"الرجل الرابع" والنقد المباشر لتدهور السينما المصرية
محمود كامل يصوب عدسته نحو المنتجين أكبر المتسببين في تدهور السينما.
الاثنين 2023/09/11
ShareWhatsAppTwitterFacebook
مخرج عاطل عن العمل
تغير سوق الإنتاج السينمائي، ولم يعد المنتج يكتفي بالتوجيه وإنما أصبح منتجا وكاتبا، وأحيانا كثيرة يأتمر بأمر بطل العمل السينمائي الذي يستغل نجوميته ليصنع أفلاما على مقاسه الشخصي، وفق رؤيته الذاتية حتى وإن كانت ضبابية، لذلك تراجعت السينما بكثرة في مصر، ولا تزال الأصوات تتعالى لتدارك الأمر واستعادة الريادة عربيا. من هذه الأصوات فيلم “الرجل الرابع” الذي ينتقد طريقة العمل في هذا القطاع.
عرفت مصر طوال منتصف قرن مضى بأنها “هوليوود الشرق”، فيها أنتجت أشهر الأعمال السينمائية العربية، ومنها اشتهر أغلب الفنانين العرب، وبعضهم كانت القاهرة محطته نحو العالمية، إلا أن السينما اتخذت منذ أكثر من عقد طريقا متسارعة نحو الانحدار، مع انتشار أعمال سينمائية تجارية تفتقر للإبداع وتكرس سلطة النجم الأوحد والمنتج العبقري “الفهيم” الذي يفرض ذوقه ومصلحته وكتاباته ويفعل بالسينما ما لم يفعله عدو بعدوه.
انطلاقا من هذه “المأساة” المستمرة، جاءت فكرة فيلم “الرجل الرابع” الذي أخرجه المصري محمود كامل وعرض للمرة الأولى في العام 2022 في صالات الإمارات العربية المتحدة.
واقعية مفرطة
أحداث فيلم "الرجل الرابع" تدور في إطار كوميدي حول السينما السائدة في الوقت الحالي في مصر
ليس من الغريب أن يكون مخرج فيلم “الرجل الرابع” هو المصري محمود كامل، فهذا المخرج يملك موهبة استثنائية منحته خصوصية بالغة وجعلته واحدا من أهم رموز عالم الإخراج في مصر والوطن العربي، له مشروعه الإخراجي الذي يجلعه ينتقي الأعمال السينمائية والدرامية الجادة التي تقدم قصصا وحكايات من واقع المجتمع وتهتم بالنفس البشرية وتحولاتها العميقة، ظهر ذلك بوضوح منذ تجربته الأولى في فيلم “ميكانو”، ثم توالت تجاربه التي تحظى بإشادة النقاد وتنجح في تقديم أشهر الممثلين العرب في أدوار جديدة ومواضيع لم يسبق لهم الخوض فيها.
ويأتي فيلم “الرجل الرابع” ليعبر عن أفكار يؤمن بها هذا المخرج ولا يتردد بين الحين والآخر في التصريح بها، فهو من أشد المحذرين من تدهور السينما والدراما في العالم العربي.
وتدور أحداث فيلم “الرجل الرابع” في إطار كوميدي حول السينما السائدة في الوقت الحالي في مصر، من خلال التطرق إلى حكاية أحد كبار المنتجين الدخلاء على المهنة والذي يقوم بإنتاج فيلم تجاري بحت في فترة قصيرة، وكواليس إنتاج هذا الفيلم التي تتطرق بدورها إلى معاناة العاملين في قطاع السينما من مخرجين وممثلين وتقنيين.
يبدو كل شيء في الفيلم مفرطا في الواقعية، فمنذ لقطاته ومشاهده الأولى من السهل أن تصيب المشاهد صدمة من نوعية الصورة وطبيعة المشاهد والحوار وأداء الممثلين الذي يبدو فيه الكثير من الاستخفاف، من السهل أن تصيبه حالة ملل من “الإفيهات” المفتعلة التي لن تنجح في إضحاكه على الأغلب، ومن الحكاية المرتبكة ومن الصراخ والشجار المنتشرين في كل مكان.
هذه الواقعية المفرطة، ركز عليها المخرج محمود كامل ونقلها لنا بالكثير من الأمانة، ليكون الفيلم راويا وشاهدا أيضا على المستوى المنحدر الذي بلغته السينما المصرية التجارية، تلك التي تراهن على أسماء كبيرة وتتعامل مع المخرجين على أنهم موظفون يأتمرون بأمر المنتجين دون فرض رؤية فنية أو ممارسة مهنته وفق ضوابطها وأسسها.
