من هي أسمهان، السيرة الذاتية لأسمهان، نبذة عن أسمهان، ما لاتعرفه عن أسمهان
المطربة أسمهان، بين الفن والسياسة.. حياة غنية وموت غامض، تعتبر أسمهان مطربة من الطراز الرفيع, حيث رأى فيها المعاصرون نِداً لأم كلثوم, كما أن منهم من يعتقد أنها لو عاشت فترة أطول لتفوقت عليها, كما أن أسمهان لم تكتفِ بالعمل الفني, إنما عملت في السياسة, وما يزال موتها لغزاً حتى اليوم إثر ذلك.
الزمن الجميل، العصر الذهبي للموسيقى العربية، حيث شهد العالم العربي مطلع القرن العشرين نهضة في الألحان والكلمات، إضافة إلى الأصوات المميزة التي أطربت الجماهير العربية، من بين هذه الأصوات الطربية الأصيلة، المطربة السورية أسمهان، التي لم تكن مجرد مغنية، إنما شخصية مثيرة للجدل، فما هي الأسرار التي لا تعرفها عن أسمهان؟
معلومات أسمهان الشخصية
الاسم بالكامل
آمال فهد إسماعيل الأطرش
الوظيفة
مطربة
الجنسية
سوري
تاريخ الميلاد
25 نوفمبر عام 1912
الوفاة
14 يوليو عام 1944
البرج
القوس
أسمهان وطفولة متوترة
ولدت أسمهان في الخامس والعشرين من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1917, على متن باخرة كانت تقل العائلة من تركيا إلى بيروت, حيث كان والدها الأمير فهد الأطرش مديراً لناحية ديمرجي (Demirci) التركية, إلا أنه اضطر لمغادرة تركيا إثر خلافات مع الحكومة التركية مع بداية هزيمة الأتراك في الحرب العالمية الأولى, أما أمها فهي علياء المنذر لبنانية من حاصبيا, كانت معروفة بصوتها الجميل, إضافة إلى إتقانها العزف على العود، وكانت أسمهان أصغر إخوتها, وهما فؤاد وفريد, أما اسمها الحقيقي فهو "آمال الأطرش" وكانت عائلة الأطرش من العائلات الدرزية السورية العريقة.
توترت الأوضاع في جبل الدروز بعد إعلان الانتداب الفرنسي على سوريا عام 1920, و بدأت الأحداث تأخذ طابعاً عنيفاً منذ عام 1923, مما أضطر عائلة أسمهان للهروب بسبب نشاطات الأمير فهد, حيث تنقلت العائلة بين دمشق وبيروت وحيفا, لينتهي بها المطاف في مصر, إلا أن سفر الأميرة علياء مع أبنائها إلى مصر كان مخالفاً لرغبة الأمير فهد, مما أدى لانفصالهما, وانقطاع الاتصال بين العائلة في القاهرة, وجذورها في السويداء.
وصلت أسمهان مع أمها وأخويها إلى مصر في عام 1923 تقريباَ, حيث كان الفقر بانتظارهم, خصوصاً أنهم خسروا امتيازات العائلة نتيجة الخلاف بين الأم والأب, فاستأجرت علياء بيتاً صغيراً في القاهرة, وبدأت العمل في الخياطة, وفي الأديرة, إضافة إلى عملها كمغنية.
من آمال الأطرش إلى أسمهان
دخلت آمال مدرسة الراهبات الكاثوليكية في القاهرة، إلا أن الأم اضطرت لتغيير شهرة أبنائها من الأطرش إلى كوسا، لتحصل على تخفيضات في تكاليف الدراسة، حيث إن عائلة الأطرش معروفة أنها عائلة غنية، إضافة إلى ذلك كانت العائلة على اتصال مباشر بالأوساط الفنية المصرية، التي تعتبر في ذلك الوقت قبلة الفن العربي، حيث برزت موهبة فريد الأطرش أخو أسمهان، مما أهله ليتعرف على العديد من كبار الملحنين والمطربين، من بينهم الملحن داوود حسين، الذي زار فريد الأطرش في منزله، فسمع صوت آمال تغني في غرفتها، فأصر على الاستماع إليها ثانية، واصفًا صوتها أنه "قادم من الجنة"، في رواية أخرى، أن داوود حسين سمع آمال في زيارة له إلى مدرستها، لكن الثابت أن صوت آمال أثار إعجابه، فأطلق عليها اسم "أسمهان"، وهي مغنية فارسية.
