"إمزورن" توثيق استثنائي لزلزال الحسيمة في المغرب
تجسيد سينمائي للتحولات الاجتماعية الطارئة على الريف المغربي.
الثلاثاء 2023/09/12
ShareWhatsAppTwitterFacebook
الزلازل تحضر في أفلام وثائقية
لا تحضر الزلازل والكوارث الطبيعية بكثرة في السينما المغربية، فمحاولات التطرق إليها وإلى تداعياتها على المجتمع وتركيبته نادرة، ومنها فيلم “إمزورن” الذي يوثق التغيرات الاجتماعية الكبرى التي طرأت على الريف المغربي جراء زلزال الحسيمة الشهير الذي ضرب المغرب في العام 2004 ولا تزال تداعياته حية في ذاكرة المغاربة.
يعد فيلم “إمزرون” للمخرج جمال السويسي والذي يوثق أحداث زلزال إمزورن الذي هز منطقة الحسيمة في المغرب في العام 2004، مثالا عن الجهود المستمرة للحفاظ على التراث اللغوي والثقافي للأمازيغ في المغرب، وتعزيز استخدامه في توثيق الكوارث الطبيعية والأضرار التي تخلفها ومدى تعايش الشعب معها، وتم إخراج الفيلم بمهارة من قبل المخرج جمال السويسي، ويعتمد على سيناريو قوي ألفه محمد ليونسي بالتعاون مع منصف القديري، ويقدم رؤية قوية للأحداث والشخصيات.
تبرز أحداث الفيلم الزلزال الذي هز منطقة الحسيمة (شمال المغرب) مسببًا دمارًا هائلًا وتأثيرًا كبيرًا على حياة السكان المحليين. وهو يأخذنا إلى عالم الدراما الاجتماعية حيث يصور واقع الحياة في المجتمع الريفي المغربي بتفاصيله المعقدة، ويسلط الضوء على قضايا التعامل مع الكوارث الطبيعية والعائلة والزواج والهوية الثقافية باستخدام لهجة أمازيغية ريفية.
ومن خلال قصة الفيلم، نتعرف على عائلة “ربهة”، وهي عائلة نسبيًا ثرية تفتخر بمكانتها وثروتها، حيث يتم تسليط الضوء على عدة قضايا اجتماعية معقدة من خلال هذه العائلة، مثل مشكلة الأمّ السلطوية وتعدد الزوجات وهجرة الزوج.
الفيلم يصور واقع الحياة في المجتمع الريفي المغربي بتفاصيله، ويسلط الضوء على قضايا التعامل مع الكوارث الطبيعية
عاشت “ربهة” في عائلتها الصغيرة بخير، ابنة زوجتها السابقة القادمة من خلفية مادية متواضعة، لم تكن تجربة مليئة بالحظوظ لاسيما بعد ثلاث سنوات من زواجها دون أن ترزق بأطفال. بعد مرور هذه الفترة دون النجاح في تكوين عائلة خاصة بها، قررت “ربهة” النظر في اتخاذ خطوة جديدة بزواج ابنها الوحيد، “ميمون”، من ابنة عمها “زليخة”.
بعد عودة “ميمون” من رحلته العملية في هولندا، قرر رغم حبه العميق لزوجته الحالية “خيرة” أن يواجه أمه بصراحة وشجاعة للتعبير عن رفضه لفكرة هذا الزواج الجديد، وعلى الرغم من عناد أفراد العائلة الكبار وإصرار زوجته الصالحة، وبعد تهديد بفقدان جزء من ثروته، اضطر “ميمون” للموافقة على هذا الزواج بغض النظر عن مشاعره الشخصية.
تأثرت هذه الحياة الهادئة على نحو سريع جدًا بزلزال عنيف هز مدينة إمزورن، مما تسبب في أضرار جسيمة على كل الأصعدة، سواء من الناحية البشرية أو المادية، ومن ضمن هذه الأضرار تضرر منزل “رب الأسرة” الكبير الذي تعرض للانهيار.
بعد عدة ساعات لاحقًا، تمكن سكان القرية الشجعان من استخراج “خيرة” والرضيع الصغير من تحت الأنقاض، وتبين أنهما نجيا بأعجوبة، بدأت “خيرة” بعد ذلك في البحث عن زوجها وأمها، وبفضل الجهود المشتركة مع بقية سكان القرية، تم العثور عليهما في نهاية المطاف تحت خيمة مؤقتة.