أحداث فيلم "الرجل الرابع" تندرج في إطار كوميدي وتدور حول السينما السائدة حاليا في مصر
في هذا الفيلم يمارس المنتج ممدوح الأمريكاني (الممثل عمرو عبدالجليل) سلطته المطلقة لإنتاج فيلم سينمائي، يصر على كتابة السيناريو الخاص به، والتعاون مع أشخاص تربطه بهم مصالح ونزوات عاطفية منهم الستايلست سونيا (الممثلة زينة منصور). ولأنه يشتري الناس بماله فيرفض كل محاولات التعديل في الفيلم، يفشل ثلاثة مخرجين في إتمام الإنتاج، منهم من تعرض لضرب مبرح من المنتج ومنهم من انسحب، ويلجأ علي الطيب مدير الإنتاج (الممثل ياسر الطوبجي) إلى البحث عن مخرج رابع، ومن هنا جاءت تسمية الفيلم بـ”الرجل الرابع” الذي يلعب دوره الممثل حمدي الميرغني (صلاح فتحي).
هذا الرجل الرابع، المكتئب، الذي أغلق على نفسه وحول بيته إلى مختبر للتمثيل، يقدم صورة عن المخرجين المصريين والعرب من أصحاب المشاريع الفنية والرؤى التي تؤمن بأن للسينما دورا إصلاحيا وهي أيضا مرآة عاكسة للمجتمعات وثقافتها، هؤلاء الذين يعاني عدد كبير منهم البطالة القسرية، فقط لأنهم يرفضون العمل وفق ما تفرضه متغيرات سوق السينما من محاباة ووسطية وشللية وتقشف مبالغ فيه في مصاريف الإنتاج تعود بالسلب على مستوى المنتج النهائي، هم مخرجون عاطلون عن العمل، لا يجدون من يتعاون معهم من المنتجين ولا من يقبل سيناريوهات أعمالهم.
تراجع ملموس
المنتج لم يعد يكتفي بالتوجيه
قد يرى البعض أن الفيلم لا يحقق المتعة، وربما ذهب البعض إلى القول إنه أضاع ساعة ونصف الساعة من عمره لمشاهدة هذا العمل الذي لم يضحكه كغيره من الأفلام التي لعب بطولتها نجوم من مسرح مصر أمثال حمدي الميرغني، لكن الفيلم بإحداثه هذا الشعور لدى المشاهد قد يكون نجح في إيصال رسالته، وفي تقديم صورة حقيقية عن حالة التدهور الكبير التي وصلتها السينما المصرية.
إنه فيلم كوميدي خفيف لكنه جدي يعالج موضوعا مهما بمشاهد وأحداث مكثفة، وفي حين نجح المنتج ممدوح الأمريكاني في تقديم فيلم ناجح بالتخلي عن لعب دور المخرج والمنتج والكاتب، والسماح للمخرج الجديد بإجراء تعديلاته اللازمة، فإن فيلم “الرجل الرابع” لم يحظ بالنجاح الكبير، ربما لأنه يعالج موضوعا لا يرغب أحد في الحديث عنه وخاصة من أهل الفن السابع.
إلى جانب الإنتاج الربحي، يعد انحدار مستوى الكتابة، إحدى أبرز مشكلات السينما المصرية هذه السنوات، فالكتاب البارعون لم يعودوا موجودين إلا القليل منهم، ومن يكتبون الآن هم حسب بعض النقاد “أنصاف مواهب”.
ورشات الكتابة المنتشرة في كل مكان ومنصات البث الرقمي التي فرضت ضوابط جديدة على سوق الفن، حولت الكتابة من إبداع إلى صنعة، هذا التحول “الفظيع” جعلنا نرى أفلاما ومسلسلات هدفها تحقيق نسب مشاهدة عالية دون الاهتمام بالمحتوى وتأثيره في المشاهد ومن ثم تأثيره في بناء تفكير مجتمع بأكمله.
