صداقة الفنان الهولندي فنسنت فان غوخ مع الفنان الفرنسي بول غوغان
Vincent van Gogh and Paul Gauguin
لمدة 63 يومًا خلال خريف عام 1888 ، كان المنزل الأصفر في زاوية ساحة لامارتين في بلدة آرل بجنوب فرنسا موطنًا لفنسنت فان جوخ وبول غوغان ، وهما من الرسامين ما بعد الانطباعية على مسارات فنية متباينة. تم تخليد المسكن المتواضع المكون من طابقين ، في رسومات فان غوخ
انتقل فنسنت إلى آرل من باريس ليؤسس ما أسماه "استوديو الجنوب" - مكان مثالي للعيش والتعاون مع زملائه الرسامين أثناء دراسة المناطق الريفية المحيطة. قبل غوغان دعوة فان جوخ الحماسية ، متأثرًا بشدة بالدعم المالي الموعود من تاجر الأعمال الفنية ، الأخ الأكبر لفان جوخ ، ثيو ، الذي صاحب موافقته. قررفنسنت أن أول ضيوفه يجب أن يكون فنانه المفضل، بول غوغان. فأرسل له رسائل عدة يمتدح فيها من أسماه ّ"السَيّد"، حتى أنه قال له في إحداها إنه يرى أعماله الشخصية عادية جداً مقارنة بأعمال غوغان. في الحقيقة، غوغان اعتقد ذلك أيضاً. وفي مذكراته قال، "أنا لا أقدّر اللوحة، بل أقدّر الرجل".
بعد الكثير من الإلحاح، قبل غوغان دعوة الفنان الصغير، الذي كان مهتماً جداً بالتعلّم من الفنان "السيّد". لا يمكنكم تخيّل فرحة فان غوخ عند تلقيه خبر زيارة غوغان بالإضافة إلى لوحة ذاتية اصطحبها معه. يقال إن فان كوخ أخذ تلك اللوحة معه إلى كل مكان في المدينة وأخبر الجميع عن تلك الزيارة المهمة. كما نعلم، عانى الرسّام معظم حياته من وضع اقتصادي صعب، ولكنه كان متحمّساً لدرجة أنّه جمّع بعض المال لشراء سريرين وضعهما في الغرفة نفسها، كما أنّه أعطى بعض الوقت لرسم عدد من نبات عباد الشمس على جدران الغرفة البيضاء لجعلها أكثر دفئاً ورحابة.
في البداية، جرت الأمور كما خطط لها. بدأ الإثنان بالعمل على لوحاتهما، وحتّى أن غوغان كتب أنّه لاحظ تحسّناً كبيراً في أداء فان كوخ الفنّي. لكن سرعان ما بدأت المناوشات بينهما، كما يحصل عادة عندما يعيش شخصان سويّاً. إذ انتقد غوغان فان غوخ قائلاً "في كل مكان وفي كل شيء رأيت فوضى صدمتني. صندوق ألوانه لم يكن يتّسع لتلك الأنابيب كلّها، صندوق مزدحم ولا يمكن إغلاقه".
من الممكن أن فنسنت كان فوضوياً ولكن على الأرجح أنّ غوغان كان أيضاً مهووساً بالنّظافة، فلم يكن من الجميل عيشهما معاً وتشاركهما الأشياء نفسها. كما أنهما وضعا أموالهما سويّاً. فكان فنسنت يتبضَع، وبول يطهي. لكن الأخير لم يكن راضياً. في الكثير من مذكراته قإل إن تلك الأسابيع لم تكن تنتهي.وسرعان ما اكتشف غوغان ذلك بنفسه. فقد كتب أنه استيقظ مرات عدة من نومه ليرى مضيفه يمشي نحوه بطريقة غريبة. لكن لم يكن هذا الشيء الوحيد. فقد بدأ مزاج فنسنت بالتغيّر، مما أخاف "السيّد الكبير". وفي إحدى الليالي التي قضاها الإثنان في مقهى مجاور للبيت، فقد فان غوخ السيطرة على نفسه. بدا عليه الاستياء والغضب حيث "قبض على زجاجة مشروب كان يتناولها وقذفني بمحتواها على رأسي. تجنبتها وأخذته سريعاً بين ذراعي إلى خارج المقهى. عبرنا شارع فكتور هوكو، ثم