سر حضور الصحفي أكثر من الفيلسوف
صورة: منير امحيمداتهسبريس من الرباطالأحد 3 شتنبر 2023 - 12:00
قال الناقد المغربي محمد بنعزيز إن “الصحافي يرصد أخبارا تتجدد على مدار الساعة، في حين ينظر الفيلسوف في كتب قديمة ويعلن أنه لا جديد تحت الشمس، فيستخدم المفاهيم نفسها منذ ألفي عام، ولذلك، يجد الشعب صعوبة في متابعته”.
وتناول بنعزيز، في مقال له، مجموعة من الجوانب المرتبطة بعمل كلّ من الصحافي والفيلسوف، انطلاقا من سؤاليْن هما “لماذا صارت الصحافة أكثر حضورا من الفلسفة؟” و”ماذا يكتب الصحافي والفيلسوف الآن؟”
هذا نص المقال:
يكتب الصحافي عن الوقائع هنا والآن، عن حرارة الطقس وغلاء المعيشة وخطر المخدرات وتنقلات اللاعبين. يرصد أخبارا تتجدد على مدار الساعة.
أحيانا، يقع الجديد في أقل من ساعة. لذلك، هناك مواقع وقنوات تبث نشرات أخبار على مدار الساعة، لرصد الجديد الذي يتجاوزها من فرط سرعته.
يكفي أن يمر الصحافي عند خضار الحي ليلاحظ الجديد في حجم وشكل ولون وثمن الطماطم. كما ارتفعت الحرارة انكمشت الطماطم وتعفنت.
من جهته، ينظر الفيلسوف في كتب قديمة ويعلن: أنه لا جديد تحت الشمس. يستخدم المفاهيم نفسها منذ ألفي عام. لذلك، يجد الشعب صعوبة في متابعته؛ لأنه تجريدي منفصل عن انشغالات الشعب، ولا ينشغل بالتنقيب في الوقائع كما يفعل ميشيل فوكو مثلا.
يقول فلاسفة التاريخ إن الميدان السياسي محكوم بتعاقب غير قابل للتبديل؛ مثل نظرية ابن خلدون عن العصبية القبلية ورابطة الدم والعمران وتعاقب وتكرار مراحل انتقال الدولة من البداوة إلى أوج الحضارة ثم أسباب ضعفها وتدهورها وتفككها.
تنتقد حنة أرندت، في كتابها “في الثورة”، القول بالاستمرارية السياسية والثبات والزعم بأنه “لا جديد تحت الشمس” وتتهم فلاسفة التاريخ بأنهم أضفوا على الميدان السياسي وقارا لا يستحقه، والخطير هو أنهم لم يأخذوا الشؤون البشرية مأخذ الجد. لذلك، تجاوزهم مؤرخو الحوليات.
بدل التأمل الفلسفي الذي يأخذ مسافة وزمنا يرصد الصحافي ما يتغير ويتحرك يوميا، هنا والآن. لذا، يتابعه الشعب. بفضل الصحافة، صارت ممارسة الحكم مسألة علنية. لم يسبق للناس أن كان لديهم كل هذه المعلومات حول حكامهم، وقد غيرتِ الصحافة الناس أيضا، تحولوا من كونهم ملايين من الأفراد إلى قوة ضاغطة وتحكمية تسمى “الرأي العام”.
كلما اشتد انقسام النخب زادة أهمية الصحافة، وكلما قلت خلافات النخب خبا دور الصحافي.
بنى المؤرخون القدماء، من الإغريق والرومان، تفسيراتهم للتاريخ على التعاقب ورصدوا العناصر الثابتة والجوهرية. في عمله يتجنب الصحافي اللجوء إلى الفيلسوف المنشغل بالجوهر المتعالي ويستنجد بالتقنوقراطي الخبير الذي يملك الأرقام والإحصائيات..
ما الذي جرى؟
جواب إدوارد سعيد:
“اختفى المفكر العلماني العام” في الثقافة والإمبريالية، ص 384. ومن حل مكانه؟ الخبير التقنوقراطي.
يركز الفيلسوف على المفاهيم ويرصد الصحافي الوقائع، يتنقل بين أجناس الكتابة الصحافية من خبر وحوار ورأي وتحقيق وتحليل إخباري… مع تجنب مطبّ عدم الدقّة الذي يؤدي إلى تلويث النقاش العمومي.
في كل يوم يرصد الصحافي جديدا تحت الشمس، ينقل جون دو لافونتين قولا على لسان كائن: اعطوني نصيبي وافعلوا ما شئتم بما تبقى من غنيمة المدينة.
لكن طريقة الوصول إلى الغنيمة تتجدد كل يوم في مدن المغرب. تقول الجدة المغربية عن مثل هذه الوقائع في افتراس الغنيمة “كل ما أكلته المعزة في الجبل سيدفعه جلدها في دار الدباغ”، في السياسة هناك معز يأكل في البحر والجبل ولا يدفع. وهذا الجديد هو موضوع الصحافي. لذلك، صارت الصحافة أكثر حضورا من الفلسفة في المشهد الثقافي الكوني.
آخر جديد، الرجل العظيم بيل غيتس وبعد إطلاقه برنامج “الوورد” منذ عقود لتكتب الشعوب لغاتها وتصحح بسهولة، ها هو فتى الكومبيوتر رجل الميدان يطلق أكثر