كورو (كميل) Corot (Camille-) - Corot (Camille-)
كورو (كَميل ـ)
(1796ـ 1875)
ولد جان باتيست كَميل كورو Jean- Baptiste Camille Corot في مدينة باريس، وهو ابن تاجر معروف. درس التصوير في باريس على يد ميشالون Michallon ثم فكتور برتان V.Bertin. وبين عامي 1825 ـ 1828 أكمل دراسته في إيطاليا. وبعد تخرجه ابتدأ بعرض أعماله في صالون الخريف السنوي باستمرار، وفي الأعوام 1833 و1846 و1848 و1855 حظي بتقدير رسمي. وكان كورو يقوم في الصيف بزيارة أنحاء مختلفة في فرنسا متأثراً بالطبيعة، ويتلاقى مع كثير من المصورين، وهناك كان يسعى إلى إعداد دراسات بالقلم للمشاهد الطبيعية، وفي الشتاء كان يركن في مرسمه إلى تصوير هذه المشاهد بالألوان الشفافة، ولم تكن الأعمال الزيتية مطابقة تماماً للرسوم التحضيرية - شأنه في ذلك شأن بوسان [ر] Poussin - بخلاف الأعمال الطباعية على الحجر أو المعدن التي تميزت بمحاكاتها للواقع مباشرة.
كان الاتجاه السائد في فرنسا بعد ظهور الرومانتية الاهتمام بالطبيعة، وكانت جماعة مدرسة الباربيزون Barbizon وهي ضاحية في باريس قد احتوت مجموعة من المصورين وعلى رأسهم تيودور روسو[ر] T.Rousseau زعيم الثورة على سيطرة الأكاديمية الفرنسية، وكان كورو على اتصال بفناني هذه المدرسة، إذ كان مقيماً في فونتنبلو Fontainebleau.
تعلق كورو بالفن الإيطالي ولاسيما أعمال جورجوني[ر]Giorgioni، وكوريجيو[ر]Correggio، تأكد ذلك إبان زيارته لروما في عام 1834 وفي عام 1843، ولم يتوسع في جولاته خارج باريس عدا زيارة قصيرة إلى أنفرس Anvers وإلى إنكلترا حيث تعلق بأعمال كونستيبل[ر] J.Constable من أشهر مصوري المشاهد الطبيعية في إنكلترا، والمتميز بأسلوبه التلويني الضبابي الذي أثر في ظهور الانطباعية[ر].
لم يحظ كورو بتقدير واسع في بداية حياته، حتى إذا بلغ الستين من عمره ذاع صيته وأقبل الجمهور والنقاد على تقدير أعماله، وجنى من ذلك مكاسب لم يكن قد حققها في شبابه.
كميل كورو: «جسر نارني» (1826)
وفي بداية إقامته في روما أنجز لوحته الشهيرة «جسر أوغوست على نهر النيرا» والمحفوظة في متحف اللوڤر. وفيها بدت جمالية التلوين واللمسات الشاعرية التي استحوذت على المشاهدين، وكان توزيع عناصر موضوعه في اللوحة مخالفاً تقاليد الكلاسية المحدثة[ر] عند آنغر[ر] Ingres. وفي لوحتين في متحف اللوڤر هما «مشهد الفورم» و«الكوليزه»، حدد كورو معالم أسلوبه الذي قام على التقيد ببناء عمله على نحو عقلاني، وعلى إيقاعية الكتل، وعلى التلوين الضبابي، وتابع تصوير أعماله وفق هذا الأسلوب في موضوعاته التي تمثل مشاهد طبيعية. واستمر ذلك حتى عام 1860. ومع أن كورو قد اشتهر بوصفه مصوراً للمشاهد الطبيعية، إلا أنه كان يقحم صور الأشخاص في هذه المشاهد أحياناً. ولم يبخل في إنجاز عدد من اللوحات الشخصية، مثل لوحة «قروية تحاول القراءة» أو أن يصور صورة عارية مثل لوحة «استراحة» يظهر فيها تأثير جيورجوني في اختيار الموضوع وإعداده. ويتضح ارتباطه بروح الكلاسية المحدثة في اهتمامه بالموضوعات الأسطورية الإغريقية، كما في لوحة «هوميروس والرعاة» (1845) و«رقص عرائس الماء» (1850).
يعد كورو من أكثر المصورين الفرنسيين شهرة، لما تميّز به أسلوبه الشفاف والعاطفي في رسم الطبيعة. وكان إنساناً متواضعاً بعيداً عن التظاهر والتكلف، مستقلاً بذاته وبأسلوبه، بعيداً عن تأثير كبار المصورين المعاصرين له من أمثال آنغر ودولاكروا[ر] Delacroix، ولم يكن معجباً بأسلوب صديقه مييه Millet؛ ذلك لأن كورو لم يكن يهتم بتصوير الأشخاص مثل مييه، بل كانت الطبيعة المناخ الذي ألفه بوصفه فلاحاً. ومن بين فناني المشاهد الطبيعية كان دوبينيي Daubigny الصديق الأقرب إلى قلبه.