كانت أسمهان في الرابعة عشرة من عمرها عندما قابلت الملحن داوود حسين، وسجلت أغنيتها الأولى في الخامسة عشرة، ثم غنت مع فريد الأطرش في ناد ليلي، في شارع عماد الدين، كانت تملكه سيدة تدعى ماري منصور.
كانت أسمهان وعلى الرغم من وفاة أبيها عام 1925، كانت تعاني من تسلط أخيها الأكبر فؤاد، حيث كان فؤاد متمسكًا بالعادات والتقاليد التي ورثها عن أبيه، كما كان الوحيد بين إخوته الذي عرف حياة الأمراء في جبل العرب، مما أثر في طباعه وفكره، لذلك كان معارضاَ لعمل آمال في الغناء، وحاول الضغط عليها بشتى الوسائل لتتخلى عن طموحها بالنجومية، وأخيرًا تمكن فؤاد من الاتفاق مع ابن عمه الأمير حسن الأطرش ليسيطروا على جموح آمال، فجاء الأمير حسن الأطرش إلى مصر عام 1934، ليتزوج آمال، ثم أخذها معه إلى جبل العرب، لتقضي أسمهان خمس سنوات تقريبًا بعيدًا عن الفن والغناء، بعيدًا عن القاهرة.
العودة إلى القاهرة. النجومية مجدداً
اتخذت آمال الأطرش قرارها بالانفصال عن ابن عمها الأمير حسن الأطرش عام 1939، بعد أن أنجبت منه ابنتها كاميليا، ثم عادت إلى القاهرة، حيث بدأت مباشرة العمل على استعادة ما فقدته من الشهرة والمجد، فشاركت الموسيقار محمد عبد الوهاب في أوبريت (مجنون ليلى)، الذي عُرض من خلال فيلم (يوم سعيد) عام 1939، ثم حصلت على فرصتها السينمائية الأولى كممثلة، من خلال فيلم انتصار الشباب عام 1941، بالمشاركة مع فريد الأطرش، حيث قدمت من خلاله العديد من الأغاني التي ساهمت في إبراز مقدرتها الغنائية، أبرزها (الشمس غابت أنوارها)، (الورد)، كما أن قصة الفيلم تكاد تكون قصة أسمهان نفسها، حيث يروي الفيلم قصة ملحن شاب (فريد الأطرش) يأتي مع أخته من الشام إلى مصر، باحثين عن فرصة للشهرة، الفيلم من إخراج محمد بدرخان.
الفيلم الثاني الذي قدمته أسمهان، كان بالتعاون مع المنتج أحمد سالم، تحت عنوان (غرام وانتقام) عام 1944، الفيلم من تأليف وإخراج يوسف وهبي، وبطولة أسمهان، حيث قدمت من خلاله أشهر أغانيها (امتى ح تعرف)، (ليالي الأنس في فيينا)، وكانت هذه الأغنية من ألحان فريد الأطرش وكلمات الشاعر المصري أحمد رامي، إضافة إلى مساهمة هذه الأغنية في إبراز قدرة أسمهان الصوتية، فقد قدمت هذه الأغنية تجربة فريدة للدمج بين الموسيقى الغربية والموسيقى العربية، كذلك كانت أغنية (يا طيور) التي تخللتها مقاطع أوبرالية بصوت أسمهان.
هذين الفيلمين هما فقط ما قدمته أسمهان للسينما، حيث توفيت قبل تصوير آخر مشهد من فيلم (غرام وانتقام)، مما جعل المخرج يغير نهاية الفيلم، التي من المفترض أن يلتقي فيها البطل بالبطلة ليتزوجا.
الزواج من أجل الحب.. ومن أجل الوطن
كانت أسمهان متوسطة الجمال، ملامحها حادة، ونظرتها ثاقبة، كما كانت جذابة، تتصرف بطريقة أرستقراطية، إضافة إلى ذلك، فقد عرفت حياة أسمهان القصيرة العديد من التجارب العاطفية، إلا أنها لم تكن ناجحة أبدًا.