إلى جانب الإنتاج الربحي، يعد انحدار مستوى الكتابة، إحدى أبرز مشكلات السينما المصرية هذه السنوات
قديما عرفت السينما المصرية منتجين يحبون السينما ويؤمنون بأهميتها، منتجين يشترون نصوصا مهمة وأحيانا أعمالا روائية شهيرة ويتعاقدون مع كتاب سيناريو جيدين لتحويلها إلى أفلام، وكان لهم الدور الأكبر في تحويل مصر إلى هوليوود الشرق، وشاهدنا أعمالا خالدة إلى اليوم كتلك التي لعب بطولتها أحمد زكي أو عادل إمام من روايات لنجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس أو غيرهما من الروائيين العرب والعالميين.
في السابق كان المنتج يشتري عملا روائيا ويتعاقد مع سيناريست جيد لكتابة الفيلم، أو يشتري سيناريو مكتوبا من قبل الكتاب الكبار، ويختار باقي أفراد فريق العمل، وعلى رأسهم المخرج الذي يترك له مهمة إنجاز الفيلم في الجوانب الإبداعية منه، إنما الآن أصبح بطل العمل هو من يتحكم في العملية الإنتاجية بأكملها، فهو من يختار المخرج، ويختار كاتب السيناريو ليفصل له عملا على مزاجه، دون النظر إلى جودة العمل، ويختار من يشاركه التمثيل ومن يصمم أزياءه، ولا يرضى بكلمة أعلى من كلمته أو بقرار ينسف قراراته، فأصبحنا نشاهد أعمالا تكتب على مقاس فلان أو علان وهو ما انتقده فيلم “الرجل الرابع” بشدة.
نظرا لإنتاجها عددا كبيرا من الأعمال الفنية في السينما، كانت مصر ولا تزال قبلة فنية في الوطن العربي، ولكن مع مرور الوقت اتخذت بعض الأعمال طريقها إلى الانحدار، فانتشرت الأعمال التي تفتقر إلى الإبداع، ووجد الفنانون في أسواق ناشئة مساحة أكثر جدية وانضباطا فنيا لتقديم مواهبهم والعمل من أجل الفن والربح لا من أجل الربح قبل الفعل الفني، لذلك حان الوقت ليستفيق أهل القطاع ويعيدوا بوصلته نحو أعمال ذات جدوى، تحترم فكر المشاهد وتمنح كل العاملين في السينما أدوراهم وتحتكم لمنتجين يعملون من أجل تطوير القطاع وليس تطوير حساباتهم البنكية وشهرتهم فقط.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
محمود كامل يصوب عدسته نحو المنتجين أكبر المتسببين في تدهور السينما.
الاثنين 2023/09/11
ShareWhatsAppTwitterFacebook
مخرج عاطل عن العمل
تغير سوق الإنتاج السينمائي، ولم يعد المنتج يكتفي بالتوجيه وإنما أصبح منتجا وكاتبا، وأحيانا كثيرة يأتمر بأمر بطل العمل السينمائي الذي يستغل نجوميته ليصنع أفلاما على مقاسه الشخصي، وفق رؤيته الذاتية حتى وإن كانت ضبابية، لذلك تراجعت السينما بكثرة في مصر، ولا تزال الأصوات تتعالى لتدارك الأمر واستعادة الريادة عربيا. من هذه الأصوات فيلم “الرجل الرابع” الذي ينتقد طريقة العمل في هذا القطاع.
عرفت مصر طوال منتصف قرن مضى بأنها “هوليوود الشرق”، فيها أنتجت أشهر الأعمال السينمائية العربية، ومنها اشتهر أغلب الفنانين العرب، وبعضهم كانت القاهرة محطته نحو العالمية، إلا أن السينما اتخذت منذ أكثر من عقد طريقا متسارعة نحو الانحدار، مع انتشار أعمال سينمائية تجارية تفتقر للإبداع وتكرس سلطة النجم الأوحد والمنتج العبقري “الفهيم” الذي يفرض ذوقه ومصلحته وكتاباته ويفعل بالسينما ما لم يفعله عدو بعدوه.
انطلاقا من هذه “المأساة” المستمرة، جاءت فكرة فيلم “الرجل الرابع” الذي أخرجه المصري محمود كامل وعرض للمرة الأولى في العام 2022 في صالات الإمارات العربية المتحدة.