كميل كورو: «برج الحصار في دووي» (1871)
ولم يكن ثمة انسجام يجمعه بالمصور روسو. وعلى الرغم من اختلاف الأسلوب كان كورو شديد الارتباط بصديقه دومييه Daumier وكان المساعد الدائم له، وعندما فقد دومييه بصره كان كورو أول من قدم له المعونة الكاملة.
تعرف كورو الانطباعيين وكان ينفر من أسلوب بيسارو Pissaro[ر]، ويقتنع بأسلوب مانيه Manet[ر]. ومع اهتمامه بدراسة المصورين القدامى مثل كوريجيو وجيورجوني إلا أنه لم يسع أبداً إلى محاكاة أسلوبهما، بل إنه لم يسع إلى نقل أعمال المصورين الموجودة في المتاحف، إذ كان يتجه نحو فن أكثر تحرراً واستقلالاً عن أي اتجاه أو أسلوب فني موضوعه المشاهد الطبيعية.
لقد حقق كورو حداثة في التصوير جعلته بحق ممهداً للمدرسة الانطباعية[ر]. وكان آخر المصورين الذين ارتبطوا بتقاليد الفن الكلاسي المحدث الذي فرضه دافيد[ر] David، وكـان كورو منتمياً إلى هـذا الفن في البداية، وقد صرح قائلاً: «إن ما أبحث عنه أولاً هو الشكل ويأتي التلوين بالنسبة لي في المرتبة الثانية».
لقد كانت إقامته في إيطاليا من عام 1825 إلى 1828 وزيارته لها في عام 1834 ثم في عام 1843 فرصة لإنجاز عدد كبير من الأعمال التي تعد من أروع إنتاجه، فلقد تكونت لديه طريقة منهجية لازمته فيما بعد، وكان أسلوبه غنائياً، وهو يقول: «إن مشاعري وحدها التي تقودني» حتى إنه كان أقرب إلى الرومانتية في ذائقته الفنية. وبذلك كانت علاقته بالشاعر دو موسيه[ر] de Musset حميمية.
لقد كان كورو المصور الأكثر ارتباطاً بالهوية الثقافية الفرنسية في القرن التاسع عشر. وكان حصيفاً في تدقيق عمله إذ كان كثيراً ما يصحح ويعدل في تفاصيل أعماله.
عفيف البهنسي
كورو (كَميل ـ)
(1796ـ 1875)
ولد جان باتيست كَميل كورو Jean- Baptiste Camille Corot في مدينة باريس، وهو ابن تاجر معروف. درس التصوير في باريس على يد ميشالون Michallon ثم فكتور برتان V.Bertin. وبين عامي 1825 ـ 1828 أكمل دراسته في إيطاليا. وبعد تخرجه ابتدأ بعرض أعماله في صالون الخريف السنوي باستمرار، وفي الأعوام 1833 و1846 و1848 و1855 حظي بتقدير رسمي. وكان كورو يقوم في الصيف بزيارة أنحاء مختلفة في فرنسا متأثراً بالطبيعة، ويتلاقى مع كثير من المصورين، وهناك كان يسعى إلى إعداد دراسات بالقلم للمشاهد الطبيعية، وفي الشتاء كان يركن في مرسمه إلى تصوير هذه المشاهد بالألوان الشفافة، ولم تكن الأعمال الزيتية مطابقة تماماً للرسوم التحضيرية - شأنه في ذلك شأن بوسان [ر] Poussin - بخلاف الأعمال الطباعية على الحجر أو المعدن التي تميزت بمحاكاتها للواقع مباشرة.
كان الاتجاه السائد في فرنسا بعد ظهور الرومانتية الاهتمام بالطبيعة، وكانت جماعة مدرسة الباربيزون Barbizon وهي ضاحية في باريس قد احتوت مجموعة من المصورين وعلى رأسهم تيودور روسو[ر] T.Rousseau زعيم الثورة على سيطرة الأكاديمية الفرنسية، وكان كورو على اتصال بفناني هذه المدرسة، إذ كان مقيماً في فونتنبلو Fontainebleau.
تعلق كورو بالفن الإيطالي ولاسيما أعمال جورجوني[ر]Giorgioni، وكوريجيو[ر]Correggio، تأكد ذلك إبان زيارته لروما في عام 1834 وفي عام 1843، ولم يتوسع في جولاته خارج باريس عدا زيارة قصيرة إلى أنفرس Anvers وإلى إنكلترا حيث تعلق بأعمال كونستيبل[ر] J.Constable من أشهر مصوري المشاهد الطبيعية في إنكلترا، والمتميز بأسلوبه التلويني الضبابي الذي أثر في ظهور الانطباعية[ر].