زوج أسمهان الأول هو الأمير حسن الأطرش من أبناء عمومتها، في عمر السادسة عشرة، كان هذا الزواج مدبرًا من قبل فؤاد الأخ الأكبر، الذي شعر بالعار لأن أخته امتهنت الغناء، حيث رحلت أسمهان عن مصر خمس سنوات، ثم عادت إليها مطلّقة، إلا أن ابنتها كاميليا بقيت مع أبيها، وكان سبب الطلاق الرئيسي أن أسمهان لم تتمكن من التقيد بالعادات والتقاليد المفروضة على النساء في جبل العرب، إضافة أنها محط أنظار الجميع باعتبارها من الأمراء، فيجب عليها أن تراقب تصرفاتها جيدًا، كي لا تسبب الإحراج للعائلة، من جهة ثانية لم تنسَ أسمهان طموحها الفني، حيث أنها كانت تتوق للعودة إلى القاهرة لاستئناف ما بدأته.
عادت أسمهان إلى الوسط الفني بعودتها إلى مصر، حيث دخلت بعلاقة عاطفية مع المخرج محمد بدرخان، فتطورت علاقتهما في أثناء تصوير فيلم (انتصار الشباب)، وربما تزوجته عرفيًا، لكن هذه العلاقة لم تدم طويلًا، حيث انفصلا بعد أسابيع.
تزوجت أسمهان عام 1941 من ابن عمها حسن الأطرش مرة ثانية، لكن هذه المرة كانت المخابرات البريطانية هي من دبر عودة الزوجين إلى بعضهما، حيث عملت أسمهان على مساعدة البريطانيين بإقناع قيادات جبل الدروز بالانضمام إلى الحلفاء، لإسقاط نظام فيشي الفرنسي في سوريا ولبنان، مقابل منح الاستقلال لكلا الدولتين، فنجحت أسمهان في هذه المهمة، إلا أنها مجددًا لم تنجح في إنقاذ زواجها، حيث هجرت زوجها ثانيًا، وسافرت إلى القدس، ثم إلى القاهرة.
زواج أسمهان الثالث كان من الصحفي والمنتج أحمد سالم، الذي أنتج فيلمها الثاني والأخير (غرام وانتقام)، كذلك لم تكن علاقتهما جيدة، لكنه كان زواج أسمهان الأخير.
صديق أسمهان القديم الصحفي محمد التابعي، أحبها بجنون، ورافقها في معظم أحداث حياتها المصيرية، كما كتب عنها في مجلته آخر ساعة الكثير من المقالات الشاعرية، لكنهما لم يتزوجا، كما يعتقد أنها كانت في طريقها إليه عند وفاتها.
أسمهان والجاسوسية
تعرضت أسمهان للطرد من القاهرة في عام 1941، حيث عملت الملكة ناظلي والدة الملك فاروق على ذلك، أما السبب فكان الغيرة التي تملكت الملكة عندما شعرت بميل حسنين باشا رئيس الديوان الملكي والذي دارت حوله وحول الملكة إشاعات حول علاقة غرامية نحو أسمهان، إلا أن الصحفي محمد التابعي تمكن من إلغاء هذا القرار، لكن سرعان ما غادرت أسمهان القاهرة لأسباب مختلقة.
اتصلت المخابرات البريطانية بأسمهان بعد قرار طردها من مصر، فعرضت عليها العمل معها على إقناع قيادات جبل الدروز بالوقوف إلى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، ومساعدة الإنجليز على طرد نظام فيشي الفرنسي من سورية ولبنان، من خلال السماح لقوات فرنسا الحرة الدخول إلى سوريا من جهة السويداء دون مقاومة، يكون ذلك مقابل استقلال الدولتين، فسافرت أسمهان إلى سورية، حيث عادت إلى زوجها الأول حسن الأطرش، كما حصلت أسمهان على مبالغ مالية ضخمة من الإنجليز لقاء خدماتها.