في سياق هذه الأحداث غير المتوقعة والمروعة، خرجت “خيرة” من منزلها الصغير الذي نجا من الزلزال دون أن يتأثر به، بهدف المشاركة في جهود إنقاذ زوجها وأمه، بعد ذلك التفتت إلى “زليخة” التي كانت تصرخ بشدة وكانت في حالة من الذعر، وفي نهاية الأمر قامت “خيرة” بمساعدة “زليخة” لتلد بنجاح وبحضور ومعاونة من الجيران، لكنها توفيت بعد ولادة الطفل.
هذا الزلزال الذي ضرب إقليم الحسيمة شمال المغرب هو واحد من أعنف الزلازل، أسفر عن تكبد العديد من المناطق والقرى أضراراً هائلة. تبرز بين هذه المناطق بلدة آيت قماره، حيث يقيم حوالي 7 آلاف شخص وتم إنشاء معظم مبانيها باستخدام الطوب، وللأسف تم تدميرها تماما.
كان يوما عاديا تحول فجأة إلى كابوس للأفراد والمجتمع على حد سواء. ذلك اليوم ضرب الزلزال العنيف المنطقة، مخلفا وراءه دمارا هائلا وخرابًا غير متوقع.
كانت خيرة من بين الشخصيات البارزة، امرأة شجاعة ومتفانية. عندما هز الزلزال المنزل، لم تتردد في الخروج بسرعة بغية المشاركة في جهود الإنقاذ، إنقاذ زوجها وأمها اللذين كانا عالقين تحت الأنقاض، تزامنت قوتها الشخصية وتصميمها على مواجهة المصاعب مع قدرتها على اتخاذ القرارات الصعبة وهكذا أصبحت مصدر إلهام للآخرين في هذه اللحظات الصعبة.
على الجانب الآخر، تبرز شخصية زليخة التي تمثل الضعف والهشاشة، كانت زليخة في حالة من الذعر خلال الزلزال، ولم تكن قادرة على التصرف بفعالية، هذا يعكس تأثير الكوارث الطبيعية على الأفراد الذين يحتاجون إلى المساعدة والدعم النفسي للتعامل مع الأحداث المروعة.
المخرج جمال السويسي أبدع إلى حد بعيد في هذا العمل الفني، وقدم هدية نفيسة للمنطقة وتعزيزا للسينما المغربية
يؤثر الزلزال في حياة الشخصيات ويغير الوضع إلى حد بعيد، ويمكن فهم هذه الأحداث على أنها رمزية تعكس التحولات الاجتماعية والثقافية في المجتمع، وكيف يتعين على الأفراد التكيف معها والبحث عن حلول لمواجهة التحديات التي تواجههم.
ما يميز الفيلم هو قدرته على تجسيد الجوانب الاجتماعية والإنسانية لهذه القصة المأساوية فالممثلون يقدمون أداءً مميزًا، وينجحون في تجسيد تعقيد الشخصيات والصراعات التي تواجهها. الإخراج والتصوير السينمائي يساهمان في إيصال القصة بشكل جميل، ويظهران الدمار والفوضى الناجمة عن الزلزال بشكل واقعي.
يجمع فيلم “إمزورن” بين الواقعية والأبعاد الاجتماعية والإنسانية بشكل متقن، ويعرض تأثير الأحداث الكارثية على حياة الناس بطريقة مؤثرة، ويقدم تجربة سينمائية قوية تجعلك تفكر في العديد من المواضيع الاجتماعية والإنسانية، وهو فيلم يستحق بالفعل المشاهدة.
إنه تجسيد فني للثقافة والتحولات الاجتماعية في ريف المغرب، فيلم يستحق الاهتمام نظرًا لتناوله مواضيع ثقافية واجتماعية مهمة، ولتميزه بكونه أول فيلم تلفزيوني بلهجة أمازيغية ريفية. يعتبر هذا الفيلم تجسيدًا فنيًا بارزًا لتعزيز اللغة والثقافة الأمازيغيتين في قلب المغرب، وإسهاما فنيا ذا قيمة عالية قدم كهدية لأهالي الريف، حيث تظهر فيه مفردات المناظر الطبيعية الساحرة للريف المغربي، وذلك إلى جانب استخدام قاعة السينما الوحيدة التي كانت تعمل في تلك المنطقة وهي “موريطانيا” في إمزورن.
يمكن القول إن المخرج جمال السويسي قد أبدع إلى حد بعيد في هذا العمل الفني، وقدم تحفة فنية تُعَدّ هدية نفيسة للمنطقة وتعزيزًا للسينما المغربية بشكل عام.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
تجسيد سينمائي للتحولات الاجتماعية الطارئة على الريف المغربي.
