صناعة النبيذ في تونس تئن تحت وطأة موجة القيظ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صناعة النبيذ في تونس تئن تحت وطأة موجة القيظ

    تاكلسة (تونس) - أضر قيظ الصيف بصناعة النبيذ الصغيرة في تونس، بعدما أدى إلى الإضرار بمحصول العنب أو دماره وشعور المزارعين وتجار النبيذ بالخوف على مستقبلهم جراء تغير المناخ الذي جعل الطقس أشد حرا وجفافا في شمال أفريقيا.

    وفي السابق كان قطاع صناعة النبيذ ينتعش مع كل موسم قطاف للعنب، وهو ما يدرّ قرابة 160 مليون دولار سنويا على خزينة الدولة، التي تحتكر إنتاجه، ويوفر الآلاف من فرص العمل.

    وعرف المشروب المحلي المتوارثة صناعته منذ القرن الثامن قبل الميلاد عالميا بجودته، لكن اليوم أصبح تحت وطأة ظروف الطقس، التي قد تجعله يلتحق بالكثير من المجالات الأخرى التي عانت من تبعات تراجع الإنتاج الزراعي.

    وتتباين تقديرات مدى انخفاض إنتاج النبيذ من نحو 20 في المئة تقريبا توقعها الكيلاني بالحاج من وزارة الفلاحة والصيد البحري إلى انخفاض بنسب تتراوح بين 40 و50 في المئة في توقعات رئيس نقابة منتجي الكروم سليم شاوش.


    رئيس نقابة منتجي الكروم سليم شاوش رجح انخفاض الإنتاج بين 40 و50 في المئة هذا العام


    كما حذر صانعو النبيذ في فرنسا وأماكن أخرى في جنوب أوروبا، أي المناطق المتاخمة لحوض المتوسط كاليونان وإسبانيا وإيطاليا، من انخفاض إنتاج النبيذ هذا العام بسبب ارتفاع درجات الحرارة.

    وقال المزارع وجدي قرايع لتلفزيون رويترز إن إنتاج مزرعته “انخفض بما يتراوح بين الخُمسين والثلاثة أخماس هذا العام بعد ارتفاع درجات الحرارة في يوليو الماضي”، مشيرا إلى أن الحرارة خفضت مستويات السكر في العنب الذي يزرعه.

    وقال “كانت درجات الحرارة مرتفعة جدا، ما بين 38 و48 درجة، وقد أثرت كثيرا على عناقيد العنب، وعفا السكر الموجود داخل العنب”. وأضاف “العناقيد جفت من شدة الحرارة وقلة الأمطار هذه السنة”.

    وشدد قرايع على أن هذه التغيرات المناخية أثرت على كمية وجودة الإنتاج مما يؤثر على القطاع بصفة عامة”.

    وقال “قمنا بتأخير عملية قطف المحصول لنصل إلى درجات سكر مقبولة وننتج نوعية جيدة من النبيذ، ولكن هذا سيؤثر على كمية المحصول”.

    وفي العصور القديمة كانت تونس منتجا رئيسيا للنبيذ في ظل الإمبراطوريتين القرطاجية والرومانية، وبدأ الإنتاج على نطاق تجاري مرة أخرى في ظل الاستعمار الفرنسي، غير أن البلاد لم تصبح مُصدّرا مهما للنبيذ.

    ومع ذلك تخزن متاجر السوبر ماركت التونسية مجموعة واسعة من منتجات النبيذ المصنوع محليا ولعل أشهرها حاليا المعروف تجاريا باسم “ماغون”، والعديد منها من التلال الشمالية الخصبة بالقرب من قاعدة شبه جزيرة الرأس الطيب.
    160


    مليون دولار حجم الإيرادات السنوية التي تجنيها خزينة الدولة من القطاع الذي تحتكر إنتاجه

    وأنواع النبيذ المنتشرة في السوق المحلية ثلاثة هي الأحمر والوردي والأبيض، مثل سيدي الرايس وسيدي سعد وبيللي فيلاج وقرطاج 300 وبوعرقوب وغيرها.