تمكنت أسمهان من أداء مهمتها بنجاح كامل، حيث تمكنت قوات الجنرال ديغول من انتزاع السلطة من قوات فيشي في سوريا ولبنان في يونيو/ حزيران 1941، إلا أن الإنجليز لم يفوا بوعودهم لأسمهان وأهلها بالاستقلال، بل توقفوا عن الدفع لها، فأصيبت بخيبة أمل، ثم حاولت التواصل مع الألمان النازيين، لكن الإنجليز استطاعوا إفشال كل محاولاتها للاتصال بالألمان.
هجرت أسمهان زوجها مجددًا، كما هجرت البلاد على اعتبار أن مهمتها قد انتهت، فسافرت إلى القدس مع ابنتها كاميليا، حيث أقامت في فندق كينج ديفيد (King David)، إلا أن الأمير حسن الأطرش الذي تم تعيينه وزيرًا للحربية في الحكومة السورية آنذاك، أرسل من يأخذ الطفلة ويعيدها إليه، فعادت أسمهان إلى مصر وحيدة في العام نفسه.
يُعتبر تعاون أسمهان مع الإنجليز موضوعاَ جدليًا، حيث ينظر إليه البعض على أنه عمل وطني، اتفاق سياسي ذو أهداف وطنية تتعلق باستقلال سورية، لكن هناك من يتعامل مع هذا التعاون على أنه عمل جاسوسي، الهدف منه المال فحسب، كما يستشهد الذين يتهمونها بالجاسوسية بمحاولتها الاتصال بالألمان للحصول على المال بعد أن تخلى عنها الإنجليز، إضافة إلى ميولها لحياة الترف والبذخ، حيث كانت تحب السهر، إضافة إلى أنها كانت مسرفة في شرب الكحول والتدخين، لكن الدوافع الحقيقية لأسمهان تبقى خفية لا يمكن البت بشأنها.
موت طبيعي أم اغتيال؟
بعد عودة أسمهان إلى مصر، تزوجت من أحمد سالم، وبدأت تصوير فيلمها الأخير (غرام وانتقام)، إلا أن العلاقة بينهما لم تكن بأحسن حالاتها، حيث نشب خلاف كبير بين الزوجين في إحدى ليالي صيف عام 1944، وتطور الشجار بينهما، فقام سالم بإشهار مسدسه، إلا أن الجيران كانوا قد اتصلوا بالشرطة عندما سمعوا الصراخ، فحدث شجار بين سالم والشرطة انتهى بإطلاق أحد عناصر الشرطة النار باتجاه أحمد سالم، فأصيب في صدره، وتم نقله إلى المستشفى، على الرغم من أن الرصاصة لم تقتل سالم، إلا أنها سببت له مشاكل صحية أودت بحياته فيما بعد عام 1949.
بعد أيام قليلة من هذا الشجار، اتجهت أسمهان من القاهرة إلى منطقة رأس البر للاستجمام، ويُرجح أنها كانت ذاهبة إلى الصحفي محمد التابعي الذي كان مقيمًا هناك، في الطريق انحرفت السيارة وسقطت في النيل، فغرقت أسمهان ووصيفتها التي ترافقها، في الساعة العاشرة صباحًا في الرابع عشر من يوليو/ تموز عام 1944.
لم يمر موت أسمهان بسلام بالنسبة للكثيرين، فقد أشارت أصابع الاتهام إلى العديد من الجهات والأشخاص الذين لهم مصلحة في قتل أسمهان، حيث تم اتهام المخابرات البريطانية باغتيال أسمهان خوفًا من أن تعاود الاتصال بالألمان، كما اتُهمت كوكب الشرق أم كلثوم بالوقوف وراء الحادث بدافع الغيرة من أسمهان، والخوف من أن تخطف الأضواء منها، من جانب آخر هناك من أصر على أن الحادث لم يكن مدبرًا، بل مجرد حادث قضاء وقدر.
أخيرًا. مهما يكن، فإن الحياة القصيرة التي عاشتها أسمهان نحو ستة وعشرين عامًا، لم تكن حياة عادية، بل حياة أثرت في مسيرة الأحداث السياسية في العالم، كذلك في مسيرة تطور الموسيقى العربية، كما تم إنتاج مسلسل تلفزيوني عن أسمهان من إنتاج مؤسسة فراس إبراهيم للإنتاج عام 2008، لعبت فيه دور أسمهان الممثلة السورية سلاف فواخرجي، وأخرجه شوقي الماجري.