الثلاثاء 2023/09/12
ShareWhatsAppTwitterFacebook
الزلازل تحضر في أفلام وثائقية
لا تحضر الزلازل والكوارث الطبيعية بكثرة في السينما المغربية، فمحاولات التطرق إليها وإلى تداعياتها على المجتمع وتركيبته نادرة، ومنها فيلم “إمزورن” الذي يوثق التغيرات الاجتماعية الكبرى التي طرأت على الريف المغربي جراء زلزال الحسيمة الشهير الذي ضرب المغرب في العام 2004 ولا تزال تداعياته حية في ذاكرة المغاربة.
يعد فيلم “إمزرون” للمخرج جمال السويسي والذي يوثق أحداث زلزال إمزورن الذي هز منطقة الحسيمة في المغرب في العام 2004، مثالا عن الجهود المستمرة للحفاظ على التراث اللغوي والثقافي للأمازيغ في المغرب، وتعزيز استخدامه في توثيق الكوارث الطبيعية والأضرار التي تخلفها ومدى تعايش الشعب معها، وتم إخراج الفيلم بمهارة من قبل المخرج جمال السويسي، ويعتمد على سيناريو قوي ألفه محمد ليونسي بالتعاون مع منصف القديري، ويقدم رؤية قوية للأحداث والشخصيات.
تبرز أحداث الفيلم الزلزال الذي هز منطقة الحسيمة (شمال المغرب) مسببًا دمارًا هائلًا وتأثيرًا كبيرًا على حياة السكان المحليين. وهو يأخذنا إلى عالم الدراما الاجتماعية حيث يصور واقع الحياة في المجتمع الريفي المغربي بتفاصيله المعقدة، ويسلط الضوء على قضايا التعامل مع الكوارث الطبيعية والعائلة والزواج والهوية الثقافية باستخدام لهجة أمازيغية ريفية.
ومن خلال قصة الفيلم، نتعرف على عائلة “ربهة”، وهي عائلة نسبيًا ثرية تفتخر بمكانتها وثروتها، حيث يتم تسليط الضوء على عدة قضايا اجتماعية معقدة من خلال هذه العائلة، مثل مشكلة الأمّ السلطوية وتعدد الزوجات وهجرة الزوج.
الفيلم يصور واقع الحياة في المجتمع الريفي المغربي بتفاصيله، ويسلط الضوء على قضايا التعامل مع الكوارث الطبيعية
عاشت “ربهة” في عائلتها الصغيرة بخير، ابنة زوجتها السابقة القادمة من خلفية مادية متواضعة، لم تكن تجربة مليئة بالحظوظ لاسيما بعد ثلاث سنوات من زواجها دون أن ترزق بأطفال. بعد مرور هذه الفترة دون النجاح في تكوين عائلة خاصة بها، قررت “ربهة” النظر في اتخاذ خطوة جديدة بزواج ابنها الوحيد، “ميمون”، من ابنة عمها “زليخة”.
بعد عودة “ميمون” من رحلته العملية في هولندا، قرر رغم حبه العميق لزوجته الحالية “خيرة” أن يواجه أمه بصراحة وشجاعة للتعبير عن رفضه لفكرة هذا الزواج الجديد، وعلى الرغم من عناد أفراد العائلة الكبار وإصرار زوجته الصالحة، وبعد تهديد بفقدان جزء من ثروته، اضطر “ميمون” للموافقة على هذا الزواج بغض النظر عن مشاعره الشخصية.
تأثرت هذه الحياة الهادئة على نحو سريع جدًا بزلزال عنيف هز مدينة إمزورن، مما تسبب في أضرار جسيمة على كل الأصعدة، سواء من الناحية البشرية أو المادية، ومن ضمن هذه الأضرار تضرر منزل “رب الأسرة” الكبير الذي تعرض للانهيار.
بعد عدة ساعات لاحقًا، تمكن سكان القرية الشجعان من استخراج “خيرة” والرضيع الصغير من تحت الأنقاض، وتبين أنهما نجيا بأعجوبة، بدأت “خيرة” بعد ذلك في البحث عن زوجها وأمها، وبفضل الجهود المشتركة مع بقية سكان القرية، تم العثور عليهما في نهاية المطاف تحت خيمة مؤقتة.