    وتتراوح أسعار القارورة الواحدة بين سبعة دينارات (2.2 دولار) وثلاثين دينارا (9.5 دولار) أو أكثر لبعض الأنواع الأكثر جودة.

    وبحسب التقديرات تنتج تونس حوالي 32 مليون قارورة نبيذ سنويا سعة أقل من لتر، يتم تسويق أغلبها في السوق المحلية، خاصة في الفنادق والمطاعم السياحية والمنتجعات.

    وتؤكد المعطيات الرسمية الصادرة عن وزارة الصناعة أن صناعة النبيذ تأتي في المرتبة الثالثة بعد كل من إنتاج زيت الزيتون والقمح على المستوى الزراعي.

    وأشارت دراسة نشرتها شركة ألفا كونسولتينغ في أكتوبر الماضي إلى أن تونس تحتل المرتبة الأولى بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث نسب استهلاك الكحول والسادسة بين دول حوض المتوسّط.

    وعادة ما يتم قطف العنب في الصباح الباكر ونقله إلى منشأة معالجة حديثة في مدينة تاكلسة التابعة لولاية (محافظة) نابل في شمال شرق البلاد لتحويله إلى نبيذ.

    وقال قرايع إن “المُزارع هذه السنة يعاني، هناك زراعة لم تستطع تحصيل أي عنقود عنب من المحصول، كل المحاصيل غير المسقية لم تنتج شيئا، المحاصيل المسقية قاومت قليلا لكن أغلب المزارعين تضرروا ضررا كبيرا جدا”.

    وفي شركة كروم هضاب تاكلسة، التي تنتج النبيذ من العنب الذي يزرعه قرايع ونحو 160 مزارعا آخر، يقول مدير الشركة حمادي بريك إنه يعيد جدولة ديون المزارعين ويغير مواصفات العنب لمساعدتهم على تدبير أمورهم.

    وأضاف لتلفزيون رويترز أن “المزارعين اشتكوا، وأخذنا هذا الموسم بعين الاعتبار”.


    وتعطي الكثير من المؤشرات دليلا واضحا على أن هذه السلعة مطلوبة، حيث يتم استهلاك النبيذ بشكل كبير. وباستثناء السياح هناك أكثر من مليوني مستهلك في السوق المحلية.

    ورغم تغير المناخ إلا أن المهنيين في هذا القطاع يتطلعون إلى تشجيع الدولة على تحرير القطاع وتحسين جودة النبيذ التونسي وتسهيل صناعته.

    ولكن الظروف المالية التي تعاني منها الدولة تجعل الأمر يبدو صعبا حتى مع دعوات الرئيس قيس سعيد إلى دعمها وذلك بالنظر إلى تحديات الاحتباس الحراري.

    وتسهم الزراعة بحوالي 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ونحو 11 في المئة من الصادرات، ويعمل فيها حوالي 16 في المئة من إجمالي الأيدي العاملة في كافة القطاعات الاقتصادية.

    وتركت ثلاث سنوات من الجفاف العديد من سدود البلاد، البالغ عددها 37 سدا، مستنفدة أو فارغة، ودفعت الحكومة إلى زيادة أسعار مياه الصنبور للمنازل والشركات.

    ولطالما أطلقت أوساط اقتصادية صفارات الإنذار، بمن في ذلك راضية سمين من مرصد المياه التونسي التي أكدت قبل أشهر أنه “حان الوقت لتعلن السلطات حالة الطوارئ المائية”، محذرة من خطر الوصول إلى “حالة العطش”.

    وتستثمر الدولة في بناء سدود إضافية لمحاولة تخزين أكبر قدر ممكن من المياه العذبة. وقال وزير الاقتصاد سمير سعيد في وقت سابق هذا العام إن “تونس تعد دراسات لسدود جديدة ومحطات لتحلية مياه البحر من أجل التنمية بحلول عام 2025”.

    وتشير الأرقام إلى خطورة أزمة المياه في تونس مع تراجع معدل استهلاك الفرد سنويا إلى قرابة 400 متر مكعب، بينما يتراوح المعدل الاعتيادي عالميا والضامن للاحتياجات الحياتية بين 700 و900 متر مكعب، وفق منظمة الأغذية والزراعة (فاو).
يعمل...
X