أغاني اسمهان: (18 أغنية)
المطربة أسمهان، بين الفن والسياسة.. حياة غنية وموت غامض، تعتبر أسمهان مطربة من الطراز الرفيع, حيث رأى فيها المعاصرون نِداً لأم كلثوم, كما أن منهم من يعتقد أنها لو عاشت فترة أطول لتفوقت عليها, كما أن أسمهان لم تكتفِ بالعمل الفني, إنما عملت في السياسة, وما يزال موتها لغزاً حتى اليوم إثر ذلك.
الزمن الجميل، العصر الذهبي للموسيقى العربية، حيث شهد العالم العربي مطلع القرن العشرين نهضة في الألحان والكلمات، إضافة إلى الأصوات المميزة التي أطربت الجماهير العربية، من بين هذه الأصوات الطربية الأصيلة، المطربة السورية أسمهان، التي لم تكن مجرد مغنية، إنما شخصية مثيرة للجدل، فما هي الأسرار التي لا تعرفها عن أسمهان؟
معلومات أسمهان الشخصية
الاسم بالكامل
آمال فهد إسماعيل الأطرش
الوظيفة
مطربة
الجنسية
سوري
تاريخ الميلاد
25 نوفمبر عام 1912
الوفاة
14 يوليو عام 1944
البرج
القوس
أسمهان وطفولة متوترة
ولدت أسمهان في الخامس والعشرين من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1917, على متن باخرة كانت تقل العائلة من تركيا إلى بيروت, حيث كان والدها الأمير فهد الأطرش مديراً لناحية ديمرجي (Demirci) التركية, إلا أنه اضطر لمغادرة تركيا إثر خلافات مع الحكومة التركية مع بداية هزيمة الأتراك في الحرب العالمية الأولى, أما أمها فهي علياء المنذر لبنانية من حاصبيا, كانت معروفة بصوتها الجميل, إضافة إلى إتقانها العزف على العود، وكانت أسمهان أصغر إخوتها, وهما فؤاد وفريد, أما اسمها الحقيقي فهو "آمال الأطرش" وكانت عائلة الأطرش من العائلات الدرزية السورية العريقة.
توترت الأوضاع في جبل الدروز بعد إعلان الانتداب الفرنسي على سوريا عام 1920, و بدأت الأحداث تأخذ طابعاً عنيفاً منذ عام 1923, مما أضطر عائلة أسمهان للهروب بسبب نشاطات الأمير فهد, حيث تنقلت العائلة بين دمشق وبيروت وحيفا, لينتهي بها المطاف في مصر, إلا أن سفر الأميرة علياء مع أبنائها إلى مصر كان مخالفاً لرغبة الأمير فهد, مما أدى لانفصالهما, وانقطاع الاتصال بين العائلة في القاهرة, وجذورها في السويداء.
وصلت أسمهان مع أمها وأخويها إلى مصر في عام 1923 تقريباَ, حيث كان الفقر بانتظارهم, خصوصاً أنهم خسروا امتيازات العائلة نتيجة الخلاف بين الأم والأب, فاستأجرت علياء بيتاً صغيراً في القاهرة, وبدأت العمل في الخياطة, وفي الأديرة, إضافة إلى عملها كمغنية.
من آمال الأطرش إلى أسمهان
دخلت آمال مدرسة الراهبات الكاثوليكية في القاهرة، إلا أن الأم اضطرت لتغيير شهرة أبنائها من الأطرش إلى كوسا، لتحصل على تخفيضات في تكاليف الدراسة، حيث إن عائلة الأطرش معروفة أنها عائلة غنية، إضافة إلى ذلك كانت العائلة على اتصال مباشر بالأوساط الفنية المصرية، التي تعتبر في ذلك الوقت قبلة الفن العربي، حيث برزت موهبة فريد الأطرش أخو أسمهان، مما أهله ليتعرف على العديد من كبار الملحنين والمطربين، من بينهم الملحن داوود حسين، الذي زار فريد الأطرش في منزله، فسمع صوت آمال تغني في غرفتها، فأصر على الاستماع إليها ثانية، واصفًا صوتها أنه "قادم من الجنة"، في رواية أخرى، أن داوود حسين سمع آمال في زيارة له إلى مدرستها، لكن الثابت أن صوت آمال أثار إعجابه، فأطلق عليها اسم "أسمهان"، وهي مغنية فارسية.