في سياق هذه الأحداث غير المتوقعة والمروعة، خرجت “خيرة” من منزلها الصغير الذي نجا من الزلزال دون أن يتأثر به، بهدف المشاركة في جهود إنقاذ زوجها وأمه، بعد ذلك التفتت إلى “زليخة” التي كانت تصرخ بشدة وكانت في حالة من الذعر، وفي نهاية الأمر قامت “خيرة” بمساعدة “زليخة” لتلد بنجاح وبحضور ومعاونة من الجيران، لكنها توفيت بعد ولادة الطفل.
هذا الزلزال الذي ضرب إقليم الحسيمة شمال المغرب هو واحد من أعنف الزلازل، أسفر عن تكبد العديد من المناطق والقرى أضراراً هائلة. تبرز بين هذه المناطق بلدة آيت قماره، حيث يقيم حوالي 7 آلاف شخص وتم إنشاء معظم مبانيها باستخدام الطوب، وللأسف تم تدميرها تماما.
كان يوما عاديا تحول فجأة إلى كابوس للأفراد والمجتمع على حد سواء. ذلك اليوم ضرب الزلزال العنيف المنطقة، مخلفا وراءه دمارا هائلا وخرابًا غير متوقع.
كانت خيرة من بين الشخصيات البارزة، امرأة شجاعة ومتفانية. عندما هز الزلزال المنزل، لم تتردد في الخروج بسرعة بغية المشاركة في جهود الإنقاذ، إنقاذ زوجها وأمها اللذين كانا عالقين تحت الأنقاض، تزامنت قوتها الشخصية وتصميمها على مواجهة المصاعب مع قدرتها على اتخاذ القرارات الصعبة وهكذا أصبحت مصدر إلهام للآخرين في هذه اللحظات الصعبة.
على الجانب الآخر، تبرز شخصية زليخة التي تمثل الضعف والهشاشة، كانت زليخة في حالة من الذعر خلال الزلزال، ولم تكن قادرة على التصرف بفعالية، هذا يعكس تأثير الكوارث الطبيعية على الأفراد الذين يحتاجون إلى المساعدة والدعم النفسي للتعامل مع الأحداث المروعة.
المخرج جمال السويسي أبدع إلى حد بعيد في هذا العمل الفني، وقدم هدية نفيسة للمنطقة وتعزيزا للسينما المغربية
يؤثر الزلزال في حياة الشخصيات ويغير الوضع إلى حد بعيد، ويمكن فهم هذه الأحداث على أنها رمزية تعكس التحولات الاجتماعية والثقافية في المجتمع، وكيف يتعين على الأفراد التكيف معها والبحث عن حلول لمواجهة التحديات التي تواجههم.
ما يميز الفيلم هو قدرته على تجسيد الجوانب الاجتماعية والإنسانية لهذه القصة المأساوية فالممثلون يقدمون أداءً مميزًا، وينجحون في تجسيد تعقيد الشخصيات والصراعات التي تواجهها. الإخراج والتصوير السينمائي يساهمان في إيصال القصة بشكل جميل، ويظهران الدمار والفوضى الناجمة عن الزلزال بشكل واقعي.
يجمع فيلم “إمزورن” بين الواقعية والأبعاد الاجتماعية والإنسانية بشكل متقن، ويعرض تأثير الأحداث الكارثية على حياة الناس بطريقة مؤثرة، ويقدم تجربة سينمائية قوية تجعلك تفكر في العديد من المواضيع الاجتماعية والإنسانية، وهو فيلم يستحق بالفعل المشاهدة.
إنه تجسيد فني للثقافة والتحولات الاجتماعية في ريف المغرب، فيلم يستحق الاهتمام نظرًا لتناوله مواضيع ثقافية واجتماعية مهمة، ولتميزه بكونه أول فيلم تلفزيوني بلهجة أمازيغية ريفية. يعتبر هذا الفيلم تجسيدًا فنيًا بارزًا لتعزيز اللغة والثقافة الأمازيغيتين في قلب المغرب، وإسهاما فنيا ذا قيمة عالية قدم كهدية لأهالي الريف، حيث تظهر فيه مفردات المناظر الطبيعية الساحرة للريف المغربي، وذلك إلى جانب استخدام قاعة السينما الوحيدة التي كانت تعمل في تلك المنطقة وهي “موريطانيا” في إمزورن.
يمكن القول إن المخرج جمال السويسي قد أبدع إلى حد بعيد في هذا العمل الفني، وقدم تحفة فنية تُعَدّ هدية نفيسة للمنطقة وتعزيزًا للسينما المغربية بشكل عام.
ShareWhatsAppTwitterFacebook