ذهبنا إلى النوم كأن شيئاً لم يكن. في الصباح أخبرته بأنّ يتذكر بأنه كان هجومياً معي. إعتذر وقبلت اعتذاره، لكنه أخبرني بأنه من الممكن لذلك أن يحدث مجدداً ٠إعتقد غوغان أنه لا يمكن للأمور أن تزداد سوءاً، وكان يمشي في الشارع، قبل يومين من عيد الميلاد، عندما سمع صوت خطوات تقترب منه من الخلف. خائف، نظر خلفه ليرى فنسنت يلاحقه حاملاً بيده موساً للحلاقة. "من الواضح أنه كان لنظرتي تأثير قوي في لحظتها، لأنه توقف حانياً رأسه، ثم ركض عائداً نحو المنزل". محتار، أمضى غوغان ليلته في الفندق، وفي اليوم التالي ذهب إلى البيت الأصفر كي يطمئن على فان غوخ، ليجد الشرطة مع حشد من الاشخاص مجتمعين في الخارج. أخبرته السلطات بأن الرسّام قطع أذنه ووجد مستلقياً على سريره المغطى بالدماء. كما يروى أنه عندما قص أذنه، ذهب إلى بيت الدعارة المجاور وأعطى أذنه إلى بائعة هوى تدعى راشيل قائلاً لها بأن "تحتفظ بهذا الشيء كأنه كنز". اليوم، وبالرغم أنّ غوغان والصحف آنذاك روت تلك القصة، يمكن ألا تكون هي القصة الحقيقية وراء كل ما حكي عن أذن فان غوخ الشهيرة. إذ بعد دراسة الحالة لمدة عشر سنوات، صرّح مؤرخون عن اعتقادهم بأن ذلك لم يحصل. إذ بعد دراسة وتحليل لتحقيق الشرطة، وإفادات الشهود وكتابات ورسائل الشخصيتان، تبيّن لمؤرخين ألمان، أن الفنانان كانا في خضم جدال عندما أصبح فان كوخ عنيفا جداً وسارع نحو غوغان (كما حدث سابقاً). كما كان لدى الأخير خبرة في القتال، فأخذ سيفه ليهدد "خصمه".
اليوم، لا يعرف المؤرخون إن كانت هذه مجرد حادثة أو أنها عمل متعمد، ولكنهم متأكدون أن غوغان هو الذي قطع أذن فان غوخ. ولكن كيف تأكدوا من ذلك؟ في الواقع، جميع تصريحات الطرفين تناقض بعضها البعض، وهناك كتابات من قبلهما تشير إلى ما حدث فعلاً. على سبيل المثال، وفي رسالة أرسلها فان غوخ إلى شقيقه يخبره بها عن الحادثة قال له إنه "لحسن الحظ غوغان ليس مسلحاً بالرشاشات والآلات الحربية الأخرى". وفي تشخيص مكتوب للدكتور فليكس راي، وهو الطبيب الذي عاين فان غوخ عندما كان ينزف، قال إنه على الرغم من أن القصة تروي قطع طرف أذنه فقط، ففي الحقيقة قطع الفنان أذنه بأكملها فاضحاً رواية قطع غوغان لأذن مضيفه بسيفه. بغض النظر أي الروايتين هي الأصح، من الواضح أن قصة فان غوخ مازالت مثيرة للاهتمام حتى اليوم. خرج فان غوخ في صباح 27 تموز/ يوليو 1890 ليرسم كالمعتاد ولكن هذه المرة كان يحمل مسدسًا، وأطلق النار على صدره، ولكن الرصاصة لم تقتله. وعُثر عليه ينزف في غرفته، ونقل إلى مستشفى قريب وأرسل أطباؤه إلى ثيو، الذي وصل ليجد شقيقه جالسًا في السرير يدخن الغليون. أمضى الشقيقان اليومين التاليين بالحديث معًا، ثم طلب فان غوخ من ثيو أن يأخذه إلى المنزل. توفي فنسنت فان غوخ بين ذراعي أخيه في 29 تموز/ يوليو 1890، وكان عمره 37 عامًا.
توفي ثيو، الذي كان يعاني من مرض الزهري، بعد ستة أشهر ودفن في أوتريخت، ولكن في عام 1914 قامت زوجته جوانا، التي كانت مؤيدة لأعمال فان غوخ، بنقل ضريح ثيو إلى مقبرة أوفير ليدفن بجوار فنسنت.