كانت أسمهان في الرابعة عشرة من عمرها عندما قابلت الملحن داوود حسين، وسجلت أغنيتها الأولى في الخامسة عشرة، ثم غنت مع فريد الأطرش في ناد ليلي، في شارع عماد الدين، كانت تملكه سيدة تدعى ماري منصور.
كانت أسمهان وعلى الرغم من وفاة أبيها عام 1925، كانت تعاني من تسلط أخيها الأكبر فؤاد، حيث كان فؤاد متمسكًا بالعادات والتقاليد التي ورثها عن أبيه، كما كان الوحيد بين إخوته الذي عرف حياة الأمراء في جبل العرب، مما أثر في طباعه وفكره، لذلك كان معارضاَ لعمل آمال في الغناء، وحاول الضغط عليها بشتى الوسائل لتتخلى عن طموحها بالنجومية، وأخيرًا تمكن فؤاد من الاتفاق مع ابن عمه الأمير حسن الأطرش ليسيطروا على جموح آمال، فجاء الأمير حسن الأطرش إلى مصر عام 1934، ليتزوج آمال، ثم أخذها معه إلى جبل العرب، لتقضي أسمهان خمس سنوات تقريبًا بعيدًا عن الفن والغناء، بعيدًا عن القاهرة.
العودة إلى القاهرة. النجومية مجدداً
اتخذت آمال الأطرش قرارها بالانفصال عن ابن عمها الأمير حسن الأطرش عام 1939، بعد أن أنجبت منه ابنتها كاميليا، ثم عادت إلى القاهرة، حيث بدأت مباشرة العمل على استعادة ما فقدته من الشهرة والمجد، فشاركت الموسيقار محمد عبد الوهاب في أوبريت (مجنون ليلى)، الذي عُرض من خلال فيلم (يوم سعيد) عام 1939، ثم حصلت على فرصتها السينمائية الأولى كممثلة، من خلال فيلم انتصار الشباب عام 1941، بالمشاركة مع فريد الأطرش، حيث قدمت من خلاله العديد من الأغاني التي ساهمت في إبراز مقدرتها الغنائية، أبرزها (الشمس غابت أنوارها)، (الورد)، كما أن قصة الفيلم تكاد تكون قصة أسمهان نفسها، حيث يروي الفيلم قصة ملحن شاب (فريد الأطرش) يأتي مع أخته من الشام إلى مصر، باحثين عن فرصة للشهرة، الفيلم من إخراج محمد بدرخان.
الفيلم الثاني الذي قدمته أسمهان، كان بالتعاون مع المنتج أحمد سالم، تحت عنوان (غرام وانتقام) عام 1944، الفيلم من تأليف وإخراج يوسف وهبي، وبطولة أسمهان، حيث قدمت من خلاله أشهر أغانيها (امتى ح تعرف)، (ليالي الأنس في فيينا)، وكانت هذه الأغنية من ألحان فريد الأطرش وكلمات الشاعر المصري أحمد رامي، إضافة إلى مساهمة هذه الأغنية في إبراز قدرة أسمهان الصوتية، فقد قدمت هذه الأغنية تجربة فريدة للدمج بين الموسيقى الغربية والموسيقى العربية، كذلك كانت أغنية (يا طيور) التي تخللتها مقاطع أوبرالية بصوت أسمهان.
هذين الفيلمين هما فقط ما قدمته أسمهان للسينما، حيث توفيت قبل تصوير آخر مشهد من فيلم (غرام وانتقام)، مما جعل المخرج يغير نهاية الفيلم، التي من المفترض أن يلتقي فيها البطل بالبطلة ليتزوجا.
الزواج من أجل الحب.. ومن أجل الوطن
كانت أسمهان متوسطة الجمال، ملامحها حادة، ونظرتها ثاقبة، كما كانت جذابة، تتصرف بطريقة أرستقراطية، إضافة إلى ذلك، فقد عرفت حياة أسمهان القصيرة العديد من التجارب العاطفية، إلا أنها لم تكن ناجحة أبدًا.