لم يحظ كورو بتقدير واسع في بداية حياته، حتى إذا بلغ الستين من عمره ذاع صيته وأقبل الجمهور والنقاد على تقدير أعماله، وجنى من ذلك مكاسب لم يكن قد حققها في شبابه.
كميل كورو: «جسر نارني» (1826)
وفي بداية إقامته في روما أنجز لوحته الشهيرة «جسر أوغوست على نهر النيرا» والمحفوظة في متحف اللوڤر. وفيها بدت جمالية التلوين واللمسات الشاعرية التي استحوذت على المشاهدين، وكان توزيع عناصر موضوعه في اللوحة مخالفاً تقاليد الكلاسية المحدثة[ر] عند آنغر[ر] Ingres. وفي لوحتين في متحف اللوڤر هما «مشهد الفورم» و«الكوليزه»، حدد كورو معالم أسلوبه الذي قام على التقيد ببناء عمله على نحو عقلاني، وعلى إيقاعية الكتل، وعلى التلوين الضبابي، وتابع تصوير أعماله وفق هذا الأسلوب في موضوعاته التي تمثل مشاهد طبيعية. واستمر ذلك حتى عام 1860. ومع أن كورو قد اشتهر بوصفه مصوراً للمشاهد الطبيعية، إلا أنه كان يقحم صور الأشخاص في هذه المشاهد أحياناً. ولم يبخل في إنجاز عدد من اللوحات الشخصية، مثل لوحة «قروية تحاول القراءة» أو أن يصور صورة عارية مثل لوحة «استراحة» يظهر فيها تأثير جيورجوني في اختيار الموضوع وإعداده. ويتضح ارتباطه بروح الكلاسية المحدثة في اهتمامه بالموضوعات الأسطورية الإغريقية، كما في لوحة «هوميروس والرعاة» (1845) و«رقص عرائس الماء» (1850).
يعد كورو من أكثر المصورين الفرنسيين شهرة، لما تميّز به أسلوبه الشفاف والعاطفي في رسم الطبيعة. وكان إنساناً متواضعاً بعيداً عن التظاهر والتكلف، مستقلاً بذاته وبأسلوبه، بعيداً عن تأثير كبار المصورين المعاصرين له من أمثال آنغر ودولاكروا[ر] Delacroix، ولم يكن معجباً بأسلوب صديقه مييه Millet؛ ذلك لأن كورو لم يكن يهتم بتصوير الأشخاص مثل مييه، بل كانت الطبيعة المناخ الذي ألفه بوصفه فلاحاً. ومن بين فناني المشاهد الطبيعية كان دوبينيي Daubigny الصديق الأقرب إلى قلبه.
كميل كورو: «برج الحصار في دووي» (1871)
ولم يكن ثمة انسجام يجمعه بالمصور روسو. وعلى الرغم من اختلاف الأسلوب كان كورو شديد الارتباط بصديقه دومييه Daumier وكان المساعد الدائم له، وعندما فقد دومييه بصره كان كورو أول من قدم له المعونة الكاملة.
تعرف كورو الانطباعيين وكان ينفر من أسلوب بيسارو Pissaro[ر]، ويقتنع بأسلوب مانيه Manet[ر]. ومع اهتمامه بدراسة المصورين القدامى مثل كوريجيو وجيورجوني إلا أنه لم يسع أبداً إلى محاكاة أسلوبهما، بل إنه لم يسع إلى نقل أعمال المصورين الموجودة في المتاحف، إذ كان يتجه نحو فن أكثر تحرراً واستقلالاً عن أي اتجاه أو أسلوب فني موضوعه المشاهد الطبيعية.
لقد حقق كورو حداثة في التصوير جعلته بحق ممهداً للمدرسة الانطباعية[ر]. وكان آخر المصورين الذين ارتبطوا بتقاليد الفن الكلاسي المحدث الذي فرضه دافيد[ر] David، وكـان كورو منتمياً إلى هـذا الفن في البداية، وقد صرح قائلاً: «إن ما أبحث عنه أولاً هو الشكل ويأتي التلوين بالنسبة لي في المرتبة الثانية».
لقد كانت إقامته في إيطاليا من عام 1825 إلى 1828 وزيارته لها في عام 1834 ثم في عام 1843 فرصة لإنجاز عدد كبير من الأعمال التي تعد من أروع إنتاجه، فلقد تكونت لديه طريقة منهجية لازمته فيما بعد، وكان أسلوبه غنائياً، وهو يقول: «إن مشاعري وحدها التي تقودني» حتى إنه كان أقرب إلى الرومانتية في ذائقته الفنية. وبذلك كانت علاقته بالشاعر دو موسيه[ر] de Musset حميمية.
لقد كان كورو المصور الأكثر ارتباطاً بالهوية الثقافية الفرنسية في القرن التاسع عشر. وكان حصيفاً في تدقيق عمله إذ كان كثيراً ما يصحح ويعدل في تفاصيل أعماله.
عفيف البهنسي