الف ليله وليله
The Thousand and One Nights - Les mille et une nuits
ألف ليلة وليلة
حكايات شعبية جمعت في كتاب، وصل إلينا مدوناً يحمل خصائص الأدب الشعبي الذي يتوجه إلى السامعين ليمتعهم بالأسمار، فيروي الأحداث ويمزج فيها الواقع بالأسطورة والحقيقة بالغرائب والعجائب.
ويتداخل الزمان والمكان في حكايات ألف ليلة وليلة مثله في ذلك مثل الحكايات الأسطورية، وتحكي قصصاً من التاريخ والعادات وأخبار الملوك وعامة الناس، وعن العيارين واللصوص والمستغلين، كما تتحدث عن الجن والعفاريت والمردة، وفيها قصص على ألسنة الحيوانات. وتمثل الحكايات بيئات الرافدين وحاضرتها بغداد في العهد العباسي، ومصر وبلاد الشام في العهد الفاطمي وما بعده. ويبدو أن تسمية الليالي بألف ليلة سببها رواية الحكايات على ليال متتالية تمتد زمناً طويلاً، وقد تعزى إلى تفاؤل العرب بلفظ ألف.
أصل الكتاب
ليس من اليسير على الباحث معرفة مؤلفي حكايات هذا الكتاب وما قام به كل منهم، ومما لا شك فيه أن ما نعنيه بالكتاب لا يجري مجرى التأليف على النحو الذي نقصده اليوم، ذلك أن القاص، وإن كان ينقل الحكايات شفاهاً إلى مستمعيه، فقد كانت له نسخته المدونة التي كان يروي حكاياتها بأسلوبه الخاص، ولهذا نقل القصاصون الحكايات وفق لهجاتهم المتعددة، وعصورهم المختلفة، وأقطارهم التي كانت تسرد فيها الحكايات.
وقد اتفق أكثر دارسي كتاب ألف ليلة وليلة، من العرب والمستشرقين، على أنه يمكن تقسيم أصول الكتاب إلى مجموعات من الحكايات على الوجه التالي:
المجموعة الأولى: وتضم مقدمة هي أصل الكتاب ونواته، وهي أقاصيص هندية وفارسية تسمى هزار أفسانة (ألف خرافة) ويستدل على ذلك بما أورده كل من المسعودي وابن النديم، فقد جاء في مروج الذهب للمسعودي (ت346هـ) حين عرض لأخبار شدّاد بن عاد ومدينة إرم ذات العماد: «أنّ هذه أخبار موضوعة، في خرافات مصنوعة، نظمها من تقرّب من الملوك بروايتها، وأن سبيلها سبيل الكتب المنقولة إلينا والمترجمة من الفارسية والهندية والرومية، مثل كتاب هزار أفسانة، وتفسير ذلك بالفارسية ألف خرافة، والناس يسمون هذا الكتاب ألف ليلة».
ويأتي بعده ابن النديم (ت385هـ) فيذكر في الفهرست في المقالة الثامنة من الفن الأول من أخبار المسامرين والمخرّفين (أي الذين يروون الحكايات الخرافية) وأسماء الكتب المصنفة في ذلك ما نصّه عن محمد بن إسحاق: «أول من صنف الخرافات وجعل لها كتباً وأودعها الخزائن وجعل بعض ذلك على ألسنة الحيوان الفرسُ الأُوَل، ونقلته العرب إلى اللغة العربية، وتناوله الفصحاء والبلغاء فهذبوه ونمقوه وصنفوا في معناه ما يشبهه، فأول كتاب عمل في هذا المعنى كتاب هزار أفسان، ومعناه ألف خرافة، وكان السبب في ذلك أن ملكاً من ملوكهم كان إذا تزوج امرأة وبات معها ليلة، قتلها من الغد، فتزوج بجارية من أولاد الملوك ممن لها عقل ودراية يقال لها شهرزاد، فلما حصلت معه (تزوجته) ابتدأت تخرّفه (تروي له حكايات مشوقة) وتصل الحديث عند انقضاء الليل بما يحمل الملك على استبقائها، ويسألها في الليلة الثانية عن تمام الحديث، إلى أن أتى عليها ألف ليلة، ورزقت منه ولداً فأظهرته، وأوقفته على حيلتها عليه فاستعقلها ومال إليها واستبقاها، وكان للملك قهرمانة يقال لها دينار زاد فكانت موافقة لها على ذلك»، ثم يقول ابن النديم: «والصحيح أن أول من سمر بالليل الاسكندر، وكان له قوم يضحكونه ويخرفونه واستعمل لذلك بعده الملوك هزار أفسان ويحتوي على ألف ليلة وعلى دون المئتي سمر، لأن السمر ربما حدث في عدة ليال، وهو بالحقيقة كتاب غثّ بارد الحديث».