زوج أسمهان الأول هو الأمير حسن الأطرش من أبناء عمومتها، في عمر السادسة عشرة، كان هذا الزواج مدبرًا من قبل فؤاد الأخ الأكبر، الذي شعر بالعار لأن أخته امتهنت الغناء، حيث رحلت أسمهان عن مصر خمس سنوات، ثم عادت إليها مطلّقة، إلا أن ابنتها كاميليا بقيت مع أبيها، وكان سبب الطلاق الرئيسي أن أسمهان لم تتمكن من التقيد بالعادات والتقاليد المفروضة على النساء في جبل العرب، إضافة أنها محط أنظار الجميع باعتبارها من الأمراء، فيجب عليها أن تراقب تصرفاتها جيدًا، كي لا تسبب الإحراج للعائلة، من جهة ثانية لم تنسَ أسمهان طموحها الفني، حيث أنها كانت تتوق للعودة إلى القاهرة لاستئناف ما بدأته.
عادت أسمهان إلى الوسط الفني بعودتها إلى مصر، حيث دخلت بعلاقة عاطفية مع المخرج محمد بدرخان، فتطورت علاقتهما في أثناء تصوير فيلم (انتصار الشباب)، وربما تزوجته عرفيًا، لكن هذه العلاقة لم تدم طويلًا، حيث انفصلا بعد أسابيع.
تزوجت أسمهان عام 1941 من ابن عمها حسن الأطرش مرة ثانية، لكن هذه المرة كانت المخابرات البريطانية هي من دبر عودة الزوجين إلى بعضهما، حيث عملت أسمهان على مساعدة البريطانيين بإقناع قيادات جبل الدروز بالانضمام إلى الحلفاء، لإسقاط نظام فيشي الفرنسي في سوريا ولبنان، مقابل منح الاستقلال لكلا الدولتين، فنجحت أسمهان في هذه المهمة، إلا أنها مجددًا لم تنجح في إنقاذ زواجها، حيث هجرت زوجها ثانيًا، وسافرت إلى القدس، ثم إلى القاهرة.
زواج أسمهان الثالث كان من الصحفي والمنتج أحمد سالم، الذي أنتج فيلمها الثاني والأخير (غرام وانتقام)، كذلك لم تكن علاقتهما جيدة، لكنه كان زواج أسمهان الأخير.
صديق أسمهان القديم الصحفي محمد التابعي، أحبها بجنون، ورافقها في معظم أحداث حياتها المصيرية، كما كتب عنها في مجلته آخر ساعة الكثير من المقالات الشاعرية، لكنهما لم يتزوجا، كما يعتقد أنها كانت في طريقها إليه عند وفاتها.
أسمهان والجاسوسية
تعرضت أسمهان للطرد من القاهرة في عام 1941، حيث عملت الملكة ناظلي والدة الملك فاروق على ذلك، أما السبب فكان الغيرة التي تملكت الملكة عندما شعرت بميل حسنين باشا رئيس الديوان الملكي والذي دارت حوله وحول الملكة إشاعات حول علاقة غرامية نحو أسمهان، إلا أن الصحفي محمد التابعي تمكن من إلغاء هذا القرار، لكن سرعان ما غادرت أسمهان القاهرة لأسباب مختلقة.
اتصلت المخابرات البريطانية بأسمهان بعد قرار طردها من مصر، فعرضت عليها العمل معها على إقناع قيادات جبل الدروز بالوقوف إلى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، ومساعدة الإنجليز على طرد نظام فيشي الفرنسي من سورية ولبنان، من خلال السماح لقوات فرنسا الحرة الدخول إلى سوريا من جهة السويداء دون مقاومة، يكون ذلك مقابل استقلال الدولتين، فسافرت أسمهان إلى سورية، حيث عادت إلى زوجها الأول حسن الأطرش، كما حصلت أسمهان على مبالغ مالية ضخمة من الإنجليز لقاء خدماتها.
تمكنت أسمهان من أداء مهمتها بنجاح كامل، حيث تمكنت قوات الجنرال ديغول من انتزاع السلطة من قوات فيشي في سوريا ولبنان في يونيو/ حزيران 1941، إلا أن الإنجليز لم يفوا بوعودهم لأسمهان وأهلها بالاستقلال، بل توقفوا عن الدفع لها، فأصيبت بخيبة أمل، ثم حاولت التواصل مع الألمان النازيين، لكن الإنجليز استطاعوا إفشال كل محاولاتها للاتصال بالألمان.
