نَيروز ورحلة التقاعد
د.حسن الخضيري
لا يحبُّ ويليام كيميج "طبيب الباطنة في نظام هنري فورد الصحي في ديترويت"، البالغ من العمر سبعين عامًا؛ التفكيرَ فيما سيأتي، لقد تجاوز كيميج متوسط سنّ التقاعد للأطباء، لكنه لا يزال يعمل 55 ساعة أسبوعيًّا، ولم يحدّد موعدًا للتوقف عن ممارسة المهنة، ويقول: إنه لا يحب أن يفكر في الحياة كمتقاعد، فهو يرى أن أحد الأشياء الأكثر إرضاءً وروعة التي يمكن القيام بها هو أن تكون طبيبًا".
وفقًا لمقالة افتتاحية نُشرت في jama: فإنّ عدد ونسبة الأطباء المسنّين في الولايات المتحدة قد شكلوا تحدّيًا فريدًا للعصر الطبي الحالي، "43% من جميع الأطباء تزيد أعمارهم على 55 عامًا، و15% فوق 65 عامًا، تضاعف عدد الأطباء الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا أو أكثر في جميع أنحاء البلاد ثلاث مرات بين عامَي 1980 و2016، من 23000 إلى 73000، وفي كل عام يبلغ 20 ألف طبيب إضافي سن 65 عامًا".
فرانك ستوكديل -دكتور في الطب، حاصل على دكتوراه، يبلغ من العمر 86 عامًا، وهو طبيب أورام ممارس في جامعة ستانفورد للصحة- يعتبر نفسه في المعسكر المعارض للتقييمات على أساس العمر. يقول: "إنه تمييز على أساس السنّ"، مضيفًا: "يتلقّى الأطباء التقييمات طوال حياتهم المهنية كجزء من عملية الاعتماد، وليس هناك حاجة لتغيير ذلك مع وصول الأطباء إلى سن معينة".
تتوقّع الجمعيةُ الطبية الأمريكية ama، نقصًا في الأطباء يصل إلى ما يقرب من 40.000 بحلول عام 2034، وهذا يعزّز الحججَ الداعية لإبقاء الأطباء الحاليين يمارسون المهنة لأطول فترة ممكنة، وقد يجعل المؤسسات أقلّ عرضة للنقص.
يوم أنْ بلغ الدكتور نيروز الستين "ما يزال في عنفوان شبابه وعز عطائه" وصلته رسالة مفادها: لقد بلغت الستين وأَزف التقاعد وَحانَ الوقت أَن تُفَارق، لقد أَظَلَّك الخَطبُ الجَليلُ فَتَأَهَّب للرحيل ولا يَلعَب بِك الأَمَلُ الطَّويلُ، وعليك الساعة أن تلملم جروحك وتنسحب، ما لك نصيب بالتمديد، ونرجوك اقبل عذرنا فهذي الحياة وهذا حكم أقدارها.
يصعب على الطبيب أنْ يودع المهنة لأنها شكّلت جزءًا من حياته، ولأن الحبّ المتبادل معها ومع المرضى والمراجعين أصبح مصدر رضاه وسعادته، ناهيك عن فقدان التفاعلات الاجتماعية في العمل، فقدان الهدف، الشعور بالملل والوحدة والاكتئاب، والتي عادة ما تصاحب الكثير من المتقاعدين إن لم يبحثوا عن البدائل قبل تقاعدهم.
طالب الأطباء، ويطالبون، بتمديد سنّ التقاعد لـ65، وربما سُمع لأمنياتهم وتحقّقت بعضُ أحلامهم، وكان الشكر والتقدير والثناء على جهودهم بصدور قرار مجلس الوزراء بشأن منح الوزير المختصّ صلاحية تمديد خدمة الطبيب الاستشاري بعد بلوغه سنّ التقاعد المدني حتى سن السبعين عامًا، وفق الشروط الواردة بالمرسوم الملكي.
الجميع على يقين تامّ بأنّ معاليه لن يتوانى في التمديد لأي طبيب يحتاجه المستشفى طالما توافرت فيه الشروط المطلوبة؛ ومنها أن يكون التمديد بشكل سنوي، وأن يكون لائقًا طبيًّا، والحاجة للتخصص، ورخصة المزاولة سارية المفعول، وأن يكون ممارسًا لعمله الإكلينيكي.
الإشكالية أن موافقة معاليه مبنية على ما يصله من مدير الطبيب المباشر، وهنا قد لا يخضع التمديد للشروط والمواصفات المطلوبة، بل ربما يتعدّى الأمر إلى إضافة شرط جديد ومهم، بل قد يكون أساسيًّا دون اعتبار للشروط الأخرى، وهو علاقة الموظف بالمدير ومدى رضا وحبّ سعادته للطبيب طالب التمديد؛ لذا أعتقد أنّ وضع الشروط والمعايير في النظام وعدم ربطها بشخص أو مسؤول؛ أولى وأجدر بحيث يتمّ التمديد آليًّا ودون الاتصال بصديق.
الخاتمة..كونك طبيبًا؛ فهذا جوهر هويتك، وقد تشعر بالقلق بمجرد التفكير بأنك ستتوقّف عن العمل، ستفقد التفاعل مع المرضى.