تم أنتاج فلم سينمائي عن هذه الفترة بين لقاء فنسنت وغوغان يستحق المشاهدة ٠
اعداد هاشم حنون
Vincent van Gogh and Paul Gauguin
لمدة 63 يومًا خلال خريف عام 1888 ، كان المنزل الأصفر في زاوية ساحة لامارتين في بلدة آرل بجنوب فرنسا موطنًا لفنسنت فان جوخ وبول غوغان ، وهما من الرسامين ما بعد الانطباعية على مسارات فنية متباينة. تم تخليد المسكن المتواضع المكون من طابقين ، في رسومات فان غوخ
انتقل فنسنت إلى آرل من باريس ليؤسس ما أسماه "استوديو الجنوب" - مكان مثالي للعيش والتعاون مع زملائه الرسامين أثناء دراسة المناطق الريفية المحيطة. قبل غوغان دعوة فان جوخ الحماسية ، متأثرًا بشدة بالدعم المالي الموعود من تاجر الأعمال الفنية ، الأخ الأكبر لفان جوخ ، ثيو ، الذي صاحب موافقته. قررفنسنت أن أول ضيوفه يجب أن يكون فنانه المفضل، بول غوغان. فأرسل له رسائل عدة يمتدح فيها من أسماه ّ"السَيّد"، حتى أنه قال له في إحداها إنه يرى أعماله الشخصية عادية جداً مقارنة بأعمال غوغان. في الحقيقة، غوغان اعتقد ذلك أيضاً. وفي مذكراته قال، "أنا لا أقدّر اللوحة، بل أقدّر الرجل".
بعد الكثير من الإلحاح، قبل غوغان دعوة الفنان الصغير، الذي كان مهتماً جداً بالتعلّم من الفنان "السيّد". لا يمكنكم تخيّل فرحة فان غوخ عند تلقيه خبر زيارة غوغان بالإضافة إلى لوحة ذاتية اصطحبها معه. يقال إن فان كوخ أخذ تلك اللوحة معه إلى كل مكان في المدينة وأخبر الجميع عن تلك الزيارة المهمة. كما نعلم، عانى الرسّام معظم حياته من وضع اقتصادي صعب، ولكنه كان متحمّساً لدرجة أنّه جمّع بعض المال لشراء سريرين وضعهما في الغرفة نفسها، كما أنّه أعطى بعض الوقت لرسم عدد من نبات عباد الشمس على جدران الغرفة البيضاء لجعلها أكثر دفئاً ورحابة.
في البداية، جرت الأمور كما خطط لها. بدأ الإثنان بالعمل على لوحاتهما، وحتّى أن غوغان كتب أنّه لاحظ تحسّناً كبيراً في أداء فان كوخ الفنّي. لكن سرعان ما بدأت المناوشات بينهما، كما يحصل عادة عندما يعيش شخصان سويّاً. إذ انتقد غوغان فان غوخ قائلاً "في كل مكان وفي كل شيء رأيت فوضى صدمتني. صندوق ألوانه لم يكن يتّسع لتلك الأنابيب كلّها، صندوق مزدحم ولا يمكن إغلاقه".
من الممكن أن فنسنت كان فوضوياً ولكن على الأرجح أنّ غوغان كان أيضاً مهووساً بالنّظافة، فلم يكن من الجميل عيشهما معاً وتشاركهما الأشياء نفسها. كما أنهما وضعا أموالهما سويّاً. فكان فنسنت يتبضَع، وبول يطهي. لكن الأخير لم يكن راضياً. في الكثير من مذكراته قإل إن تلك الأسابيع لم تكن تنتهي.وسرعان ما اكتشف غوغان ذلك بنفسه. فقد كتب أنه استيقظ مرات عدة من نومه ليرى مضيفه يمشي نحوه بطريقة غريبة. لكن لم يكن هذا الشيء الوحيد. فقد بدأ مزاج فنسنت بالتغيّر، مما أخاف "السيّد الكبير". وفي إحدى الليالي التي قضاها الإثنان في مقهى مجاور للبيت، فقد فان غوخ السيطرة على نفسه. بدا عليه الاستياء والغضب حيث "قبض على زجاجة مشروب كان يتناولها وقذفني بمحتواها على رأسي. تجنبتها وأخذته سريعاً بين ذراعي إلى خارج المقهى. عبرنا شارع فكتور هوكو، ثم ذهبنا إلى النوم كأن شيئاً لم يكن. في