هجرت أسمهان زوجها مجددًا، كما هجرت البلاد على اعتبار أن مهمتها قد انتهت، فسافرت إلى القدس مع ابنتها كاميليا، حيث أقامت في فندق كينج ديفيد (King David)، إلا أن الأمير حسن الأطرش الذي تم تعيينه وزيرًا للحربية في الحكومة السورية آنذاك، أرسل من يأخذ الطفلة ويعيدها إليه، فعادت أسمهان إلى مصر وحيدة في العام نفسه.
يُعتبر تعاون أسمهان مع الإنجليز موضوعاَ جدليًا، حيث ينظر إليه البعض على أنه عمل وطني، اتفاق سياسي ذو أهداف وطنية تتعلق باستقلال سورية، لكن هناك من يتعامل مع هذا التعاون على أنه عمل جاسوسي، الهدف منه المال فحسب، كما يستشهد الذين يتهمونها بالجاسوسية بمحاولتها الاتصال بالألمان للحصول على المال بعد أن تخلى عنها الإنجليز، إضافة إلى ميولها لحياة الترف والبذخ، حيث كانت تحب السهر، إضافة إلى أنها كانت مسرفة في شرب الكحول والتدخين، لكن الدوافع الحقيقية لأسمهان تبقى خفية لا يمكن البت بشأنها.
موت طبيعي أم اغتيال؟
بعد عودة أسمهان إلى مصر، تزوجت من أحمد سالم، وبدأت تصوير فيلمها الأخير (غرام وانتقام)، إلا أن العلاقة بينهما لم تكن بأحسن حالاتها، حيث نشب خلاف كبير بين الزوجين في إحدى ليالي صيف عام 1944، وتطور الشجار بينهما، فقام سالم بإشهار مسدسه، إلا أن الجيران كانوا قد اتصلوا بالشرطة عندما سمعوا الصراخ، فحدث شجار بين سالم والشرطة انتهى بإطلاق أحد عناصر الشرطة النار باتجاه أحمد سالم، فأصيب في صدره، وتم نقله إلى المستشفى، على الرغم من أن الرصاصة لم تقتل سالم، إلا أنها سببت له مشاكل صحية أودت بحياته فيما بعد عام 1949.
بعد أيام قليلة من هذا الشجار، اتجهت أسمهان من القاهرة إلى منطقة رأس البر للاستجمام، ويُرجح أنها كانت ذاهبة إلى الصحفي محمد التابعي الذي كان مقيمًا هناك، في الطريق انحرفت السيارة وسقطت في النيل، فغرقت أسمهان ووصيفتها التي ترافقها، في الساعة العاشرة صباحًا في الرابع عشر من يوليو/ تموز عام 1944.
لم يمر موت أسمهان بسلام بالنسبة للكثيرين، فقد أشارت أصابع الاتهام إلى العديد من الجهات والأشخاص الذين لهم مصلحة في قتل أسمهان، حيث تم اتهام المخابرات البريطانية باغتيال أسمهان خوفًا من أن تعاود الاتصال بالألمان، كما اتُهمت كوكب الشرق أم كلثوم بالوقوف وراء الحادث بدافع الغيرة من أسمهان، والخوف من أن تخطف الأضواء منها، من جانب آخر هناك من أصر على أن الحادث لم يكن مدبرًا، بل مجرد حادث قضاء وقدر.
أخيرًا. مهما يكن، فإن الحياة القصيرة التي عاشتها أسمهان نحو ستة وعشرين عامًا، لم تكن حياة عادية، بل حياة أثرت في مسيرة الأحداث السياسية في العالم، كذلك في مسيرة تطور الموسيقى العربية، كما تم إنتاج مسلسل تلفزيوني عن أسمهان من إنتاج مؤسسة فراس إبراهيم للإنتاج عام 2008، لعبت فيه دور أسمهان الممثلة السورية سلاف فواخرجي، وأخرجه شوقي الماجري.
أغاني اسمهان: (18 أغنية)
محمود سامي