واقعية مفرطة
أحداث فيلم "الرجل الرابع" تدور في إطار كوميدي حول السينما السائدة في الوقت الحالي في مصر
ليس من الغريب أن يكون مخرج فيلم “الرجل الرابع” هو المصري محمود كامل، فهذا المخرج يملك موهبة استثنائية منحته خصوصية بالغة وجعلته واحدا من أهم رموز عالم الإخراج في مصر والوطن العربي، له مشروعه الإخراجي الذي يجلعه ينتقي الأعمال السينمائية والدرامية الجادة التي تقدم قصصا وحكايات من واقع المجتمع وتهتم بالنفس البشرية وتحولاتها العميقة، ظهر ذلك بوضوح منذ تجربته الأولى في فيلم “ميكانو”، ثم توالت تجاربه التي تحظى بإشادة النقاد وتنجح في تقديم أشهر الممثلين العرب في أدوار جديدة ومواضيع لم يسبق لهم الخوض فيها.
ويأتي فيلم “الرجل الرابع” ليعبر عن أفكار يؤمن بها هذا المخرج ولا يتردد بين الحين والآخر في التصريح بها، فهو من أشد المحذرين من تدهور السينما والدراما في العالم العربي.
وتدور أحداث فيلم “الرجل الرابع” في إطار كوميدي حول السينما السائدة في الوقت الحالي في مصر، من خلال التطرق إلى حكاية أحد كبار المنتجين الدخلاء على المهنة والذي يقوم بإنتاج فيلم تجاري بحت في فترة قصيرة، وكواليس إنتاج هذا الفيلم التي تتطرق بدورها إلى معاناة العاملين في قطاع السينما من مخرجين وممثلين وتقنيين.
يبدو كل شيء في الفيلم مفرطا في الواقعية، فمنذ لقطاته ومشاهده الأولى من السهل أن تصيب المشاهد صدمة من نوعية الصورة وطبيعة المشاهد والحوار وأداء الممثلين الذي يبدو فيه الكثير من الاستخفاف، من السهل أن تصيبه حالة ملل من “الإفيهات” المفتعلة التي لن تنجح في إضحاكه على الأغلب، ومن الحكاية المرتبكة ومن الصراخ والشجار المنتشرين في كل مكان.
هذه الواقعية المفرطة، ركز عليها المخرج محمود كامل ونقلها لنا بالكثير من الأمانة، ليكون الفيلم راويا وشاهدا أيضا على المستوى المنحدر الذي بلغته السينما المصرية التجارية، تلك التي تراهن على أسماء كبيرة وتتعامل مع المخرجين على أنهم موظفون يأتمرون بأمر المنتجين دون فرض رؤية فنية أو ممارسة مهنته وفق ضوابطها وأسسها.
أحداث فيلم "الرجل الرابع" تندرج في إطار كوميدي وتدور حول السينما السائدة حاليا في مصر
في هذا الفيلم يمارس المنتج ممدوح الأمريكاني (الممثل عمرو عبدالجليل) سلطته المطلقة لإنتاج فيلم سينمائي، يصر على كتابة السيناريو الخاص به، والتعاون مع أشخاص تربطه بهم مصالح ونزوات عاطفية منهم الستايلست سونيا (الممثلة زينة منصور). ولأنه يشتري الناس بماله فيرفض كل محاولات التعديل في الفيلم، يفشل ثلاثة مخرجين في إتمام الإنتاج، منهم من تعرض لضرب مبرح من المنتج ومنهم من انسحب، ويلجأ علي الطيب مدير الإنتاج (الممثل ياسر الطوبجي) إلى البحث عن مخرج رابع، ومن هنا جاءت تسمية الفيلم بـ”الرجل الرابع” الذي يلعب دوره الممثل حمدي الميرغني (صلاح فتحي).
هذا الرجل الرابع، المكتئب، الذي أغلق على نفسه وحول بيته إلى مختبر للتمثيل، يقدم صورة عن المخرجين المصريين والعرب من أصحاب المشاريع الفنية والرؤى التي تؤمن بأن للسينما دورا إصلاحيا وهي أيضا مرآة عاكسة للمجتمعات وثقافتها، هؤلاء الذين يعاني عدد كبير منهم البطالة القسرية، فقط لأنهم يرفضون العمل وفق ما تفرضه متغيرات سوق السينما من محاباة ووسطية وشللية وتقشف مبالغ فيه في مصاريف الإنتاج تعود بالسلب على مستوى المنتج النهائي، هم مخرجون عاطلون عن العمل، لا يجدون من يتعاون معهم من المنتجين ولا من يقبل سيناريوهات أعمالهم.