الصباح أخبرته بأنّ يتذكر بأنه كان هجومياً معي. إعتذر وقبلت اعتذاره، لكنه أخبرني بأنه من الممكن لذلك أن يحدث مجدداً ٠إعتقد غوغان أنه لا يمكن للأمور أن تزداد سوءاً، وكان يمشي في الشارع، قبل يومين من عيد الميلاد، عندما سمع صوت خطوات تقترب منه من الخلف. خائف، نظر خلفه ليرى فنسنت يلاحقه حاملاً بيده موساً للحلاقة. "من الواضح أنه كان لنظرتي تأثير قوي في لحظتها، لأنه توقف حانياً رأسه، ثم ركض عائداً نحو المنزل". محتار، أمضى غوغان ليلته في الفندق، وفي اليوم التالي ذهب إلى البيت الأصفر كي يطمئن على فان غوخ، ليجد الشرطة مع حشد من الاشخاص مجتمعين في الخارج. أخبرته السلطات بأن الرسّام قطع أذنه ووجد مستلقياً على سريره المغطى بالدماء. كما يروى أنه عندما قص أذنه، ذهب إلى بيت الدعارة المجاور وأعطى أذنه إلى بائعة هوى تدعى راشيل قائلاً لها بأن "تحتفظ بهذا الشيء كأنه كنز". اليوم، وبالرغم أنّ غوغان والصحف آنذاك روت تلك القصة، يمكن ألا تكون هي القصة الحقيقية وراء كل ما حكي عن أذن فان غوخ الشهيرة. إذ بعد دراسة الحالة لمدة عشر سنوات، صرّح مؤرخون عن اعتقادهم بأن ذلك لم يحصل. إذ بعد دراسة وتحليل لتحقيق الشرطة، وإفادات الشهود وكتابات ورسائل الشخصيتان، تبيّن لمؤرخين ألمان، أن الفنانان كانا في خضم جدال عندما أصبح فان كوخ عنيفا جداً وسارع نحو غوغان (كما حدث سابقاً). كما كان لدى الأخير خبرة في القتال، فأخذ سيفه ليهدد "خصمه".
اليوم، لا يعرف المؤرخون إن كانت هذه مجرد حادثة أو أنها عمل متعمد، ولكنهم متأكدون أن غوغان هو الذي قطع أذن فان غوخ. ولكن كيف تأكدوا من ذلك؟ في الواقع، جميع تصريحات الطرفين تناقض بعضها البعض، وهناك كتابات من قبلهما تشير إلى ما حدث فعلاً. على سبيل المثال، وفي رسالة أرسلها فان غوخ إلى شقيقه يخبره بها عن الحادثة قال له إنه "لحسن الحظ غوغان ليس مسلحاً بالرشاشات والآلات الحربية الأخرى". وفي تشخيص مكتوب للدكتور فليكس راي، وهو الطبيب الذي عاين فان غوخ عندما كان ينزف، قال إنه على الرغم من أن القصة تروي قطع طرف أذنه فقط، ففي الحقيقة قطع الفنان أذنه بأكملها فاضحاً رواية قطع غوغان لأذن مضيفه بسيفه. بغض النظر أي الروايتين هي الأصح، من الواضح أن قصة فان غوخ مازالت مثيرة للاهتمام حتى اليوم. خرج فان غوخ في صباح 27 تموز/ يوليو 1890 ليرسم كالمعتاد ولكن هذه المرة كان يحمل مسدسًا، وأطلق النار على صدره، ولكن الرصاصة لم تقتله. وعُثر عليه ينزف في غرفته، ونقل إلى مستشفى قريب وأرسل أطباؤه إلى ثيو، الذي وصل ليجد شقيقه جالسًا في السرير يدخن الغليون. أمضى الشقيقان اليومين التاليين بالحديث معًا، ثم طلب فان غوخ من ثيو أن يأخذه إلى المنزل. توفي فنسنت فان غوخ بين ذراعي أخيه في 29 تموز/ يوليو 1890، وكان عمره 37 عامًا.
توفي ثيو، الذي كان يعاني من مرض الزهري، بعد ستة أشهر ودفن في أوتريخت، ولكن في عام 1914 قامت زوجته جوانا، التي كانت مؤيدة لأعمال فان غوخ، بنقل ضريح ثيو إلى مقبرة أوفير ليدفن بجوار فنسنت.
تم أنتاج فلم سينمائي عن هذه الفترة بين لقاء فنسنت وغوغان يستحق المشاهدة ٠
اعداد هاشم حنون