امويون(في مشرق)
Omayyad - Omeyyades / Umayyades
الأمويون
ينتسب الأمويون بفرعيهم السفياني والمرواني إلى أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وهو أحد بطون قريش المشهورة، وكانت لأولاد عبد مناف: عبد شمس ونوفل والمطلب وهاشم رئاسة قوافل قريش إلى بلاد الشام واليمن والحبشة وفارس، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم في سورة قريش: )لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف( (1 و2) وإلى هذا النشاط التجاري يعزو المؤرخون غنى أولاد عبد مناف.
الدولة الأموية في المشرق
علت مكانة الأمويين في خلافة عثمان بن عفان فهو أموي من بني عبد شمس بن عبد مناف، وقد اعتمد على بني أمية وجعلهم ولاة على الولايات المهمة في الدولة أو مستشارين له، وكان معاوية بن أبي سفيان أعظم الولاة حظاً في خلافته، فقد جمع له عثمان الشام والجزيرة وثغورهما، وجعل له الولاية على الصلاة والحرب والخراج، أي منحه سلطة واسعة جداً وجعله مطلق التصرف في ولايته، وعندما بدأت الفتنة في زمن عثمان وقدم معاوية إلى المدينة مع من قدم من الولاة للاجتماع بالخليفة والمشاورة في أسباب السخط، وضَّح معاوية للمجتمعين التزام البيت الأموي في الدفاع عن الخليفة وعن حقوق البيت الأموي في الخلافة نفسها ونصح عثمان أن ينطلق معه إلى الشام. كان اقتراح معاوية بالانتقال إلى الشام يُظهر مدى اعتماد البيت الأموي على هذا الإقليم، ويمثل منحى جديداً في التطور السياسي الذي شهدته الدولة الإسلامية إذ ذاك، فقد أثبتت الحوادث أن بلاد الحجاز لم تعد المركز الذي تدار منه شؤون الدولة الإسلامية بعد أن اتسعت رقعتها وهاجر القسم الأعظم من القبائل منها وأقام في معسكرات في الأقاليم المفتوحة تحولت في العصر الأموي إلى مدن زاهرة، في حين تضاءلت أهمية الحجاز، ولذلك خرج علي بن أبي طالب بعد توليه الخلافة ومقتل عثمان غيلة إلى العراق واتخذ الكوفة مقرّاً له، وقد أيقن أن الخلاف بينه وبين معاوية لن ينتهي إلاّ بالحرب، ذلك أن معاوية ادَّعى أن الخليفة علياً تهاون في الاقتصاص من قتلة عثمان، وأنه، أي معاوية، وَليُّ عثمان ويعمل بقوله تعالى: )ومن قُتِلَ مظلوماً فقد جعلنا لِوَليّه سلطاناً فلا يُسرِف في القتل( (الإسراء 33) وأنه ينفّذ رغبة قومه من بني أمية الذين أغضبهم مقتل الخليفة عثمان.
جَرَت بين الخليفة علي بن أبي طالب ومعاوية مراسلات طويلة دار فيها نقاش بين الرجلين واحتجاج كل منهما لحقه في قيادة الجماعة الإسلامية، وبعد معركة صفين وقبول التحكيم، صار موقف علي ضعيفاً إذ اختلف الناس على علي بالعراق، وخرج عليه فئة من أتباعه وهم الذين عرفوا بالخوارج [ر. الشراة] في وقت ازداد فيه سلطان معاوية قوة، وبايعه أهل الشام بالخلافة، ثم وجَّه معاوية أنظاره إلى مصر لأهمية موقعها وعظم ثروتها، وفي صفر سنة 38هـ سيطر معاوية على مصر بفضل عمرو بن العاص وفي سنة 40هـ استولى بسر بن أرطاة قائد معاوية على الحجاز واليمن، وجرَت في السنة نفسها المهادنة بين علي ومعاوية على أن تضع الحرب أوزارها بينهما فيكون لعلي العراق ولمعاوية الشام، وهذا يعني إقرار علي بحق معاوية، ووجود خليفتين في آن واحد، ولكن هذا الأمر لم يطل إذ قُتل علي بن أبي طالب في 17 رمضان سنة 40هـ ولم يستطع ابنه الحسن الذي بايعه أهل العراق خليفة بعد أبيه أن يتابع قتال الأمويين بسبب ضعف أهل العراق وعدم اطمئنانه إليهم ومن ثم دخل في مفاوضات انتهت بنزوله عن الخلافة لمعاوية.