وهكذا نرى أن المؤرخَيْن متفقان على وجود كتاب في العربية منقول عن هزار أفسانة الفارسي، وأن اسمه كان ألف خرافة وترجم باسم ألف ليلة، وإن كان بين المؤرخَيْن بعض الاختلاف في رواية تفاصيل قصة شهرزاد.
وتشمل قصص هزار أفسانة، أو نواة ألف ليلة، إضافة إلى حكاية شهرزاد، حكاية التاجر مع العفريت، وحكاية الصياد مع العفريت، وحكاية حسن البصري، وحكاية الحصان المسحور الأبنوسي، وحكاية باسم وجوهرة السمندلية، وحكاية أردشير وحياة النفوس، وحكاية قمر الزمان ابن الملك شهرمان والأميرة بدور، وحكاية سيف الملوك وبديعة الجمال.
وفي الفارسية بعض الحكايات التي تقابل هذه الحكايات، غير أن الدارسين اختلفوا في الأصل الفارسي لبعضها وأرجعوه إلى أصل هندي كقصة شهرزاد التي بنيت عليها الليالي، مستدلّين على ذلك بقصص يشبه الباعث الأول لتأليفها، وهو اكتساب الوقت وثني المتهور عن عزمه، بقصص هندية تدور حول الباعث نفسه كقصة «سوكا سابتاتي» التي تدور حول حكاية ببغاء ذكية تحول بين زوجة صاحبها وبين خيانتها لزوجها المسافر بأن تشغلها بسرد قصص لا تتمها في ليلتها، وتختمها دائماً بقولها: سأقص بقية القصة غداً إذا بقيتِ في البيت، وهكذا تغريها بالبقاء وعدم الخيانة حتى يعود زوجها.
ويضاف إلى ذلك أن الحكايات الهندية تكوّن سلسلة متماسكة الحلقات متعاقبة الخطوات، يتصل بعضها ببعض، فتستدعي الحكاية رواية حكاية أخرى، ومن لوازمها أن يقول القاص الهندي للسامع في ذكر أحداث قصته: لا تفعل ذلك وإلاّ أصابك ما أصاب فلاناً، فيسأل السامع بعبارة: وكيف كان ذلك؟ فيجيب القاص برواية أخرى. ونجد أحياناً هذا الأسلوب في ألف ليلة وليلة.
والحكايات في أوائل جميع النسخ المخطوطة والمطبوعة من الكتاب تمثل هذه الطريقة التي قام عليها هيكل الكتاب، وتحمل السمات القديمة للحكايات الشعبية الهندية التي وجدت طريقها إلى الفارسية ثم إلى العربية عن طريق الترجمة في أيام العصر العباسي الأول، وإن أصاب الحكايات كثير من التبديل والتغيير والتهويل والتكرار.
ثم تجمعت حول هذه الحكايات ـ نواة ألف ليلة ـ حكايات عربية مختلفة، وامتدّ ذلك ما بين القرنين الرابع والعاشر الهجريين، وفي هذه الحكايات أقسام واضحة تؤلف المجموعتين البغدادية والمصرية.
المجموعة البغدادية: وتشمل هذه المجموعة حكايات شعبية عربية قديمة متوارثة كانت تتناقلها الأجيال وحكايات عربية ألفها المسلمون في العصر العباسي وحوادث وسيراً تاريخية. ويذكر ابن النديم أنّ الجَهْشياري صاحب كتاب الوزراء: «ابتدأ بتأليف كتاب اختار فيه ألف سمر من أسمار العرب والعجم والروم وغيرهم. كل جزء قام بذاته، لا يعلق بغيره، وأحضر المسامرين وأخذ عنهم أحسن ما يعرفون ويحسنون، واختار من الكتب المصنفة في الأسمار والخرافات ما يحلو بنفسه، فاجتمع له من ذلك أربعمئة ليلة وثمانون ليلة، كل ليلة سمر تام يحتوي على خمسين ورقة وأقل وأكثر، ثم عاجلته المنية قبل استيفاء ما في نفسه من تتميمه ألف سمر» ويضيف ابن النديم: «وكان قبل ذلك ممن يعمل الأسمار والخرافات على ألسنة الناس والطير والبهائم جماعة منهم عبد الله بن المقفع وسهل بن هارون وعلي بن داود». كما يذكر ابن النديم كتباً كثيرة، مؤلفة أو مترجمة من كتب الأسمار، عرفها العرب في أيام خلفاء بني العباس، ولاسيما في أيام المقتدر بالله (حكم 295 - 320هـ) ويذكر أن الأسمار والخرافات كان مرغوباً فيها مشتهاة، فصنّف الورّاقون فيها وكذبوا.
