعة العرش أو قاعة الاستقبال الكبرى التي أخذت تظهر في مخططات القصور بعد ذلك بأكثر من ألف عام،
.
وفي التأريخ المبكر لجبل عارودة فإن لظهور هذا المجمع مغزى مهمّاً في تاريخ نشوء نظام الحكم والتطور الاجتماعي والإداري في المنطقة.
.
يتفرد موقع جبل عارودة بمكتشفات مهمة مثل بعض المواد الحديدية، وهذا ما يجعل هذا الموقع وموقع أوروك في العراق من المواقع الأولى التي عرفت هذا المعدن الذي لم يستخدم إلا في الألف الأول قبل الميلاد؛ أي حتى قبل العصر البرونزي المبكر.
وكما هو معروف فإن العصر الحديدي لم يبدأ إلا في نهاية الألف الثاني قبل الميلاد، وذلك بعد أكثر من ألفي عام على زمن استيطان جبل عارودة. وقد ظهر الحديد قبل عصره بزمن طويل كما تدل اكتشافات مواقع من العصر البرونزي المبكر في أضرحة موقع ألاكا حيوك Alaca Huyuk في شمالي بلاد الأناضول، ثم في ضريح الفرعون المصري الشهير توت - عنخ - آمون من العصر البرونزي المتأخر.
.
ويضاف إلى مكتشفات هذا الموقع العثور على ألواح طينية رقمية وجدت على بعضها طبعات أختام، وذلك في أعلى الموقع.
.
إن اكتشاف معبدين وعدة بيوت كبيرة، وصف أحدها بأنه بداية ظهور عمارة القصر؛ يشير إلى أن جبل عارودة كان مقراً لحكام مهمين؛ وأن غالبية السكان المحليين كانوا يقطنون قرب النهر حيث يمكن الحصول على الطعام والماء خارج الموقع المحصن فوق الجرف الصخري العالي لجبل عارودة حيث مقر الحكم.
ومن المرجح أن تكون التجارة بعيدة المدى البرية والنهرية هي العامل الأساسي وراء ازدهار المنطقةK؛ وهذا ما يقترن مع عدّ جبل عارودة مقراً لحكام المنطقة في عصر أوروك الأخير.
.
◘ وُجدت ضمن أنقاض المدينة آثار كثيرة ومتنوعة من بينها :
------------------------------------------------
▪︎الأختام الأسطوانية الكبيرة الأحجام من الحجر والطين، وحملت أشكالاً هندسية ونباتية وحيوانية وإنسانية كانت معروفة في ذلك العصر، ووُجدت طبعاتها على اللوحات الطينية.
▪︎ وهناك الأواني الفخارية النموذجية من عصر أوروك؛ وأهمها ما يسمى بالآنية الناقوسية «bevelled rim bowl» التي يُعتقد أنها مكاييل الحبوب الأولى،
▪︎ وهناك الأواني ذات الشكل الحيواني وذات الوظيفة الجنائزية.
▪︎ لكن الكشف الأهم هو اللوحات الطينية التي حملت إشارات رقمية وطبعات الأختام الأسطوانية، فكانت أقدم لوحات حسابية معروفة «numerical tablets» اسْتُخْدِمَتْ في إحصاء البضائع والقطعان وغيرها، وكانت تلك المرحلة الأولى في ابتكار الكتابة وانتشارها لاحقاً.
.
تدل كل المعطيات والمكتشفات التي أتت من هذا الموقع على أنه لم يكن من صنع محلي، وإنما كان «مستعمرة» سومرية خالصة تمت إشادتها لأداء وظيفة معينة ولزمن محدد لم يتجاوز القرن،
.
ويشير غياب التحصينات إلى أن المستعمرة شهدت استقراراً وسِلْماً وأماناً، لكنها لم تلبث أن تعرضت إلى خراب شامل، قام به على الأرجح السكان المحليون المتمردون على الوجود السومري في بلادهم.
===============================
عمار عبد الرحمن - الموسوعة العربية ومصادر اخرى
=AZXyzHbFj_edAuTwtwzvIbqCLeQ63-r1UOoiG4WfzJ8p1qC5qTlNPBS_swYEzGROufapTwNcIPKM5mhV ONYfecI_UBvLAa794fpuzxQ3wzQ_bLNRj5ag_PViK78gEi-w9KWmDIYXpFN307CuDMuIOMf81XihirV2iKHQ1-dAlkUCA6D2rjdggppVVrBMrc0s2jc&__tn__=*bH-R]
=AZXyzHbFj_edAuTwtwzvIbqCLeQ63-r1UOoiG4WfzJ8p1qC5qTlNPBS_swYEzGROufapTwNcIPKM5mhV ONYfecI_UBvLAa794fpuzxQ3wzQ_bLNRj5ag_PViK78gEi-w9KWmDIYXpFN307CuDMuIOMf81XihirV2iKHQ1-dAlkUCA6D2rjdggppVVrBMrc0s2jc&__tn__=*bH-R]
=AZXyzHbFj_edAuTwtwzvIbqCLeQ63-r1UOoiG4WfzJ8p1qC5qTlNPBS_swYEzGROufapTwNcIPKM5mhV ONYfecI_UBvLAa794fpuzxQ3wzQ_bLNRj5ag_PViK78gEi-w9KWmDIYXpFN307CuDMuIOMf81XihirV2iKHQ1-dAlkUCA6D2rjdggppVVrBMrc0s2jc&__tn__=*bH-R]
=AZXyzHbFj_edAuTwtwzvIbqCLeQ63-r1UOoiG4WfzJ8p1qC5qTlNPBS_swYEzGROufapTwNcIPKM5mhV ONYfecI_UBvLAa794fpuzxQ3wzQ_bLNRj5ag_PViK78gEi-w9KWmDIYXpFN307CuDMuIOMf81XihirV2iKHQ1-dAlkUCA6D2rjdggppVVrBMrc0s2jc&__tn__=*bH-R]
=AZXyzHbFj_edAuTwtwzvIbqCLeQ63-r1UOoiG4WfzJ8p1qC5qTlNPBS_swYEzGROufapTwNcIPKM5mhV ONYfecI_UBvLAa794fpuzxQ3wzQ_bLNRj5ag_PViK78gEi-w9KWmDIYXpFN307CuDMuIOMf81XihirV2iKHQ1-dAlkUCA6D2rjdggppVVrBMrc0s2jc&__tn__=*bH-R]