تراجع ملموس
المنتج لم يعد يكتفي بالتوجيه
قد يرى البعض أن الفيلم لا يحقق المتعة، وربما ذهب البعض إلى القول إنه أضاع ساعة ونصف الساعة من عمره لمشاهدة هذا العمل الذي لم يضحكه كغيره من الأفلام التي لعب بطولتها نجوم من مسرح مصر أمثال حمدي الميرغني، لكن الفيلم بإحداثه هذا الشعور لدى المشاهد قد يكون نجح في إيصال رسالته، وفي تقديم صورة حقيقية عن حالة التدهور الكبير التي وصلتها السينما المصرية.
إنه فيلم كوميدي خفيف لكنه جدي يعالج موضوعا مهما بمشاهد وأحداث مكثفة، وفي حين نجح المنتج ممدوح الأمريكاني في تقديم فيلم ناجح بالتخلي عن لعب دور المخرج والمنتج والكاتب، والسماح للمخرج الجديد بإجراء تعديلاته اللازمة، فإن فيلم “الرجل الرابع” لم يحظ بالنجاح الكبير، ربما لأنه يعالج موضوعا لا يرغب أحد في الحديث عنه وخاصة من أهل الفن السابع.
إلى جانب الإنتاج الربحي، يعد انحدار مستوى الكتابة، إحدى أبرز مشكلات السينما المصرية هذه السنوات، فالكتاب البارعون لم يعودوا موجودين إلا القليل منهم، ومن يكتبون الآن هم حسب بعض النقاد “أنصاف مواهب”.
ورشات الكتابة المنتشرة في كل مكان ومنصات البث الرقمي التي فرضت ضوابط جديدة على سوق الفن، حولت الكتابة من إبداع إلى صنعة، هذا التحول “الفظيع” جعلنا نرى أفلاما ومسلسلات هدفها تحقيق نسب مشاهدة عالية دون الاهتمام بالمحتوى وتأثيره في المشاهد ومن ثم تأثيره في بناء تفكير مجتمع بأكمله.
إلى جانب الإنتاج الربحي، يعد انحدار مستوى الكتابة، إحدى أبرز مشكلات السينما المصرية هذه السنوات
قديما عرفت السينما المصرية منتجين يحبون السينما ويؤمنون بأهميتها، منتجين يشترون نصوصا مهمة وأحيانا أعمالا روائية شهيرة ويتعاقدون مع كتاب سيناريو جيدين لتحويلها إلى أفلام، وكان لهم الدور الأكبر في تحويل مصر إلى هوليوود الشرق، وشاهدنا أعمالا خالدة إلى اليوم كتلك التي لعب بطولتها أحمد زكي أو عادل إمام من روايات لنجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس أو غيرهما من الروائيين العرب والعالميين.
في السابق كان المنتج يشتري عملا روائيا ويتعاقد مع سيناريست جيد لكتابة الفيلم، أو يشتري سيناريو مكتوبا من قبل الكتاب الكبار، ويختار باقي أفراد فريق العمل، وعلى رأسهم المخرج الذي يترك له مهمة إنجاز الفيلم في الجوانب الإبداعية منه، إنما الآن أصبح بطل العمل هو من يتحكم في العملية الإنتاجية بأكملها، فهو من يختار المخرج، ويختار كاتب السيناريو ليفصل له عملا على مزاجه، دون النظر إلى جودة العمل، ويختار من يشاركه التمثيل ومن يصمم أزياءه، ولا يرضى بكلمة أعلى من كلمته أو بقرار ينسف قراراته، فأصبحنا نشاهد أعمالا تكتب على مقاس فلان أو علان وهو ما انتقده فيلم “الرجل الرابع” بشدة.
نظرا لإنتاجها عددا كبيرا من الأعمال الفنية في السينما، كانت مصر ولا تزال قبلة فنية في الوطن العربي، ولكن مع مرور الوقت اتخذت بعض الأعمال طريقها إلى الانحدار، فانتشرت الأعمال التي تفتقر إلى الإبداع، ووجد الفنانون في أسواق ناشئة مساحة أكثر جدية وانضباطا فنيا لتقديم مواهبهم والعمل من أجل الفن والربح لا من أجل الربح قبل الفعل الفني، لذلك حان الوقت ليستفيق أهل القطاع ويعيدوا بوصلته نحو أعمال ذات جدوى، تحترم فكر المشاهد وتمنح كل العاملين في السينما أدوراهم وتحتكم لمنتجين يعملون من أجل تطوير القطاع وليس تطوير حساباتهم البنكية وشهرتهم فقط.
ShareWhatsAppTwitterFacebook