وقد تجمّعت هذه الحكايات في مدى القرنين الرابع والخامس للهجرة، مما أثر عن الرواة ودوّن في الكتب، وأضيف إليها حوادث تاريخية دخلتها زيادات وتعديلات فضلاً عن كثير من سير الشعراء والأشخاص الذين عاشوا في زمن العباسيين كأبي نواس وأبي دلامة، واستغلت تلك الحكايات والأخبار استغلالاً متنوع الغايات. وأشهر حكايات هذا القسم: حكاية علي بن بكار وشمس النهار، وحكاية أنس الوجود والورد في الأكمام، إلى غير ذلك من الحكايات التي يصوّر أكثرها المحبين وما يلاقون في حبهم، كما تصوّر حياة النعيم والترف، وتبيّن ما وصلت إليه الحضارة في بغداد والبصرة من ترف وأبّهة، وتشهد على الغنى في الأسواق، وتمثل الجواري في المقاصير، وتجعل من الرشيد مثالاً للعدل والصلاح.
المجموعة المصرية من الحكايات: يرى كثير من الباحثين في الأدب أن صورة كتاب ألف ليلة وليلة عرفت طريقها إلى مصر نحو منتصف القرن الخامس الهجري، وأنها ظلّت تزاد على مرّ الزمن وتنمو، فتكوّنت المجموعة المصرية الجديدة التي هي أكبر أقسام ألف ليلة وليلة، وفيها كُررت موضوعات بعينها أو قصص صغيرة، وإن تغيرت أسماء أبطالها ثم أُلفت قصص جديدة. وتضم هذه المجموعة ما كتب من القصص في مصر أو بلاد الشام، لاتصال البلدين بصلة وثيقة أيام الفاطميين ثم المماليك والعثمانيين، وقد تألفت هذه القصص ما بين القرنين الخامس والعاشر الهجريين من القصص العربية والتقاليد الإسلامية والأساطير الشرقية.
ويشير المَقَّري (ت1041هـ) في نفح الطيب إلى أن ابن سعيد الأندلسي الغرناطي (615-685هـ) يذكر في كتابه «المحلى بالأشعار» ما يدل على أن كتاب ألف ليلة وليلة كان شائعاً ومعروفاً في مصر في القرنين الخامس والسادس الهجريين.
تتألف قصص ألف ليلة وليلة في المجموعة المصرية من قسمين: قسم قديم ينتهي في القرن الثامن الهجري، وقسم حديث ينتهي في القرن العاشر الهجري.
أما القسم القديم فحسن الأسلوب مطّرد السياق مهذب العبارة، يدور حول المغامرة والحرب وتعارض الأخلاق وتضارب العواطف، وتعتمد القصص فيه على الطلاسم والأرصاد والجن والسحر والقدر، كحكاية «جودر التاجر وإخوته»، وحكاية «مسرور التاجر مع معشوقته زين المواصف»، وحكاية «علي شار مع زمرد الجارية».
أما القسم الثاني من الحكايات المصرية فأكثره ركيك الأسلوب جريء العبارة، تدور أحداثه حول حيل المحتالين ومكايد العيّارين ومخاطر اللصوص، إلى جانب قصص التصوف والزهد السائدين في المجتمع المصري آنذاك، وأشهر حكايات هذا القسم حكاية «معروف الإسكافي» وحكاية «أبي قير وأبي صير» وحكاية «مدينة النحاس» وحكاية «علي الزيبق ودليلة المحتالة» وحكاية «زينب النصابة» وحكاية «الرجل الصعيدي وامرأته الإفرنجية».
مجموعة القصص التي أضيفت كاملة إلى كتاب ألف ليلة وليلة: وهذه القصص ترد في نسخ من دون الأخرى، وكانت إضافتها ليبلغ عدد الليالي الألف، كما يدلّ على ذلك عنوان الكتاب، وأشهر هذه القصص قصة «السندباد».
مجموعة الأخبار: وهي الأخبار المنتزعة من التاريخ الماضي والتاريخ المعاصر لتلك القصص عن عجائب البلاد والخلق وأخبار الملوك وآدابهم.
تعليق