بانتقال الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان في عام 41هـ /661م الذي اتفق المؤرخون على تسميته بعام الجماعة لاتفاق كلمة المسلمين، بدأ عصر جديد من عصور الحكم في الدولة العربية الإسلامية هو العصر الأموي وغدت الشام الولاية المركزية، واتخذ معاوية من دمشق عاصمة له، بسبب موقعها المتوسط وعراقتها في الحضارة، وبقيت العاصمة الرسمية للدولة حتى خلافة مروان بن محمد[ر] (127 - 132هـ/744 - 750م ) آخر خلفاء بني أمية الذي نقل بيوت الأموال والخزائن إلى حرَّان في الجزيرة.
انتقال الخلافة من الفرع السفياني إلى المرواني
استمرت الخلافة في الأسرة السفيانية حتى وفاة يزيد بن معاوية في ربيع الأول من عام 64هـ/683م وموت ابنه معاوية بن يزيد بعد أربعين يوماً من ولايته، وكان من نتيجة شغور منصب الخلافة، انتشار الفوضى وظهور الفتن واستشراء أمر العصبية في الأقاليم العربية والعجمية على حد سواء، بما في ذلك الشام التي اضطربت فيها الأمور لعدم وجود شخصية قرشية بارزة يمكنها أن تستميل ولاء أهلها، لذلك اتجهت الأنظار كلها في بادئ الأمر إلى عبد الله بن الزبير في الحجاز لأنه «شخص كامل السن وابن حواري رسول اللهr وابن بنت أبي بكر أسماء ذات النطاقين» وانقاد لابن الزبير جل الأقطار التي كانت تحت سلطان بني أمية، حتى إن مروان بن الحكم نفسه رأى في بادئ الأمر أن ينطلق إلى ابن الزبير فيبايعه، ولكن عبيد الله بن زياد حال بينه وبين ذلك وأقنعه بتولي الخلافة لأنه كبير قريش وسيدها. وكان نفر من أهل الشام من رؤوس قريش من بني أمية ومن أشراف الشام راضين بمبايعة عبد الله بن الزبير، ولكنهم يجدون صعوبة في تقبل فكرة انتقال مركز الخلافة من الشام إلى الحجاز التي أبى عبد الله بن الزبير مغادرتها، وهذا ما رجّح كفة مروان بن الحكم، وكانت القبائل اليمنية في الشام تميل إلى البيت السفياني وكذلك حسان بن مالك بن بحدل أمير الأردن وسيد بني كلب، ولكن أهل الأردن رفضوا أن يكون الأمر لابني يزيد بن معاوية عبد الله وخالد لحداثة سنهما وكرهوا أن يأتيهم الناس بشيخ ويأتوهم بصبي، ولذلك قرر الأمويون عقد مؤتمر لهم في الجابية (جنوبي غرب دمشق) حيث أجمع رأيهم على مبايعة مروان بن الحكم على أن يخلفه خالد بن يزيد بن معاوية، وأن تكون الخلافة من بعدهما لعمرو بن سعيد بن العاص الملقب بالأشدق، ولكن الضحاك بن قيس الفهري والي دمشق لم يقبل بهذا الرأي ومال بمن معه من الناس إلى ابن الزبير ونزل مرج راهط (بنواحي دمشق) حيث لقيه مروان بن الحكم بعد مبايعته في الجابية وجرَت معركة بينهما استمرت نحو عشرين يوماً، وكان النصر فيها لمروان بن الحكم وقُتل الضحاك بن قيس وكثير ممن كان معه من أهل الشام من قيسية ويمنية.
كانت النتيجة البارزة لمعركة مرج راهط اجتماع كلمة أهل الشام على مروان الذي جَرَت له في دمشق في أوائل سنة 65هـ بيعة ثانية أوسع وأضخم من الأولى، أما النتيجة الثانية فقد كانت انتقال الخلافة إلى فرع جديد في الأسرة الأموية هو الفرع المرواني، إذ إن مروان عمل جاهداً إثر وصوله إلى منصب الخلافة للإبقاء على سلطانه وتوريث هذا السلطان لأولاده فأخذ البيعة من بعده لابنيه عبد الملك ثم عبد العزيز، ويعد عبد الملك بن مروان (65ـ86هـ/685ـ705م) المؤسس الثاني للدولة الأموية، تولى الخلافة والدولة العربية الإسلامية منقسمة على نفسها، فابن الزبير أعلن نفسه خليفة للمسلمين، والشيعة ثائرون، والخوارج متمردون، ولكنَّ عبد الملك استطاع أن يمسك بزمام الأمور في البلاد ويخضعها لسلطانه، وفي سنة 85هـ وبعد وفاة أخيه عبد العزيز بن مروان، عهد عبد الملك بالخلافة إلى الوليد بن عبد الملك (86 - 96هـ/705 - 714م) وإلى سليمان من بعده، واستخلف سليمان (96 - 99هـ/714 - 717م) عمر بن عبد العزيز (99 - 101هـ/717 - 719م) على أن تكون الخلافة من بعده لأخيه يزيد بن عبد الملك وكان يزيد (101 - 105هـ/719 - 723م ) يريد جعل ابنه الوليد ولياً للعهد ولكنه كان صغير السن ولا يستطيع تحمل أعباء الخلافة، ولذلك عهد بالخلافة إلى أخيه هشام بن عبد الملك على أن تكون الخلافة من بعده إلى ابنه الوليد. وقد طالت مدة هشام (105 - 125هـ/723 - 742م) فكانت نحو عشرين عاماً وبوفاته انطوت مرحلة من مراحل التاريخ الأموي، مرحلة ظلت الخلافة فيها وطيدة الأركان والدولة سليمة مصونة، لكن ما إن بويع للوليد بن يزيد على الخلافة حتى دخلت الدولة في مرحلة الاحتضار، وكان لسلوك الخليفة الوليد (125 - 126هـ/742 - 743م) ولسياسته أكبر الأثر في التدهور الذي أصاب الدولة إذ انصرف إلى اللهو والعبث وانغمس في حمأة الصراع القبلي فتعصب للقيسية على اليمانية مما أتاح الفرصة أمام خصومه من البيت الأموي للتحالف مع اليمانية والتشهير به، وتزعَّم يزيد بن الوليد بن عبد الملك حركة المعارضة اليمنية مع الناقمين على الخليفة فاستولى على دمشق ثم هاجم مقرَّ الخليفة في البخراء (في أطراف بلاد الشام) حيث قتل الوليد سنة 126هـ.
لم يهنأ يزيد بن الوليد بالخلافة سوى ستة أشهر، وأوصى بالخلافة من بعده لأخيه إبراهيم، ويبدو أن أمر الخلافة لم يتم له فقد «كان يسلَّم عليه جمعة بالخلافة وجمعة بالإمرة، وجمعة لا يسلمون عليه لا بالخلافة ولا بالإمرة». في هذا الاضطراب ظهر مروان بن محمد والي أرمينية وأذربيجان منذ سنة 114هـ، فاتخذ من مقتل الخليفة الوليد بن يزيد ذريعة للثورة والمطالبة بالخلافة تحت شعار المطالبة بدم الخليفة المسفوك، واعتمد في ثورته على تأييد القبائل القيسية التي كانت قد شقت عصا الطاعة على يزيد بن الوليد وأخيه إبراهيم وتمكن مروان من دحر القوات التي أرسلها إبراهيم لمحاربته ودخل دمشق وأعلن نفسه خليفة، فبايعه الناس سنة 127هـ/744م .
تعليق